معارف رمضانية
التاريخ: 1996-01-19

معارف رمضانية

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة الجمعة يوم 19-1-1996

لأمير المؤمنين سيدنا مرزا طاهر أحمد

-أيده الله- إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية

(آخر خطبة قام المرحوم محمد حلمي الشافعي بترجمتها)

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ آمين.

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة: 186-187).

تتضمن هاتان الآيتان الكريمتان موضوع رمضان والصوم، وتبينان لنا منافع صوم رمضان بحيث ينجذب الإنسان إلى رمضان وبركاته تلقائيًا. يقول الله تعالى إن شهر رمضان هو الشهر الذي نزل القرآن عنه أو فيه. والمعنى الشائع أن نزول القرآن بدأ في رمضان، وهناك أقوال في هذا المعنى، ولذلك يرجح البعض المعنى القائل: نزل القرآن بشأنه.

فالمعنى الأول أن القرآن نزل أثناء شهر رمضان، ولكن الأحاديث النبوية تبين أن القرآن كان ينزل على مدار السنة.. ولم يكن الوحي ينقطع عن رسول الله بين رمضان ورمضان.. بل كان مستمرًا. ولذلك يرى البعض أن القول بنزول القرآن أيام رمضان فقط قول غير صحيح، ورجحوا المعنى القائل بنزول القرآن عن رمضان. ولكن يثار الاعتراض أيضًا حول هذا المعنى الثاني؛ فهل القرآن لا يتحدث إلا عن رمضان ولا يتناول أي موضوع آخر؟

ولو تأملنا لوجدنا أن المعنيين صحيحان، ولا يصح الاعتراض على أي منهما.

فمن أدلة العلماء الذين ذهبوا إلى أن القرآن نزل في شهر رمضان أن بداية نزول القرآن كانت في رمضان، ثم إنه الشهر المبارك الذي كان النبي يراجع ما نزل من القرآن مع جبريل في كل ليلة فيه. وبناء على ذلك يصح القول بأن القرآن كله قد نزل في رمضان.. لأنه الشهر الوحيد الذي كانت تتم فيه مراجعة كل ما نزل من القرآن على النبي . وعندما تم نزول القرآن بأكمله.. راجع جبريل القرآن كله مع النبي في رمضان. كان ملاك الوحي القرآني ينزل بنفسه بأمر الله تعالى ليذكر النبي بالقرآن ويراجعه معه. ولم يرد أن النبي أخطأ في القراءة، أو أن جبريل صحح له شيئًا.. ولكن المعنى أن المراجعة كانت للتأكيد والتوثيق، لأن الله تعالى قد كفل للنبي حفظ القرآن، وأكد عليه ألا يحرك به لسانه سريعًا، وألا يقلق أبدًا بمسألة حفظه أو خشيتة الخطأ أو النسيان. وقد تم هذا الحفظ الإلهي بالمراجعة مع جبريل، ووفى الله بوعده.

ويلاحظ أن القرآن يراجع في صلاة التراويح أيضًا، وختم القرآن في صلاة التراويح في رمضان يتأسس على هذه المراجعة الرمضانية للقرآن بين النبي وجبريل الأمين. وتبين الأحاديث أن مراجعة القرآن كانت مُدارسة بينهما في رمضان من كل عام.

والمعنى الثاني القائل بأن القرآن نزل متحدثًا عن رمضان مذكور في التفسير الكبير للخليفة الثاني لسيدنا المهدي. لماذا قال “نزل عنه القرآن”.. مع أن هناك أمورًا أخرى نزل القرآن عنها ولم يقتصر على الصوم وحده؟

الحكمة في ذلك أن الأوامر والنواهي الشرعية يكثر العمل بها كلها في رمضان. وليس هناك شهر سواه يمكن القول بأن القرآن نزل عنه. عندما يقال إن القرآن نزل في رمضان.. فيعني ذلك أن كل عمل مطلوب من المؤمن، وكل ما أمر الله به أو نهى عنه.. يتم في هذا الشهر على نطاق واسع. إننا نجوع لأمر الله تعالى، وهو عبادة لا تتم في أي شهر آخر بصورة إلزامية. والقرآن يجيز لنا أن نرد الشدة بالشدة مثلها، أما في رمضان فإننا نترك هذا الخيار ونعمل بالحسنات في مستواها الأعلى. ونمتنع في رمضان عن أشياء مباحة لنا، ونكثر من النوافل. كل هذه الأمور وغيرها تقع في غير رمضان أيضًا.. ولكن على نطاق أقل كثيرًا في الكم والدرجة.

أما في رمضان فإن الأمة في مجموعها تهتم بهذه الأمور. وما من حسنة أُمرنا بها أو سيئة نُهينا عنها إلا وكانت في رمضان أشد أمرًا وأشد نهيًا. وكأننا لو فهمنا معنى رمضان، وقضينا هذا الشهر بحسب القرآن.. فكأننا عملنا بالقرآن كله. وهذا أمر واقع لا مبالغة فيه. ولذلك فإن المعنى الثاني القائل بنزول القرآن عن شهر رمضان معنى صحيح تمامًا.. وكأن القرآن نزل في صدد هذا الشهر المبارك.

وعندما قال: أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ بين المعنى وشرحه بقوله هُدًى لِلنَّاسِ والهدى على أنواع: فهناك مستوى أدنى منه وهناك هداية من مستوى أعلى. يتم الهدى طوال العام ولكنه يتضح أكثر في شهر رمضان.. ولذلك قال

هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ..

أي أن الهدى في هذا الشهر ليس عاديًا.. بل هو بين واضح للناس، ويصبح فرقانًا.. أي أدلة قوية غالبة. فعندما نؤدي حقوق رمضان نحصل على هداية أكثر من هدايتنا في الأيام الأخرى، وهو بمثابة وصولنا إلى مقام الفرقان.

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ .

بعد المقدمة أمرنا بصيام هذا الشهر. كانت الكلمات السابقة تمهيدًا لبيان فضائل هذا الشهر، والآن يأتي التوجيه لمن عاش هذا الشهر أن يصومه.

والمعنى الظاهر لهذه الجملة أن من طلع عليه الشهر فليصمه، والحق أن هلال رمضان لا يطلع على الناس في وقت واحد، ونجد المسلمين في هذه الأيام يتجادلون ويتخاصمون: لماذا لا نزيل الاختلاف بيننا ونصوم جميعًا في وقت واحد؟ ولكن القرآن لا يريد ذلك. لقد ترك هذا الموضوع مفتوحًا وقال

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..

يعني قد تكونون في إقليم واحد، ولكن الآفاق فيه مختلفة، ولو شهد أحد من الناس الهلال في مكان ما فعليه أن يصوم؛ ولكن من كان في نفس الإقليم ولم يستطع أن يرى الهلال في أفقه فليس عليه أن يصوم، بل يجب ألا يصوم حتى يرى الهلال. ولا يمكن أن تعني هذه الآية أن يصوم الجميع في وقت واحد؛ وإذا تغيرت البلاد وتباعدت كان هذا محالاً.

عندما نشهد هلال رمضان في هذا البلد تكون البلاد الأخرى في ساعات مختلفة.. منها ما يكون في الليل ومنها ما يكون في النهار.. فكيف يمكن أن يتم الاتفاق على ما لم يوحده الله وما يخالف النواميس الكونية. لم يرد الله تعالى أن نصوم ونفطر معًا، ولم يرد أن نحتفل جميعًا بالعيد في وقت واحد. يمكن أن يحدث هذا في إقليم صغير.. ولكن إذا كان القطر شاسعًا فإن آفاقه تختلف من مكان لآخر. هناك مثلاً دولة “شيلي” في أميركا الجنوبية.. وهي تمتد بطول القارة الأميركية الجنوبية حتى تقترب من القطب الجنوبي أكثر من أي بلد آخر. وهناك دولة روسيا التي تتسع وتمتد حتى إن هناك فرقًا في التوقيت يبلغ عدة ساعات بين شرقها وغربها. ونفس الحال في الولايات المتحدة وكندا.. فكيف يمكن في مثل هذه الأقطار الفسيحة أن يبدأ رمضان في وقت واحد في أنحاء القطر كله، أو أن يكون العيد في يوم واحد بكل جوانب القطر؟

لقد استخدم الله تعالى كلمة “بينات” لتوضيح هذا الموضوع ومع ذلك يختلف الناس ويتجادلون.. وكأنهم ينسبون إلى القرآن الغموض وأنه يبين ما أراد الله تعالى. القرآن يقول إن فيه “بينات”، وبفهم هذه البينات يصوم الإنسان إذا طلع عليه هذا الشهر، ولا يصوم برؤية الآخرين من بلاد أخرى. وقد قال النبي أنه إذا لم يتمكن من رؤية الهلال بسبب الأحوال الجوية سوى عدد قليل.. وجب على الجميع أن يصوموا بشهادة اثنين أو ثلاثة منهم. وكلمة “مَن” تطلق على الواحد وعلى الجمع أيضًا. ولا يعني الأمر أن يتحرى كل فرد في الشعب رؤية الهلال ليصوم؛ فهذا محال.

إن هلال الليلة الأولى من الشهر يغيب بعد وقت قصير من طلوعه، وقد لا يراه معظم الناس وهم يتطلعون إلى الأفق بحثًا عنه. فالأمر القرآني لا يعني ضرورة أن يرى كل فرد هلال رمضان ثم يصوم، وإنما المراد أن كل أولئك المشتركين في الأفق، الذين يطلع هلالهم عليهم جميعًا، ويغرب عنهم جميعًا مرة  واحدة.. على هؤلاء أن يصوموا معًا مرة واحدة إذا رأى الهلال بعضهم.. وكأنهم جميعًا قد رأوة. فمثلاً هنا في إنجلترا.. الإقليم مشترك في الأفق، ولكن في الولايات المتحدة أكثر من أفق. وأحيانًا يكون أفق الولايات المتحدة مشتركًا مع أفق الجزيرة العربية.. لأن حركة القمر تختلف عن حركة الشمس في شروقها وغروبها. إن لحركة القمر احتمالات متعددة. فالأمر القرآني من شهد منكم الشهر يضع في الاعتبار هذه الحالات المختلفة.

هناك أيضًا موضوع تسمعون حوله جدلاً كثيرًا. ذلك هو إذا أمكن تحديد وجود الهلال باستخدام الحسابات والأجهزة الفلكية في المراصد.. فهل يدخل ذلك في قوله تعالى من شهد منكم الشهر فليصمه، أم لا يجوز استخدام المراصد؟ علمًا بأن هذه الأجهزة تستطيع أن تسجل وجود الهلال وموضعه من الأفق، بينما قد تعجز العين المجردة عن ذلك. لقد أثار هذا الموضوع إشكالاً بين المسلمين، مع أنه ليس هناك أي إشكال في هذا الصدد. الإشكال موجود فقط في عقول الناس.. فالواقع أن الأدوات الحديثة التي ظهرت في هذا العصر إذا حددت طلوع الهلال ووجوده في أفق الإقليم.. فإن ذلك يكون موافقًا لقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر. والذين لا يفهمون هذا الأمر يتعثرون ثم يختلفون. إنني أشرح لكم هذا الموضوع لأن رمضان على الأبواب والعيد من بعده. وسوف يتجادل الناس حول هذا الموضوع كعادتهم كل عام في المدارس والدواوين وفي كل مكان، ولذلك أريد من كل المسلمين الأحمديين أن يفهموا هذا الموضوع جيدًا حيثما كانوا.

عندما يولد القمر الجديد فوق أفق الأرض يقال إن الهلال قد طلع، ومع ذلك ليس من الضروري أن يكون مرئيًا في هذه الحالة بالعين المجردة. وقد فصّل علماء الفلك هذه الأمور.. وقالوا إنهم يستطيعون بحساباتهم وأجهزتهم تحديد اليوم واللحظة التي يطلع فيها الهلال بمجرد مغيب الشمس. ولا يعني ذلك أنه لو كان الجو صافيًا وخاليًا من الغبار والسحاب مما يحجب الرؤية أمكن للعين البشرية أن ترى هذا الهلال الجديد لمجرد وجوده فوق خط الأفق الأرضي.. ذلك لأن العين لا تستطيع رؤية الهلال إلا إذا كان مرتفعًا عن الأفق بمقدار معين من الدرجات بحيث يمكث الهلال في السماء حوالي عشرين دقيقة. فإذا تحقق هذا الشرط أمكن للعين المجردة أن ترى الهلال الجديد إذا لم يكن هناك ما يحجب الرؤية.

في العام الماضي سأل المشائخ علماء الأرصاد عن وقت طلوع الهلال لشهر رمضان، فأخبروهم، وبناء على ذلك أفتى بعضهم بأن رمضان غدًا، ولكن بعض المشائخ الآخرين الذين هم على علم بالأمر ويتمتعون بعقول متنورة لم يأخذوا بهذه الفتوى.. لأن المتعجلين الأولين لم يسألوا عن طلوع الهلال بوعي وفهم. ولم يدركوا أن طلوع الهلال فلكيًا لا يعني بالضرورة أن يُرى.. ولم يسألوا الفلكيين عن إمكانية رؤية الهلال في هذه الليلة عند الأفق، إذ كان الهلال على ارتفاع من الأفق لا يسمح برؤيته للعين المجردة.. ولا ينطبق على هذا الحال عندئذ قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر. فينبغي عند سؤال المراصد الفلكية عن طلوع الهلال الجديد أن يستوثق السائل من إمكانية رؤيته بالعين المجردة وتوفر شروط ذلك من ناحية ارتفاعه عن الأفق ومكثه للمدة المناسبة. وإذا كانت هناك غيوم لتعذر رؤية الهلال ولكنه يكون موجودًا بالفعل ولولا السحب لرآه الناس بعيونهم. ورؤية البعض له بالعين المجردة كافية ليصوم الناس جميعًا.. ورؤية الهلال بالأجهزة الفلكية صالحة لكل من لهم أفق واحد. ومن ثم يجب أن تنتهي الآن هذه المجادلات والخصومات بين المسلمين.. والاستمرار فيها لا يكون إلا للجهلاء الذين يصرون على الاختلاف. فإذا رأيتم المسلمين يحتفلون بالعيد في أيام مختلفة.. فليس لأن القرآن ترك الأمر مبهمًا.. بل إنه قد بين الأمر بوضوح وجعله فرقانًا .. ولو عملوا به ما أمكن أن يختلفوا. إذا كان الهلال الجديد على الارتفاع الكافي في الأفق لرآه الناس بعيونهم المجردة أو بأدوات الرصد، وما على المسلمين إلا العمل بحسب النواميس الكونية التي سخرها الله للإنسان، ويستخدموا الأدوات لخدمة الدين.

والقوائم التي تصدرها جماعتنا في مختلف البلاد.. هي صحيحة تمامًا.. ومبنية على البينات العلمية الدقيقة.. لأننا لا نقبل أبدًا أي شهادة مبهمة.

ولا يمكن أن يكون شهر رمضان أقل من 29 يومًا ولا أكثرمن 30 يومًا، وبحسب التقويم الذي تنشره الجماعة الأحمدية يستوي هذا الحساب ويتفق مع تعاليم القرآن. ولكن هؤلاء المشائخ يخطئون كثيرًا، ويتبين من حركة القمر خلال الشهر أنهم مخطئون في حساباتهم. وسيطلع الهلال الجديد -إن شاء الله- مساء الأحد القادم، ويكون الصوم هنا ابتداءً من يوم الاثنين.

والسؤال الآن: لماذا لا يربط الله تعالى مواقيت الصيام بالتقويم الشمسي؟

إن لذلك حِكمًا.. منها أن الطقس في كل بلد يختلف عن غيره. في بعض البلاد يكون النهار طويلاً في الصيف وقصيرًا في الشتاء، وفي بعض البلاد يستوي الليل والنهار، ولو عيّن الله تعالى الصوم بالتقويم الشمسي لكان الصيام دائمًا في شهر واحد. في بلد كالنرويج مثلاً لو كان شهر الصوم في الشتاء، فيبدأ الناس الصوم ويفطرون بعد لحظات قصيرة، ولكن الذين يسكنون قريبًا من القطب الجنوبي فإن فترة صومهم قد تكون يومًا كاملاً أو 24 ساعة لأن الليل قصير جدًا لا يكفي للإفطار وصلاة الليل والتهجد والسحور.

لقد بين القرآن العلامات الزمنية بطريقتين:

منها ما يتعلق بالقمر ومنها ما يرتبط بالشمس. وفي شهر رمضان تجتمع العبادات بالنظامين: القمري والشمسي، وليس هناك شهر آخر مثله في ذلك من كل الزوايا: فالصوم متعلق بالشمس والقمر. فبداية شهر الصوم ونهايته يتوقف على دورة القمر. أما الصلاة فترتبط بمواضع الشمس في السماء. والحج أيضًا مرتبط بالدورة القمرية في شهر ذي الحجة.

وقد أخبر النبي فيما يتعلق بالصلاة أن نتبع مواقيت الصلاة بحسب حركة الشمس الظاهرية في المناطق التي تسمح فيها هذه الحركة بتنظيم مواقيت الصلاة. كما أخبر أنه عندما يأتي زمن الدجال ستكتشف مناطق من الأرض يطول فيها النهار حتى يبلغ ستة أشهر، ويطول الليل أيضًا حتى يبلغ ستة أشهر فيكون اليوم كسنة كاملة. وعلى المصلي في هذه المناطق ألا يتحير ولا يقع في مشكلة، فقد قدم النبي حلاً لهذا الموقف. عندما أخبر الناس أن من أيام الدجال يومًا بسنة سألوه: كيف نصلي عندئذ؟ هل تكفي خمس صلوات في هذا اليوم الذي طوله سنة؟ فقال : لا، اقدروا له قدره. أي قدروا مواعيد الصلوات قياسًا على مواعيدها في الأماكن المعتدلة، وتكملوا خمس صلوات لكل فترة زمنية تعادل يومًا، وهكذا تستمر العبادة طوال العام. إذا كانت العلامات الظاهرة للشمس تشذ عن الطول المعتاد لليوم (24 ساعة) وجب أن نقدر وقت الصلوات بحسب تقديرنا قياسًا على اليوم المعتاد. والحكمة ظاهرة لأنه فيما يتعلق بالصوم، لو أن الإنسان صام هذا النهار الطويل الذي يمتد شهورًا لمات الصائمون جميعًا. ولوصام الإنسان هذا النهار القصير الذي لا يتجاوز دقائق معدودات ما عرف معنى الصوم ولا تحقق أي هدف من أهدافه. لقد بين القرآن علامات العبادة على أساس اليوم المعتاد (24 ساعة)، فيكون تقدير الوقت للصلوات والصوم على هذا الأساس.

لقد أتتني من النرويج وبلاد أخرى شمالية رسائل حول هذا الموضوع لذلك أشرح هذا الأمر لكم، فمعظم الأحمديين يسمعون خطبة الجمعة ويصلهم صوتي عبر القناة الفضائية الأحمدية. فلو كان النهار مثلاً 18 ساعة من طلوع الشمس إلى مغيبها.. ويكون الليل 6 ساعات فقط، ويكون الشفق في السماء ولا ظلمة هناك، ولا يعرف الناس متى يصلون المغرب والعشاء والصبح، وقد شهدنا هذه الظاهرة بأنفسنا عندما ذهبنا منذ عامين إلى شمال النرويج في الصيف، ورأينا الشمس في السماء 24 ساعة، وكنا نصلي التهجد والشمس مشرقة وذلك بتقدير الوقت. إن النبي أصدق الصادقين، ويكفي هذا الحديث الذي ذكرته آنفًا دليلاً على صدق المصطفى . كيف عرف عن هذا الأمر قبل 14 قرنًا.. وأخبرنا أنه عندما يتغير طول اليوم عن طوله المعتاد.. قدروا بأنفسكم مواعيد الصلوات. أخبروني: هل أخبر نبي سواه عن هذا الأمر؟

في اليوم المعتاد نستطيع معرفة وقت الصلاة بحسب موضع الشمس، فإذا لم نستطع ذلك فعلينا تقدير الوقت. فكان من كمال القرآن الكريم أنه ربط الصوم بالتقويم القمري، والحكمة في ذلك أن هذا الشهر يتغير بالنسبة للمناطق المختلفة.. فأحيانًا يخف الصوم على أهل الشمال، وأحيانًا يخف على أهل الجنوب. ولو كان رمضان مرتبطًا بالشهر الشمسي لشق الصوم على بعض الناس طول العمر حيث يكون النهار طويلاً والحرارة محرقة، لمات الناس عطشًا، ولعانوا هذه المشقة في كل سنة، وفي أماكن أخرى يكون النهار قصيرًا، والجو باردًا.. ويكون الصوم فيها يسيرًا. فالأيام التي يتبين فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر هي الأيام العادية. أما الأيام الأخرى فلا بد من تقدير المواقيت لها. وقول الله تعالى وتلك الأيام نداولها بين الناس ذو صلة برمضان أيضًا ويتحقق عندما تأتي أيام يكون الصوم فيها خفيفًا وأيام يكون الصوم فيها شاقًا.. مع طول النهار وقصره.. وهكذا يداول الله هذه الأيام بيننا، وتكون بركاته للناس في مختلف البقاع والأزمان. وشهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي يكون فيه القمر والشمس شاهدين معًا، الشمس شاهدة طوال العام وفي رمضان يكون القمر شاهدًا معها.. وتكون العبادات المذكورة في القرآن الكريم مجتمعة في شهر رمضان. وحيثما كانت علامات اليوم مخالفة للمألوف فعليكم أن تقدروها بأنفسكم بحسب وصف القرآن لها. فإذا كان طلوع الفجر وظلمة الليل واضحين ويتبين الخيطان فعليكم اتباع هذه المواقيت وإذا لم يتضحا قدرتم مواقيتكم.

ففي البلاد القريبة من أقصى الشمال أو أقصى الجنوب لا بد من وجود لجان محلية في جماعتنا لتقدر وتضع التوقيت الصحيح للعبادات. في بعض هذه البلاد يكون يوم رمضان قريبًا من المعتاد.. ولكن مع امتداد البلد يكون يوم رمضان غير عادي في مكان آخر من البلد.. فحيثما كنتم.. استعينوا بالمراصد التي تدرس حركة الشمس والقمر وخذوا بمشورتها، وضعوا جداول المواقيت.

Share via
تابعونا على الفايس بوك