القول الفصل في قضية عدد أصحاب الكهف
  • الملاحظة الدقيقة لبناء المسيحيين كنائسهم
  • ما الخطأ الذي وقع فيه بعض المسلمين حين صدوا اليهود والنصارى بالسؤال عن قصة أصحاب الكهف؟
  • كيف ذهب الناس في تقدير عدد أصحاب الكهف مذاهب شتى؟!
  • وأي قول يمكن الاطمئنان إليه في هذا الموضوع؟!
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (الكهف 21)

شرح الكلمات:

إنْ يَظهَروا عليكم: ظهَر يظهَر عليه: غلَبه. ظهَر فلان على السرِّ: اطّلع عليه (الأقرب).

يرجُموكم: راجع شرح الكلمات للآية رقم 18 من سورة الحِجر.مِلَّتِهم: الملّةُ: الشريعةُ أو الدِّينُ، وقيل: الملةُ والطريقة سواء، وهي اسم مِن أَمليتُ الكتابَ، ثم نُقلتْ إلى أصول الشرائع باعتبار أنها يُمليها النبيُّ، وقد تُطلَق على الباطل كـ «الكفر ملة واحدة»، ولا تُضاف إلى الله ولا إلى آحاد الأمة (الأقرب).

التفسير:

قالوا: هذه الشعوب التي تبعثون إليها وفودكم لو اطلع أهلها على أسراركم أو نازعوكم وحاربوكم، قبل تثبيت أقدامكم في بلادهم، لطردوكم منها – علمًا أن من معاني الرجم الطرد أيضًا (الأقرب) – أو أكرهوكم على الدخول في دينهم إذا لم يطردوكم. وفي كلتا الحالتين سوف تُكسَر شوكتكم، ولن تزدهروا بعد ذلك أبدًا. وبالفعل ترون كيف أن الدول الأوروبية تساعد المسيحية من أجل المصالح السياسية، وتتخذ كل نوع من التدابير للحيلولة دون انتشار أفكار الشعوب الأخرى بين الأوروبيين.

وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (الكهف 22)

شرح الكلمات:

أَعْثَرنا: أعثَرَ فلانًا على السرِّ وغيره: أَطْلَعَه. وأعثرَ به عند السلطان: قَدَحَ فيه وطلَب توريطَه وأن يقع في عاثور. وأعثرَ فلانًا على أصحابه: دلَّه عليهم (الأقرب).

الساعة: راجعْ شرح الآية رقم 62 من سورة النحل.ريب: رابَه يَريب ريبًا: أوقعَه في الرِّيبة وأوصلَ إليه الرِّيبةَ. والرَّيب: الظِّنّةُ والتهمةُ؛ الشكُّ؛ الحاجةُ (الأقرب).

يتنازعون: تَنازَعوا: اختلفوا؛ وتنازعوا في الشيء: تخاصموا (الأقرب).

بنيانًا: بناه يبنيه بُنيانًا: نقيضُ هدَمه. بنى الأرضَ: بنى فيها دارًا ونحوها (الأقرب).

مسجدًا: المسجِد والمسجَد: الموضع الذي يُسجَد فيه؛ وكلُّ موضع يُتعبَّد فيه فهو مسجد؛ وقيل إن المسجِد بالكسر اسمٌ لموضع العبادة سُجِدَ فيه أم لم يُسجَد (الأقرب).

التفسير:

لقد بين الله تعالى هنا أن هذه الشعوب التي ظلت منعزلةً عن باقي العالم لزمن طويل اتصلت هكذا بالعالم الخارجي مرة أخرى، وبالتالي علمتْ الدنيا أن النبأ الذي أدلينا به عن غلبة الشعوب المسيحية في آخر الزمن كان نبأً صادقًا تمامًا، وأن الساعة الموعودة التي خوّفناكم منها آتية دونما شك.

أما قولـه تعالى إذ يتنازعون بينهم… فعرّج به مرة أخرى على الحالة الأولى لأصحاب الكهف، حيث ذكر إحدى علاماتهم، وقال: إن من عادتهم منذ البداية أنهم يبنون المساجد أي المعابد باسم موتاهم.. بمعنى أنهم يبنون الكنائس تذكارًا لصلحائهم. وبالفعل تجدون الأمة المسيحية وحدها تبني الكنائس باسم صلحائها. لا يفعل ذلك المسلمون ولا اليهودُ، بينما يوجد عند النصارى آلاف الكنائس المبنية باسم صلحائهم، بل يدفنون فيها موتاهم. فثمة في سراديب الموتى كنائس كثيرة بُنيت تذكارًا لأصحاب الكهف الأوائل (الموسوعة البريطانية طبعة 1951 كلمة Catacombs).

سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (الكهف 23)

شرح الكلمات:

رجمًا بالغيب: الرجم: أن يتكلم بالظن، يقال «رجمًا بالغيب» أي لا يُوقَف على حقيقته (الأقرب).لا تُمارِ: ماراه مماراةً ومِراءً: جادَلَه ونازَعَه ولاجَّه وطعَن في قوله تزييفًا للقول وتصغيرًا للقائل (الأقرب).

لا تَسْتَفتِ: صيغة النهي مِن استفتى فلانٌ العالمَ في مسألةٍ استفتاءً: سأَله أن يُفتي فيها (الأقرب).

التفسير:

بهذه الآية بدأ بحث آخر عن أصحاب الكهف الأوائل حيث يعلن الله تعالى أن الناس مختلفون في عددهم، فمنهم من يقول إنهم ثلاثة، ومنهم من يقول إنهم أربعة، ومنهم من يقول إنهم خمسة، ومنهم من يقول إنهم سبعة ثامنهم كلبهم؛ ولكنها أقوال ظنية فحسب.ومن المفسرين من استنتج بأسلوب القرآن هذا أن عددهم سبعة في الواقع، محتجين أن كلمة رجمًا بالغيب ما وردت بعد هذا العدد بينما وردت مع الأعداد السابقة.ولكن هذا الاستنتاج غير سليم، لأن الله تعالى لم يُسند عدد السبعة إلى نفسه، وإنما نسبه إلى الآخرين، ثم أردفه بقوله قُلْ ربي أعلَمُ بعِدّتِهم . فلو كان هذا التقدير صحيحًا لما أمر الله نبيه هنا قُلْ ربي أعلَمُ بعِدّتِهم ، بل لقال إن أصحاب الرأي الأخير مصيبون فيما يقولون. فالحق أن الله قد أكّد خطأ أصحاب هذا الرأي أيضًا، لأن أصحاب الكهف لم يكونوا خمسة أو سبعة، بل كانوا آلافًا، واختفَوا في الكهوف في عصور مختلفة. فالحق أن لا أحد يعرف عددهم إلا الله تعالى. أما قولـه تعالى ما يعلَمهم إلا قليلٌ فليس معناه أن بعض الناس يعلمون عدد أصحاب الكهف، بل يمكن تفسير هذه الجملة بوجهين: الأول: أن لا أحد يعلم عددهم؛ ذلك أن لفظ «قليل» في العربية يعني النفيَ المطلق مثل كلمة Few في اللغة الإنجليزية، فيقال: «قليل من الرجال يقول ذلك.. أي لا يقول به أحد» (الأقرب). والوجه الثاني هو: لا يعلم حقيقة أصحاب الكهف إلا قليل؛ ذلك أن الله تعالى لم يقل هنا ما يعلم عددهم إلا قليل»، بل قال مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ، إذن فالمعنى أنه لا يعلَم حقيقتهم إلا قليل من الناس الذين هم ملمّون بالتاريخ الصحيح؛ فهم يعرفون أن أصحاب الكهف هم المسيحيون الأوائل الذين كانوا يختفون في السراديب؛ وأما غيرهم فانخدعوا بشتى القصص الشائعة عن هؤلاء القوم. وبالفعل فقد انكشفت حقيقة أصحاب الكهف في النهاية بفضل علم هؤلاء القلّة. ثم يقول الله سبحانه وتعالى فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا .. أي لا تتحدث عنهم إلا حديثًا مبدئيًّا دون الخوض في التفاصيل إذ لا أحد في الدنيا يعلم جميع التفاصيل. وفي ذلك إشارة ربانية إلى أن هذا الجزء من التاريخ قد اندثر، فلا أحد يعرف تفاصيل هذا الحادث، لذلك لو حاولتم معرفة التفاصيل فستخطئون. والأسف أنه برغم هذا النصح القرآني خاض المسلمون في التفاصيل لدرجة أنهم حاولوا أن يسألوا اليهودَ والنصارى حتى عن لون كلب أصحاب الكهف وطوله، وبالتالي ملأوا التفاسير بروايات خاطئة يندب ويبكي الإنسان لدى قراءتها.

قد بين الله تعالى هنا أن هذه الشعوب التي ظلت منعزلةً عن باقي العالم لزمن طويل اتصلت هكذا بالعالم الخارجي مرة أخرى، وبالتالي علمتْ الدنيا أن النبأ الذي أدلينا به عن غلبة الشعوب المسيحية في آخر الزمن كان نبأً صادقًا تمامًا، وأن الساعة الموعودة التي خوّفناكم منها آتية دونما شك.

وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا* إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (الكهف 24-25)

شرح الكلمات:

غدًا: الغَدُ: اليوم الذي يأتي بعد يومك على أَثَرٍ، ثم توسَّعوا فيه حتى أُطلِقَ على البعيد المترقَّب (الأقرب).التفسير:لقد ساق الله تعالى هنا نبأً آخرَ يتعلق بزمن غلبة هذه الشعوب فقال: لدى مواجهتهم لا تقل أبدًا إننا سنقضي عليهم غدًا إلا أن يخبرك الله بوحيه أنه فاعل بهم كذا وكذا.لقد قال البعض بأن الخطاب هنا موجه إلى رسول الله حيث يأمره الله تعالى أن لا يَعِد بفعل شيء من دون أن يقول إن شاء الله، وقد نقلوا بهذا الصدد شتى الروايات السخيفة التي تمثّل إساءة صريحة إلى الرسول الكريم (ابن كثير، والقرطبي). وذلك بالرغم أنه ليس في كلمات الآية ما يدل على أنها تأمره بقول إن شاء الله، وإلا لكانت الآية كالآتي: «ولا تقولَنّ لشيء إني فاعلٌ ذلك غدًا إلا أن تقول إن شاء الله» بدلاً مِن ….. إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ . كلا، بل الرسالة التي تحملها هذه الآية للمسلمين هي أنهم لن يقدروا بقوتهم على مقاومة هذه الأمة، وإنما سيتمكن من ذلك مَن سيُقيمه الله بمشيئته لهذا الغرض.

أصحاب الكهف لم يكونوا خمسة أو سبعة، بل كانوا آلافًا، واختفَوا في الكهوف في عصور مختلفة. فالحق أن لا أحد يعرف عددهم إلا الله تعالى.

الحق أن هذه الآية إشارة إلى ما سيفعله المسلمون إبان غلبة هذه الشعوب، حيث تخبرنا أنه سيأخذهم الحماس لدى رؤية غلبة هذه الأمة، وسيحاولون مقاومتها بالقوة، ولكنهم لن يفلحوا في ذلك أبدًا. كما أن هذه الآية تكشف حالة المسلمين في ذلك الزمن حيث إنهم سيعقِدون الآمال على الغد بدلًا من العمل الجاد، وسيقولون دائمًا سنفعل ذلك غدًا. سيُطلقون التهديدات بكثرة، ولكن لن تبقى فيهم قوة للعمل. سيرددون كلمة الغد دومًا، ولكن هذا الغد لن يأتي أبدًا. وبالفعل ترون الشعوب الإسلامية تكشف بعملها في هذا الزمن صدق النبأ القرآني بكل جلاء، مما يبعث على الحيرة والأسف في وقت واحد.ونصح تعالى بقولـه اذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ المسلمين أنه إذا دفعتهم الحمية للتفكير في مقاومة هذه الشعوب فعليهم أن يتذكروا الوعود الإلهية بهذا الصدد، لأن الله تعالى قد وعدهم أنه سيُنقذهم من هجمات هذه الأمم في يوم من الأيام، وسيهيئ من الغيب الأسباب لنجاتهم، لذا يجب عليهم أن ينفُضوا من رؤوسهم فكرةَ اتخاذ التدابير الأخرى غير التدبير الإلهي.أما قولـه تعالى وقُلْ عسى أن يَهدِيَنِ ربي لأقْرَبَ مِن هذا رَشَدًا فهو أيضًا إعلان رباني أنكم لن تستطيعوا بتدابيركم المادية التغلب على هذه الشعوب في مئات السنين، ولكن الله تعالى سيهيئ بفضله الخاص الأسبابَ المفاجئة لحمايتكم من هذه الفتن. من المؤسف أن المسلمين لم ينتفعوا بهذا النصح الإلهي، فأعلنوا الجهاد ضد الشعوب الأوروبية مرة بعد أخرى مما قلل من رعب الإسلام؛ بل لما نهاهم الناصحون عن مثل هذه التصرفات اعتبروهم أعداء للإسلام، ولم يفكروا أن من يدعوهم إلى العمل بتعليم القرآن لا يمكن أن يكون عدوًّا للإسلام، إنما أعداؤه الذين يتبعون الطريق الخاطئ رغم نهي القرآن عنه.

Share via
تابعونا على الفايس بوك