محمد المصطفى في أعين غير المسلمين  صورة وسيرة بين وجهتي نظر

محمد المصطفى في أعين غير المسلمين  صورة وسيرة بين وجهتي نظر

سامح مصطفى

كاتب وشاعر
  • لا يسلم الأطهار من متفاحش
  • وتتحقق نبوءة “إنا كفيناك المستهزئين”!

__

في هذه الأيام من شهر ربيع الأول من كل عام، تشيع في العالم الإسلامي كله مظاهر الاحتفال بمولد النبي . ولا شك أن بعثة ذلك النبي الأكرم هي مدونة سلوك وقانون عام يسهل على الإنسانية تطبيقه، وهي تتويج للتعاليم والقيم الأساسية والجوهرية التي جاء بها جميع الأنبياء في مختلف الأمكنة والأزمان. إن أقوال نبي الإسلام الحكيمة وأفعاله ومواقفه هي دلالة أبدية للبشرية على الفضيلة والصلاح. إنه النموذج الأعلى في كل جانب من جوانب حياة أولئك الأطهار الذين خلوا من قبل بحيث يقول الله تعالى فيه:

أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ (1). ويقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا * وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (2)..

بقراءة سيرة حضرة خاتم النبيين في ضوء الآيات آنفة الذكر من سورة الأحزاب، ندرك أن النبي  بعثه الله تعالى بأسلوب حياة شامل، وبنى أمة، وسنَّ قانونًا أخلاقيًّا، وأطلق إصلاحات اجتماعية وسياسية لا حصر لها، وأسس مجتمعًا ديناميكيًا وقويًّا لممارسة وتمثيل التعاليم الإسلامية، وأحدث طفرة في عوالم الفكر والعمل البشري لا زلنا نجني بركاتها إلى الآن وسنظل إلى ما شاء الله.

لقد وُلِدت طائفة من المفكرين والعلماء البارزين في مجالاتهم، أبت أن تأخذ ما يقوله المغرضون على علاته، فبحثت وتقصَّت الأمر. قام العديد من العلماء البارزين من غير المسلمين بجعل النبي محمد في المرتبة الأولى وقدموا الاحترام الواجب لعظمته.

لا يسلم الأطهار من متفاحش

وعلى مر القرون، بين الفينة والفينة، كنا نسمع ضجيجًا خبيثًا للنيل من شرف ذلك النبي وسمعته الطَّاهرة، على نحو ما كان يجري في شبه القارة الهندية إبان القرن التاسع عشر الميلادي، من مخطط إعلامي واسع النطاق للإساءة إلى حضرته في شخصه الشَّريف تارة، وفي أزواجه المطهرات تارة أخرى، وفي تعاليمه تارة ثالثة، إلى غير ذلك مما يتعلق بنبينا من قريب أو بعيد، حتى تنصر عدد ضخم من مسلمي الهند يقدر بالملايين، وذلك خلال بضعة عقود فقط. لقد تزعم حركة التنصير تلك الإرساليات القادمة مع جحافل المستعمرين، فاستفادت من جو الحريات الدينية والاجتماعية الذي أتاحته حكومة المستعمر. لقد هيأ الله تعالى الظروف لإراءة عظمة نبيه الخاتم  فجعل أكاذيب المنصرين المغرضة وفحش لسانهم المسلول على شرف نبينا الكريم بمثابة نار ينتشر بسببها عبق البخور حال نشوبها فيه، ولله درُّ شاعرنا أبي تمام حين قال:

وَإِذا أَرادَ الله نَشرَ فَضيلَةٍ
طُوِيَت أَتاحَ لَها لِسانَ حَسودِ
لَولا اشتِعالُ النارِ فيما جاوَرَتما كانَ يُعرَفُ طيبُ عَرفِ العودِ (3)

إنا كفيناك المستهزئين!

في مقابل تلك الجهود الدجالية المضنية والمستميتة في سبيل طمس نور ذلك الإنسان الكامل وتشويه سيرته وسمعته في نظر أتباعه، ناهيك عن المنتمين إلى ديانات أخرى، أخذت تلوح للمطلعين وجهات نظر معاكسة لما توقعه قساوسة الإرساليات والمستشرقون المبغِضون، لقد وُلِدت طائفة من المفكرين والعلماء البارزين في مجالاتهم، أبت أن تأخذ ما يقوله المغرضون على علاته، فبحثت وتقصَّت الأمر. قام العديد من العلماء البارزين من غير المسلمين بجعل النبي محمد في المرتبة الأولى وقدموا الاحترام الواجب لعظمته. فعلى سبيل المثال  لا الحصر، يقول «جورج برناردشو»  George Bernard Shaw:

 «يجب أنْ يسمّى محمد منقذَ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم لَوفّق ….. لو تولى العالَمَ الأوروبيَّ رجلٌ مثل محمد لشفاه من علله كافة…. إذا كان رجل مثله على قيد الحياة اليوم لكان قد نجح في حل مشاكله بطريقة تجلب له السلام والسعادة التي تشتد الحاجة إليها: أكاد أتنبأ بمستقبل دين محمد، وأنه سينتشر في أوروبا مستقبلاً، بل أراه بدأ في الانتشار اليوم.» (4).

أما الفيلسوف الروسي الأعظم «ليو تولستوي» Leo Tolstoy فيقول:

 «إن محمدًا كان من عظماء الرجال، فقد قدم ببعثته خدمةً كبيرةً للبشريةِ، فهي فخرٌ وهدى للناس، وهي التي أرست دعائمَ الصلح والاستقرارِ والرخاءِ، وفتحت طريقَ الحضارة والرقيِّ للأجيال اللاحقة» (5).

وكلما اقتربنا من هذا العصر أخذت تزداد وتيرة إعجاب فلاسفة العالم ومفكريه من غير المسلمين بمحمد المصطفى ، ومن الهند نسمع صوت «ساروجيني نايدو» Sarojini Naidu شاعرة الهند الشهيرة تقول في معرض حديثها عن الدين الذي جاء به سيدنا محمد : «لقد كانت أول ديانة تبشر بالمساواة وتمارسها. لأنه، في المسجد، عندما يُرفع الأذان ويجتمع المصلون معًا، تتجسد ديمقراطية الإسلام خمس مرات في اليوم، عندما يركع الفلاح والملك جنبًا إلى جنب ويعلن كلاهما: «الله أكبر». طالما انبهرت بهذه الوحدة الإسلامية غير القابلة للتجزئة، تلك الوحدة التي تجعل الإنسان أخًا بالفطرة» (6).

وعن حجم التأثير الذي أحدثه سيدنا محمد في العالم، يتحدث «مايكل هارت» Michael Hart، وهو فلكي ورياضي ومؤرخ أمريكي في كتابه الشهير “المائة الأوائل”.. يذكر فيه ترتيب أكثر الشخصيات تأثيرًا في التاريخ:

“إن اختياري لمحمد ليأتي في المرتبة الأولى ضمن قائمة أكثر شخصيات العالم تأثيرًا في البشرية، مما قد يدهش بعض القراء، وقد يعترض عليه البعض الآخر، ولكنه (أي محمد) كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي حقق نجاحًا بارزًا على كل من المستويين الديني والدنيوي”. (7)

لقد مثلت شخصية سيدنا محمد المصطفى وسيرته لكبار المفكرين المعاصرين لغزًا وقفوا عاجزين دون استيعابها، ليعترفوا بعجزهم هذا بعظمة ذلك النبي. لقد عجزوا عن استيعاب كيف لرجل واحد ضعيف وغير ذي مال أو جاه أن يجمع القبائل المتفرقة ويوحد جزيرة العرب، ويؤسس قبل وفاته دولة مترامية الأطراف في غضون عقدين من بدء إعلان دعوته!

وها هو الفرنسي الشهير «ألفونس لامارتين»  Alphonse de Lamartine صاحب كتاب «تاريخ تركيا» يجعل الجزء الأول منه بعنوان «حياة محمد» ويكرسه للحديث عن نبي الإسلام وعن السيرة النبوية وسيرة الصحابة، بهدف التعريف بالأصول الدينية والفكرية للإمبراطورية العثمانية التي تعرض لدراسة تاريخها، ومن أجل هدف أعم وهو تقريب الدين الإسلامي إلى أذهان الفرنسيين. لقد كان ما كتبه لامارتين يعبر عن وجهة نظر الأوربي الذي ينظر إلى الإسلام عن بعد، في وقت كانت تعوزه مصادر المعرفة والتوثيق، فلا بأس إن لم تتَّصف كتاباته بالدقة مائة بالمائة، ما دام حسن النية والظن متوفرين.. على أية حال، أصدر لامارتين كتابه «حياة محمد»، وطبعا كانت النتيجة أنه تعرض لانتقاد لاذع في الأوساط الأوربية التي أشاعت عنه أنه باع نفسه للمسلمين، ولم يكن رد فعل العالم الإسلامي بأفضل من الأوربي مع الأسف، حيث اتهم المسلمون لامارتين بالتَّجَني وسوء الفهم، فكان موضع انتقاد حاد من طرفي النقيض. ومما أورده «ألفونس لامارتين» في كتابه حياة محمد:

«إذا كانت الضَّوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم ضآلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ على مقارنة أيٍّ من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد في عبقريته؟! فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات، فلم يجنوا إلا أمجادًا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانيهم، لكن هذا الرجل لم يقد الجيوش ولم يسن التشريعات ولم يقم الإمبراطوريات ولم يحكم الشعوب ولم يروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ. ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة، لقد صبر وتجلد حتى نال النصر….. هذا هو محمد الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء.. بالنظر إلى كل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل يمكن أن يكون هناك من هو أعظم منه؟!» (8)

لا شك أننا كمسلمين حين نطلع على ما خطه وذكره أولئك المفكرون المنصفون ينتابنا من الزهو والاعتزاز بذلك النبي العظيم الشيء الكثير، وهذا أمر طبيعي تقبله الفطرة السوية، غير أن أمرا آخر علينا الانتباه إليه حق الانتباه، وشكر الله تعالى عليه حق الشكر، ألا وهو أن فيما قالته الأصوات المنصفة من غير المسلمين لطمة قوية على وجوه المسيئين والمشوهين الذين يحاولون عبثا أن يطفئوا وهج الشمس بأفواههم، فتسطع عليهم الشمس تارة بضيائها الطبيعي، وتارة بانعكاس نورها فيما يقول المنصفون العقلاء، وليتحقق وعد الله تعالى لنبيه:

فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (9).

المراجع

  1. (الأَنعام: 91)
  2. (الأحزاب: 46-49)
  3. ديوان أبي تمام
  4. جورج برناردشو، الإسلام الحقيقي أو عظمة الإسلام، المجلد 1، العدد 8
  5. ليو تولستوي، حِكَم النبي محمد
  6. ساروجيني نايدو، «مثاليات الإسلام»، ص 169، مدراس 1918
  7. المائة الأوائل.. ترتيب أكثر الشخصيات تأثيرًا في التاريخ” “مايكل هارت”
  8. لامارتين، تاريخ تركيا، الجزء الأول (حياة محمد)
  9. (الحجر: 95-100)
Share via
تابعونا على الفايس بوك