قام العالم الإسلامي ولم يقعد بسبب الكتاب الشيطاني الدنس لسلمان رشدي، الذي أدمى قلوب ملايين المسلمين بصورة لم يسبق لها مثيل. ولقد عبَّر المسلمون شرقًا وغربًا عن استيائهم الشديد نحو هذا الهجوم الشرس على شخصياتهم المقدسة، وخاصة على سيدهم وحبيبهم المصطفى ، وذلك بمختلف الأساليب والطرق.
وبطبيعة الحال فقد تفطرت أيضًا قلوب المسلمين الأحمديين على هذا الهجوم النجس اللعين، وسالت عيونهم دمًا، حزنًا وغيرة على كرامة حبيبهم وسيدهم وخير المرسلين محمد المصطفى .
ولكي تدرك أيها القارئ الكريم، مدى حزن المسلم الأحمدي، وتعرف كيف يريد التعبير عن حزنه واستيائه في هذا الوقت العصيب، وكيف يخطط للدفاع عن عرض حبيبه محمد المصطفى ، إليك هذه السطور التي هي ملخص لخطبتين طويلتين تاريخيتين ألقاهما إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية، الخليفة الرابع للمسيح الموعود مرزا طاهر أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز في 24/2/1989م و 3/3/1989م بمسجد “الفضل” لندن. (التقوى)
بقراءة هذا الكتاب الشيطاني يدرك القارئ على الفور أن هذا العمل الشيطاني لم يقم به فرد واحد، وإنما هو مؤامرة خطيرة نسج أعداء الإسلام خيوطها بكل مكر ودهاء. والحق إن جذور هذه المؤامرة تمتد بعيدًا في التاريخ، ولا بد من ذكر هذه الخلفية التاريخية.
إن المستشرق المعاصر يهاجم الإسلام بخداع ودهاء بحيث يخيل إلى الناس أنه لم ينتهك حرمة الأخلاق، ولا يشعر كثير من المسلمين السذج بمكره وخداعه. فلا يدركون أن هذه الإساءات النجسة إلى الإسلام إنما هي صدى لتلك العداوة التي ناصبها المستشرقون ضده إبان القرون المظلمة. فالعداوة النجسة لا تزال مستمرة، ولكن الأساليب تطورت.
خلفية المؤامرة
وعندما نمعن النظر في خلفية هذه العداوة نجد أن أصحابها المستشرقين كانوا قساوسة يخدمون المسيحية، وكل ما كتبوه عن الإسلام كان هجومًا شرسًا وكذلك واضحًا كل الوضوح. وكان أسلوب هجومهم عليه أنهم كان يختارون من مصادر ضعيفة روايات سخيفة ويذكرونها في كتبهم كحقائق تاريخية موثوق بها. فقد اقتبسوا ما كتبه الواقدي وما ذكره الطبري في حين غفلة من مرويات واهية ضعيفة لا أساس لها من الصحة، وأوهموا الناس أن ما ذكروه هو من كتب كبار المؤرخين المسلمين المشهورين لدى أهل الإسلام أيضًا بالصحة والدقة. وما قدموه ليس إلا محض التحقيق، والصورة الحقيقية للإسلام.
فالخيانة التي ارتكبها هؤلاء هي أنهم استخدموا في كتبهم كل ما ينال من الإسلام، ضاربين عرض الحائط النصوص القرآنية الصريحة، متناسين الروايات القوية التي تتعارض وموقف هؤلاء بكل صراحة، والتي وردت في أقوى وأصح المصادر الإسلامية، متعامين تمامًا عما كتبه المحققون الإسلاميون في كتب أسماء الرجال مما يكشف عن كذب وخداع وسوء أصحاب هذه الروايات المشوهة لوجه الإسلام.
إذن فكل ما كتبه هؤلاء القساوسة كان بمثابة خيانات خبيثة أخفوها في ثوب التحقيق غير المتعصب فيما يبدو.
ثم تطورت أساليب الهجوم بتغيير الظروف، فلما رأى المستشرقون القوة المتزايدة للعالم الإسلامي غيروا استراتيجيتهم، وبدأوا يشنون على الإسلام هجمات خفية لا يفطن إليها الناس بسهولة، وذلك بإثارة القضايا الإسلامية الحساسة لخداع الدول الإسلامية. وعلى سبيل المثال، فإنهم اهتموا بإثارة قضية قتل أهل الردة، وأيدوا بكل قوة أصحاب النظرية القائلة بأن كل من يذكر الشخصيات المقدسة لدى المسلمين بسوء يجب قتله، وكل من اختلف في العقيدة يجب قتله؛ ركزوا على ذكر قلة الصبر وضيق الصدر والتصور الخاطئ للغيرة الدينية والخروج على القانون وقمع كل رأي مخالف بالقوة، وأثبتوا للناس بخداعهم أن هذا هو تعليم الإسلام.
ولما كانت بعض الدول الإسلامية المعاصرة بحاجة إلى مثل هذه الأدلة لتبرير اضطهادهم الذي تستخدمه لنشر نفوذها، وكانت تريد أن يقدم تعليم الإسلام بهذه الطريقة الخاطئة لاستتباب حكمها، لذا اعتبرت هذه الأقوال المنافية لتعليم الإسلام الحقيقي تأييدًا لموقفها.
والواقع أن سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام قد أسدى إلينا في هذا الزمن أيادي بيضاء عديدة، ومن أهم هذه الأيادي أنه دحض بالأدلة الدامغة كل تلك الروايات الخاطئة التي تشوه صورة الإسلام أمام العالم، وتعرضه للناس كدين يأمر بسفك الدماء والعنف والبربرية، وأثبت للعالم أن تعليمه تعليم فطري تنجذب إليه القلوب تلقائيًا برؤية حسنه وجماله، ولا يحتاج لنشره إلى العنف إطلاقًا.
ولكن لما قدم حضرته الإسلام بهذه الصورة المشرقة عارضه المشائخ وأثاروا ضده في العالم ضجة كبرى، قالوا: إنه يقدم صورة مشوهة للإسلام.
والحق أن كل ما ذكره سلمان رشدي في كتابه الشيطاني إنما هو مأخوذ من هذه الروايات السخيفة التي رفضها المسيح الموعود ، والتي أصر عليها المشائخ، وأثاروا الرأي العام ضده.
لقد كانت مطالعة هذه الرواية الشيطانية في حد ذاتها تعذيبًا معنويًا شديدًا، لأن اللغة التي استخدمها صاحب هذه الرواية الشيطانية ضد النبي وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهم وغيرهم من الشخصيات المقدسة لغة بذيئة وسوقية للغاية.
إلا أنني أدركت أن هذا الكتاب ليس عملاً فرديًا، إذ أن شخصًا كسلمان رشدي الذي لا صلة له بالدين، وإنما نشأ في بيئة ملحدة، والذي بنفسه يعترف بجهله المطلق بالدين، أقول من مثل هذا الشخص لا يتوقع أبدًا أن يطلع بهذه الدقة الفائقة على النكات التي هاجم بها أعداء الإسلام خاصة، ويقدم خلاصة كل السموم التي نفثوها ضده خلال عدة قرون ماضية، والتي تتوافق مع مزاج الغرب حاليًا. وذلك في أسلوب دنيء يثير العواطف الجنسية، وينسج حكايات جنسية دنيئة حول شخصيات مقدسة. ومع ذلك ادعى أنه لم يكتب إلا رواية.
فلا شك أن سلمان رشدي ليس صاحب هذا الكتاب. إنه لم يبع إيمانه، إذ لا إيمان له، وإنما باع ضميره وروحه، مقابل مال قدمته له جهة من الجهات الثرية، كما يبدو من بعض البرامج التي عرضت على التلفاز.
ثم لما كان هذا الشخص ملحدًا لا دين له، لذلك قد تجرأ وتجاسر وتجاوز كل حدود للمروءة والأدب. ويبدو أن الجهة المستأجرة هي التي أمرته بتأليف الكتاب بهذا الأسلوب الدنيء لإزالة أي انطباع حسن في أذهان الغرب، وللحيلولة كلية بين الإسلام وبين ما يحقق في هذه الأيام من رقي وازدهار في الغرب مرة أخرى.
لقد ذكر في الكتاب أمر من المستحيل أن يفكر فيه صاحب الكتاب صدفة، لأنه أمر أساسي وهو المدار للخلاف بين المسيحية والإسلام، وهذا الأمر يختص بذات إسماعيل . فقد كان ولا يزال المسلمون يتمسكون بموقف أنه لما كان سيدنا محمد من أولاد إسماعيل ، فلا بد أن يكون شريكًا في الإرث الروحاني الذي وعد به سيدنا إبراهيم ، مصدقًا لهذا الوعد. أما المسيحيون فردوا على هذا أن أم إسماعيل السيدة هاجر لم تكن زوجة حقيقية لإبراهيم، وإنما كانت أمة أذنت سارة لإبراهيم بإنشاء علاقات زوجية معها. ومن ثم فأولادها لم يكونوا كأولاده من الزوجة الشرعية، أو على الأقل لا يستحقون أن يرثوه إرثًا روحيًا.
هذا النقاش لا يزال يدور بين المسلمين والمسيحيين، وتجدونه خاصة في كتب جماعتنا، وقد أفحمنا القساوسة المسيحيين في هذا الشأن بدحض أدلتهم الواهية السخيفة. وسلمان رشدي رغم هذا كونه رجلاً ملحدًا، لم يكن عدوًا للإسلام حتى يتوقع منه التعمق في دراسة الإسلام لدرجة يطلع بها على أمر حيوي أساسي يتوقف عليه نصر أو هزيمة الإسلام أو المسيحية. فلا شك أنه قد زود بالمواد والمعلومات لتأليف كتابه الشيطاني من قبل جهات مسيحية تريد القضاء على جذور الإسلام الممتدة في التاريخ إلى زمن سيدنا إسماعيل .
فهذا الشخص قد تحدث عن سيدنا إسماعيل بأنه ابن غير شرعي لإبراهيم عليهما السلام، وذلك بلغة دنيئة نجسة جدًا لا يمكن أن يتحملها الإنسان. إنه لم يهاجم الأنبياء الآخرين، وإنما سدد سهام الهجوم خاصة إلى النبي وإلى آبائه وإلى الشخصيات المقدسة لدى الإسلام.
ثم إنه اختار من الصحابة سيدنا سلمان الفارسي رضوان الله عليهم أجمعين ليجعله خاصة دريئة لسبه وبذاءته، وسبب اختيار سلمان الفارسي هو تلك العداوة الشديدة المستمرة بين الأمم الغربية وبين إيران، لأنهم يرون أن إيران رغم هزيمتها أمامهم، قد أبت أن تخضع أمام نفوذهم، ولا تزال تقاومهم وتوجه الضربات في وجوههم، وإن كانت هجماتها وضرباتها تدل على جهلها وغبائها. وهذا الإباء الإيراني لا يزال يثير حفيظة الغرب، وصار عذابًا مستمرًا لأنانيتهم. فيمكن أن يغفروا لأي أحد، ولكنهم لن يغفروا للخميني والإيراني.
ولما كان سيدنا سلمان الفارسي هو الإيراني الوحيد بين الصحابة الأجلاء، لذلك فقد هاجموه خاصة، لعلمهم أن النيل منه سوف يقطع قلوب المسلمين الإيرانيين خاصة، وهذا بالضبط ما حدث.
حقًا إنهم قد حاولوا النيل أيضًا من كرامة حضرة عائشة رضي الله عنها، ولكنهم كانوا على علم أن هذا لن يؤذي الشيعة، فاختاروا صحابيًا آخر هو سلمان الفارسي.
فاختيار سلمان الفارسي من بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يدل بكل وضوح على أن هذا الكتاب الشيطاني نتيجة لتخطيط دبر بكل دقة ودهاء، لتوجيه الضربة إلى الهدف بالضبط. فهذا الكتاب الشيطاني ليس كيسًا من النجاسة فحسب، وإنما قد ألقو هذه النجاسة في وجوه مقدسة، لكي تقلق وتضطرب وتتقطع قلوب المسلمين بكثرة، ولكن بحيث لا حول لهم ولا قوة للانتقام.
نواح أخرى للمؤامرة
منذ حوالي عقدين من الزمان يسير الغرب سيرة مزدوجة تبنى على النفاق، فهو من ناحية يقوم بمساندة الدول الإسلامية المتشددة في الدين الداعية إلى الجبر والإكراه في العقيدة، وذلك كي تستطيع هذه الدول الإسلامية بسبب نظرياتها الإسلامية المتشددة، مقاومة التيارات الاشتراكية والقضاء على القوى المعادية للغرب. ومن ناحية أخرى عندما تستخدم هذه الدول الإسلامية العنف والتشدد في الدين على رعاياها يسرع الغرب إلى نشر هذه المظالم في العالم تشهيرًا بسمعة الإسلام وتشويها لصورته. ويريد أن يستخدم المسلمون هذا العنف ضد بعضهم البعض، وليس ضد الدول المعادية للإسلام.
وإن الخميني قد حاول قلب هذا الوضع، ولكنه لسوء الحظ قد أخطأ في محاولته. فلم يفعل ما ينبغي أن يفعل، بل فعل ما تسبب في الإساءة إلى الإسلام، بدل أن ينفعه.
والواضح أننا لا نتفق مع الخميني فيما ذهب إليه من فتوى القتل، بل إننا نختلف معه حتى على أصول الشيعة الموجودة في كل فرقهم، ونقف في شأنها مع أهل السنة بكل قوة وشدة. ومع ذلك فإنه من مقتضى الصدق والتقوى أن نعترف بكل قول حق. وعندي أن الخميني أمين فيما يقول، وإن كان مخطئًا فيما يزعم. لا شك أنه قد أساء إلى الإسلام بسبب تشدده في الدين، ولكننا لا نستطيع القول أنه منافق ذو وجهين. فقد عمل بالفعل بالإسلام الذي يراه إسلامًا، حتى تسبب في سفك الدماء وإزهاق الأرواح بلا حدود ولا حساب، وأشعل بين إيران والعرب حربًا أهدرت فيها أموال العالم الإسلامي كالماء لشراء أسلحة قديمة عقيمة الجدوى من الغرب، يصل قدر المبلغ الذي أنفقت على شرائها أربع مائة مليون دولار، وهذا مبلغ هائل لدرجة أن الإنسان يفقد صوابه لو أراد حسابه. وهذا غير ما أضاعه العرب في الحرب من أموال وأرواح.
فالحق أن الخميني قد أحسن إلى الغرب. فأين ذهبت هذه الأموال الهائلة. بلا شك إن الغرب استولى عليها. ثم لم يهلك بهذه الأسلحة إلا المسلمون فمن الذي يعاديه الغرب، إنه المسلم بلا شك:
إلا أن الغرب لم تهدأ ثورته إلى الآن، لأن الخميني قد أرغم أنوفهم وداس أنانيتهم تحت قدميه. إنني بكل شدة وبكل قوة أختلف مع الخميني على نظرياته، لأنه ظلم نفسه، وظلم شعبه، وظلم المسلمين، وظلم الإسلام. ومع ذلك فإنني مضطر لأقول الحق، والحق يقال، بأنه لم يخضع أمام ما رآه باطلاً. وهذا مما يقيم الغرب ويقعدهم، وهذا هو التعذيب النفسي الذي ربما لم يعذب به الغرب منذ قرون. لذلك فهم ليسوا مستعدين ليغفروا له هذا الذنب.
التعليق على ردود فعل الغرب
إن الخميني عندما أفتى بقتل سلمان رشدي على هذا الكتاب الشيطاني النجس، أبدى الغرب رد فعل غير متوازن وعنيف للغاية. فمن ناحية أنهم وجدوا فرصة سنية للتشهير بسمعة الإسلام، ومن ناحية أخرى أثاروا في كل العالم ضجة أن حرية إبداء الرأي حق مقدس في الحضارة الجديدة، ولا نستطيع السكوت على الهجوم على هذا الحق.. من ذا الذي يتجاسر على تجريح البدن بسبب جراحات اللسان، ومن ذا الذي يهدد بقتل مواطن من بلدنا. فإن اتحاد الغرب بهذه الصورة ورد فعل أوروبي بهذا الشكل، ثم المساندة الأمريكية بهذه الشدة، وقطع العلاقات مع إيران وسحب السفراء منها فجأة، كل هذا مما يدعو للاستغراب والحيرة.
والحال أن أعداء المسلمين الأحمديين في هذا البلد كانوا أعلنوا عن نواياهم بقتل الأحمديين في الجرائد، حتى أنهم أعلنوا تقديم جائزة مالية قدرها 40 ألف إسترليني لمن يقتلني أنا. ولكن أصحاب السلطة في هذا البلد لم يعبئوا بذلك ولم يحركوا ساكنًا. وإن أحدًا ويسمونه عالمـًا، قد أدلى ببيان قبل أيام قال فيه: يجب قتل كل أحمدي. وقد نشر هذا الخبر في الجرائد. ولما أبلغ أحد الأحمديين هذا الخبر إلى Home Office جاء الرد منهم: إننا إلى حد الآن لم نر بأن احدًا ارتكب جريمة بهذا التهديد للقتل.
فالشعب الذي لا يبالي بتهديدات قتل جماعة، وليس لقتل فرد واحد، جماعة بريئة لم ترتكب جريمة، ولم تخل بأمن، ولم تجرح مشاعر أحد، أقول إن مثل هذا الشعب إذا تشدد في رد فعله على فتوى قتل يصدرها الخميني ضد شخص مجرم دنيء، فإنه إن دل على شيء فإنما يدل أنه يلعب لعبة سياسية فقط باسم الدفاع عن حرية الأخلاق وحرية الضمير. ولقد دفعه إلى ذلك ثأر يريد أن يأخذه، وكراهية متأصلة منذ القدم يريد إظهارها من جديد وبأسلوب جديد. والخميني بقوله هذا أتاح له الفرصة لأخذ الثأر.
نفاق الغرب
ومن الأدلة الواضحة على نفاقهم في سلوكهم أن عندهم قانونًا باسم Blasphemy Law، وهذا القانون يحرم عدم احترام المقدسات، فليس لأحد أن ينال من المسيحية أو من المسيح ، ولا يمكن أن يستخدم ضدها كلمات بذيئة نجسة ولكنهم لا يطبقون هذا القانون إلا في حق المسيحية فقط. فلماذا ينسون حرية الضمير وحرية الرأي في شأن المسيحية. ففي بلدهم قانون يضرب حول حرية الرأي سياجًا، ولكنهم يخفونه الآن ويتناسونه. أما دين الإسلام الذي ينادي بمبدأ احترام الشخصيات المقدسة لدى أتباع الأديان الأخرى، ويحرم على الكل هتك هذا المبدأ، فإنهم يرمونه بضيق الصدر والتشدد والبربرية والفوضى والجهل. إن علماءهم المطلعين على العلوم الإسلامية المنقولة والواقفين على التعاليم القرآنية لا يذكرون أبدًا هذا المبدأ القرآني الأصيل في كتبهم. إن دينهم يأمر فقط باحترام مقدسات دينهم، ولكنهم إذا قيل لهم: احترموا أيضًا الشخصيات المقدسة لدى الآخرين يرفعون نقيرهم بحرية الرأي وحرية التعبير.
ثم إن عمل السياسيين الغربيين نفسه يدل على أن حرية الرأي لها حدود وقيود. فكلما تتجاوز الحرية هذه الحدود يقفون في وجهها ويمنعونها من التجاوز. خذ على سبيل المثال إنجلترا التي ترتفع فيها صيحات التأييد لسلمان رشدي، فهل ترى أنه لو قام أحد في برلمان هذا البلد واستخدم ضد رئيسة الوزراء السيدة تاتشر أو أحد من أعضاء البرلمان نفس اللغة البذيئة النجسة التي استخدمها سلمان رشدي في كتابه الشيطاني ضد أكبر الشخصيات المقدسة في العالم بحجة حرية التعبير، فإنهم يغفرون له؟ كلا، بل إنهم سوف يجبرونه على أكل هذه النجاسة التي خرجت من فمه وإلا سوف يطردونه من البرلمان.
فلماذا يتناسون حق حرية التعبير في قضيتهم. فهل ذلك إلا لأن حق حرية الرأي محدد بحدود ومقيد بقيود في بعض المجالات، والحق أن الدين هو أهم هذه المجالات، لا يجرح فيه مشاعر أحد بغيًا وظلمًا.
التعليم القرآني
إن القرآن الكريم يأذن للمسلمين بالدفاع، بل يفرض عليهم حماية الثغور، سواء كانت جغرافية أو نظرية. ولكنه يحظر عليهم تجريح مشاعر أحد بالهجوم على شخصياته المقدسة. قال الله تعالى:
أي حقًا قد منحناكم حرية التعبير بقولنا: لا إكراه في الدين، ولكن هذه الحرية لا تعني أن تطيلوا اللسان على مقدسات الآخرين بالسباب والفحشاء.
فبأي وجه وبأي حق تتطاولون على الإسلام، يا أهل الغرب، وتشوهون صورته أمام العالم برميه بالبربرية والوحشية.
الحياء، الحياء، أيها القوم
إن الإسلام يقرر حق حرية التعبير للمسلمين ولكل إنسان في العالم، ولكنه يبين أن هناك حدودًا من المروءة والأخلاق لا يمكن تجاوزها باسم الحرية. ثم إن الإسلام يقدم هذا التعليم السامي بأسلوب رائع، حيث إنه لا يوجه هذا النهي إلى أتباع الأديان الأخرى، وإنما ينهى المسلمين بألا يهاجموا الشخصيات المقدسة لدى الآخرين، كيلا يهاجموا الشخصيات المقدسة الإسلامية.
ولو أن البلاد الإسلامية اتبعوا هذا التعليم الإسلامي لم يصل الأمر إلى هذا الحد. وقلنا إذا هاجم أتباع الأديان الأخرى شخصياتنا المقدسة: الحياء يا قوم، ألا ترون أننا نحترم شخصياتكم المقدسة، سواء آمنا بصدقها أم لم نؤمن، لأن القرآن نهانا حتى عن سب الآلهة الكاذبة فضلاً عن سب الشخصيات المقدسة التي هي دون الآلهة الكاذبة.
فما أحسنه وأروعه من تعليم، يقرر حرية التعبير، ولكن بسياج يحميه من الانحراف عن جادة الحق.
دحض موقف الغرب
أما الموقف الذي اتخذه الغرب فهو قولهم: إننا لن نسمح بأي ثمن بالهجوم على حرية التعبير وحرية الرأي، لأن بلادنا تقرر هذا الحق. أما أنتم فتعيشون في بلاد هي بؤرة التخلف والجهل والتعصبات، كما أن دينكم يسلب حرية التعبير، فأنى لكم أن تفهموا معنى حرية الرأي. انظروا إلينا فنحن حملة المبادئ السامية.
ولكن الحق أن ما يحملونه هو صورة مشوهة للمبادئ الأصلية التي حمل الإسلام لواءها. إنكم لو قمتم بتحليل الموقفين لتبين لكم صدقي؛ فأما الإسلام فيأمر أتباعه ألا تسبوا الشخصيات المقدسة لدى الآخرين وإن كانت باطلة تمامًا، فلا حرية لهم في هذا الشأن. وأما هؤلاء فيعلنون أن تصور حرية التعبير عندنا يأمرنا بعدم احترام الشخصيات المقدسة للآخرين، بل يقول لنا سبوها واذكروها بأقذع الشتائم وأفحش الكلام، ولا تبالوا بمشاعر آلاف الملايين الذين يكنون لها حبًّا لا يباريه حب واحترامًا لا يساويه احترام.
هل هذا هو تصور حرية الضمير وحرية التعبير عندكم يا أهل الغرب، ألا تفكرون أن للآخرين أيضًا قلوبًا من لحم ودم وتشعر وتحس وتفرح وتحزن؟
إنه موقف غير معتدل وغير متزن، وكان يجب على المسلمين أن يخبروهم بكل صراحة ووضوح، كما كان من واجبهم أيضًا أن يكتبوا على هذه الموضوع بكثرة ليتضح الأمر على الشعوب الغربية، التي صارت ضحية للدعايات الغربية الكاذبة. إنهم لا يدركون هذه الأمور بسهولة لأسباب: أولاً، لأن أصحاب هذه الدعاية السامة قد قدموا لهم تصورًا خاطئًا لحرية التعبير، وثانيًا، لأنهم قد وقعوا في سيئتين هما: قلة الحياء والبعد عن الدين. فقد استولى حب الجنس على عقولهم لدرجة أنهم لا يعتبرون الرواية الخالية من الحديث رواية. والمجتمع الذي انعدم منه احترام الدين والذي استولى الجنس على مزاجه لهذه الدرجة عندما يجد كتابًا تعرضت فيه الشخصيات المقدسة للهجوم من الناحية الجنسية، فلا شك أنه يعتبر هذا الكتاب رواية شيقة ليس إلا.
من واجب المسلمين أن يقولوا لهم: إنه شتان بين تفكيرنا وتفكيركم وأحاسيسنا وأحاسيسكم ومبادئنا ومبادئكم. فإذا أردتم فهم موقفنا فعليكم بالعودة إلى القرون الخالية للمسيحية. إنكم تسمونها قرون الجهل والظلام، ولكننا نرى أنكم كنتم تتمتعون عندئذ ببعض المعرفة وبعض النور الذين فقدتموهما الآن. إنكم تدخلون الآن في النور من ناحية، ولكنكم من ناحية تسيرون في الظلام، فكنتم لا تتحملون عندئذ عشر معشار ما يقال اليوم ضد المسيح في التلفاز والإذاعة والجرائد علنًا.
كما علينا أن ندرك أن هؤلاء يقولون في أنفسهم: إننا بأنفسنا قد منحنا الجميع الحرية الكاملة للهجوم على شخصيتنا المقدسة التي نعتبر بعضها ابن الإله، فكيف يتجاسر المسلمون على منعنا من النيل من شخصياتهم التي لا نعتبرها حتى أنبياء أيضًا.
يجب علينا أن نفهمهم الحقيقة في ضوء مبدأ احترام مشاعر الغير والتحلي بالأخلاق السامية وكذلك في ضوء قيود حددوا بها حرية التعبير في برلمانهم. يجب أن نفهمهم أنه لا بد لكم من مراعاة هذه المبادئ والأخلاق للعيش مع الأمم الأخرى، كما يجب أن تدركوا أن العالم الإسلامي قوة عظيمة، ويتحتم عليكم، وقد صار العالم بؤرة للفوضى والاضطراب، أن تسلكوا سلوكًا يتسم بالعقل والمنطق، ولا يتسبب في تجريح مشاعر الآخرين.
ولسوء الحظ فإنه لم يعتن أحد من المسلمين خلال حملات الاحتجاج على هذا الكتاب بتفهيم هذا الأمر لهؤلاء. أما أنا فقد قلت لهم خلال مؤتمر صحفي في هولندا: إنكم تدعون بحرية التعبير، فلم لا تستخدمون هذا الحق في رد الباطل. لم لم يتصد قادتكم السياسيون وعلماؤكم المثقفون لهذا الباطل، ولم لم يتفوهوا بكلمة واحدة ضد هذا الظلم. لماذا لم تخبروا جمهوركم أن المسلمين حساسون جدًا في هذه القضية. ثم لماذا لم تبينوا لهم أن النيل من كرامة الشخصيات المقدسة لدى الآخرين أمر مناف للأخلاق والمروءة. إنكم لم تستخدموا لسانكم الحر في تأييد الحق، ولكنكم ترفعون أصواتكم بحرية الرأي عالية في الدفاع عن الشر والباطل. يجب أن تعرفوا أنكم تلعبون بالنار. فانتبهوا ولا تلحقوا أي ضرر بعلاقاتكم مع العالم الإسلامي.
رد فعل خاطئ من المسلمين
هذا، وإن ردود فعل خاطئة من قبل المسلمين قد أساءت إلى الإسلام لدرجة أنه لم يكن هذا الكتاب بمفرده ليسيء إليه أبدًا. فقد قاموا بإحراق الكتاب، ورقصوا وسبوا في الشوارع، مما أعاد إلى أذهان الغرب تلك القصص الخاطئة من أن الإسلام يأمر بالفوضى وبالتشدد في الدين وقتل أتباع الأديان الأخرى.
وأسوأ وأمر من هذا أيضًا أن هذا الكتاب النجس رغم الدعاية الكبيرة، كان لم يلق أي رواج لدى الناس قبل ذلك، حتى أن بعض البلاد كاليابان والهند كانت قد حظرت على ترجمته. ولكن بعد احتجاج المسلمين بهذه الصورة الخاطئة لقي إقبالاً كبيرًا لدرجة أن الملايين من أهل الغرب يتحرقون شوقًا لاقتنائه، ونال شهرة لدرجة أنهم يقرؤون على الناس أجزاء نجسة منه في التلفاز والإذاعة بأمريكا، وما ذلك إلا لإيذاء المسلمين. فلم يعد الناس بحاجة إلى شراء الكتاب، بل يصل خبثه ونجاسته إلى ملايين البشر وهم جالسون في بيوتهم.
يجب أن يراعي الإنسان الحكمة في الدفاع، ولكن من سوء الحظ أن زمام القيادة الدينية قد صار اليوم في أيدي المشائخ الذين صاروا نقمة على المسلمين والإسلام، لا حظّ لهم من معرفة الظروف السائدة في العالم، لا حظ لهم من السياسة ولا من الحكمة والعقل.. يقودون حملات مؤقتة يسببون بها انتشار الفوضى والاضطراب وسفك الدماء وتبادل السباب وإهانة الإسلام. والله لو قادوا حملات يسهم بها الإنسان في رفع مكانة المصطفى بالدفاع عن كرامته ، ولو كلفه ذلك السقوط من أوج العز والشرف في قعر المذلة، لحبذت مثل هذه الحملات، وأنا أحبذها الآن ولن أزال أحبذها، ولكن أن يتسبب الإنسان في إهانة المصطفى وتشريه صورة الإسلام أكثر فأكثر ويؤدي إلى انتهار جماعي للأمة الإسلامية، فأين هذا من الإسلام، وأين هذا من العقل والمنطق.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فحيث إن الغرب قد هاجم في الكتاب إيران خاصة، لذا لا يرتفع أي صوت من البلاد العربية لتأييد إيران، بل أعلنت مصر أن فتوى الخميني غير صائبة، إذ لا تصح هذه الفتوى على شخص ارتكب إهانة الرسول .
يا للعجب فمن قبل كنتم تفتون أن كل من تفوه بما ينال من النبي ، ولو بإشارة وتلميح، فلا بد من قتله. والآن تفتون بسبب عداوة الخميني بأن صاحب هذا الكتاب الشيطاني المليء بالخبث والنجاسة لا يستحق القتل طبق تعليم الإسلام. فما هذه التناقضات والتعارضات في أقوالكم وأفعالكم يا قوم؟
ثم انظروا إلى الشيخ الباكستاني محمد طفيل، فما أن طلب سلمان رشدي العفو إلا وأسرع هذا الشيخ قائلاً: لقد عفونا عنك. ولكن المسلم الأحمدي الباكستاني عندما يرفع كلمة الإسلام: لا إله إلا الله محمد رسول الله، مندفعًا بعشقه وحبه لسيده المصطفى ، يقول هذا الشيخ وأمثاله: لا بد من قتل هذا الأحمدي، لن نغفر له بأية حال.
لم نزعتم ثوب الحياء من وجوهكم يا قوم، إنكم لا تغفرون للمسلم الأحمدي أن يرفع كلمة التوحيد، ولكن شخصًا خبيثًا جدًا عندما يؤلف كتابًا يتهجم فيه على سيدنا المصطفى وكذلك على كبار الأنبياء والصحابة، وذلك في وقاحة وبذاءة يغلي بها دم كل مسلم غيور، ثم يطلب عفوكم خداعًا ومكرًا، وفي نفس الوقت يقول: ليتني أكثرت من الفحش والبذاءة في الكتاب، ولا يكتب حتى كلمة واحدة ضد كتابه، فإنكم تعفون عنه قائلين: قد عفونا عنه لأنه ندم على خطأه.
فما أغرب تصوركم للعفو، وما أعجب تصوركم للانتقام. فأما عشاق محمد فتفتون بقتلهم، وأما الذين ينالون من كرامة المصطفى بكل خبث وبذاءة ويتعدون كل الحدود، فإنكم تعفون عنهم عندما يطلبون العفو منكم كذبًا وخداعًا. وكأنكم أصبحتم آلهة تغفرون لمن تشاؤون وتعاقبون من تشاؤون. كلا، ليس حسابهم في أيديكم، بل إن ربنا الغيور على حبيبه وسيدنا المصطفى لن يغفر لهذا الشرير الذي بهذه الوقاحة والبذاءة تهجم على خير الخلق وسيد المقربين المقدسين .
إن الإسلام لا يأمر بقتل مثل هذا الشخص، وهذا هو تعليم الأحمدية أيضًا، ولكنكم كنتم ولا زلتم تخالفون هذا التعليم الإسلامي بإثارة الناس على قتل الأحمديين بتهمة إهانة المصطفى ، ولكن اليوم عندما أصدر الخميني نفس الفتوى بنفس السبب عارضتموه. هل هذا هو تقواكم، وهذا هو دينكم، وهذه هي سياستكم، وهذا هو إسلامكم!
اعلموا جيدًا أنه لن ينمو ولن يزدهر إلا ذلك الإسلام الذي جاء به سيدنا المصطفى ، والذي يحبه ويتمسك به المسلمون الأحمديون من الأعماق، ولن ينفكوا متمسكين بهذه العروة الوثقى لا انفصام لها إلى الأبد. والحق أنكم بسبب ترككم للإسلام الحقيقي وبسبب تشبثكم بالنظريات الخاطئة كالتي ذكرتها آنفًا، سلمتم بأيديكم العدو سلاحًا، ليهاجم الإسلام هذه الهجمات الشرسة التي لا قبل لكم بها.
واجب الجماعة الإسلامية الأحمدية
هذا، وإنني أهيب بالمسلمين الأحمديين المنتشرين في كل أنحاء العالم بالقيام بإجراءات حكيمة حاسمة طويلة المدى والتأثير، لأن هذه القضية ليست بمختصة بقرن أو بقرنين، بل إن سيدنا المصطفى هو ملك كل القرون والأزمان، فهو الملك للقرون الخالية وكذلك هو الملك للقرون المقبلة. لذلك يجب على المسلمين الأحمديين أن يقفوا حياتهم للأبد على اتخاذ إجراءات حاسمة لرد كل هجوم نجس على كرامة النبي .
فعليكم أولاً أن تهتموا من الآن بتدريب أجيالكم على إتقان اللغات المختلفة، كما ينبغي أن يهتم شباب الجماعة بالصحافة بكثرة، إلى جانب دراستهم العميقة للإسلام، حتى يستخدموا مواهبهم في الدفاع عن كرامة النبي . يجب أن نحارب هؤلاء بنفس الأسلحة ونفس الأساليب التي يحاربوننا بها. اعلموا جيدًا أن هذه الحرب لم تنشب لتنتهي سريعًا، وإنما سوف تدور رحاها طويلاً، فتصدوا لكل هجوم على الإسلام وتلقوا بصدوركم كل سهم يسدد إلى سيدنا خير الأنام كما فعل حضرة طلحة يوم أحد. هذا هو الإسلام، وهذا هو حب الإسلام، وهذا هو الأسلوب الصحيح للدفاع عن حوزة الإسلام.
وثانيًا إن كل المواضيع الحساسة التي تطرق إليها سلمان رشدي في كتابه الشيطاني والتي أخفاها في ثوب الرواية بكل خبث يجب أن يطالعها العلماء المحققون بكل دقة، ويردوا عليها واحدًا واحدًا في أسرع ما يمكن.
وثالثًا يجب أن تبعث جماعتنا رسائل شكر وتشجيع للدول والشركات التي حظرت نشر الكتاب أو امتنعت عن نشر تراجمه. وهذا ضروري جدًا، لأن كل صوت يرتفع في تأييد نبينا محمد ، أيًا كان صاحبه أو جهته، من واجبنا أن نشكر صاحبه. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
كما يجب علينا أن ندعو لهم بالخير والهداية أيضًا.
أما فيما يتعلق بالمعاملة مع من يحاول النيل من الشخصيات المقدسة، وحتى من ذات الله تعالى، فالقرآن قد قدم لنا تعليمًا واضحًا غير مبهم وبطرق ثلاثة؛ أولها قول الله تعالى:
أي إن النصارى قد هجموا على ذات الجلالة هجومًا منكرًا باتخاذ إنسان ولد من بطن امرأة ابن الله. إن هذه الوقاحة ليست بأمر هين، بل كبرت كلمة تخرج من أفواههم.
فلم يذكر القرآن الكريم أية عقوبة دنيوية لمن يتهجم حتى على ذات الجلالة أيضًا، وإنما وجه أنظارنا إلى ما يجب أن يكون رد فعلنا في مثل هذه الظروف وذلك بلفت انتباهنا إلى رد فعل النبي وهو:
أي يجب أن يبدي المسلم رد فعله في صورة ألم واحتراق يتحول إلى أعمال صالحة يتم بها الدفاع عن الإسلام في كل مجال وكل موطن.
والثاني هو قول الله تعالى:
أي أننا لعنا اليهود لكفرهم وبهتانهم على مريم عليها السلام.
فترون أن القرآن لم يقل أن النصارى كانوا قد هاجموا ذات الجلالة باتخاذهم المسيح ابن الله، لذا فهاجموا شخصياتهم وآذوهم وجرحوا مشاعرهم، وضعوا السيوف في رقابهم. كلا بل إنه تصدى حتى لمن تعدى على النصارى أيضًا ظلمًا وزورا.
والطريق الثالث ورد في الآية التالية كتعليم عام يبين كيف يكون رد فعل كل مسلم غيور، قال الله تعالى:
وإن الوضع المذكور في الآية ينطبق تمامًا على الكتاب الشيطاني لرشدي، فلم يأمر القرآن هنا بأن أفتوا بالقتل على كل من يستهزئ بآيات الله، وأخرجوا المسلمين السذج الأبرياء إلى الشوارع للاحتجاج، لتخمدهم الرصاصات. كلا بل قال: فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره.
كما لم يقل بمقاطعتهم كلية، وإنما نهى عن الجلوس معهم والمعاملة معهم إلى أن يرتدعوا عن أقوالهم المنكرة.
وفي النهي عن الجلوس معهم حكمة كبيرة، وهي أن ذلك يؤدي إلى أحد الأمرين، فإما أن تشتعل الطبائع الضعيفة غيظًا وغضبًا، فتخرج على القوانين، وتسعى للقضاء على هؤلاء المعتدين، مما يؤدي إلى انتشار الاضطراب والفوضى في كل مكان، أو أن الإنسان يفقد الغيرة الدينية، وفقدانها يؤدي إلى الحرمان من الإيمان أيضًا في كثير من الأحيان.
ونفس التعليم ورد في قوله تعالى:
وأما فيما يتعلق بردع هؤلاء من الاستهزاء والاستخفاف بحد السيف وتهديدات القتل فلم يذكر من ذلك شيئًا، بل بالعكس قال:
أي أن عبادنا المتقين لن يسألوا عن هؤلاء المستهزئين. وما دام المتقون لن يسألوا عن هؤلاء الظالمين شيئًا، فكيف يحق لأحد من المسلمين الخروج على القانون. نعم من واجبهم أن ينصحوهم بالامتناع عن الاستخفاف وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ .
النكتة الأساسية
فالقرآن قد فصل بين الدائرتين، دائرة الجسم ودائرة الكلام. فإذا كان العدو يهاجم بالجسم أي بالسيف والسنان، فيجب عندئذ الدفاع بالجسم والسيف والسنان، وأما إذا كان الهجوم بالكلام والقلم فقط، فيجب دفعه بالكلام والقلم.
ولو أن المسلمين راعوا هذا التعليم القرآني السامي واستخدموا سلاح الكلام والقلم في الرد على هذا الكتاب الشيطاني لانقلب الوضع تمامًا، وحققوا انتصارًا حاسمًا. كان عليهم أن يردوا على ترهاته بالمقالات والكتب المزودة بالأدلة القاطعة الدامغة بمختلف اللغات العالمية. كما كان هناك أسلوب آخر للدفاع يختص بالدول الإسلامية. فكان من واجب الحكومات الإسلامية إبداء غيرة دينية في هذا الوقت العصيب وإظهار استياء شديد نحو الغرب الذي يصوب هذه السهام إلى الإسلام.
والعجب أن الدول المعادية للإسلام تتحد ضده، حيث إن 12 دولة غربية تقاطع إيران، وإن الرئيس الأمريكي بوش يعلن بكل شدة مساندته لها، بل كل الغرب يضغط على الروس واليابان أيضًا لتقاطعا إيران. حقًا إن اتحاد الغرب هذا يحمل صبغة سياسية، ولكن كل ذي بصيرة يدرك جيدًا أن كراهية الغرب للإسلام هي التي وحدت الدول الغربية ضد إيران.
ثم إن هذا الاتحاد تم بينهم بصورة خطيرة وبكل دهاء وخبث، فلو أن إحدى الدول الإسلامية قدمت الاحتجاج للغرب على هذا، قال الغرب: إننا لا نخالف الإسلام، وإنما نعارض الخميني، ومن ناحية أخرى يتباهى الغرب لإرضاء الدول المعادية للإسلام: كيف أنه لا يترك أية فرصة للهجوم على الإسلام تنفلت من يده، ومن ناحية ثالثة إنه بكل مكر ودهاء صرف أنظار العالم من بذاءة ونجاسة هذا الكتاب الشيطاني، وجعله أمرًا ثانويًا، ويلفت انتباه الدنيا إلى ان المسلمين قد أصدروا فتوى القتل ضد شخص، وهذا مناف لحق حرية التعبير.
والأسف كل الأسف أن الدول الإسلامية رغم اتحاد الغرب ضد الإسلام، لم تتحد ضده لإجباره على إدانة هذا الكتاب وصاحبه. إن الغرب يحمل اليوم سلاحين: إثارة الرأي العام، وممارسة الضغط الاقتصادي. فلم لا تستخدم الدول الإسلامية هذين السلاحين ضده، ولماذا تسمح بعض المشائخ بإخراج المسلمين الأبرياء إلى الشوارع ليكونوا ضحية لرصاص البوليس. يجب أن يعلم العالم الإسلامي أن هذه الدول الغربية تسعى وراء المادة والمنافع الاقتصادية، ولو أنه مارس عليها الضغط الاقتصادي وأثار الرأي العام ضده لخضعت أمامه لمنافعها الاقتصادية.
ولكن العالم الإسلامي وللأسف الشديد، مشتت الشمل، مختلف الكلمة، يعيش في كتل متعارضة، والغريب بل المؤلم أن الغيرة على كرامة نبيهم المصطفى أيضًا لا تقدر على توحيد صفوفهم وجمع شملهم.
إنني بهذه المناسبة تذكرت حادثًا عظيمًا قد كتب في التاريخ بالنور، وهو أنه مرة طعمت الدول المسيحية في الدولة الإسلامية التابعة لسيدنا علي ، ظنًا منها أن حضرة معاوية لن يتعرض لها لوجود الخلافات الحادة بينهما. ولكن لما بلغ معاوية خبر تجمعات الجنود المسيحيين ضد علي رضي الله عنهما، بعث إلى الملك المسيحي يحذره قائلاً:
وكان لهذه الرسالة وقع شديد على الملك المسيحي فخاف خوفًا شديدًا، ونفض من ذهنه فكرة الهجوم على دولة علي .
ولكن وأسفًا على الدول الإسلامية! فقد نسيت هذه الأدوار الذهبية من تاريخ الإسلام، ووامصيبتنا فقد حالت خلافاتها بين توحيد صفوفها ضد عدو الإسلام الموحد، المساند لمن يتطاول بهذه الوقاحة والبذاءة على نبيهم وحبيبهم .
يجب أن تعقد الدول الإسلامية مؤتمرًا طارئًا، سواء في مكة أو المدينة أو باكستان أو في إيران أو في بلد آخر من العالم، للتشاور على هذه القضية الخطيرة. إن غيرتهم لربهم ونبيهم تتطلب منهم الحضور في هذا المؤتمر مسرعين قائلين: لبيك اللهم لبيك. عليهم بنبذ الخلافات واتخاذ القرار الحاسم للدفاع عن كرامة حبيبهم المصطفى متسلحين بأسلحة الأدلة الدامغة، مستنيرين بنور القرآن.
تفقد أحوال أسر الشهداء
وهناك أمر هام آخر أريد توجيه انتباه الإخوة الأحمديين إليه، وهو أن بعض المسلمين الغيورين السذج الأبرياء قد أثارهم بعض المشائخ والزعماء السياسيون، فخرجوا في الشوارع في مسيرات الاحتجاج على هذا الكتاب الشيطاني، وصاروا ضحية لرصاص شرطة وطنهم. وقد حدث هذا في إسلام آباد وكراتشي وبومباي وغيرها من المدن الأخرى. حقًا إن الإسلام لا يجيز ردود فعل كهذه، ولكن صحيح أيضًا أن هؤلاء الشهداء الأبرياء قد ضحوا بحياتهم حبًا وغيرة على كرامة نبيهم، فلم تطب لهم الحياة بعدما نال الأعداء من أحب الناس إليهم نبيهم .
وليس هناك من يكفل يتاماهم وأراملهم. يجب أن تدركوا أن القضية قضية الحب والغيرة لسيدنا المصطفى . لذا أنا أنصح المسلمين الأحمديين بتفقد أحوال أسر هؤلاء الشهداء أينما وجدوا ويعينوهم معنويًا وماديًا أيضًا، ليعلم أهل الدنيا أنه لا يزال هناك جماعة عاشقة للمصطفى عشقًا حقيقيًا. فيجب أن لا تهمل أسر هؤلاء الشهداء لتذل وتضيع هكذا، بل على المسلمين الأحمديين القيام بهذا الواجب الديني حبًا وغيرة لحبيبهم الذي لم ولن يرى العالم كافلاً لليتامى والأرامل مثله .