كشف الستار عن أكاذيب الأشرار
التاريخ: 1985-01-25

كشف الستار عن أكاذيب الأشرار

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة جمعة ألقاها حضرة أمير المؤمنين مرزا طاهر أحمد نصره الله

الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود

في 25 يناير/ كانون الثاني عام 1985م بمسجد “الفضل” لندن

أصدر الدكتاتور الباكستاني الراحل الجنرال ضياء الحق في 26/4/1984 حكماً عسكرياً غاشماً يحرم المسلمين الأحمديين في باكستان من حقهم في إعلان دينهم الإسلام الذي يدينون به من الأعماق، أو النطق بالشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، أو إلقاء تحية الإسلام، أو الصلاة على النبي ، أو رفع الأذان للصلاة، أو قراءة القرآن الكريم، أو كتابة آياته أو حيازتها، أو تسمية أنفسهم بأسماء المسلمين، إشارة أو صراحة، شفوياً أو كتابة، أو تسمية مساجدهم مساجد!! الأمر الذي كان ولا يزال يحرض المشائخ المتعصبين وأتباعهم الجهلة على قتل المسلمين الأحمديين المسالمين، وعلى تدمير بيوتهم وهدم مساجدهم، كما يبشرهم هذا القرار بتغاضي الحكومة عن جرائمهم.

وبعدها نشرت حكومته كتيباً باسم “القاديانية.. خطر رهيب على الإسلام” لتبرير ما قام به هذا الدكتاتور ضد الأحمديين من إجراءات جائرة منافية لتعاليم الإسلام السمحاء وسنة نبي الرحمة وسمّت حكومته هذا الكتيب “البيان الأبيض” وكان الأجدر أن يطلق عيه “البيان الأسود” لما فيه من أعذار سخيفة لتبرير هذا القرار الفرعوني الغاشم، تسوّد وتشوّه وجه الإسلام الأغر.

ولقد قام إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدنا مرزا طاهر أحمد – أيده الله بنصره العزيز- بالرد على هذا “البيان الأسود” محللاً ومفنداً بعون الله كل أعذارهم السخيفة عذراً عذراً، في سلسلة طويلة من خطب الجمعة (ثماني عشرة خطبة)، في أوائل سنة 1985م .. نشرها مترجمة من اللغة الأردية لفائدة القراء المنصفين، وهذه هي الخطبة الأولى منها.

وتشرف بترجمة هذه الخطبة عبد المؤمن طاهر، وراجعها الأستاذ محمد حلمي الشافعي المرحوم.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) (آمين) (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون َيُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة 31-34)

إن الدعاية الخطيرة التي تتذرع بها الحكومة الحالية بباكستان ضد الجماعة الإسلامية ا\لحمدية لها أشكال متعددة؛ فمن ناحية هي تمارس ضغطاً على المواطنين الأبرياء، وتشترط عليهم – نظير منحها لهم حقوقهم الأساسية ونجاحهم في قضاء مصالحهم – تكذيب سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ، محاولةً إعطاء تكذيب سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود طابع حملة شعبية. غير أن هذه الدعاية ضد الجماعة ليست من تلك الحملات الشعبية التي يقوم بها الشعب برغبة منه، وإنما وراءها قانون يُكره المواطن كرهاً على اختيار أحد الأمرين: إما تكذيب سيدنا المسيح الموعود ، أو الحرمان من حقوقه ومنافعه. حتى إنه لا يحق لأي مواطن هناك ممارسة حقه في التصويت ما لم يكذب سيدنا المهدي والمسيح الموعود . وتوجد أمثلة كثيرة للذين يحتجون على هذا القانون في باكستان، وكذلك بين الباكستانيين المقيمين في الخارج، حيث يقولون علناً: لا ندري حقيقة الميرزا المحترم، إن كان كاذباً فعليه كذبه، أما نحن فلا تحمّلونا إثم تكذيبه. ولكن هؤلاء لا يمكن أن ينالوا حقوقهم الأساسية ويحققوا منافعهم الدنيوية إلا بتكذيبه لذلك فإنهم يقومون بالتوقيع على استمارات تكذيبه .

وهناك أسلوب آخر تتبعه الحكومة في دعاية التكذيب والتلبيس هذه، وهو حرمان المسلمين الأحمديين من حقوقهم الأساسية، وتعريضهم لأنواع الاضطهاد بمساندة وتأييد الظالمين.. فالحكومة تقف وراء من ينهبون أموال الأحمديين، وتحمي في ظلها كل من يحاول اغتيالهم. كما تُسقط شهادة الشهود في حقهم، بينما تقبل شهادة الذين يشهدون ضدهم ولو ظلماً وزوراً.. وهي بالإضافة إلى ذلك تفصلهم عن الوظائف، وتحرم الطلاب المسلمين الأحمديين من حق التعليم، وغيرها من الضغوط والممارسات الكثيرة التي تعاملهم بها الحكومة في حياتهم اليومية، ظناً منها أنهم سوف يضطرون لترك الأحمدية في نهاية المطاف. ولكن، وكما يعلم العالم كله، وكذلك أهل باكستان الذين بدأوا يعرفون ذلك أكثر فأكثر.. فإن الحكام رغم كل هذه الوسائل القمعية قد فشلوا في صد المسلمين الأحمديين عن الأحمدية، بل بالعكس فقد نهض هؤلاء بعون الله تعالى أشد إيماناً وأعظم تسليماً. لقد اشتدت رغبتهم في التضحيات، وارتفعت معنوياتهم، وتقوت عزائمهم بما لا نجد نظيره من قبل. فالله تعالى بفضله ورحمته قد أحبط مساعي الحكومة تماماً في هذه الناحية أيضاً.

أما فيما يتعلق بفشلهم الذريع في محاولتهم الأولى فإن جميع التقارير الواردة من أعضاء الجماعة في باكستان تقول بأن كل مواطن غير أحمدي حينما يوقع على ورقة تكذيب سيدنا الإمام المهدي فإنه يشعر بخوف ويتساءل: هل تبينتُ أمر هذا الرجل الذي أقدمت على تكذيبه أم لا؟ هل اتخذت هذا القرار بعد التأكد من كذبه، أم وقعت على ورقة تكذيبه مكرهاً لنيل منفعة دنيوية فحسب؟

هذا الإحساس قد بدأ يتزايد عند عامة الناس هناك في هذه الأيام. وقد أوجد الله تعالى بقدرته وسائل لإيقاظ ضمائرهم لم نستطع إيجادها. فإن عامة الناس لم يكونوا راغبين في التحقق من الأحمدية من قبل، وكان يغلب على معظمهم عدم المعرفة، بل الواقع أن المسلمين رغم انتسابهم إلى فرق إسلامية مختلفة، فإن عدداً قليلاً جداً هم الذين كانوا يعلمون ما هي عقائدهم، وما هو الأساس لنظريتهم الإسلامية، وما هي الأعمال التي يطالبهم الإسلام بالقيام بها. فقد كانت هناك حالة غفلة تسود المسلمين المنقسمين إلى مختلف الفرق فيما يظهر. ولما كانوا يجهلون أيضاً أمر الأحمدية فلم يكن لديهم أية رغبة في التحقق من أمر الجماعة الإسلامية الأحمدية. وقليل هم الذين يعارضون الأحمدية لاعتقادهم أنها – والعياذ بالله – كاذبة، بينما كان عدد كبير جداً منهم التزم السكوت والتفرج فقط، نتيجة لخوفهم من الملات (المشائخ المتعصبين) وضغط العامة. أما الآن ففي كل مكان من باكستان يتكلم الناس عن الأحمدية، وقد بلغت رسالة سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود إلى الأماكن التي لم يصل إليها أحمدي قط، ولم يعد أهلها يطلعون على أمر الأحمدية فحسب، بل إنهم قد بدأوا يشعرون بوخز الضمير أيضاً. وذلك لأن الحكومة قد أكرهت، حتى الجاهلين منهم بأمر الأحمدية، على اتخاذ قرار لم يكونوا أهلاً له. وهذا أدى إلى رغبة الشعب في التعرف على أمر الأحمدية. وقد بدأت آثاره أيضاً تظهر، وقد تم هذا بفضل الله تعالى وعونه دونما شك.

وهناك أسلوب ثالث تتبعه الحكومة الباكستانية للدعاية المضادة للأحمدية، وهو نشر وتوزيع الكتب والمنشورات ضدها على نطاق واسع.. فقد وزعوا المنشورات بمختلف اللغات في كل أنحاء العالم، عن طريق السفارات الباكستانية، أو بطريق مباشر. قاموا فيها بمحاولة تشويه سمعة سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود كذباً وافتراء، مما يسبب ألماً شديداً للجماعة الإسلامية الأحمدية المنتشرة في كل أنحاء العالم، وخاصة للأحمديين المقيمين بباكستان.. حيث تطلع الجرائد بمثل هذه الدعاية الكاذبة ليل نهار، وتنفق الحكومة الملايين على توظيف المشائخ لسب وتكذيب سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ، كما تسبّه الحكومة بنفسها وتكذبه بلا أدنى مراعاة لأي منطق أو قانون دنيوي، أو قاعدة إنسانية أو أخلاقية. فقد قاموا بنسج حكايات مزورة ضد سيدنا المسيح الموعود بمختلف اللغات، ونشروها بصورة تصيب المرء بالدهشة بأنه في مثل هذا المن المتحضر أيضاً تُرى مشاهد الانحطاط الأخلاقي إلى هذه الدرجة.

إن صدور مثل هذه الأمور عن رجل عادي يدل على انحطاط أخلاقي شديد، فما بال الحكومة تصدر عنها هذه الأعمال المنحطة. إن الحكومات – الدهرية منها أيضاً – تقوم بواجبها الأخلاقي، فتراعي في كلامها بعض الحياء، وتتمسك في حكمها بالوقار والرزانة عموماً.. آخذة في الاعتبار دائماً التقاليد الدنيوية حتى ضد أعدى أعدائها، ولكن الحكومة الباكستانية هي المثل الوحيد للحكومة التي ضربت بكل المقتضيات الأخلاقية عرض الحائط، وتجاوزت كل الحدود التي تضعها المُثُل العليا. فبدأت تستخدم لهجةَ “الأحراريين”[1] تلك اللهجة السوقية التي كان الناس يسمعونها في سوق أمرتسار، أو كنا سمعناها حينما هاجم “القواد الأحراريون الفاتحون” قاديان. هذه اللهجة السوقية قد اختارتها الحكومة الباكستانية الآن. إن مزاجها، وسلوكها، وأسلوب حكمها قد اصطبغت الآن بهذه الصبغة الأحرارية تماماً.

هذه هي الصورة التي تظهر بها هذه الحكومة للعالم كله. وإم التهجم على الأحمدية وعلى مؤسسها سيدنا المهدي والمسيح الموعود ، من خلال كيلِ تهمٍ باطلة قد صار الآن عادتها اليومية. فقد نشرت مؤخراً كتيباً سمته (البيان الأبيض) بعنوان “القاديانية.. خطر رهيب على الإسلام”، ووزعته بكثرة في كل العالم. ولقد كنت ذكرت في إحدى خطب الجمعة أنني أنوي، بعون الله تعالى، إلقاء كلمة حول هذا الكتيب، وسوف أتناول فيه كل اعتراض والرد عليه بصورة منفصلة ومفصلة. غير أن بعض علماء وكتاب الجماعة أيضاً قد حاولوا الرد عليه في هذه الفترة، وبعضهم كنت أمرتهم بذلك، فكتبوا بحوثاً جيدة قد أُعِدَّ بعضها للطبع، ولكن وصول هذه المقالات إلى كل أحمدي صعب، لأن جزءاً من الجماعة غير متعلمين، وهناك من ليس عندهم عادة المطالعة، لذا أرى أننا لا نستطيع الاتصال بأبناء الجماعة على نطاق واسع في هذا الصدد إلا الخطب. لقد لاحظت فوائد كثيرة في الاتصال الذي يتم عن طريق أشرطة خطب الجمعة باللغة الأردية، ثم أشرطة الخطب المترجمة إلى لغات أخرى بأيدي دعاة الجماعة. إن هذا النظام للاتصال مؤثر جداً. لا شك أن المحاولات العلمية التي قام بها علماء وكتاب الجماعة في الرد على كتيب الحكومة هذا مفيدة جداً في حد ذاتها، وسوف نستفيد منها أيضاً، ولكن كما سبق أن ذكرت، سوف أتحدث أنا أيضاُ عن هذا الموضوع إن شاء الله تعالى. أما اليوم فأريد كشف الستار عن خلفية هذه المعارضة. وبعدها سوف أتناول باختصار الاعتراضات التي وردت في هذا البيان الأبيض المزعوم، وسوف أرد عليها بعون الله تعالى في سلسلة من خطب الجمعة أو في أحد الاجتماعات السنوية حيث أجد وقتاً أكثر.

خلفية المعارضة

وفيما يتعلق بخلفية هذه المعارضة فيجب أن يعلم الإخوة أنها نتيجة لمؤامرة مخططة، وسلسلة المحاولات المضنية من الجهات المعادية للجماعة تكشف هذه الخلفية. الإخوة لا يستطيعون عموماً رَبْطَ ما حصل من قبل وما يحصل الآن، ولا يعرفون أي الحلقات من المعارضة الحالية متصلة بأحداث سنة 1974م.

ومما يكشف لنا خلفية هذه المعارضة هو كيفية سير المحاولات المعادية للجماعة سيراً منظماً، وظهورها الآن بهذه الصورة.

ثم هناك جانب آخر لهذه الخلفية.. يتعلق بالقوى الخارجية أو بالقوى الدينية غير الإسلامية. هناك قوى استعمارية كبيرة متورطة في هذه المعارضة ضدنا، ولها نوايا خطيرة جداً أخذت صورة مخطط مدبر منذ سنين. لقد تفاوضوا وتساوموا، وكانوا ولا ينفكون ينفقون الملايين ضد الجماعة حسب هذا المخطط. إني أعلم على الأقل ما تم من تخطيطهم منذ عشرين سنة.

ولا ينتهي الأمر إلى هذا الحد، بل إنهم درّبوا الجماعات المعادية لنا تدريبات خاصة، وتدخلوا عن طريقها في مجريات السياسة الباكستانية أيضاً.

إن هذا الموضوع يحتاج إلى تفصيل، وسوف أتناوله فيما بعد إن شاء الله تعالى إذا دعت إليه الحاجة.

وكما أسلفت فإن المعارضة الحالية ضدنا لها صلة بأحداث سنة 1974م، فلقد كانوا وضعوا في دستور 1973م نواة لأحداث 1974م، بإدخال جملٍ وبنود تلفت الأنظار إلينا، وتمكِّنهم من تمييز أبناء الأحمدية عن الآخرين واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية.

وكنت قد انتبهت لهذا الخطر عندما أرادوا الاتفاق على هذا القانون وتطبيقه سنة 1974م، كما لفتُّ إليه وقتئذ نظرَ حضرة الخليفة الثالث (رحمه الله) لسيدنا المهدي والمسيح الموعود . فحاولت الجماعة قدر المستطاع وعلى مختلف المستويات إزالة الآثار السيئة لهذا الاتجاه المعاند، ولكن من خلال محاولاتنا تلك أدركنا أن هذا الاتجاه المعاند ليس هو مِن صنع الحكومة وحدها، وإنما هو حلقة من سلسلة مخططات طويلة، وأننا سوف نواجه أخطاراً أشد من هذا. وأحداث 1974م صدّقَتْ مخاوفَنا بصورة واضحة.

هجوم خطير على أساس الجماعة

غير أن هناك فرقاً واضحاً بين حكومة 1974م وبين الحكومة الحالية، وهو أن تلك الحكومة كانت تتحلى بالحياء، فكانت تستحي من الشعب، وكذلك من الحكومات الأخرى في العالم. غير أنها لم تكن أقل عداوة للجماعة، وإنما كانت تنفذ مثل الحكومة الحالية مخطط الهجوم العنيف على أساس الجماعة وهدم بنيانها. ومن هذه الناحية ليس هناك أي فرق بين حكومة بوتو[2] وبين الحكومة الحالية، ولكن بالنسبة للحياء فهناك فرق واضح بينهما. عن السيد بوتو كان قائداً شعبياً، وكان ينوي ألا يفقد شعبيته بفعل ما يتوهم به المواطنون بأنه يريد أن يصبح دكتاتوراً يفعل ما يشاء، اللهم إلا ما كان في نطاق الاضطرار الشديد. ولذلك حاول قبل اتخاذ الإجراءات ضد جماعتنا أن يعطي الموقف طابع محاكمة شعبية، برفع الأمر إلى المجلس الوطني. كما منح الجماعة الإسلامية الأحمدية حق الدفاع عن موقفها أمام المجلس حتى لا يعترض عليه العالم الخارجي.

والحق أنه كان ينوي بذلك كسب المزيد من رأي العالم الخارجي، إذ كانت له أمانٍ واسعة وطموحات كبيرة حتى خارج بلده أيضاً. فكان لا يرى الكفاية في أن يكون قائد شعبه، وإنما كان يتمنى توسيع نفوذه في المناطق المجاورة ليتألق أمام العالم كقائد الشرق كله مثل باندت نهرو، حتى يعترف العالم بمهارته السياسية.

هذا ما جعله يستحي من الرأي العالمي، ويتظاهر لشعبه وللعالم الخارجي وكأنه مضطر اضطراراً شديداً في أمر الأحمدية. ولكنه مع ذلك لم يخضع لضغوط الناس مباشرة، وإنما رفع القضية إلى المجلس الوطني، وأعطى لوفد الجماعة المتكون من إمامها وبضعة أفراد آخرين فرصة الدفاع عن موقفها. واستهلكت النقاشات قسطاً كبيراً من أوقات المجلس الوطني. وأخيراً عندما اتفقوا على اتخاذ قرار باعتبارنا أقلية غير مسلمة وجد بوتو في ذلك فرصة ليقول: ماذا أفعل الآن، ليس أمامي أي خيار.

أما الحكومة الحالية فهي عارية تماماً من ثوب الحياء، فهي ليست حكومة الشعب، كما لا تبالي بالرأي العالمي. إن الدكتاتور في كل حال دكتاتور، لذلك مهما حاول في الظاهر فإن الدكتاتورية تفرض عليه نفسها وتُلزمه بعدم الاكتراث بأي شيء مهما كانت النتائج، ومهما صرخ الرأي العام. فمن مزاج المستبدين ألا يحاولوا إلا قليلاً لكسب الرأي العالمي، فإن كسبوه فبها ونعمت، وإلا فلا يبالون بأي شيء. وهذه النزعة الدكتاتورية قد ظهرت بكل جلاء ووضوح أيضاً في الدعاية الحالية ضدنا.

قرار مجلس الشعب

حقاً إن الحكومة في 1974م منحتنا قبل إصدار القرار ضدنا فرصة الدفاع عن موقفنا خلال المناقشات التي دارت في مجلس الشعب لأربعة عشر يوماً، كما قدمت الجماعة موقفها خطياً ايضاً، ولكن لما كانت تلك الحكومة من الدهاء بمكان، لذلك فقد أدركت خلال جلسات المجلس الوطني نفسها بأن هذه النقاشات لو أُذيعت بين الناس واطلعت الدنيا على الأسئلة والأجوبة الدائرة فيها بكل تفاصيلها، فلن تفلح الحكومة في مخططها، وإنما يحدث العكس، ومن الممكن أن يتعاطف العالم مع الجماعة الإسلامية الأحمدية ويعتبرها مظلومة بدل أن يشيد بهذا القرار الذي اتُّخذ ضدها بعد إتاحة فرصة الدفاع عن موقفها. ذلك أن الجماعة قد دافعت عن موقفها ببراهيم عقلية ونقلية قوية، لا يمكن لأحد بعد الاطلاع عليها اعتبار الجماعة الإسلامية الأحمدية خارجة عن الإسلام.

انتبهت الحكومة لهذا الخطر ومنعتنا من الاحتفاظ بأي تقرير كتابي او مسجل للمناقشات التي دارت في البرلمان، كما قررت عدم نشرها. ويمكن تقدير نتائج ومدى تأثير المناقشات الدائرة في المجلس الوطني بالحادث التالي:

سُئل أحد أعضاء ذلك المجلس الوطني الباكستاني مرةً: لماذا لا تنشرون محاضر تلك المناقشات؟ وكما قلتم فإن كل البرلمان قد قرر بالإجماع اعتبار الجماعة الأحمدية خاطئة وخارجة عن الإسلام بسبب عقائدها، فلماذا لا تنشرون كذبها للعالم بنشر التقارير حول مناقشات المجلس الوطني تلك. فضحك وقال: أنت تقول: لماذا لا ننشرها؟ عليك أن تشكرنا، إذ لو نشرناها لدخل نصف سكان باكستان في الأحمدية.

وكان قوله “نصف سكان باكستان” تهويناً من جانبه. الحق لو تم تبليغ موقف الأحمدية إلى المواطنين الشرفاء كما ينبغي فلا أرى أي مانع يحول دون دخول الجميع في الأحمدية، إلا قليلاً ممن يُحرمون من الهدى في كل حال، وكُتبت عليهم الضلالة للأبد.. ومن يُضلل اللهُ فلا هادي له، فلا بد من مثل هذه الاستثناءات. ولكني أحسن الظن بالأغلبية من باكستان أنهم لو وصل إليهم موقف الجماعة بصورة صحيحة، ولا سيما إلى أبناء الجيل المعاصر الذين يُحكِّمون العقل أكثر ويقلِّدون أقل من الذين قبلهم، لَقَبِلَ معظمهم الأحمدية بعون الله تعالى.

مصادرة كتب الأحمدية

وقد تحاشت الحكومة الحالية هذا الخطر بشن الهجوم على الأحمدية من طرف واحد، مع عدم السماح لها بالدفاع عن نفسها والرد على اعتراضات الحكومة، بل لم تترك لها الفرصة للدفاع حيث حاولت قبل شن هجماتها على الأحمدية مصادرة الكتب والمنشورات الأحمدية التي يوجد فيها الرد على هذه المطاعن.

إن التعارض الصارخ في أسلوب هذه الحكومة، وإن كان يومئ إلى حمقها فيما يبدو، ولكنه في الحقيقة يدل أكثر على ما في نيتها من خبث ومكر. فمن ناحية هم يقولون بأنهم يصادرون كتب سيدنا المسيح الموعود لأنها تجرح مشاعر المسلمين، ومن ناحية أخرى يقتبسون منها جملاً مبتورة تسبب، في زعمهم، تجريح مشاعرهم، وينشرونها.

يا لها من غباوة! تقولون: نصادر كتب مؤسس الجماعة لنها تجرح مشاعر المواطنين المسلمين منهم، ثم تعودون وتحلون مشكلة تجريح المشاعر بإصدار القانون الذي يمنع من نشر ما لا يجرح المشاعر بزعمكم، فإنكم تنفقون الملايين على نشره وتوزيعه في كل أنحاء العالم!

أمران متعارضان فيما يبدو، ولكنهما في الحقيقة نتيجة لمؤامرة شريرة ماكرة للهجوم على الجماعة، إذ إن الاعتراضات التي أثاروها على مقتبسات مبتورة من كتب سيدنا المهدي والمسيح الموعود ، جوابُها موجود في الكتب نفسها. وكل رجل شريف عندما يطالع كتبه ويرى السياق والسباق، لا يجد أي مبرر للاعتراض. وذا بالضبط ما حدث باستمرار في جلسات البرلمان. كان حضرة الخليفة الثالث (لسيدنا المهدي والمسيح الموعود) رحمه الله تعالى، قد شرَّفني بالانضمام على وفد الجماعة إلى البرلمان. فكنت أنا وزملائي ندهش لما جرى هناك. فكلما كانوا يعترضون على أمر ذكره سيدنا المهدي والمسيح في كتبه، كان حضرة الخليفة الثالث – رحمه الله- يقرأ نفس المقتبس المبتور مع سياقه وسباقه، فكان الاعتراض يزول تلقائياً، باعثاً الاطمئنان على الحضور، فكانوا يدركون أن هذا الهجوم ليس إلا نتيجة للتحريف الشنيع والحذف المغرض، ولا صحة فيه أصلاً.

نعم، في بعض الأحيان كان حضرته – رحمه الله – يقوم ببعض التوضيح للعبارة، كلما دعت الحاجة إلى ذلك، غير أن كتب سيدنا المهدي والمسيح الموعود تشتمل بنفسها على الردود الشافية لهذه الاعتراضات. وأي شك أنه لو أُخذت جملة مبتورة وقدمت بدون السياق والسباق بقصد التحريف لأدت إلى تجريح المشاعر. ولكن حضرته لم يقصد ما يُنسب إليه، وإنما يحرفون الكلم عن موضعه عمداً بقصد إثارة مشاعر القوم ضده، بينما يخفون عنهم ما كتبناه من الرد. هذه هي الاستراتيجية التي تتبعها هذه الحكومة. فقبل وقوع هذا الحادث بدأوا بمصادرة الكتب، بل قاموا بإغلاق مطابع الجماعة والدوريات والجرائد.

هذا جبن يدل على الضعف والعجز، وبهذا الأسلوب يكونون قد اعترفوا بهزيمتهم فعلاً. ذلك لأن الخصم القوي في حقل الأدلة والبراهين لا يلجأ إلى استخدام السلاح ومنع الطرف الآخر من إيضاح موقفه بسن القوانين. هذا خلاف للعقل ومناف لمصالحه هو أيضاً. فكل الجهود التي تُبذل لشن الهجوم على الجماعة الإسلامية الأحمدية من ناحية، ولمنعها من الدفاع عن موقفها من ناحية أخرى، إنها ولا شك، تشكل دليلاً واضحاً على جبنهم الشديد واعترافهم الصريح بالهزيمة في مجال الأدلة والبراهين. فمن جهة يقولون للعالم إن عدد أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية لا يتجاوز 70 أو 80 ألف نسمة فقط، ومن ناحية أخرى يشيعون في الناس أن الأحمدية خطر رهيب يهدد العالم الإسلامي بحيث لا يوجد له نظير من قبل.

حلُّ “قضية المائة سنة”

ولم يكتفوا بهذه الدعايات الكاذبة البغيضة فحسب، بل صادروا كتب الجماعة أيضاً. ومع ذلك هم يفتخرون بهذه الإجراءات قائلين: انظروا كيف تمكّنَّا من القضاء على هذا الخطر! فقد كتبوا في بيانهم الأبيض المزعوم وهم يقارنون بين إجراءات الحكومة السابقة وحكومتهم: إنه (أي اعتبار الأحمدية خارجة عن دائرة الإسلام) لمن الإنجازات الكبيرة للبرلمان الوطني حقاً. (وأقول: إنه هو نفس البرلمان الذي ألغوه واتهموا أعضاءه كلهم إلا قليلاً منهم بأنهم أشرار مفسدون. ومع ذلك اعتبروا عملَهم هذا إنجازاً كبيراً. ذلك لأن لهم تفكيراً مثل تفكيرهم، وأعمالاً مثل أعمالهم. فقالوا: إن هذا إنجاز كبير لذلك البرلمان). إذ حلّوا بذلك “قضية المائة سنة”. ولكنهم لم يستطيعوا حل “قضية المائة سنة” تماماً، بل كانت هناك قوانين وقرارات لم تصدر بعد، وإنما كتب الله لنا أن نصدرها. والآن قمنا بإصدارها، وقضينا على هذه الجماعة، واستأصلنا شأفتها. فلا خطر الآن على العالم الإسلامي!

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: كيف قاموا بحل تلك القضية، وكيف حمَوا المسلمين من ذلك الخطر؟

لقد ردّوا على هذا السؤال في آخر “البيان الأبيض” الحكومي المزعوم وقالوا: قمنا بحل هذه القضية بإصدار قرار منعنا به أبناء الأحمدية من رفع الأذان، أو الانتماء إلى الإسلام.. فلا يستطيعون الآن أن ينطقوا بالشهادتين، أو يكتبوهما، أو يسمُّوا مساجدهم مساجد.. لا يمكن لهم الآن أن يقوموا بشعائر المسلمين، أو يعملوا حسب تعاليم القرآن.. انظروا كم نحن مسرورون، وكيف قمنا بحل هذه القضية الخطيرة!

فكأن هذه هي النتيجة التي توصلوا إليها في آخر الأمر. ولكني أقول: إن للحمق حدوداً. والحمق يتجلى حتى في أعمال الشاطرين الماكرين أيضاً. ذلك لأن الذي هو خلو من الصدق يلجأ إلى المكر لتحقيق أهدافه، وبسبب خلوِّه من الصدق يتسرب الحمق إلى مكره. والحمق لا بد أن يظهر للعيان. فكل هذه الأنواع من الحمق والتعارض في أعمالهم إنما ترجع إلى مكر وكذب. إذ لا يمكن أن يؤدي العقل الصادق إلى هذه التناقضات الصارخة.

لجأت الحكومة الحالية إلى المكر، وظنت أنها أكثر دهاء من حكومة بوتو، وقالت: إنه من حمقه سمح للجماعة بالدفاع عن موقفها في مجلس الشعب. بل لقد كتب هؤلاء في “البيان الأبيض” المزعوم بأنه لا يليق أصلاً الحوار مع من يدّعون النبوة، ومن الحمق أن يسعى أحد لإفحامهم بالأدلة والبراهين. ولذا إن ما قمنا به هو العلاج الناجع، لا غيره.

فقاموا بنسج سلسلة من الاتهامات القذرة الخطيرة ظلماً وزوراً. والقرآن يخبرنا أن مساعي الظالمين لن تجديهم شيئاً حيث قال: (فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون) (البقرة: 18) أي الذين يعيشون في النفاق، وتتعارض أعمالهم مع أقوالهم.. ويتكلمون بكلام الحكماء ومع ذلك يأتون بأعمال الحمقى.. أولئك لا تنفعهم جهودهم شيئاً. إنهم يوقدون النار ولا شك، بنية التفرج على مشاهد معينة، ولكن الله تعالى يحرمهم من التفرج. إنه يسلبهم نورَ البصيرة. النار يوقدونها للإحراق، ولكن النار نفسها تحرمهم حتى من نور البصيرة، وتتركهم في ظلمات لا يستطيعون فيها الرؤية.

وهذا بالضبط ما حدث بالنسبة لمحاولة الحكومة الحالية ضد الجماعة، إذ جلبت على الجماعة خيراً كثيراً في حقيقة الأمر، ولن تزال تجلب خيراً بعد خير، إن شاء الله تعالى. والحق أن الجماعة في هذه الأيام تمر بمرحلة يصدق عليها قول الله تعالى في القرآن الكريم: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) (البقرة: 217).. أي في بعض الأحيان تكرهون شيئاً ما وتتأذون به وتتألمون منه، ولكن الله يجعل لكم فيه خيراً كثيراً. تماماُ كما تفعلون بالصغار الذين حينما تسقونهم دواءً مراً أو تجبرونهم على الحقن فإنهم يبكون ويصرخون ولكن بدون جدوى. تعاملون الصغار هكذا لأن فيه خيراً لهم. نحن أيضاً نبلوكم في بعض الأحيان بأشياء تتألمون منها كثيراً، ولكنها في آخر المطاف تعود عليكم بخير عميم. فمن أكبر الفوائد التي جنتها الجماعة مما نشرته ووزعته الحكومة الباكستانية من منشورات قذرة ضدنا في كل أنحاء العالم |أن الناس اتجهوا إلى التحقيق في أمرها. فمن قبل لم يخطر اسم جماعتنا ببالهم، ولكنهم عندما اطلعوا على ما نُشر عنها بدأت الجرائد في كل العالم تكتب عن هذه الأخبار. وبصدور هذا القرار العسكري الغاشم ذاع صيت الجماعة على الأقل عشرين ضعفاً من ذي قبل. ففي أمريكا بل وفي إنجلترا أيضاً كانت الأكثرية الغالبة تجهل حقيقة الجماعة تماماً. وهذا طبيعي إذ كيف يمكن لمركز أو مركزين للدعوة إيقاظ عشرات الملايين من الناس. فكان الناس من قبل لا يولون أي اهتمام بالجماعة، ولكن المحن والظروف الصعبة التي مرت بها الجماعة أكسبتها تعاطف القوم، وبالتالي رغَّبتهم في معرفة أمرها وتحقيق شأنها، بمطالعة الكتب وتوجيه الأسئلة والاستفسارات. لقد ضاعف ذيوع صيت الجماعة ما نشرته الحكومة الباكستانية ضدها من منشورات جائرة. ذلك أن منشوراتهم لها أسلوب خاص يدرك به كل ذي عقل أن وراء الأكمة ما رواءها. إذ تقول الحكومة من جهة: إن الأحمديين شرذمة قليلون، وإنهم رغم محاولاتهم المستميتة خلال المائة سنة الماضية لم يتجاوز عددهم سبعين ألفاً، ومن جهة أخرى تخوفهم هذا الخوف الشديد، رغم كونها حكومة قوية تحكم عشرات الملايين، بل وتُعلن بأن الأحمدية خطر رهيب يهدد كيان العالم الإسلامي أجمع.

هذا قول غير معقول ولا يمكن أن يستسيغه كل واحد طبعاً. ولذلك كل من يقرأ هذا البيان الحكومي وإن كان لا يعرف من أمرها شيئاً، ويتعاطف مع الجماعة الإسلامية الأحمدية، أو على الأقل يجد رغبة في التحقيق من أمرها.

فمن أكبر الفوائد التي جنتها الجماعة مما نشرته ووزعته الحكومة الباكستانية من منشورات قذرة ضدنا في كل أنحاء العالم |أن الناس اتجهوا إلى التحقيق في أمرها. فمن قبل لم يخطر اسم جماعتنا ببالهم، ولكنهم عندما اطلعوا على ما نُشر عنها بدأت الجرائد في كل العالم تكتب عن هذه الأخبار.

دحض تهم باطلة

لقد أناح الله لنا بفضله وعونه فرصة ذهبية كنا حُرمنا من قبل. إذ كانت الحكومة السابقة قيدت أيدينا فيما يتعلق بنشر التقارير عن المناقشات التي جرت في المجلس الوطني. أما هؤلاء فكأنهم قد فكّوا الآن هذه القيود بإتاحة فرصة مواتية لنا للرد عليهم.. حيث سرقوا الاعتراضات من سجلات ذلك المجلس ونشروها. كنت حضرتُ هذه المناقشات، وأعلم أن كل هذه الاعتراضات هي نفس التي أثيرت في ذلك المجلس، غير أنهم ذكروا بعضها في البيان الأبيض المزعوم، أما البقية فسلموها إلى مجلة هي في الحقيقة بمثابة مزبلة منتنة لكون لغتها بذيئة منحطة للغاية، وتسمّى “قومي دائيجست”. ولا ندري كم أغدقوا على أصحابها من المال. لقد أصدروا منها عدداً خاصاً كله سب فاحش وشتائم قذرة وتهم شنيعة باطلة ضد سيدنا المهدي والمسيح الموعود ، ونسبوا فيها إليه أموراً منحطة للغاية بأسلوب سوقي لا يستطيع قراءتها أي إنسان شريف، ولو حاول قراءتها لعافتها نفسه على الفور، ولرمى بهذه “التحفة النادرة للصحافة السوقية القذرة”. ومع ذلك قد أنفقوا الكثير على إخراجها في شكل مجلة جميلة رائعة، وضمنوها حسب مخططهم كل الاعتراضات التي لم ينشروها في البيان الحكومي.

إن “الأحراريين” في كل يوم جديد ينشرون إعلانات منحطة كهذه.. وهي ليست في الحقيقة إلا أكواماً من النجاسة القذرة، ولكن الشعب الباكستاني الشريف لا يلقي بها بالاً على الإطلاق. أما الحكومة فتهتم بها لدرجة أن وزارة الإعلام تقوم بشرائها وإرسالها إلى السفارات الباكستانية في كل أنحاء العالم، كما لو أن السفارات ليس لها شغل سوى ذلك. عليهم أن يذهبوا ويروا ماذا يُفعل بمثل هذه المنشورات التي يرسلونها إلى السفارات. هذه أيام الشتاء، وليس بمستبعد أن يكون أصحاب السفارات يستخدمونها كوقود لإشعال النار واصطلائها، وغير ذلك من الاستعمال المناسب. أقول ذلك لأن العاملين في السفارات لهم أشغالهم وهواياتهم التي لا يرفعون عنها رؤوسهم. فأنى لهم أن يعرضوا عن مصالحهم ويصرفوا الأنظار عما يتمتع به أهل أوروبا وأمريكا ليضيعوا أوقاتهم في قراءة هذه الأكاذيب من طرف واحد. وكل مَن عمل في حقل الدبلوماسية يدرك جيداً ماذا يجري في  السفارات في الخارج، وما يُفعل بمثل هذه المنشورات. إنهم يلقون نظرة عابرة على صفحة العنوان فقط ويرمون بها جانباً. وهذا في حد ذاته يُذكرهم بالجماعة ويقولون في أنفسهم بأنها لا بد أن تكون ذات شأن وجديرة بالاهتمام، ثم يستعملون الأوراق كوقود لتحضير الشأي أو الاستدفاء. هذا هو مدى تأثير المنشورات المضادة لنا، ولكن الحكومة مع ذلك تشتري وترسل إلى السفارات في الخارج منشورات كهذه مليئة بالسباب والشتائم البذيئة للغاية، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

إننا سوف نرد عليها بعون الله تعالى وتوفيقه، ولكن لا يكون ذلك في خطب الجمعة بصفة متواصلة، إذ تجد أمور وضرورات لا بد من ذكرها في هذه الخطب. ومع ذلك سوف أقوم بالرد على بعضها – بعون الله تعالى – في خطب الجمعة وعلى بعضها الآخر في خطب طويلة نسبياً بمناسبات أخرى.

والحمد لله تعالى الذي أتاح لنا فرصة كانت قد انفلتت من أيدينا، إذ كنا نريد في سنة 1974م توصيل وجهة نظرنا إلى العالم كله وإخبارهم بالأسباب التي أدت بالحكومة الباكستانية إلى اعتبارنا “كافرين أو غير مسلمين”. كان ذلك مستحيلاً لأنهم منعونا من ذلك بالقانون. نحن لا نخلف الوعد وكنا مضطرين، ولم نتمكن من نشر الرد وتوضيح موقفنا بسبب هذا القانون. أما الآن فإن الحكومة الحالية بنفسها قد ألغت ذلك القانون عملياً حيث بينت موقفها. والآن سوف نبين موقفنا بأنفسنا لا غيرُنا، وسوف نوضحه كما نشاء. نوضحه لكل العالم وبكل اللغات. إنهم لا يملكون أن يقاومونا، وهم عاجزون عن ذلك تماماً. لو كان عندهم القدرة على مواجهتنا بالأدلة لأتاحوا لنا الفرصة للدفاع عن موقفنا. فلو كانت لديهم جرأة التصدي بالبراهيم ما كانوا بحاجة إلى مصادرة كتبنا وإيقاف جرائدنا ومجلاتنا، وإغلاق مطابعنا. إنهم جبناء، لا يقدرون على المقاومة. ولكنهم لن يسلبونا هذه الفرصة للرد عليهم. ولسوف نبلغ ردنا على منشوراتهم القذرة إلى كل مكان من العالم بما فيه باكستان أيضاً.

إنجازات عظيمة

بعون الله تعالى لن تستطيع أية قوة من الدنيا عرقلة طريق ازدهار الجماعة الإسلامية الأحمدية، لأنها جماعة أقامها الله تعالى بنفسه. أما السؤال: إلى متى تستمر هذه الظروف الصعبة بالنسبة للجماعة فأقول، كما بينت من قبل أيضاً: الله أعلم بذلك. ومع ذلك أود أن ألفت أنظاركم إلى أمر هام قبل إنهاء خطبتي: إن رسائل بعض الإخوة تُشتمّ منها رائحةُ القنوط واليأس إلى حد ما.. وهذا يؤلمني. ينبغي أن أسميه باسم آخر، غير القنوط، إذ إن أصحاب هذه الخطابات ليسوا قانطين من رحمة الله، ولكن مع ذلك فإن النتيجة التي توصلوا إليها تدل على استعجالهم الشديد في الحكم وقلة الصبر، حيث يظنون أن مشيئة الله تعالى في هذه المحن والابتلاءات مختلفة عما سبق، وأننا ربما نضطر لنقل المركز الرئيسي من هذا البلد (باكستان)، وأن أمامنا شوطاً طويلاً من الابتلاءات هذه المرة. ولكنهم مع ذلك متأكدون بأن هذه المحن سوف تتمخض في آخر المطاف عن انتصارات عظيمة للجماعة، كما جرت سنة الله باستمرار من قبل.

أراهم قد استعجلوا في هذا الحكم، ولا أرضى بذلك أبداً. صحيح أن التاريخ يعيد نفسه، ولكنه هذا لا يعني بالضرورة أنه يعيد نفسه لفظاً لفظاً، وصورة صورة، واسماً اسماً مائة بالمائة. إن التاريخ إنما يعيد نفسه من حيث المبادئ والقواعد. وهذه المبادئ مسجلة محفوظة من عند الله تعالى في القرآن الكريم. فالمبادئ سوف تعاد بلا شك، لأنها سنة الله مع أنبيائه، ولكن معالم هذه السنة قد تكون مختلفة من زمن إلى زمن، بمعنى أنه يمكن أن تختلف معالم هذه السنة بحسب اختلاف سيرها عملياً. فالحكم بأن وقوع حادث يعني بالضرورة كذا وكذا لحكمٌ غير صائب. فما لم يخبر الله بنفسه وبكل وضوح، أو تجلت مشيئته بحيث لا يمكن إنكارها. فينبغي ألا يستعجل الإنسان. الحق أنه لا مفر من قدر الله تعالى، ولا مناص من مشيئته، ولا سخط – والعياذ بالله – من حكمه، ولكن مع ذلك أوصيكم بألا تتعجلوا في الحكم.. فالاستعجال يؤدي إلى نقصان الشعور بالاضطرار في دعواتكم، فلن تجدوا نفس الشعور بالاضطرار والحرارة فيها. سوف تستسلمون وتقولون في أنفسكم: إن مسلسل الابتلاء سوف يستمر طويلاً. لا بأس، كذلك جرت العادة. وهذا يُفقدكم الهمة والحرارة في الدعوات، ويسلبكم صبغة َ الاضطرار في الابتهالات. وهذه خسارة فادحة يجب على الجماعات السماوية تفاديها. ولذا أقول إنه لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ولا مبدل لكلماته، ولكنكم لماذا تستسلمون وتخفِّضون مستوى دعواتكم. إن الجندي الشجاع هو ذلك الذي يصمد في ميدان القتال.. يتلقى طعنات العدو بصدره ولا يولي دبره.

مما لا شك فيه أن أحداً لا يقدر على محاربة مشيئة الله وقدره، ولكن الله تعالى بنفسه قد علّمنا طريقاً لمواجهة قدره، وهو ألا ننفك منهمكين في الدعوات والابتهالات بكل خشوع وتواضع، لأن القدر الإلهي الخاص بالدعوات المتواضعة أيضاً قدر مستقل في ذاته وجارٍ باستمرار. والله تعالى يخبرنا بأن قدره هذا يصل في بعض الأحيان من القوة بحيث يتغلب على قدر إلهي آخر فيبدله. إن المعجزة العظيمة التي حدثت في الجزيرة العربية قد كتب سيدنا المهدي والمسيح الموعود محلِّلاً إياها وقال: إن معاملة القوم مع النبي كانت تقتضي نتيجة حتمية واحدة فقط لا غير.. أن يُهلَك القوم كلهم، وأن يُجعل سافل أرضهم عاليَها. كانوا أشدَّ جرماً من قوم نوح، وأحق منهم بالعقاب، بحيث كان ينبغي ألا يترك أحد منهم حياً. وإن ما وقع له في سفره إلى الطائف من حادث مؤلم للغاية وما أخبر به الله رسولَه بواسطة الملائكة، إنما يتضمن نفس السر ويبين نفس الحكمة، وكأن الله تعالى قال بصدد هذا الحادث: إن مشيئتي تقضي بهلاك الأعداء عند كل سلوك سيء، ولكنك يا محمد، فإن أمانيك القلبية ودعواتك الحارة وابتهالاتك الشديدة أيضاً تصنع قدراً سماوياً، وإن مشاعرك ودعواتك، يا محمد، أهم من أي قدر آخر، لذا لن أعامل قومك، ولن أنفذ فيهم قدري الآخر إلا بعد استشارتك. وما هو ذلك القدر السماوي الآخر يا تُرى؟ إن هو إلا قوله تعالى لرسوله : إنك قد تحملت الكثير من أذى القوم، فلو كنت ترى إبادتهم لأمرت الملائكة ليُطبقوا جبلين على قرية الطائف حتى لا تبقى لهم باقية. هذا حادث صغير يُظهر لنا قدراً إلهياً خفياً. ولكن سيدنا محمداً لم يكن يحظى بحب الله تعالى في ذلك الوقت فقط، كما لو يكن هو الحادث الوحيد الذي تعرض فيه للإيذاء في سبيل الله تعالى، وإنما في كل آنٍ كانت الصواعق تنزل على قلبه، وفي كل يوم كان يضحي بروحه في سبيله عز وجل حيث عبَّر عن ذلك القرآن الكريم: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) (سورة الأنعام: 123). وهذا يعني أنه في كل يوم كان يموت في سبيل الله تعالى، وفي كل يوم كان الله تعالى يحييه. وهذا هو القدر السماوي الذي لم يزل جارياً باستمرار، وفي المقابل لم ينفك النبي دائباً على الدعوات بلا انقطاع. وكما يقول سيدنا المهدي والمسيح الموعود .. فإن القدر السماوي الذي صنعته دعوات النبي المستجابة في السماء صار قدراً غالباً في آخر الأمر. فكتب الله حياة أبدية لقومه الذين كان إهلاكهم قدراً مقدوراً.

إنكم أنتم الأحمديون تدينون بسيادة هذا السيد وتدّعون بحبه لذا فعليكم باتباع خطواته. فلا تتمنوا هلاك القوم مستعجلين. إنما عليكم بالابتهال إلى الله تعالى لنجاتهم وحياتهم. تقبل الله دعواتنا، وهدى القوم إلى الصواب.

[1] الأحراريون هم حزب يضم المشائخ المتعصبين وأتباعهم المتطرفين الذين اشتهروا بولائهم للهنادك في الهند ومعارضتهم لفكرة تأسيس باكستان، ومخالفتهم للقائد الأعظم محمد علي جناح مؤسس باكستان. وعندما تأسست باكستان فروا إليها خوفاً من الهنادك والسيخ. ثم حاولوا بكل وقاحة الوصول إلى الحكم بجميع الطرق، شرعية كانت أو غير شرعية. هاجموا مركز الأحمدية في قاديان في 1934م لتدميرها بمساندة الحكام الإنجليز.[2] يعني ذو الفقار علي بوتو رئيس الوزراء سابقاً وهو والد السيدة بينظير بوتو، أطاح بحكومته الجنرال ضياء الحق بانقلاب عسكري ثم أعدمه شنقاً.

Share via
تابعونا على الفايس بوك