العولمة بين الإسلام والغرب

العولمة بين الإسلام والغرب

عبد الحق كومبير

  • لماذا شرعت الحرب في القرآن؟
  • ماذا تعني العولمة؟
  • ما سبب الجدل الدائر حول العولمة؟

__

قدّمَ الإسلام في القرن السابع نقطة انطلاق مختلفة.  فلم يجعل الخلاص في الإيمان به وحده ولأجل ذلك أكدّ على عدم اضطهاد من لا يدينون به بما فيهم بنو إسرائيل، وبغض النظر عن الصراع العربي الإسرائيلي الحالي، وذلك كما بيَّن القرآن الكريم أن منهم من كانوا على الحق:

سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (1)،

فمنذ اللحظة التي بدأ فيها النبي دعوته، أمره ربه أن يُعلن أن مسألة الخلاص قرار فردي من حق كل فرد أن يتخذه بمفرده:

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (2)

وفي القرآن الكريم مادة ثرية من الآيات التي تحظر الإكراه، بل وتؤثم من يقترفه، وتُشرع عقابه في الدنيا أيضًا قبل الآخرة، كل هذا كان سبقًا إنسانيًّا هائلًا لم تتوصل إليه الحضارة الغربية إلا مؤخرًا قبل أقل من قرنين، حتى إنها لم تتمكن بعد من تطبيقه عمليًّا على الوجه الأكمل، ولن ندخل هنا في اعتذار عن الادعاءات الكثيرة ضد الإسلام، يكفي للحصول على تحليل واسع النطاق لاختلاف تعاليم الإسلام بشأن الحرية الدينية عن التعصب المعاصر الممارس من قِبل رجال الدين المسلمين، أن نطلع على ما كتبه حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله) في كتابه الموسوم بـ «القتل باسم الدين».

وتعضيدًا لتعليم النص القرآني، أوضحت السُّنة العَملية ذلك التعليم أكثر، من خلال التطبيق العملي له ممثلًا في أفعال سيدنا محمد كيف أنه، بصفته حاكمًا للمدينة المنورة ومن بعدها مكة، فصل بين منصبه كحاكم وبين سلطته كزعيم ديني. عاش اليهود في المدينة المنورة جنبًا إلى جنب مع المسلمين، وكذلك عاش المسيحيون في نجران على مقربة منهم، حتى أن كتب السير تصف لقاءات ونقاشات مسيحية إسلامية في المدينة التي وسعت الناس من شتى الأطياف سواء كمواطنين كاليهود أو ضيوف وسفراء كالمسيحيين والمشركين، ومع ذلك لم يكن كل هؤلاء غير المسلمين ملزمين باتباع سيدنا محمد في تعاليمه الدينية. حتى أنهم تمتعوا بسلطة قضائية خاصة بهم، بناءً على دياناتهم، فقد سُمح لهم حتى بأن يكون لهم محاكمهم الخاصة. ثم بعد أن تم الأمر للمسلمين في شبه الجزيرة العربية، وبعد أن تم فتح مكة، حطم النبي الأصنام وذلك لأن الغرض من بناء الكعبة هو ترسيخ وحدانية الله، وبالتالي لا يجوز للأصنام أن تتواجد فيه. ولهذا كُسرت في الكعبة في وقت النبي محمد . لأن المكان لم يُبنَ ليؤويَ الأصنام أصلاً، فلا حق لها أن تتواجد فيه، وبالتالي فهي دخيلة عليه، فتحطيم النبي الكريم إياها كان في حقه تمامًا. وعلى الصعيد الاجتماعي فإنها كانت رموزًا ونُصبًا لعدم تقبل التعددية، غير أن أتباعها حُقنت دماؤهم، على الرغم من أن منهم من كان مستحقًا للقتل، والأمثلة في هذا الشأن كثيرة يعرفها المستشرقون حتى أكثر من المسلمين أنفسهم. وعلى هامش هذا الموضوع ينبغي علينا تأكيد فكرة انتفاء العدوان عن فعل تحطيم الأصنام التي كانت منصوبة داخل الكعبة، ذلك لأن سدنة الكعبة في تلك الآونة كانوا بنو عبد الدار، والقائمين على السقاية بنو هاشم بن عبد مناف، وكلهم من قريش قبيلة النبي ، فتحطيم ما بها من أصنام كان نوعًا من تصرف نبينا القرشي في بيته القرشي، وقديمًا قيل أن من حكم في ماله فما ظلم. ويشهد على صحة تلك الفكرة أن النبي لم يُقدم بنفسه على تحطيم الأصنام التي كان المشركون يقتنونها في بيوتهم.

المفارقة هنا أن نجد من مفكري الغرب من يقول بأن العولمة تطبيق إسلامي تداوله المسلمون لقرون عديدة مديدة في حكم مجتمعات إسلامية احتضنت أقليات غير مسلمة، بل وقدمت لهم الرعاية التي تقدمها لأبنائها المسلمين على قدم المساواة، حتى نبغ في البيئة الإسلامية نوابغ في شتى مناحي الفكر والعلوم

تشريع الحرب في القرآن

إن أوائل الحروب التي شنها المسلمون والمذكورة في القرآن كانت لتحرير الشعوب من الاضطهاد الديني وحماية المساجد والكنائس والمعابد من الدمار، وذلك بحسب البيان القرآني:

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (3)

غالباً ما يُستنتج من الآية

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ (4)

الإشارة إلى حرب تحويل الناس إلى الإسلام، ولكن في الحقيقة يعني العكس تمامًا: لقد حارب المسلمون الاضطهاد حتى يتمكن الناس من اختيار خدمة الله بملئ إرادتهم وبكل حرية.  وكما تشير بقية الآية،

فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (5)

 فالاختلاف الذي جلبه الإسلام فيما يتعلق بالتنوع الديني، هو أن جميع البشر، بغض النظر عن دينهم، لديهم فطرة تمكنهم من رؤية الحق، يقول تعالى:

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)،

والوصول إلى وعي الله، وتوسيع رحمتهم إلى المخلوقات الأخرى، فمن أهل الكتاب أناس صالحون أيضًا

لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (7)

ومنهم أهل مودة للمؤمنين:

وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (8)،

ولنيل الغفران، والوصول إلى الخلاص دعى الإسلام لمناشدة هذه الفطرة. على عكس التعاليم المسيحية – والتي تعتبر جميع حديثي الولادة «أبناء الغضب» بحسب زعم بولس في رسالته إلى أهل أفسس: «وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا»(9)، فالبشر جميعًا يُولدون في الخطيئة الأصلية وينالون الخلاص فقط بالإيمان بالمسيح – أما النبي محمد المصطفى علَّمَ أن جميع الأطفال، وبالتالي جميع البشر، يُولدون بلا خطيئة.  ولقد أضاف الإسلام إلى هذه الطبيعة العالمية للإنسان التعاليم القائلة بأن الله قد أرسل أنبياء إلى جميع الأمم على الأرض

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (10)،

وأتباع النبيين هم جميعًا على الحق

قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (11).

ويجب احترام أتباع الديانات الأخرى في ممارستهم الدينية، لقوله عز وجل:

لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (12).

على عكس المسيحية في العصور الوسطى، لم يمنح القرآن أي قوة للشيطان بدون إذن من الله

لم يكن ينظر إلى الناس غير المستجيبين لرسالة الإسلام على أنهم شيطانيون، بل على أن الله لم يرشدهم بعد

مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (13).

خَلقت كل هذه التعاليم قبولًا بالتنوع في المعتقدات والممارسات الدينية، وهكذا خلقها الله في حكمته الأبدية

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (14)

فبعدما انتصر المسلمون على الروم في الشام وبسطوا سيطرتهم على بيت المقدس، كان الخليفة عمر يبذل قصارى جهده لتأمين حقوق السكان المسيحيين.(16) فلم يفتنهم في دينهم قسرًا ويحولهم عنه جبرًا وإكراهًا كما فعل «فرديناند وإيزابيلا» في مسلمي الأندلس، ولا عمليات مصادرة أملاك، ولا مساس بالكنائس. حتى أنه بعد زيارته للكنيسة خرج وصلى إلى جانب الطريق لمنع المسلمين من تحويلها خطأً إلى مسجد بدافع استنانهم بسنة خلفائهم.

الجدل حول العولمة

طالما يثار الجدل حول العولمة Globalization في المجتمعات الإسلامية بوصفها منتجًا حداثيًّا غربيًّا ينبغي تجنبه لخطورته على الثوابت والقيم الإسلامية، هذا ما يشيعه المشايخ التقليديون، على أننا لو أجرينا استطلاعًا للرأي يتضمن تعريفًا لمصطلح العولمة باختصار، فلن نجد على الأغلب من يملك جوابًا، ناهيك عن أن يملك جوابًا صائبًا، ولكن على أية حال، وبغض النظر عما إذا كانت العولمة أمرًا محمودًا في ذاته أو مذمومًا، فإنها ذات قيمة مرحب بها في الغرب، والتعريف الأبسط للعولمة يقدمها على أنها مبدأ قائم على فصلِ الحكومة ومؤسساتها والسلطة السّياسيّة عن السلطة الدينيّة أو الشخصيّات الدينيّة. وباختصار تعرف بأنها فصل الدين عن الدولة، أي إبعاد تأثير رجال الدين عن أي قرار سياسي يتخذه المواطنون، فهذا المصطلح يشير إلى أن كافة الخيارات البشرية وخصوصًا السّياسيّة منها، يجب أن تكون بمنأى عن تأثير المؤسسات الدينية، مما يفسر العداء البغيض الذي يكنه رجال الدين التقليديون للعولمة، بصفتها تقوض نفوذهم السياسي. ما يعنينا نحن من العولمة هنا هو جانب المواطنة الذي تتيحه بغض النظر تمامًا عن فوارق العرق والدين.. المفارقة هنا أن نجد من مفكري الغرب من يقول بأن العولمة تطبيق إسلامي تداوله المسلمون لقرون عديدة مديدة في حكم مجتمعات إسلامية احتضنت أقليات غير مسلمة، بل وقدمت لهم الرعاية التي تقدمها لأبنائها المسلمين على قدم المساواة، حتى نبغ في البيئة الإسلامية نوابغ في شتى مناحي الفكر والعلوم، مثل الطبيب العربي أبي سعيد عبيد الله بن بختيشوع (توفي 1058م)، وكان طبيبًا وفيلسوفًا سريانيًّا نسطوريًّا، وهناك أبو العباس يحيى بن سعيد بن ماري والمعروف باسم «ابن ماري» (توفي 1193م) وكان طبيبًا عربيًّا مسيحيًّا من مدينة البصرة في العراق، برع إلى جانب الطب في الأدب والشعر، أشهر مؤلفاته بعنوان «المقامات المسيحية» على غرار مقامات الحريري. كذلك لدينا «ابن بطلان» الطبيب الشهير صاحب «تقويم الصحة» و«دعوة الأطباء»، والقائمة يطول سردها ولكن تلخيصًا لفحوى الفقرة يكفي إيراد مقتبس لـــ«مونتغومري وات» يتساءل فيه بغرض التقرير فيقول: «هل كان النموذج الإسلامي في الأندلس إطارًا لنمط حياة عولمة واسعة؟!»(15)، فيبدو بحسب رؤية «مونتوغمري وات» أن الإسلام منح للمسلمين رؤية سمحت لهم بأن يطبقوا نموذج «العولمة» على النحو الأمثل، حتى قبل أن تتخيل أوروبا أنها ستتبناه في يوم من الأيام، مع الحفاظ على الاحترام الأساسي لحقوق أتباع الأديان الأخرى كمواطنين شركاء في الوطن، بل كبشر في المقام الأول، فبعدما انتصر المسلمون على الروم في الشام وبسطوا سيطرتهم على بيت المقدس، كان الخليفة عمر يبذل قصارى جهده لتأمين حقوق السكان المسيحيين.(16) فلم يفتنهم في دينهم قسرًا ويحولهم عنه جبرًا وإكراهًا كما فعل «فرديناند وإيزابيلا» في مسلمي الأندلس، ولا عمليات مصادرة أملاك، ولا مساس بالكنائس. حتى أنه بعد زيارته للكنيسة خرج وصلى إلى جانب الطريق لمنع المسلمين من تحويلها خطأً إلى مسجد بدافع استنانهم بسنة خلفائهم. وينبغي التأكيد على فكرة أن عدل الخلفاء الراشدين يستند في الأصل إلى مرجعية عَقَدية متمثلة في تعليم القرآن والتطبيق النبوي له، لقد قدمت الحكومة الإسلامية في أوج قوتها أدوات قضائية للحفاظ على حقوق مواطنيها من غير المسلمين(17)  كذلك في زمن خلافة حضرة علي بن أبي طالب يحتفظ سجل التاريخ بوثيقة تعد من أرقى نماذج المواطنة واحترام الإنسانية بشكل عام، فقد ورد نصٌّ في رسالة علي بن أبي طالب إلى مالك الأشتر واليه على مصر، التي كانت في ذلك الوقت حديثة عهد بالإسلام، وأغلب أهليها من الوثنيين والمسيحيين، جاء في وصية الخليفة لواليه: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعًا ضاريًا تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنّك فوقهم، وولي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم، وابتلاك بهم»(18)

لقد حدت مثل تلك الوقائع التاريخية بمفكرين غربيين مثل «جون لندرينغ» للقول بأن مبدأ المساواة بين المواطنين على اختلاف أديانهم أمام القانون جرى تبنيه أولًا من قِبَلِ الشريعة الإسلامية(19)

كان البيزنطيون قد طردوا قبل سنوات عديدة اليهود من القدس. وبعد فترة من استيلاء عمر على المدينة، دعا العائلات اليهودية للعودة مرة أخرى. قام عمر بنفسه بمبادرة ترميم معبد سليمان، الذي دمره الرومان واستخدمه المسيحيون كمكب نفايات منذ ذلك الحين. أدى التشريع الجديد للمسلمين إلى زيادة في بناء الكنائس من قبل المجتمعات المختلفة، والتي كانت قد اضطهدت تحت الحكم البيزنطي.

نصّ القرآن على حقوق الإنسان بشكل عام، وشجع المعاهدات والعقود العادلة مع الآخرين، فكان كدستور علماني (اعتصم به عمر   بكل قوته. إن الموسوعة البريطانية طالما تثني على عمر   وتحتفي به باعتبار أنه جسّد تمامًا روح الدولة الدستورية، لذا أختم بمقتبس مما أوردته هذه الموسوعة نفسها عن عمر من قوله: «والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقويُّ فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله»(20)

الهوامش:

  1. (البقرة: 212)
  2. (يونس: 109)
  3. (الحج: 41)
  4. (البقرة: 194)
  5. (البقرة : 194)
  6. (الروم: 31)
  7. (آل عمران: 114)
  8. (المائدة: 83)
  9. (رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ 2 : 3)
  10. (فاطر: 25)
  11. (آل عمران: 85)
  12. (المائدة: 49)
  13. (الكهف: 18)
  14. (يونس: 100)
  15. “ويليام مونتغومري وات” (الفلسفة واللاهوت الإسلامي، مطبعة جامعة إدنبره، 1962 ؛ ص 133)
  16. كارين أرمسترونغ، القدس: مدينة واحدة، ثلاث عقائد. نيويورك: مطبعة كتب بالانتين، 1996؛ ص 228-232 .
  17. جون أ. مقدسي، الأصول الإسلامية للقانون العام. مجلة قانون نورث كارولاينا، 1999 : 5، ص 1635-1739. يختتم جونا لندرينغ أن مبدأ المساواة أمام القانون جرى تبنيه من الشريعة الإسلامية : التراث المنسي. الجذور الشرقية للثقافة الغربية. أمستردام بولاك وفان غينيب 2009.
  18. نهج البلاغة
  19. جونا لندرينغ، التراث المنسي والجذور الشرقية للثقافة الغربية. أمستردام بولاك وفان غينيب 2009.
  20. الموسوعة البريطانية، مطبعة جامعة كامبرج 1910، المجلد 5؛ ص 24.
Share via
تابعونا على الفايس بوك