في رحاب القرآن

 

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (130)

الواقع أن دعاء إبراهيم هذا يتضمن الفرائض والواجبات التي تقع على أنبياء الله –عليهم السلام. كل نبي جاء إلى العالم كان من واجبه أن يتلو على الناس آيات الله، ويعلمهم كتاب الله، ويبين لهم حكمة شريعة الله، ويزكيهم. وكان على محمد أن يقوم بأداء هذه الواجبات نفسها، ولكن الله تعالى لم يكتف – استجابة للدعاء الإبراهيمي –ببعث رسول عظيم من بني إسماعيل ليحقق كل هذه الأهداف الأربعة، بل بعثه أسمى وأفضل من سائر المرسلين مقاما.. إذ أدّى هذه المهام الأربع بأسلوب متميز لا نجد نظيره عند أي نبي. والحق أن هذا هو الكوثر الذي وهب الله تعالى لمحمد .

أذكر أن بعض الإخوة طلبوا مني أن أعلمهم القرآن في زمن الخليفة الأول لسيدنا المهدي والمسيح الموعود (عليه السلام). فبدأت من سورة البقرة، وعندما وصلت إلى قول الله تعالى (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم. .) ألقي في قلبي كومضة البرق أن هذه الآية مفتاح لمواضيع هذه السورة كلها، وأن باقي السورة كلها شرح لهذه الآية، بل إن هذه المواضيع وردت في السورة بنفس ترتيب العناصر المذكورة في دعاء إبراهيم. ثم فتح الله عليَّ أمرا آخر إضافيا.. وهو أن سورة الكوثر جواب لهذا الدعاء الإبراهيمي. ولقد ذكرتُ كل هذه الأمور بالتفصيل في تفسير سورة الكوثر.

وقوله تعالى (يتلو عليهم آياتك) يتضمن نبأ ويشرح آية أخرى من القرآن الكريم.. وهي اعتراض الكفار (لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) (الفرقان:33). فكلمة (آياتك) في الدعاء الإبراهيمي تشير إلى أن كلام الله سوف ينـزل على ذلك النبي قطعة قطعة. تنـزل آيات فيتلوها على الناس، ثم تنـزل آيات فيتلوها على الناس. وهذا يبين أن إبراهيم قد أخبر كيف سينـزل كلام الله عليه، فلن ينـزل جملة واحدة، وإنما ينـزل شيئا فشيئا.

والحكمة من نـزول القرآن بهذه الكيفية التدريجية هي أنه إذا نزلت الشريعة كلها دفعة واحدة لكانت حملا ثقيلا مفاجئا يسبب القلق للإنسان، فيقول كيف أستطيع الوفاء بكل هذه المتطلبات جملة واحدة؟ ولكن نزوله قطعة قطعة يسهّل عليه العمل بما نزل، فيمضي في الرقي تدريجيا.

ومن معاني الآية: العلامة، وبناء على ذلك يعني قوله تعالى (يتلو عليهم آياتك) أنه يُطلع الناس على علامتك. وفي هذا إشارة ضمنية إلى أنه يقدم لهم كلاما يرون به الله تعالى. لقد قال القرآن الكريم عن الله تعالى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) (الأنعام:104)، أي أن العيون لا يمكن أن تصل إليه، ولكنه يصل إلى أهل الأبصار بكلامه. فمعنى قوله تعالى (يتلو عليهم آياتك) أنه يخبر الناس بعلامات يعرفون بها وجود الله، ويقدم أدلة تتجلى بها ذات الله لهم. وهذه الأدلة على نوعين: العقلية والإعجازية. فالمعنى أنه يخبر الناس بأمور عقلية ينالون بها معرفة الله تعالى، ويقدم لهم المعجزات والآيات التي تنـزل من عند الله.

ومن معاني “الآية” العذاب، وبناء على ذلك يمكن أن يستنبط من قوله تعالى (يتلو عليهم آياتك) أنه يخبر قومه بأنباء العذاب.

ومن معاني “الآية” البناء العالي. فيعني قوله تعالى أن في تعاليمه ارتقاء تدريجيا مثل ما يُبنى البناء طابقا فوق طابق بالتدريج، وأن تعليمه يتضمن أسباب رقي عظيم للمؤمنين.

وقوله تعالى (يعلِّمهم الكتاب) يعني أنه يأتيهم بتعليم سوف يحرَّر ويُكتب. لأن من معاني الكتاب لغة ما يُذكر فيه المسائل المختلفة مرتَّبة مبوَّبة. ونجد أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي وصل للصحابة عند وفاة النبي في سوره مكتوبة ومحررة، وأن المسلمين وحدهم الذين يحق لهم بين الأمم كلها الادعاء بأن كتابنا القرآن وصلنا في صورة محفوظة مكتوبة دائما وبلا انقطاع منذ البداية وحتى يومنا هذا، وهذه الخصوصية لا توجد في أي كتاب سماوي آخر، فليس هناك كتاب سماوي وصل إلى أهله في هيئة مكتوبة، بل جمع بعضها بعد مئات السنين ولو كان بعضها – على سبيل الافتراض – في صورة مكتوبة في وقته فإن كل كلمة منه لم تكن وحْيًا كما هو الحال في القرآن.

إن العلماء لم يتكلموا عن التوراة أبدا من حيث تشكيل الكلمات، أما القرآن فأنهم يتحدثون عن كل حركة وسكَنة فيه، وضبطوا شكل كلماته بكل دقة، بل يتباحثون في مواقع الوقف عند القراءة. فالآية تعني أن ذلك الرسول يعلمهم كتابا سوف يُكتب في حياته، ويبقى محفوظًا.

ومن معاني (الكتاب) ما يجمع الأشياء، فيعني قوله تعالى (يعلمهم الكتاب) أن ذلك الرسول يأتي لهم بتعليم يشمل كل أنواع العلوم والهداية، ويكون جامعًا لكل ما يتعلق بالأخلاق والحضارة والدين والاقتصاد وما إلى ذلك.

ومن معاني (الكتاب) الفرض، فيعني قوله تعالى (يعلمهم الكتاب) أنه سيأتي لهم بشرع يكون فرضًا على الناس أن يعملوا به. وكأن كل الأمور الضرورية لتكميل الحياة الروحانية سوف تُذكر في كتابه للناس.

ومن معاني (الكتاب) الحُكم. هناك بعض الأوامر هي قطعية، وتبقى على حالها في كل صورة مثل الصلاة، ولكن هناك بعض الأوامر التي تتغير بتغير الظروف، مثلا تقول الشريعة الإسلامية إنكم إذا وجدتم المصلحة في إنزال العقوبة بمخطئ أو معتدٍ فعاقبوا، وإذا رأيتم المنفعة في العفو فاعفوا. فالأوامر التي لا تتغير هي الفرائض، وتلك التي تتغير بحسب الضرورة هي الأحكام. وتسمى أحكاما لأنها من الحكمة، وقد خُيّر فيها الإنسان ليفكر بنفسه بحكمة ويعرف ماذا يفعل وكيف يتصرف عندئذ.

وفي حالة الفرائض لم يترك الله للمرء أي خيار ولم يكل الأمر فيها لأحد، وعلى سبيل المثال حدّد الله الركعات لصلاة الفرض وليس للإنسان أن يزيد عليها أو ينقص منها، ولكن ترك أمر النوافل للإنسان ليؤديها حسب التوفيق.

ونظرا لهذا الفرق بين الفرض والحكم يمكن أن يعني (ويعلمهم الكتاب) أنه سيأتي بكتاب جامع لكل الأحكام سواء كانت مفروضة إلزامية أو اختيارية تطوعية.

ومن معاني الكتاب القدر، فيعني قوله تعالى (ويعلمهم الكتاب) أن ذلك النبي يعلمهم مسألة القدر والقضاء الإلهي. والحق أننا لو تدبرنا لوجدنا أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يهيئ لنا علما صحيحا عن قضاء الله وقدره. أما الكتب الأخرى فإنها إما تميل بالإنسان ناحية الجبر أو إلى القدر، ولكن القرآن هو الذي بيّن لنا الجبر والقدر بيانا صحيحا. وللأسف أن من بين المؤمنين بالقرآن من صار قدَريا أو جبريا، مع أن المذهب الصحيح هو بين هذا وذاك. لقد سمعت بنفسي من الإمام المهدي والمسيح الموعود (عليه السلام) أننا بقدر ما تدبرنا علمنا أن عقيدة القدر ترفع الأمن، وكذلك عقيدة الجبر أيضا ترفع الأمن. فلو أخذ المرء بعقيدة القدر فقط لصار تاركا للدنيا، ولم يستطع التقدم في الخيرات، ولو اعتنق عقيدة الجبر لظن أن كل ما يقوم به من عمل إنما يجبره الله عليه، وعندئذ لن يعاف ارتكاب السيئات والمعاصي.. لأنه ينسب عمله وما يقع فيه إلى الله تعالى. فالعقيدة الصحيحة بين الطرفين. ومثال أعمال الإنسان كحصان مربوط بحبل طويل.. يظن أنه حر ويجري ويمرح، ولكن آخر الأمر يصاب بهزة فيتوقف. وكذلك الإنسان مقيد ومخير. إنه مقيد ومخير بحدود. فالذي لا يفهم القيد ضال، والذي لا يفهم الخِيار ضال أيضا. وهذا العلم إنما يناله الإنسان من القرآن وحده.

وقوله تعالى (والحكمة).من معاني الحكمة العدل.. فالمعنى أن ذلك النبي سوف يعلمهم العدل، وتكون تعاليمه مبرأة من الظلم تماما.

ومن معانيه أيضا أنه سوف يأخذ بالعلم إلى الكمال. هناك بعض الشرائع التي تصدر الأوامر فقط ولا تمنح العلم والحكمة وراء الأمر. فهي تقول افعل أو لا تفعل كذا ولا تبين السبب في هذا الأمر أو النهي. مما لا شك فيه أن الشرائع السابقة كانت تتضمن أحكاما لها حِكم، ولكن لم تذكر تلك الحِكم في كتبها. ولكن الله تعالى يقول إن القرآن الكريم فيه تعاليم مصحوبة بحكمتها. إنه يأمر بالصلاة ويذكر الحكمة وراءها، وينهى عن السرقة ويذكر السبب في هذا النهي، ولا يكتفي بقول: لا تكذبوا ولا تظلموا، بل يذكر النهي بالسبب ويبين الحكمة، فهو يجمع بين الأمر والعلم والحكمة.

ومن معاني الحكمة الحِلم.. أي الانتباه إلى المناسبة والمحل في فعل الشيء، وهذا يختلف عن العلم بعض الشيء. فالعِلم يخبرنا أن نفعل شيئا أو لا نفعله، ولكن الحلم يدلنا أن نفعل كذا في مناسبة وأن نفعل كيْت في مناسبة أخرى. فيعني قوله تعالى (والحكمة) أنه يدلنا على الحكمة وراء الفرائض، أما الأوامر التي لم تفرض على نمط معين وإنما تتغير بتغير الظروف فإنه يدلنا فيها على سبيل الحلم والعقل، ويخبرنا أن نفعل كذا في هذه المناسبة ونفعل كيت في تلك المناسبة.

ومن معاني الحكمة أيضا النبوة، فيكون معنى قوله تعالى (والحكمة) أنهم سوف يحصلون على مقام النبوة عن طريق ذلك الرسول.

(ويزكيهم). ذكرنا في شرح الكلمات أن التزكية هي الزيادة.. فيكون المعنى أنه يزيد عددهم. سوف يكون لكلامه تأثير غير عادي، فيقبل عليه الناس ويؤمنون به، وسوف يكون دينه غالبا على الأديان الأخرى. لذلك قال النبي في حديث له “تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم ” (أبو داود، كتاب النكاح). والولود هي التي تلد كثيرا، والودود شديدة الحب. أي سوف أتفاخر على الأمم الأخرى بكثرتكم يوم القيامة. فزيادة العدد سواء كانت بالتناسل أو بالتبليغ والدعوة يندرج تحت معاني (يزكيهم).

ثم إن تعليم الإسلام يتضمن أساسيا المبادئ التي لو عمل بها المسلمون لحققوا ازدهارًا ماديا أيضا بصورة غير عادية. فمثلا من تعاليمه الهامة (خذ من أموالهم صدقة تطهِّرُهم وتزكّيهم بها) (التوبة:103).. أي يا محمد، خذ من أبناء أمتك مالا وطهرهم به وزدهم. هذا المبدأ الذي أقامه الإسلام لا يوجد في أي كتاب سماوي آخر، وإنما هو الإسلام الذي فتح صندوقا ماليا قوميا، والهدف منه تقوية مساعدة الفقراء وتمكينهم من الوقوف جنبا إلى جنب مع الأثرياء في سباق الرقي.

ومن مصارف هذا الصندوق (المؤلَّفةُ قلوبهم)، ولا يعني ذلك أن يعطى الناس المال ليدخلوا في الإسلام، وإنما معناه أن يزوَّد أتباع الأديان الأخرى الراغبون في معرفة الإسلام بالكتب والمنشورات ويساعدوا في هذا السبيل ليعرفوا الحق؟

ومن مصارف هذا المال المساكين، أي الذين لا يستطيعون كسب المال ويمثلون عبئا على الآخرين. عندما يوجد أمثال هؤلاء في أمة يتعود الآخرون على السؤال برؤيتهم، وهكذا تزول الغيرة منهم. ولو كان هناك صندوق لمساعدتهم ما بقيت في أفرادها عادة السؤال. ويأمرنا الإسلام بقضاء حاجة الناس قدر المستطاع من قِبَل النظام الإسلامي، ويوجب سد حاجات هؤلاء المساكين بغير أن يسألوا، وعدم تهاون مع الذين يتسولون بدون ضرورة. ولولا ذلك لا يمكن تزكية الأمة.

وليس المسكين مَن لا مال عنده فقط، بل أيضا المسكين من يعرف حرفة، ولكنه لا يملك مالا لشراء الأدوات والخامات للاشتغال بحرفته. فمن الضروري مساعدة هؤلاء الأشخاص بالمال وتوفير الأدوات لهم ولوازم العمل في مهنتهم.

كذلك يجب تفقد أحوال الأيامى وحاجاتهم. كل هذه الأمور تندرج تحت قول الله تعالى (ويزكيهم)

لأن هذا يمكِّن أبناء الأمة من الازدهار.

ثم يراد بالتزكية الطهارة الخارجية لما ورد في الأحاديث من النهي عن إلقاء القاذورات في الطريق، والتبول في الماء الراكد، والتبرز في الأماكن الظليلة حيث يستريح الناس، والأمر بالوضوء للصلاة، والاغتسال يوم الجمعة، وإزالة الوسخ من الملابس، وتنظيف الأنف والأذن وقص الأظافر والشعر، والنهي عن حضور المسجد بعد أكل طعام ذي رائحة كريهة لما في ذلك من إيذاء للآخرين (الترمذي، الطهارة؛ ومسلم، الطهارة والجمعة والمساجد؛ والبخاري، الجمعة والاستئذان والأطعمة).

ومن معاني التزكية الطهارة القلبية. وقد قدم الإسلام في هذا الصدد أيضا تعليما ساميا. ثم هناك الطهارة الأخلاقية. وفيما يتعلق بالأخلاق فإن الإسلام قد أكد عليها كثيرا، وأمر باجتناب الغيبة والنميمة والتحاسد والظلم والخيانة قي التجارة، وأمر بتسوية الحساب وضبط المعاملات تحريريا، ونهى عن التعامل بالربا، وأمر بكتابة القروض، وبأداء الدين في ميعاده المقرر.

فقد تضمَّن القرآن الكريم كل الأحكام الضرورية المتعلقة بتزكية النفس وتفاصيلها، فقام بتزكية الأعمال والعواطف والأفكار الإنسانية. وهذا لا نجد له مثيلا في أي دين بالعالم، مما يشكِّل دليلا قويا على تحقق دعاء إبراهيم (عليه السلام). دعا إبراهيم ربه أن يبعث فيهم رسولا يتلو عليهم آياته، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويزكيهم، فاستجاب الله دعاءه وبعث محمدا رسول الله من أولاد إسماعيل، فقام بكل ما تمناه إبراهيم في دعائه. لقد قال النبي (أنا دعوةُ أبي إبراهيم) (مسند أحمد ابن حنبل، ج4،ص 127). وبذلك بين بنفسه أنه ذلك الإنسان الذي بعثه الله تعالى لإصلاح الناس استجابة لدعوة أبيه إبراهيم (عليهما السلام). فهذا دعاء عظيم يحمل برهانا كبيرا على صدق الإسلام ونبيه محمد .

(إنك أنت العزيز الحكيم)..ذُكرت هنا صفتان من صفات الله تعالى..هما العزيز والحكيم، ذلك لأن جزءا من دعاء إبراهيم يتعلق بصفة العزيز، والجزء الآخر يتعلق بصفة الحكيم. فقوله(يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب)متعلق بصفة العزيز، فالإله العزيز الغالب هو الذي يصل إلى عباده ويتداركهم، لأن العبد بجهوده الذاتية لا يستطيع أن يصل إلى الله، ثم إن من حق الإله الغالب العزيز أن يُصدر الأوامر والأحكام. أما قوله تعالى (..والحكمة ويزكيهم) فيتعلق بصفة الحكيم، لأن الحكيم هو الذي يعلِّم الآخرين الحكمة. والتزكية أيضا تتم بالحكمة، فلو أراد أحد فرض أوامره بدون ذكر الحكمة وراءها فإن القلب لا يطيعها، وإنما تطيع القلوب وتتأثر إذا عرفت الحكمة وراء الأوامر. ولا تتم التزكية إلا إذا تأثرت القلوب.

هذه هي الأهداف الأربع التي هي فرض أيضا على الخلافة الإسلامية: بيان الأدلة، وتعليم الشريعة، وتعليم أحكام القرآن والحكمة وراءها ليتجدد الإيمان ويزداد، والسعي للتطهير البدني والقلبي، وهي الواجب على جميع العاملين في مختلف فروع الجماعة من دعاة وأمراء ورؤساء وأمناء. وما لم يضع الإنسان هذه المقاصد الأربعة نصب عينيه لا يمكن أن يتحقق الغرض من تأسيس جماعتنا. لقد فصلت هذه الأمور في خطاب بعنوان “منصب الخلافة ” عندما توليت هذا المنصب، لينتبه إليها الجميع، فلا يحتاجوا لتوجيه السؤال مرارا عن الخدمة التي يمكن أن يسدوها للجماعة، ولكن قليل ما هم الذين انتبهوا لذلك. فعلى الإخوة الذين عندهم الشوق والحماس لخدمة الدين أن يقرءوا هذا الخطاب ويعرفوا واجباتهم. إن أفضل خدمة يمكن أن يقدموها للجماعة هي أن يحققوا هذه الأهداف الأربعة. هذا هو العمل الذي من أجل تحقيقه يقيم الله النبوة والخلافة والإمامة، وهذا هو العمل الذي يقوم به النبي ثم الخلفاء من بعده والتابعون. والذي يسعى لتحقيق هذه الأهداف يُدخل نفسه في زمرة أنصار الله تعالى.

الربط والترتيب:

إيذانا بأن الموضوع الذي بدأ من الآية (41) موشك على الانتهاء كرره الله في الآيتين (123و124)، وقال: انظروا لقد وفّينا بوعدنا وفضّلناكم على الناس، ولكن هكذا كان شكركم لهذه النعمة، والآن لن يُبعث النبي منكم، بل عليكم أن تؤمنوا بهذا النبي، وإلا لن تنفعكم شفاعة ولا غرامة إذا نزل بكم العذاب.

وفي الآية (125) بين أن حرمان بني إسرائيل من النبوة كان بحسب هذا العهد نفسه الذي قُطع مع إبراهيم في ذريته.

وفي الآيتين (126و127) ردّ على سؤال نشأ بناء على حرمان بني إسرائيل من النبوة، وهو من أي أمة يُبعث النبي الآن؟ فقال: من بني إسماعيل، ولذلك ذكّرهم بحادث بناء الكعبة الذي اشترك فيه إسماعيل مع إبراهيم، وقاما بدعوات كثيرة لا يمكن أن تضيع.

ثم في الآيات (128-130) ذكر تلك الأدعية وفصّل الأعمال التي يقوم بها النبي الذي دعا إبراهيم لبعثه، وبذكر تلك الأدعية أشار أن إبراهيم قد دعا لتقدم وازدهار بني إسماعيل كما دعا لتقدم بني إسحاق. فعندما حُرم بنو إسحاق لسوء أعمالهم من نعمة النبوة.. كان من حق بني إسماعيل أن ينالوا بعدهم نعمة النبوة، وكان من الضروري أن يُبعث النبي منهم، وهكذا حدث.

 

 

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك