التقوى منكم إليكم

التقوى منكم إليكم

دمعة على التعليم

منذ زمن طويل يقوم كبار الإخصائيين في التدريس ببحوث لإيجاد طرق يستطيع الطلاب من خلالها أن يستفيدوا أكثر فيفيدوا مجتمعهم مستقبلا.

هناك طريقة للتدريس تتم عن طريق انتقاء الطلاب ذوي الكفاءات العالية وتدريسهم بأسلوب مميز، والطريقة الأخرى هي تدريس الطلاب ذوي الكفاءات المختلفة معا في صف واحد، ويبرهن أصحاب كل طريقة على صحة أفكارهم ومناهجهم ولكن الخبراء لم يصلوا بعد إلى أي نتيجة. إن تدريس الطلاب بتوزيعهم إلى شُعب حسب الكفاءة قريب جدا من مبادئ النازية وبهذه المبادئ تزرع بذور أفكار الفاشية والتمييز العنصري، لذا على خبراء التعليم الأحمديين أن يبذلوا أقصى جهودهم ضد هذا الطريق الخطير وأن يرفعوا أصواتهم ضد هذا التقسيم وضد منهج التعليم هذا الذي يؤدي بطبقة من الطلاب إلى الشعور بالامتياز وبأنهم موهوبون.

كما يجب علينا أن لا ننسى في هذا المجال أن إزالة هذه الطرق متعذرة في بعض الأحوال إذ أن الأثرياء في بلد مثلا يرسلون أولادهم إلى المدارس والمعاهد الراقية حيث يرفع مستوى تدريسهم بواسطة الكمبيوترات والأجهزة المتطورة، يضاف إلى ذلك أن عدد الطلاب في مثل هذه المدارس يكون قليلا في حين إن الصفوف في المدارس الأخرى تكثر وتزدحم إلى الصف إلى 100 طالب أحيانا حيث يصبح اهتمام الأستاذ بكل طالب على حدة مستحيلا بل يصعب على الأستاذ مجرد رعايتهم أحيانا وغالبا ما يُحبس الطلاب في غرفة مثل الأغنام. كما لا تتوفر عندهم الكتب ومن هذا يبدو واضحا أن مسئولية المدرس في مثل هذه المدارس قليلة جدا. ولكن هذا الواقع المؤلم يفرض نفسه على مجرى الأحداث في البلاد الفقيرة حيث لا يستطيع أحد منع الأثرياء من تسجيل أولادهم في المدارس الخاصة ذات الشهرة العالية.

هذه الظروف تحتوي على نسبة عالية من الضرر لأن الثراء يُمكّن الطلاب من التسجيل في المعاهد الراقية ويهيّىء لهم الأساتذة المتخصصين والأجهزة الحديثة، وليس ضروريا أن يكون جميع المتخرجين متفوقين إذ يتخرج بعض الطلاب وهم في مستوى ضعيف بالرغم من النظام الجيد وعلى العكس تُخرّج المعاهد العادية المذكورة أعلاه طلابًا متفوقين من الطراز العالي.

أما في بريطانيا مثلا فلا نجد هذه النقائص في صلب إدارتهم التعليمية بالصورة المذكورة آنفا ولكن نظامهم الانتقائي يختلف إذ يحصل الطلاب المتفوقين على أماكن في الجامعات الكبرى كأكسفورد وكامبردج وهارفرد. ويؤدي هذا العامل إلى غرس نزعة التفاخر والتبجح حيث يشعرون بأنهم يتأهبون لقيادة البلد وأنهم سيتولون إدارة شؤون بلدهم بعد التخرج وأحيانا نراهم يبرزون على الساحة السياسية أثناء دراستهم. ويحسبون هذه النزعات علامة نجاح. ولا يتوقف الأمر إلى هذا الحد إذ أنهم يسلكون مسالك المافيا في بعض البلدان فيسيطرون على مجرى الأحداث. وحركة الماسونيين التي تهيمن على سياسة إنكلترا هي وليدة هذه النزعة الانتقائية، فقد أثبتت بعض التحقيقات أن البروز على الساحة السياسية يستلزم علاقة وثيقة بالماسونيين ونادرًا ما يبرز أحد دون هذه العلاقة، ولا شك في أن السيطرة على هذه الفئات التي تتشكل في المؤسسات التعليمية الخصوصية واستخدامها للمصالح الخاصة سهلة على المافيا نسبيا. إن فرض هذه الشروط المخفية على الرأي العام تزرع في الطلاب مزاجًا خاصًا يعترف به النظام التدريسي حيث يصبح مزاج القوم كلهم وفيه تكمن خطورة بالغة.

إذا حللنا مناهج التدريس في العالم أجمع وجدنا أن أفضل نظام هو النظام الياباني للتدريس. يعترف المختصون اليابانيون في التدريس بأن كل طفل يستحق عناية كاملة من المدرس فلا وجود لفكرة تقسيم الطلاب حسب الكفاءات. إنهم يعلّمون كل طفل القيم الأخلاقية بدون تعليم أي ديانة، ولأن القيم الأخلاقية متساوية في كل ديانة، لذا لا يتسنى لأحد الاعتراض والاحتجاج. حين تطالعون هذه القيم الأخلاقية تجدون كأن أحدًا قرأ القرآن والحديث فجمع أفكارهم ثم جعلها جزءًا من نظام التدريس. إن اليابانيين قد خلّصوا النظام التدريسي من التعصبات بأسرها، فلهذا السبب يتصف النظام الياباني بجميع الصفات التي كانت في النظام الإسلامي لكن المسلمين قد تخلوا عنها للأسف.

ثم إن عدد الأساتذة في نظام التدريس الياباني هو ثلث عدد الطلاب أو ربعه بالمقارنة بدول شتى. ويعين أستاذ لكل ثلاثة أو أربعة طلاب، وهذا الوضع مثالي، ولكن النسبة بالفعل ترتفع إلى تسعة طلاب أو عشرة لا أكثر، ويرى المتخصصون اليابانيون أن انتباه الأستاذ يجب أن ينحصر في بضعة طلاب وإذا تجاوز هذا العدد ألحق الأضرار بدراسة الطلاب.

 

من الذي سيحدد مستوى الكفاءة؟

إن نظام التدريس الذي يقسم فيه الطلاب من حيث الكفاءة ناقص لأن الحكم بأن فلانا موهوب والآخر ليس موهوبا مستحيل، ولتفحُّص هذا الموضوع أدخلت الامتحانات في صلب النظام التدريسي ولكنها ناقصة جدا وغير مؤثرة لأنها تهمل أشياء كثيرة، فالأطفال الذين يقصد انتقاؤهم، لهم خلفيات مختلفة، ثم إن هناك معاهد خاصة تُدرب على هذه الفحوص، فهكذا يعرفون أساليب الامتحان (أعلاها وأدناها) وينجحون بعلامات جيدة.

وهناك طلاب ينتمون إلى أُسر فقيرة لا تسمح ظروفهم بنبوغهم إذ لم يتسن لهم النور حتى لو كانوا عباقرة.

في مثل هذه الظروف يكون الادعاء بأن فلانا موهوب والآخر ليس موهوبا كلاما فارغا وهذا الأسلوب ناقص جدا حيث يسفر عن حرمان بعض الأطفال لمجرد فقرهم، ومثل هذا النظام يؤدي إلى نتائج خطيرة لأن من بين هؤلاء الطلاب المحرومين من يرهق نفسيا لشعوره الدائم بالحرمان، ويترعرعون وفي صدورهم مشاعر الانتقام، وأفكارهم المعقدة المتشابكة تؤدي بهم إلى ارتكاب أعمال الانتقام الخطيرة جدًا.

لو تفحصنا أحوال طفولة الدكتاتوريين لوجدنا أن شعورهم بالحرمان قد أثر فيهم منذ الصغر، وعندما كبروا لم ينتقموا لحرمانهم هذا من بضعة أشخاص فقط، بل انتقموا من القوم أجمعين، وأحيانا تجاوز انتقامهم إلى الأقوام الأخرى وتعرض ملايين من الناس لانتقامهم.

لذا فإن تجرُّؤَ خبراء التعليم على الحكم في سلبيات الأمور النفسية بلا تردد، وقولهم بأننا نحن علماء وأذكياء وقادرون على الحكم السليم، عبثٌ في عبث وكلام في كلام لا قيمة له ولا فائدة منه.

إن التدخل في نظام التدريس يقتضي حذرًا فائقًا، وبدلاً من أن نتبنى النظام الجديد بصفة عمياء يجب أن ندرس مناهج التعليم التي ورثناها عن الأسلاف دراسة عميقة ثم ندخل عليها التغييرات المفيدة التي نكون على دراية مسبقة من خلال تجارب مماثلة عن مدى نجاعتها.*

(*مقتبس من إجابات حضرة أمير المؤمنين)

مساهمة الصديق محمد أحمد نعيم (سوريا)

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك