ليتحقق الانقلاب الروحاني الصالح في العالم.. ارتعوا في رياض الجنة..

ليتحقق الانقلاب الروحاني الصالح في العالم.. ارتعوا في رياض الجنة..

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

 وانظروا إلى منزلة الله في قلوبكم تعرفوا منزلتكم عنده

تعريب كلمة إمام الجماعة في الخطاب الافتتاحي لجلسة جماعة بريطانيا السنوية رقم 30

في إسلام آباد، تلفورد، صري، يوم 28/07/1995

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الأحزاب: 42-43).

اليوم حضر إلى هنا الأطهار الأبرار، من مختلف القارات والأقطار، من المسلمين الأحمدين وممن يطرقون أبواب الأحمدية. جاءوا هذا الاجتماع.. لا مقصد لهم إلا الله.. غايتهم من هذا الاجتماع ذكر الله وتوطيد توحيده. وقد تكلف الحاضرون في سبيل الله نفقات كبيرة. إنهم ضيوف الله، يجلسون في روضات ذكره.. ولسوف يجنون منها ثمرات هذا الذكر. فاذكروا الله قدر المستطاع .. صباحا ومساء، وفي كل لحظة. فهناك بشارات عظيمة لهذا الجمع الذاكر لله.

ومعنا أيضا أناس تغيب عنا أشخاصهم، ولكن تصل إليهم مشاهد هذه الجلسة، ويشاركوننا فيها. إنهم في بلاد كثيرة.. ينظرون إلى شاشات التلفاز.. قلوبهم معنا.. كبار وصغار.. نساء وأطفال. يتألمون في قلوبهم لأنهم ليسوا معنا بالأجسام؛ ولكنهم سعداء.. يحمدون الله تعالى ويتغنون بفضله لأنهم يشهدوننا على الشاشة الصغيرة. الجميع معنا.. من جاءوا من بلاد بعيدة أو قريبة، والذين لم يتمكنوا من الحضور.

ثم هناك آخرون لا يملكون أجهزة الاستقبال القمري.. فيستمعون من المذياع، أو ينتظرون حتى تصلهم النشرات المطبوعة لتنقل إليهم أحداث هذه الجلسة.

ولكن في هذه اللحظة.. وفي جميع قارات الأرض تُشاهد وقائع هذه الجلسة. هناك من يشهدونها وهم في ساعات الصباح؛ وفي أماكن أخرى يتابعونها في لحظات المساء؛ وفي أماكن يرونها فيما بين ذلك.

الآية التي تلوتها عليكم يقول الله فيها: تغنوا بذكر الله كثيرا في الصباح والمساء. وهاهي الآية تُطبق حرفيا في اجتماعنا هذا. فالمسلمون الأحمديون المشاركون في هذه الجلسة في ساعات النهار كلها.. وفي أوقات الليل بطولها.. يذكرون الله ويسبحونه في أركان الأرض. إنها جلسة فريدة من نوعها.. تمتد وتتسع لتشمل الأرض كلها.. وتشترك فيها أمم العالم: البيض والسود، من الشرق ومن الغرب، أهل الشمال وأهل الجنوب.

وبكلمات الرسول أزف إليكم البشرى عن هذه الجلسة. ما هو الذكر؟ وما هو أفضل أنواع الذكر؟ توطيد وحدانية الله هو الذكر الأعلى والأسمى. عن جابر: قال سمعت رسول الله يقول:

“أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ”.

فاليوم، وفي هذه الجلسة يذكر الأحمديون ربهم أفضل الذكر. نسأل الله لنا دوام هذا الذكر، وأن ينتشر دائما حتى يغطي سطح المعمورة كلها.. ولا يبقى للناس إلا إله واحد، وأن تتردد عبارات الحمد لله. اللهم نحن عبادك الخاشعون.. وفقنا لنصل العالم بحبل توحيدك.

إن البشرى التي أزفها إليكم بكلمات سيدنا المصطفى :

عن جابر بن عبد الله قال: « خرج علينا رسول الله فقال: “إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا. قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ قَالَ: حِلَقُ الذِّكْرِ”.قال: “وَاغْدُوا وَرُوحُوا وَشَيْئًا مِنْ الدُّلْجَة”. من كان يحب أن يعلم منزلته عند الله تعالى فلينظر كيف منزلة الله عنده.. فإن الله يُنزِل العبد منه حيث أنزله من نفسه» (الرسالة القشيرية، باب الذكر)

ورياض الجنة هي المجالس التي يذكر فيها الله تعالى. فاذكروا الله فيها صباح مساء. ومن أراد أن يعرف أين هو من قرب الله تعالى فلينظر في نفسه: ما هو مفهومه وتقديره لله جل علاه.. لأن الله تعالى يقدِّر مكانة العبد منه بمثل ما يقدِّر العبد مكانة الله عنده. فالرياض التي نزرعها  في أرجاء الأرض .. هي الرياض التي زرعها المصطفى . اللهم امنح هذه الرياض نموًّا وازدهاراحتى يدخلها الخلق كافة كالطيور، ةيجدوا في ظلالها السلام والطمأنينة.

أود أن أنصح أولئك الذين جاءوا إلى هنا بعض الأمور، لأن المفهوم الذي نتحدث عنه .. ما لم يزدهر وينمو في حياتنا يظل نداءات ودعوات جميلة لكن لا قوة فيها، إن ذكر الله هو الذي يأتي بالثورات. وذلك عندما نجعله يجري في دمائنا، وينبض مع كل خفقة لقلوبنا، ويصبح هو حياتنا ورغبة قلوبنا. هذا هو الذِّكر الذي جئتم من أجله واجتمعتم له هنا.

أنصحكم بكلمات سيدنا المهدي والمسيح الموعود : إخواني يحضرون هذه الجلسات لذكر الله لا غير. لينصتوا إلى الحديث عن صفات الله. وستلقى في هذه الجلسات كلمات ضرورية لتقوية الإيمان، وسيبذل كل جهد مستطاع ليجذب الله قلوبهمويقبلهم ويُحدث فيهم تغييرا صالحا.

ثم هناك منافع أخرى تحدث عنها المسيح الموعود: في كل عام جديد ينبغي أن يأتي الأحمديون الجدد ليتعارفوا ويلتقوا ويقيموا روابط المحبة فيما بينهم، فينمو التآلف وينتشر في كل مكان، ويدعوا ويستغفروا لمن قضى نحبه خلال العام المنصرم. من مقتضيات الحب أن ندعو لإخواننا وأخواتنا الذين ودّعوا الحياة ومضوا للقاء ربهم، نحبهم ونستمر في حبهم ونذكرهم في دعائنا.

ثم يقول المسيح الموعود : ونحاول لتأليف كلمة الإخوان، وتقريب المسافات بينهم، وسوف تتضح مزايا أخرى من وقت لآخر. الهدف الحقيقي لهذه الجلسة هو أن يحدث في جماعتنا تغيير طاهر، وتميل قلوبهم نحو الآخرة، ويتولد فيها خشية الله. لقد اختار المسيح الموعود كلماته بعناية كبيرة، أحيانا نتوقع أن تنتهي العبارة هنا ولكنها تنتهي في موضع آخر. وقد نرى استخدام كلمات بديلة، ولكن إذا تدبرنا اختياره للكلمات انكشف لنا حَكم بالغة. لقد قرأت إحدى عباراته حيث قال: إن جماعتنا تكتسب التغيير الطاهر في أنفسهم من خلال هذه الاجتماعات. تجدون أنها كلمات رجل رباني، لأن التغيير لا يكتسبه الإنسان بجهده وحده.. ما لم تكن هناك بركة من الله تعالى، فالتغيير منحة من الله سبحانه، وما على الإنسان إلا المحاولة والسعي. ثم يحقق الله النتائج ويكتسب المرء التغيير.

ونتيجة لذلك -يقول المسيح الموعود – تميل قلوبهم كلية نحو الآخرة. هذا هو الهدف الذي من أجله اجتمعنا هنا، ومعنا الذين يشاركوننا الاجتماع، وإن لم يحضروه بأشخاصهم. الحق أن نزوع القلوب نحو الله بركة وخير في حد ذاته. وهو لازم لخلاص الإنسان ونجاته، فكل من يرى قلبه يميل إلى اتجاه بعيد عن الله يتلقى علامة تحذير، إنها من المعايير التي تحكم بها على قلبك. هناك من ينصرفون من هذه المجالس التي يذكر فيها الله، ثم تسارع نفوسهم نحو الأمور الدنيوية، ويقولون الآن قد تحررنا ونعود إلى كل اهتماماتنا وما نهوى. وهناك من ينصرفون بقلوب مثقلة، وتداعبهم هذه الأحلام ويتفكرون فيها، وينغمسون في هذه المياه الروحية، مثل من يلقى حبيبه ثم يغادره. ولكن ذكره لا يفارقه ويبقى إلى الأبد معه، وتزوره هذه الأفكار عند النوم وتختلط بأحلامه.

فذكر الله لا يعني أن تذكره ثم تنصرف عنه، بل يجب أن يكون الذكر ذكر للحبيب، باعثا على المتعة والبهجة، فلا يغادر مخيلتك عندما تغادره، ويبقى القلب ميالا إليه. هذا هو الهدف الذي يرمي إليه المسيح الموعود بقوله أن تميل قلوبهم نحو الآخرة، ويولّدوا في قلوبهم خشية الله، ويصبحوا رحماء أهل لين ورقة، ويكونوا في رحمتهم ورقتهم وتضحياتهم مثلا أعلى للآخرين. ويكونون نشيطين في خدمة الدين المستمرة في أنحاء العالم اليوم…وأخبر عن الحوافز التي تزيد سرعة هذا العمل وتمنحه قوة. استمعوا إلى قوله مرة أخرى: ميل القلب إلى الآخرين، خشية الله، التقوى، حب الإنسانية، اللطف، وعلاقات المحبة بين الناس واستمرارها بحيث يصبحون مثلا للآخرين. هنا تحدث مرة بعد أخرى عن كيف تكونون أمثلة للآخرين، وهذا يتحقق بطريقتين. طريقة الناس: أحيانا يكون المرء سيئا ولكنه على الأقل لا يبدي هذا الوجه السيء نحو الناس ويريهم حسن السلوك.. من أجل كرامة الأسرة أو الوالدين. فلا يرى الناس منك سوء السلوك مخافة أن يسيئوا الظن بكبار أسرتك ووالديك. من هذا المنطلق يقول الناس : أحسن التصرف وكن مثلا طيبا. والطريق الثاني أن المسيح الموعود يشير إلى هذا السلوك الطيب بوصفه هدفا في ذاته. يشير المسيح إلى الأعمال الصالحة الحسنة حيث تداوم عليها. وتجعلها تنبعث من قلبك كما يفيض الإناء بالشراب بعد أن يمتليء إلى حافته. فلا تبدو تصرفاتك الحسنة للناس على أنها تظاهر أمامهم بل تملأ قلبك حتى تفيض منه وتراها الدنيا. هذا ما نجده مطبّقا في أنبياء الله. إن هؤلاء الأنبياء والصالحين ممتلئون بحب الله فلا يهتمون بالعالم، ويفقدون حبهم له.. ثم تمتلأ قلوبهم بحب أبدي نحو الله تعالى فلا يستطيعون ستره، ويظهر منهم كما ينتشر العطر من الزهر، وتنبثق عيون الماء من الجبال.. فيعرفهم الناس. ومن يراهم يتعرف عليهم، ويشهد أن أمثالهم هو الذي يستحق الاقتداء.

فيقول المسيح الموعود أن هذه الأعمال الصالحة في ذاتها جديرة بأن يتخذها الإنسان لنفسه، ويقول: يحب أن يتسع حبك لله ويقوى حتى يشهده الناس مثلا يحتذى..وفي تواضعك تكون مثلا. والتواضع شيء تولده في نفسك. فعندما تنتهج الأعمال الصالحة تسعى لتكون متواضعا ولا تميل إلى الاستعلاء؛ ثم يكون الأدب عادة فيك. وتنظر إلى الناس على أنهم خير منك. إن الناس تُفسح الطريق وتقدم مقاعدها للكبار.. وهذا ليس الأدب الذي يتحدث عنه سيدنا المسيح الموعود هنا. هذا أدب دنيوى. ولكن بوسعك أيضا أن ترى أناسا آخرين هم من التواضع بحيث يعتبرون كل من سواهم خيرا منهم. إذا ذهبت إلى حفل يجمع مثل هؤلاء الناس فسوف يهبّون جميعا لاستقبالك، لأنهك يحسبون كل إنسان أحسن منهم، ويعرضون عليك مقاعدهم ولكل قادم عليهم. والحق أن هؤلاء هم الذين يمنحهم الله المقاعد في السماء. إنهم عندما يفسحون في قلوبهم مكانا لأحد يفسحونه من أجل الله تعالى، فيهبهم الله مقعد صدق عنده. فإذا أردتم أن تكونوا مؤدبين عند الله فليكن عملكم لوجه الله ونابعا من تواضع القلب. وتجد نفسك في الواقع ذائبا في حب الله عندما تحسبها عَدَما خاليا من كل الصفحات إلا ما يتفضّل الله به عليك. وهذا في الحقيقة منبع الشرف الحقيقي . هذا هو التواضع الذي له القوة على خلق ثروة فيما حوله. إنه التواضع الحقيقي الذي تتصل به حبال الثورة الروحية، وهؤلاء هم المتواضعون الذين يحدثون ثورات روحية في العالم.

ثم قال المسيح الموعود: ثم يصبح هؤلاء الناس نشيطين في خدمة الدين. ماذا بقي بعد ذلك لهؤلاء الناس؟ عندنا من هؤلاء الناس في مختلف فروع الجماعة بفضل الله تعالى. نراهم ونرى ازدياد عددهم. ودعائي إلى الله أن يولّد هذا الصنف من الأتقياء الصالحين الذين يذكرهم المسيح الموعود بأعداد كبيرة في العالم، هذه حقيقة لا شك فيها مطلقا. إن قلبي مفعم بهذا الإيمان، وإيماني من قمة الرأس إلى أخمص القدم..أنه إذا كان هناك من سيحدث ثورة روحية في العلم فهو تلك الجماعة المتواضعة.. جماعة الإمام المهدي . من هؤلاء من أراه جالسا أمامي الآن.. وهناك آخرون يستطيعون مشاهدتي في التلفاز إنهم يرون كل حركة وسكنة ويسمعون كل كلمة. هؤلاء المسلمون المتواضعون الذين ترتبط بهم الثورة العالمية.

إنكم تغرسون هذه الصفات في نفوسكم فعلا وحقا..وسترون كيف يحقق الله هذه الثورة. إنها ليست أعمالنا التي تحدث الثورة.. ولكنها أقدار الله جل علاه التي سوف تأتي بها. وإني على ثقة من أن هذا هو ما سيكون عليه الحال إن شاء الله . (تكبير وهتاف)

قلت لكم إن الذين يحبون في الله ولله، ويقيمون صِلاتهم بالناس في الله ولله..سوف ينقطعون عن بعض الروابط الأخرى، ولكن الله تعالى يعوضهم بروابط أخرى، وينظر إليهم بعين محبته، وتتخذ صلتهم بالله ألوانا جديدة. يقول أبو هريرة أن النبي قال : “إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلّهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي”. ألا ما أعظم وأجلّ هذا المقام الذي يناله المؤمن إذا أحب إجلالاً الله تعالى. إني لأدعوكم إلى هذا الفلاح والنجاح الذي هو أعلى درجات النجاح. إني لأدعوكم إلى هذا الظل الذي لن يكون هناك ظل سواه. إن الله تعالى سوف ينادي أولئك الذي أحبوا بعضهم بعضا من أجل جلال الله وعظمته ومجده. أدعو الله تعالى أنه عندما يرفع هذا النداء.. يكون منا الآلاف والآلاف الذين يلبون ويقولون: لبيك ربنا، نحن المتحابون بجلالك. وأدعوه تعالى أن يتفضل علينا بهذا الظل ظل محبة الله العظيم الجليل.

يقول المهدي المسيح : يبايع الناس على يدي أنهم سوف يؤثرون الدين على الدنيا، ولكنهم عندما يرجعون ينسون ذلك العهد! فما الذي يجديهم من هذه البيعة؟ لقد قيدتهم الدنيا. لو كانوا في الحقيقة يؤثرون الدين على الدنيا لتخلصوا من مشاغل الدنيا ليحضروا هنا. (الملفوظات ج1 ص 152)

في تلك الأوقات التي لم يكن المسيح الموعود معروفا كما ينبغي حتى من الذين قبلوه.. وكان ثمة عدد كبير من الناس يعيشون على مسافات بعيدة، رأوا آياته وقبلوه، ولكن لم تكن لديهم المقدرة على الذهاب إلى قاديان لرؤيته وجها لوجه. لقد دعى المسيح الموعود هؤلاء الناس مرة بعد أخرى.. لأنه عرف أن إيمانهم لن يتقوى حتى يحظوا بصحبة الصالحين ويروا المبعوث الذي أرسله الله لهم.

في هذه الكلمات تعبيرعن الألم. وكان تأخرهم عن القدوم إليه يمثل ثقلاً على قلب المسيح الموعود. أراد لهم أن يأتوا إليه ليروا بعيونهم النور الذي نزل من السماء لمنفعتهم وخيرهم. واليوم .. هو اليوم الذي فيه نشر الله هذا النور ليصل إلى كل الناس. هؤلاء الذين لم يستطيعوا القدوم إلى هنا، أو الذين لم يأتوا.. اليوم ينزل النور عليهم وهم في بيوتهم. اليوم.. في كل ركن من الأرض يشهدون صورة المهدي المسيح.. كتجسد للنور السماوي. اليوم..قَبِل الله تعالى هذا الألم والحزن الذي اعتمل من أجل الله في قلب المسيح الموعود.. هذا الثقل الذي كان يبدو كأنه يأس. قبل الله هذا الحب، وأحدث تغييرات إعجازية في العالم. هكذا كان الحزن والألم في قلب المهدي المسيح .. وقد قدمت لكم لمحة منه.. ترون كيف تحول إلى بركة تغطي أركان العالم.

هناك كثيرون يرغبون شهود هذا الجمع، وتمنعهم ظروف وصعوبات، قد تكون بسبب القوانين، أو ضيق ذات اليد. عندما أقرأ رسائلهم.. أتذكر المهدي المسيح ، وأحزن من أجلهم، وأحزن عند تذكر آلام المسيح المهدي.. وكيف كان يدعو من أجلهم حتى يأتوا إليه، ويروا بأنفسهم ما فاتهم. واليوم لم يعد سيدنا المهدي المسيح بيننا.. ولكن خادمه المتواضع يقف الآن باسمه.. يدعو الناس والعالم أجمع إلى المهدي المسيح وإلى سيده الكريم..محمد المصطفى .

وعبّر المسيح المهدي عن حبه وألمه فقال: لقد نصحت أصدقائي مرة بعد مرة ليأتوا إلى قاديان ويمكثوا معي لبعض الوقت. يضع الناس أيديهم في يدي، ويعدون بإيثار الدين على الدنيا، ولكنهم ينصرفون وينسون. تذكروا أن القبور في انتظاركم، وكل شهيق وزفير يقربكم منها، وتحسبونها لحظات للمتعة والاسترخاء.

تذكروا قوله هذا بأن القبور تناديكم وكل لحظة تدنيكم إليها. لا ينبغي للمؤمن أن يتصرف هكذا. لذلك أنصح الجماعة كلها بكلمات المهدي المسيح: هذا هو الوقت الذي تُحدثون فيه تغييرا طاهرا في قلوبكم. هذا وقت الثورة في سلوككم. وهذه الثورة لن تحدث حتى تذكروا الله. ينبغي أن يكون ذكركم لله وتوحيده فوق كل شيء. الذكر الذي يقيمكم على التوحيد.. التوحيد الذي يتوطد في العالم أجمع. إن الموحد يدع كل الأفكار ولا يبقى له إلا الله. وهذا يعني أنه يقطع كل صلاته، وينصرف عن كل محبوب، ويكون حبه لله تعالى فوق كل حب سواه. وهذا الموحد لا يَدَعه الله وحيدا.. لأن الله تعالى واحد فرد ولكن كل الكون في يده. ربِّ كل شيء خادمك. ليس هناك شيء بعيد من الله، والكل خاضع لجلاله، واقع تحت سلطانه. وعلى ضوء هذه المعاني.. عندما يَنْحو المؤمن إلى توحيد الله يبدو في الظاهر منقطعا عن الدنيا. ولكنه في الواقع قد وُلد ولادة جديدة في الدنيا. إنه كالوليد الذي يخرج من رحم أمِّه إلى العالم بعد أن كان وحيدا. إن الموحد يجعل نفسه وحيدا في سبيل الله تعالى.. ولكن لا يتركه الله وحيدا.. بل يجعله ينمو ويزدهر فيُعرف ويتصل به الناس ويتشرفون بالارتباط معه.. ويزداد عدد أصحابه.

هذه هي الثورة التي أحدثها النبي في الدنيا. هذه الثورة من أسمى الدرجات الروحية أحدثها سيدنا المصطفى في العالم، وهذه هي الثورة التي نمر بها اليوم. هذا هو الوقت الذي يسود فيه محمد على البشرية جمعاء. الحق أن التوحيد الذي ترسخ في قلب المصطفى سوف يسود العالم. ولكن سيحدث ذلك أولا في قلوب الذين سوف يدعون الناس إلى هذا التوحيد.. القلوب التي تتشبه بقلبه. لن تظل هذه القلوب وحيدة، بل سوف تنضم إليها قلوب أخرى. سوف تنبض هذه القلوب مع نبضات قلوبهم. وستكون كل حركة وسكنة منهم في سبيل الله لهذا الغرض.

لقد أُرسل المسيح المهدي إلى العالم.. ونحن الخدام المتواضعين للمهدي المسيح قد صرنا أئمة. أنتم أئمة العالم. أنتم خلفاء الدنيا.. لأن الخُدام المطيعين لإمام الوقت يصيرون أئمة الدنيا. الذين ليس لهم شيء يخصهم.. بل يتخلّون عن كل ما عندهم. هذا هو التقدم الروحي الذي يأخذكم إلى أعلى. وعندما ينمو ويزدهر لا تجد فرقا بين قلب النبي وبين قلوب الذين توطّد فيهم هذا الحب. يتجلى الله على قلوب هؤلاء فتُشِع صفاته منها. يتوطد التوحيد فيهم حتى يفقد المرء منهم كيانه ويتلألأ التوحيد من قلبه. وعندما يكبر يكبر التوحيد في قلبه. ينبغي أن تتفهموا هذا الأمر. إذا فهمتموه أقمتم توحيد الله.. وتفكرتم فيه، وطهرتم قلوبكم وانتزعتم كلّ شائبة من الشّرك منها. قوُّوا روابطكم وعلاقاتكم.. ولكن ادخلوها من باب توحيد الله؛ لا تدخلوها من أي باب فاسد. هذه هي الحكمة التي إذا استقرت في قلوبكم قامت الثورة الروحانية في العالم.

اليوم تفتت الدنيا إلى طوائف وأمم وأديان متنوعة. وقلوبهم أشد تفتتا وتحطما. أسسوا المنظمة التي يسمونها الأمم المتحدة لتجمع الأمم صناعيا؛ ولكن الواقع أن العالم منقسم إلى اقسام عديدة. لا توجد أمة منها جاءت بهدف توحيد الناس.

كل مندوب في الأمم المتحدة جاء ليمثل بلده وحدها. أمّا الذين جاءوا لتوطيد التوحيد في العالم فلا ينظرون إلى أسمائهم. انظروا إلى المنظمات الدنيوية بإشفاق لأنكم عندما تَتَّحدون باسم الله تعالى.. سوف تولد على يدكم الأمم المتحدة الحقيقية.. لأنها ستكون الأمم المتحدة الربانية.. الأمم المتحدة المحمدية. التي سوف تجمع وتربط القلوب، يجمع الشعوب والأمم، ويشرب الجميع من نبع واحد.

اللهم قرّب هذه الأيام، لأنك أعطيتنا مسئولية تحقيق ذلك! فاذكروا ما ينتظر منكم ومستوى ما يراد منكم. وإذا لم تَفَوا بذلك.. فلن يتقدم أحد للوفاء بالمطلوب.

يقول المهدي المسيح بألم كبير: الناس لا ينتبهون إلى رغبتي، ولا يأتون بهذا الحماس: لا يأتون ويمكثون عندي.

ولا نستطيع القول بأن سيدنا المسيح لم ينجح في مهمته؛ ولكن مشاعر الحزن في قلبه هي التي استمطرت علينا هذه البشائر الطيبة، وقال له الله سبحانه: لماذا تحزن بسبب إهمال قلّة من الناس؟ وبشّره ربه أن سيحمل رسالته إلى أركان العالم، وقال: قد جاء نذير للعالم ولكن العالم لم يقبله، ولكن الله يقبله..وسوف يبيّن شرَفه بهجمات شديدة حتى يراه العالم كله. ونحن الآن نشهد هذه البشائر، ونرى بأعيننا تحققها.. وكيف أن الأدعية التي دعا بها الإمام المهدي المسيح قد استجيبت. إن هذه ليست جلسة عادية.. إنها جلسة المسيح الموعود. لسوف تكون في ألمانيا وفي دول أخرى.. وإن كانت جلستنا هذه هي الجلسة المركزية، ويشاهدها العالم كله.

قال المسيح المهدي: إن هذه الجماعة قد زرعها الله، ولا يملك البشر زرعها، بل هي من صنع الله . وترون كيف حقق الله ذلك بنفسه.. والناس من جميع أنحاء العالم قد حضروا بأعداد كثيرة، ومن بلاد عديدة .. أتَوا من كل فج عميق. جاء ممثلون للشعوب على تباينها. جاءت أعداد كبيرة من بعض الأمم، وأعداد قليلة من أمم أخرى.. ولكن ليس هناك أمة لم يحضر منها ممثلون. جاءوا من قازكستان، هنا مندوبوهم رجلان و 19سيدة، من الصحارى نبعت عيون أبدية كافية لتروي الاحتياجات الروحية للعالم كله. ونسألهم: أيها الناس، هل تحقق هذا النبأ الإلهي عندكم؟ (هتاف.. نعم نعم)

ها هم أبناء العرب، هل تحققت نبوءة الإمام المهدي والمسيح الموعود؟ (هتاف)

الأحمدية تنتشر في أفريقيا بأعداد كبيرة، ومن هذه القارة جاء الأفارقة شهودًا على تحقق النبوءة.

أخبرونا يا من جئتم من أفريقيا، هل تحققت نبوءة الإمام المهدي أم لا؟ (هتاف)

وفي آسيا.. هناك أندونيسيا الأمة العظيمة وقد وهبَّ الله أهل آسيا صفات طيبة، وفي كثير من أقطارها في كمبوديا مثلاً فيا أهل المشرق الآسيوي، من كل أمم آسيا، من اليابان وكمبوديا وبنجلاديش وباكستان والهند.. قفوا لتكونوا شهودًا على صدق إمام الوقت، هل صدقت نبوءته أم لا؟ (هتافات)

هناك أصوات لا تصل أسماعنا.. ولكنها تصل إلى السماء، وكلهم يقولون: لبيك اللهم لبيك. نحن هنا لإثبات صدق الإمام المهدي، وأنك ياربنا قد أرسلت مسيحك من السماء، وكلّ ممثلي العالم يقولون: نعم، لقد وصلت رسالة الإمام المهدي المسيح إلينا.

يا أهل أوروبا، أنتم شعوب عظيمة، وإن كان عددهم أقل من آسيا، إلا أن قوتهم وتقدمهم يتيح لهم أن يقوموا بدور مركزي، إن تزايد القوة السياسية الأوروبية قد يؤذن بانتقال مركز القوة من أمريكا إلى أوروبا، ويكون لها التأثير على العالم كله. فالحمد لله هنا الكثير من شعوب أوروبا العظيمة يشهدون أيضًا على تحقق نبوءة المسيح الموعود. يا أهل أوروبا ألم تحضروا إلى هنا شهودًا على صدق الإمام المهدي؟ يا أمير جماعة ألمانيا، أخبرنا. (هتاف)

يا أحمديّ أوروبا يا مسلمي البوسنة، يا مسلمي ألبانيا، يا مسلمي سويسرا، يا من جئتم من شمال أوروبا وجنوبها، هل أنتم شهود على أن كل كلمة من كلمات المهدي المسيح كانت حقًا وصدقًا؟

السيد “ديكا” هو أمير جماعة ألبانيا.. وأحذر ألمانيا من الآن وهي أكبر جماعة في أوروبا حتى اليوم.. ولكن ألبانيا تتسابق معها وتكاد تسبقها. وإذا لم تحرصوا وتتصرفوا فسوف نقول ألبانيا قريبًا أنها الجماعة الكبرى في أوروبا.

يا أمير ألبانيا، هل قولي صحيح؟ كم عدد الإخوة هناك؟ الجواب ٤٥٠٠٠. اعتذاري المتواضع لجماعة ألمانيا.. لأن تحذيري جاء متأخرا فقد سبقوهم هناك ٤٥٠٠٠ مسلم أحمدي في ألبانيا يشهدون على صدق المسيح المهدي . (أمير المؤمنين يدعو رئيس جماعة ألبانيا ليصعد إلى المنصة بجواره. وقدمه قائلاً: هذا هو الفاتح الأول من ألبانيا الذي دخل الأحمدية في السويد ثم وقف حياته لخدمة وطنه.. ثم قال: لم تعد به رغبة في بلدكم ولن يهدأ لي بال حتى أنقل رسالة الأحمدية إلى بلدي ألبانيا. وقد أوفى بوعده وهكذا تزدهر وحدانية الله تعالى وتخلق كثيرًا من من الناس الذين يؤمنون بالوحدانية، لقد انضم إلى الأحمدية ٨٤٥٠٠٠ هذا العام (هتافات تكبير وحمد)

أختتم كلمتي بالدعاء، إن سيدنا محمد أنجز كل شيء بالدعاء، وكل ما تشهدون من بركات تتنزل علينا من السماء.. فوق كل قارات العالم .. إنها بلا شك بركات دعاء سيدنا محمد بسبب دعواته، وعده الله أنه سوف يقيم الآخرين الذين يكونون أيضًا من صحابته، وأن الإيمان لو غادر الأرض وبلغ الثريا فلسوف يبعث الله شخصًا من أمته يعيده إلى الأرض وقد تحقق اليوم هذا الوعد الإلهي، ولهذا السبب تأسست وازدهرت الجماعة الإسلامية الأحمدية، هذه ثمرات دعوات المصطفى تتنزل عليكم.. وما سوف يتنزل في المستقبل سيكون من ثمرات دعواته أيضًا وكل خبر في هذه الدنيا وفي الآخره هو ثمرة الدعاء.

لقد أخبرنا المصطفى أن ربنا حييّ كريم يستحي أن يرفع عبد يده بالدعاء فيردها فارغة فهلموا ندعو سويًا. (دعاء صامت يشترك فيه الجميع.)

اللهم آمين!

الهتاف المعتاد هو: ارفعوا التكبير… الله أكبر.

محمد المصطفى خاتم النبيين… !

ميرزا غلام أحمد.. مرحى مرحى!

إسلام أحمدية.. مرحى مرحى!

أمير المؤمنين… مرحى مرحى!

Share via
تابعونا على الفايس بوك