"ألسنا بخير الأمم في القرآن؟"
  • صفات الله تعالى، تثبت بعث المسيح الموعود في هذه الأمة.
  • خلق الحاجة دليل على خلق ما يسدها

__

“أتظنّون أن الإسلام مرادٌ من قصصٍ معدودة، وليست فيه آيات مشهودة؟ أأعرض عنّا ربّنا بعد وفاة سيّدنا خير البريّة؟ فأيُّ شيءٍ يدلّ على صدق هذه الملّة؟ أنسي الله وعد الإنعام الذي ذكره في سورة الفاتحة.. أعني جعْل هذه الأمّة كأنبياء الأمم السابقة؟ ألسنا بخير الأمم في القرآن؟ فأيُّ شيءٍ جَعَلَنا شرَّ الأمم على خلاف الفرقان؟ أيجوّز العقل أن نجاهد حقّ الجهاد لمعرفة الله ثم لا نوافي دروبها، ونموت لنسيم الرحمة ثم لا نُرزَق هبوبها؟ أهذا حَدُّ كمال هذه الأُمّة، وقد وافت شمس عمر الدُّنيا غروبها؟ فاعلموا أنّ هذا الخيال كما هو باطل عند الفطنة التامّة، كذلك هو باطل نظرًا على الصُّحف المقدّسة.

وأيّ موتٍ هو أكبر من موت الحجاب؟ وأيّ عمًى أشدّ أذًى من عدم رؤية وجه الله الوهاب؟ ولو كانت هذه الأُمّة كالأبكم والأصمّ، لمات العشّاق من هذا الهمّ، الذين يُذيبون وجودهم لوصال المحبوب، وما كانت مُنْيتهم في الدنيا إلا وصول هذا المطلوب، فمع ذلك كيف يتركهم حِبّهم في لظى الاضطرار، وفي نار الانتظار؟ ولو كان كذلك لكان هذا القوم أشقى الأقوام، لا تُسفر صباحهم، ولا تُسمع صياحهم، ويموتون في بكاء وأنين. كلا.. بل الله أرحم الراحمين. وإنه ما خلق جوعًا إلا خلق معه طعامًا للجوعان، وما خلق غليلاً إلا خلق معه ماءً للعطشان، وكذلك جرت سنّته لطُلباء العرفان. وإني عاينتها فكيف أنكرها بعد المعاينة، وجرّبتها فكيف أشكّ فيها بعد التجربة.

ولا بدّ لنا أَنْ ندعو الناس إلى ما وجدناه على وجه البصيرة. فوجب على كلّ من يؤمن بالله الوحيد، ولا يأنف من كلمة التوحيد، أن لا يقنع بِالأَطْمار، ويطلب السابغات من حلل الدين، ويرغب في تكميل الدثار والشعار، ويقرع باب الكريم بكمال الصدق والاضطرار. وإنه جوّاد لا يَسْأم من سؤال الناس، وإنّ خزائنه خارجة من الحدّ والقياس. فمن زاد سؤالاً زاد نوالاً. فمِن حُسن الإيمان أن لا ييأس العبد من عطائه، ولا يحسب بابه مسدودًا على أحبّائه. وإنّكم أيّها الناس تحتاجون إلى نعم الله وآلائه، فمن الشقوة أن تردّوا نعمه بعد إعطائه. وأيّ جوعانٍ أشقى من جائع أشرف على الموت، وإذا عُرض عليه طعام لذيذ ورغيف لطيف ردّه وما أخذه وما نظر إليه، وهو فَلُّ الجوعِ وطريده، ومع ذلك لا يريده!” (الاستفتاء  ص 70)

Share via
تابعونا على الفايس بوك