تداعيات عدم الالتزام بالأخلاق الفاضلة

تداعيات عدم الالتزام بالأخلاق الفاضلة

التحرير

  • الأخلاق أساس الدين
  • أثر غياب الأخلاق
  • القانون المؤسسي والأخلاق
  • استبدال الخلاق بأسلوب حياة الغرب
  •  نبأ النبي صلى الله عليه وسلم عن فساد هذا الزمن وطريق الإصلاح

__

الأخلاق أساس دين المسلم فهي تدفعه إلى احتقار كل ما هو مذموم. وهي حصن لا يسمح بارتكاب المعصية أو المخالفة حيث لا تجد الهواجس المذمومة طريقها إلى كيان المرء وذاته. كما أنها الدافع الأساسي الذي يفرض على المرء الإنصاف والصدق مع الأعداء والأصدقاء. كما تولد الأخلاق الحياء الذي يمنع المرء من مخالفة الشرع السماوي، فتفرض عليه الصدق والأمانة والابتعاد عن مواضع الإهانة.

ولا يختلف عاقلان في أن غياب الأخلاق يؤدي إلى أن يسود في المجتمع قانون الغاب.. ويطير الحق ويختفي. وتوأد الفضيلة على مرأًى من الرذيلة.. ثم تُسن أعراف جديدة، تُعرِّفُ الحقوق بأنها كل ما يستطيع الإنسان الاستحواذ عليه بغض النظر عن الكيفية والأحقّية. وتُعرِّفُ الواجبات على أنها فقط ما لا يستطيع الإنسان التملص منه.

أما الأخلاق السمحاء فأصبحت مجرد شعارات تُرفع في مناسبات معينة من السنة.. مجرد كلمات اعتاد الناس على سماعها في المساجد والمناسبات الدينية تدخل من أذن وتخرج من أخرى. يتبخر معناها ويضمحل أثرها خلال دقائق معدودة.

ولا يخفى على كل مطلع على ما يجري في شوارع مدننا وأزقتها.. أن الكُره أصبح السمة المميزة لكثير من الناس. ويكفيك إلقاء نظرة على أي مدرسة لترى الكمَّ الهائل من الألفاظ البذيئة التي يتبادلها الشباب. حتى إن بعضهم يعتبر هذا الأمر عاديا جدا، وهذه هي لغة المتحضرين. أما عن المشاجرات والسباب والمعاكسات فحدث ولا حرج. حتى أصبح المرء يفقد السيطرة على أعصابه لأبسط الأسباب. أما معاكسة الفتيات والتحرش الجنسي فقد أصبحت من الأخبار الدائمة المألوفة. وقد لا تُصدق فظاعة وفحش الصور واللقطات التي يتبادلها الشباب عبر الجوال. بطبيعة الحال كلنا نشعر بهذا التحول، واختفاء الأخلاق الجميلة. وكم نتمنى أن يعود الشارع الإسلامي إلى سابق عهده، وأن تعود الشخصية الإسلامية إلى طبيعتها وأخلاقياتها.

فإن الأخلاق والحال هذه قد أُدخلت غرفة الإنعاش، ونرى أنه من واجبنا جميعا نحوها أن ندعو لها بالشفاء العاجل.. وأن نقيم لها صرحًا في وسائل الإعلام لعلنا بهذا الصنيع نغرسها ثانية في نفوس الذئاب البشرية!!

ولا شك أن الانحطاط الذي نراه اليوم في مجتمعاتنا العربية الإسلامية هو بسبب عدم التزامها بالأخلاق الفاضلة على مستوى الفرد والمجموعة. وتهميش تطبيق القوانين التي غالبا ما تُطبق بكل صرامة على الضعفاء فقط!!

هذا إلى جانب فشل المؤسسة الدينية في ترك بصماتها على طابع الشخصية الإسلامية التي فقدت مقومات الأخلاق.

إلى متى هذا التجاهل وإلى متى هذا الإنكار؟ وبالرغم من كل ذلك يبقى أملنا في الله كبيرا بأن تعود أمتنا إلى سابق عهدها لتقود العالم وتفتحه بأخلاقها لا بسيفها،

وفي ظل هذا الوضع المتردي – الذي لا نُحسد عليه – فإن صدى لسان حال الشارع الإسلامي يبوح بما في داخله ويقول: إننا نعرف فضيلة الأخلاق وندرك فريضة الإيمان بالله وما يترتب عليها.. ولكن لا خيار أمامنا.. يجب عليك أن تكون ذئبا إن كنت محاطا بالذئاب!!

ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نُذكر الجميع أن المؤمن من يتعظ بغيره.. ألا ترون أن شريحة كبيرة من أبناء الأمة تقتفي آثار الأمم الغربية التي رمت بالأخلاق عرض الحائط. وبعد مرور حقبة زمنية قصيرة على ذلك نجدها تسن قوانين تعترف بزواج الرجل من الرجل والمرأة من المرأة!! وإذا تصفحت سجلات الولادات عندهم ستجد نسبا عالية للمواليد الغير الشرعيين. ويطول الحديث عن تعفن أخلاقهم ودناستها ولكن ليس هذا محور حديثنا.

لقد دقت نواقيس الخطر منذرة بآفات فتاكة ستقطع الأمة إلى إرب متناثرة. ولا يسعنا إلا أن ندعو العزيز القدير أن يوقظ النفوس النائمة ويطهر القلوب المظلمة ويستقطب آذان الغافلين لدعوة الحق المبين.. ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

وختاما قد تبدو نظرتنا قاسية بعض الشيء من خلال هذا الطرح.. ولكننا لامسنا الواقع بكل أمانةٍ. فغالبا ما نتجاهل أمورًا كثيرة ولا نود ذكرها لأنها مؤلمة لنا جميعا.. لكن إلى متى هذا التجاهل وإلى متى هذا الإنكار؟ وبالرغم من كل ذلك يبقى أملنا في الله كبيرا بأن تعود أمتنا إلى سابق عهدها لتقود العالم وتفتحه بأخلاقها لا بسيفها، وفي هذا المقام يستحضرني مقتبس من كتاب إزالة الأوهام لحضرة المسيح الموعود :

“… وقد أنبأ النبي – – أن هذه الأمة ستفسد في الزمن الأخير كما فسد اليهود في زمنهم الأخير، وارتفع من بينهم البِرّ الحقيقي والصدق الحقيقي والأمانة الحقيقية، ونشأت فيهم الخصومات الواهية التي لا أصل لها، وفتر فيهم حب الدين. وقال – – إنكم ستحذون حذو اليهود “حتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمْ فِيهِ”، أي ستصبحون مثل اليهود بكل معنى الكلمة. وحيث إن الله – سبحانه وتعالى – لم ينسَ اليهودَ في هذه الحالة أيضا بل أرسل إليهم المسيح ابن مريم من بينهم لإصلاح أخلاقهم وأعمالهم وتصحيح أخطائهم، فقد بُشِّرت هذه الأمة أيضا أنه حينما تصبح حالتكم مثل أولئك اليهود القساة القلوب وتتمسكون بظواهر الأمور وتسوء تصرفاتكم وتعكفون على الدنيا، ويتورط نُسّاككم ومشايخكم وأناس ماديون منكم -كلّ بطريقته – في المكر السيئ وسوء الخلُق بأنواعه المختلفة، ويتضاءل التوحيد وعبادةُ الله وتقواه وحبه بشدة؛ سيُبعث فيكم ومن بينكم أيضا، مثيلٌ لابن مريم؛ ويسعى جاهدا لإصلاح حالتكم الأخلاقية والعملية والإيمانية كما سعى المسيح ابن مريم.”

هدانا الله وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك