مقتبس من مجلسي الأسئلة والإجابات

لقاء مع العرب

مقتبس من مجلسي الأسئلة والإجابات

(جمع وإعداد: عبادة بربوش)

بتاريخ 17 و24 تموز 1994

في الذكرى السنوية الرابعة للبرنامج اليومي الناجح “لقاء مع العرب” الذي تبثُّه الفضائيّة الإسلامية الأحمدية اقتبسنا لقُرائنا الكرام بعض الأسئلة التي طرحها الضيوف الذين حَظوا بشرف حوار حضرة أمير المؤمنين مرزا طاهر أحمد الخليفة الرابع لحضرة الإمام المهدي ( ) في الحلقتين الأولى والثانية من حلقات البرنامج. والجدير بالذكر في هذا المقام أنّ حضرته أجاب على الأسئلة بالإنجليزية وترجم الأستاذ المرحوم الحاج محمد حلمي الشافعي (رئيس تحرير التقوى السابق) إجابات حضرته إلى اللغة العربية.

 

(س) ما هو الفرق بين نبيّ الله وبين رسول الله؟

(ج) بالنسبة للبشر كلا التسميتين تنطبقُ على شخصٍ واحد أي ذلك الشخص الذي يختاره الله ليُبلِّغ رسالته للناس، وليس هناك أيُّ فرق، أي أنّ النبيَّ رسول والرسولُ نبيّ. فمثلاً ذُكرَ في آية خاتَم النبيين

مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (الأحزاب: 41).

فلو كان هناك فرق بين النبي والرسول “كما يظنُّ البعض” لكان سيدنا محمد خاتمًا للنبيين فقط وليس خاتمًا للمرسلين، وهذا ليس معقولاً ولا نستطيع أن نقبله.

وذكر القرآن الكريم أركان الإيمان في الآية الكريمة

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ… (البقرة: 286)

نلاحظ أنّ الآية ذكرت أنّ أركان الإيمان هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولم تذكر الآية ظاهريًّا أن الإيمان بالأنبياء هو من أركان الإيمان، فهل يعني هذا أنّه لا حاجة للإيمان بأنبياء الله!! لا، لأنّ كل نبيّ هو رسول وكلّ رسول هو نبيّ. ويتوقف المعنى على الناحية التي ننظر منها. فمن ناحية الله النبيُّ هو الذي يحمل نبأً من أنباء الغيب فتصبح معروفةً لدى الناس عندما يُخبرهم بها. أما من ناحية الناس فنفس الشخص (النبي) يكون رسولاً أي يأتي برسالةٍ من عند الله تُوجبُ له الطاعة التامة مِنْ قِبَلِ مَنْ أُرسِلَ إليهم وليس بالضرورة أن يأتي برسالةٍ جديدة. فنحن نعرف أنّ سيدنا موسى أتى بشريعةٍ جديدة وبعثَ الله بعده أنبياء كثيرين لم يأتوا بشرائع جديدة ولكنهم بُعثوا تحت مظلة الشريعة الموسوية ومع ذلك سمَّاهم القرآن الكريم رُسلاً أيضًا كسيدنا داود وسليمان وعيسى عليهم السلام. وكذلك سيدنا إبراهيم كان نبيًّا ورسولاً وأتى بشريعةٍ جديدة ولكن من بعده بُعث سيدنا إسحاق ويعقوب ويوسف والذين سمَّاهم القرآن رُسلاً ولكنهم لم يأتوا بشريعة جديدة.

(س) من خلال موسم الحج يموت الكثير من الناس خصوصًا عند رمي الجمرات، فما هي أهمية رمي الجمرات هذه؟

(ج) لقد قام سيدنا إبراهيم برمي الجمرات وذلك كرمز لقضائه على شيطانه بحيث لم يُبقِ للشيطان تأثيرًا عليه. فالمسلمون يقومون بهذا خلال موسم الحج تيمُّنًا بإبراهيم ، وذلك في مواضع ثلاثة أرى أنها قد أُشيرَ إليها مجازًا في سورة الناس: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ التي ذكرت صفاتٍ ثلاثة لله : وهي الربوبيّة، الـمَالكية والإلهيّة، ويحاول الشيطان إفساد هذه الصفات الربانيّة في نفوس الناس ويُريد أن يكون هو ربّ الناس وملك الناس وإله الناس. فالحاجُّ بعد أن يؤدّي فرائض الحجّ ويقوم برمي الجمرات فكأنه يقول: إنني قد قتلتُ الشيطان في كل هذه الاتجاهات التي يحاول فيها أن يكون ربّي ومالكي وإلهي، ولن يستطيع أن يؤثِّر عليَّ من أي ناحية من هذه النواحي.

وفيما يتعلَّق بموت الناس خلال رمي الجمرات أُريد أن ألفت انتباهكم أنّ هذه الحوادث لا تحدث فقط خلال رمي الجمرات ولكن في كثير من الأماكن التي يَفِدُ إليها الحُجَّاج بأعداد كبيرة خلال شعائر الحجّ الأخرى مثل الطواف والسعي والإفاضة. يبدو أنّ هذا الخطأ ليس من جانب الإدارة المشرفة على تنظيم الحج وإنّما هو من الحُجَّاج أنفسهم ورغبتهم في التزاحم. والحقُّ يُقال إنّ النظام الموجود يحاول مشكورًا قدر المستطاع تسيير طرق الحج وتيسير الوسائل التي تؤدّي إلى مواضع إقامة الشعائر، ونأمل أن لا نسمع في المستقبل عن حوادث مماثلة إن شاء الله.

(س) نعتقد نحن المسلمين الأحمديين أن حضرة عيسى بن مريم ( ) لم يمت على الصليب ولكنه هاجر هو وأمه إلى كشمير بعد أن نجَّاه الله من الموت على الصليب. ونحن نعرف أن لقب نبي الله لم يؤخذ منه بعد هذه الحادثة الشنيعة. لذلك أتساءل هل هنالك وثائق تاريخيّة تدلُّ على أنّه كان يتلقّى الوحي من الله خلال المدة التي عاشها في كشمير؟.

(ج) هذا السؤال حلزوني يحمل بين طيّاته نقاطًا كثيرة سأتطرَّق إلى توضيحها خلال إجابتي إن شاء الله.

لقد فَهِمَ بعض المفسرين من آية

وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (المؤمنون: 51)،

أنّها تتعلّق بحادثة مولد سيدنا عيسى إذ أنّ أمه ذهبت إلى مكان بعيد ووضعته هنالك. ولكن يجب أن ننتبه إلى أسلوب الآية التي تتحدّث عن شخصين “في صيغة المثنّى” ولم نسمع قط في اللغة العربيّة بانّ المرأة الحامل يُشار إليها بأسلوب المثنّى. ويربطون ما ورد في هذه السورة بما أوردته سورة مريم عن تفاصيل الوضع التي ذكرت السيدة مريم وحدها في صيغة المفرد: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا . وبالرغم من هذا الوضوح فإن هؤلاء الناس عندما يريدون أن يستخرجوا معنىً مخالفًا للواقع يَلوُونَ عُنق اللغة ويأتون بمعانٍ غريبة. فآية سورة المؤمنين تتحدَّث عن ابن مريم وأمه كشخصين لكل واحد منهما كيانٌ منفصل وخاصٌ به.

إنّ آية: وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ تُشير إلى بعض السمات التي يتميّز بها المكان الذي آوى إليه الله سيدنا عيسى وأمه. إنّه مكانٌ مرتفعٌ جبليّ يتمتّع بالأمن والسكينة والطمأنينة وفيه ينابيع ماءٍ كثيرةٌ وافرة. هذا الوصف ينطبقُ تمامًا على كشمير ولكنه لا يُعطينا الإجابة الحاسمة على أنّ المكان الذي آوى إليه الله سيدنا عيسى وأمه هو فعلاً كشمير. لو نظرنا إلى منبع آخر للمعلومات وتلاقى الاثنان في نقطةٍ واحدة فسنتمكن من تحديد المكان.

فقد ذكر الكتاب المقدس أن سيدنا عيسى جاء إلى خراف بني إسرائيل الضّالة أي إلى قبائل إسرائيل الضّالة، وفي وقته لم يكن في فلسطين إلا قبيلتان من بني إسرائيل، والقبائل العشرة الباقية كانت قد تشرَّدت وأُخرجت من فلسطين إلى المشرق: العراق وأفغانستان وإيران والهند. وقد أخبر سيدنا عيسى ووعد بأنه بُعث إلى هؤلاء أيضًا. فبعد حادثة الصلب واضطهاد اليهود ومعاداتهم له وبحثهم عنه لقتله كان لا بدّ وأن يُحاول تجنُّب هذه الأخطار، لذلك آواه الله إلى هذا المكان. فليس معقولاً أن يصعد إلى السماء أو أن يذهب إلى مكان آخر، بل كان لابدَّ أن ينفذ هذا الوعد ويذهب إلى قبائل بني إسرائيل الضّالة ويقوم بمهمته تجاههم. فلا نتصوَّر أن الله يَعِدُ بشيءٍ على لسان أحد أنبيائه ولا يُنفّذه.

تذكر كتب التاريخ أن القبائل العشرة اليهوديّة المعنيّة بالأمر ذهبت إلى بلاد الشرق. وإذا أخذنا كشمير بالتحديد لوجدنا أنّ أسماء الأهالي هنالك وأشكالهم وملامحهم وعاداتهم تُثبت أن أصولهم من بني إسرائيل. وذكر بعض الذين زاروا هذه المنطقة انطباعاتهم قائلين: وكأننا في بيت المقدس. الوجوه فلسطينيّة بيضاء ذات سمات خاصة لا توجد في الهنود، وكل من حولهم من الأقوام يختلفون عنهم.

وبالرغم من هذا الوضوح فإن هؤلاء الناس عندما يريدون أن يستخرجوا معنىً مخالفًا للواقع يَلوُونَ عُنق اللغة ويأتون بمعانٍ غريبة.

أرى أن سيدنا عيسى ( ) كان نبيًّا في فلسطين وهاجر إلى كشمير وهو نبي ومات وهو نبيٌّ أيضًا. وعلاقة النبيّ بالوحي لا تنقطع أبدًا فلا بدَّ وأنه قد تلقّى الوحي خلال رحلته حتى توفّاه الله، ولكن الدلائل على أنّه قد تلقّى وحيًا في تلك الفترة غير متوفرة حتى الآن. التقيتُ مؤخّرًا بعالِم أمريكي وهو في طريقه إلى كشمير للبحث حول هذا الموضوع وأدعوا الله أن يُنير طريقه كي يحصل على بعض من هذه الدلائل كأن يكون هذا الوحي منقوشًا على بعض الأحجار أو في أية صورةٍ أخرى. ويجب أن لا ننسى أن الكلام الذي نجده مكتوبًا في الإنجيل ليس ما أوحاه الله لسيدنا عيسى، وقد وضّح القرآن هذه النقطة، لأنّ الناس قد حرَّفوا وزيَّفوا هذه الأمور كثيرًا. مثلاً في إنجيل يوحنا نجد كلمات مُخترعة مدسوسة مثل “في البدء كان الكلمة…” وهذه النقاط لا تجدها في الأناجيل الأخرى ولا في العهد القديم. وبُنيت القضية كلها على العلاقة بين الله وعيسى بن مريم وكأنه ابن الله أو كلمته بهذه الطريقة المشوَّهة.

ولا يُعتبر سيدنا عيسى مسؤولاً عن هذا إذ أنّ القرآن الكريم قد برَّأه منه بقوله:

وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ .

ذكر أحد الباحثين في كتاب نشرته مؤخرًا جامعة أكسفورد (بريطانيا) تحت عنوان “مع الدراويش” أنه قابل في طريقه إلى كشمير بعض القبائل تُسمَّى “مُوساي” نسبةً إلى سيدنا موسى، وهذا يدلُّ على أنهم من أصل يهودي، ورئيس القبيلة يُدعى أبا يحيى، ويحيى اسمٌ يهودي وأبَّا لقبٌ لكبار اليهود. هذه القبيلة تُسمي نفسها بالمسلمين المسيحيين أو المسيحيين المسلمين. مما أدّى إلى تعجُّب الباحث الذي سأل زعيم القبيلة: كيف يمكن هذا؟ قال: إنّ عيسى بن مريم قد مرَّ بأجدادنا من هنا في طريقه إلى كشمير وهو لم يمت على الصليب كما يتصوَّر البعض، ولم يُرفع إلى السماء، بل نجَّاه الله من تلك الميتة اللعينة، وبشَّرنا بالمسيحيّة الصحيحة التي تؤكِّدُ على وحدانيّة الله، كما بشَّرنا ببعثة نبيّ الإسلام، لذلك لما ظهر عرفناه بناءً على بشارات سيدنا عيسى بن مريم ( ) وآمنّا به، وتُوفيَّ عيسى في كشمير لذلك نُسميّه بالمسيح الناصريّ الكشميري لأنه من الناصرة ومات في كشمير.

وأنبأ الله حضرة الإمام المهدي أنّ الأرض ستُخرج هذه الأنباء المتعلِّقة بهذه القضيّة، وهذا ما حدث فعلاً لأنّ ما اكتشفه الباحثون والمؤرِّخون من وثائق وأدلة تاريخيّة قاطعة تُثبت صحة ما ذكره حضرة الإمام المهدي عن رحلة سيدنا عيسى بن مريم إلى هذه الأقاليم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك