"لايك"
  • فكيف كانت الرغبة اللاهثة وراء التقدير مشكلة حقيقية؟
  • وكيف أن التقدير والحمد من قيم الإسلام النبيلة!
  • وكيف لنا أن نضبط عنصر التقدير لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعية؟

__

التقدير في فطرتنا

ألم يحدث معنا في طفولتنا، أيام الدراسة الأولى، أن أحسنّا الإجابة في الصف، أو أحسنا المسلك فقامت المعلمة بإلصاق نجمة على جبيننا؟

ألا نذكر يومها مشيتنا بين أقراننا مرفوعي الرأس مبتسمين بثقة، وكيف عدنا إلى البيت فخورين بالنجمة؟ أما كنا سعداءَ بالنجمة الورقية الملونة وبالثناء الطيب؟ أما سعينا لاحقا إلى نيل المزيد من النجوم؟

لماذا؟ لأنّ الرغبة في التقدير والتحفيز جزءٌ من فطرتنا البشرية.

ننظر حولنا فنجد أنّه لا يختلف اثنان على أن التحفيز الإيجابي عاملٌ مهم من عوامل الدافعية، وأنّ التقدير الإيجابي من محيطنا أمرٌ طيب يحفزنا على الاستمرار في عمل ما قدرنا الآخرون بسببه.

يأتي التقدير كنسمة لطيفة تبرد عرق تعبنا وتقول لنا: استمروا، قد كان سعيكم مشكورا.

الرغبة اللاهثة وراء التقدير مشكلة حقيقية

إلى هنا لا مشكلة، ما دام التقدير عنصرًا إيجابيا محفزًا على العمل الحسن، لكن المشكلة تكون حقيقية، ولا بد من حلها، إذا صار التقديرُ مقصدَ الأعمال ووجهتها.

إنّ تعاظم الرغبة في الحصول على التقدير من الآخرين، إلى درجة تجنح بالعمل نحو الاستعراض بدل النفع، وتصبح الأنا من وراء قصد الأعمال، هو مشكلة فادحة، وليس في الأمر مبالغة؛ لأن هذه الظاهرة موجودة وبكثرة، ونلاحظها أظهر ما يكون على مواقع التواصل الاجتماعي بأنواعها.

مواقع التواصل الاجتماعي ودورها

كما هو معلوم، يُعبّرُ عن تقدير محتوى ما- سواء أكان مقطعًا أو مقالة أو صورة- على مواقع التواصل الاجتماعي بالإعجاب أي «اللايك» وأخواتها وبعدد المشاهدات، ويسعى صُناع المحتوى إلى زيادة التفاعل (سواء التفاعل السلبي أو الإيجابي) وزيادة المشاهدات لعدة أسباب؛ منها الشهرة التي تجرّ الكسب المادي. ناهيك عن صناع المحتوى الموجّهين بأهداف سياسية، من قِبَلِ جهاتٍ تعمل في الظلام، ذات أغراض إفسادٍ وإثارة فتن وتوجيه رأي لوجهات معينة تخدم أغراضهم الخبيثة.

ولم يعد يقتصر الركض وراء الإعجابات عند صناع المحتوى المتفرغين، بل تعداهُ إلى الناس العاديين أيضًا، الذين لا يصنعون محتوى، بل يشاركون تفاصيلهم اليومية بدءًا من «أحلى مقلوبة» مرورا «بشهادة تخرج الروضة» إلى نعي «خالة الجارة». فهم يسعون إلى الإعجابات رغبةً في إشعارهم بالتميز والتقدير.

هذه الرغبة العارمة في الحصول على الإعجابات، قد تدفع بعض الناس إلى نشر الغثّ والتافه والمثير للجدل. فكلنا نعاين يوميا منشورات تافهة لا قيمة لها، ومقاطعَ لا هدف منها سوى جذب المشاهدة.. ونرى تسوّل الإعجاب صراحة على لسان مقدمي المحتوى.

وظهرت مجاملات تبادل الإعجابات بين الناس، «فأم صالح» تعاتب «أم سعيد» لأنها لم ترد بالإعجاب على صورة ابنها بثياب العيد، مع أن أم محمد وضعت قلبًا على «منسف» أم أحمد اللذيذ يوم الجمعة.

هذه الرغبة العارمة في الحصول على الإعجابات، قد تدفع بعض الناس إلى نشر الغثّ والتافه والمثير للجدل. فكلنا نعاين يوميا منشورات تافهة لا قيمة لها، ومقاطعَ لا هدف منها سوى جذب المشاهدة.. ونرى تسوّل الإعجاب صراحة على لسان مقدمي المحتوى.

فداحة اللايك

لعلّ من أخطر مفرزات هذه الحالة العارمة، أنّها عصفت بمفهوم التقدير الحقيقي. وصارت كثير من الأمور الجادة تُهجر لصالح التافه، لأنه هو الذي شدّ التفاعل ونال «اللايك».

ومن مفرزاتها أنّ الناس صاروا يتعاملون مع تفاصيل حياتهم اليومية وكأنها مقاطع ستنشر وقصة ستحكى، فيجب أن يكون الواقع مضحكًا أو جدليًّا أو جاذبًا للايك ليكون مقبولًا!

ومن مفرزاتها الخطيرة أيضًا، إشاعة قلة الحياء وترويج الفحش والرذيلة.

صار كل شيءٍ للعرض والنشر.

التقدير والحمد في الإسلام

استجاب الإسلام لرغبة الإنسان الفطرية في التقدير، وعرّفه على مصدر التقدير الحقيقي وهداه الطريق القويم الذي يصل به إلى هذه الغاية؛ إذ جعل أول ما نقرأ به في الصلاة «الحمدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالمِين» ونكرره ما لا يقل عن ثلاثين مرة في اليوم!

فمن أهمّ معاني هذه الآية المتعلقة بموضوع التقدير أنّ الله تعالى هو وحده مصدر الحمد أي التقدير الحقيقي، فإذا نلناه من الله عزّ وجلّ حُزنا حمدًا حقيقيا يدوم ويربو من الرب والعبد، ويثمر عاجلًا وآجلًا. لا تهافت الإعجاب الزائف والحمد الكاذب.

إنّ نبينا هو محمّد، أي الذي حمده الله تعالى، ووضع له القبول في الأرض، ورفع ذكره، وأعزّ اسمه. فإذا كنّا نبتغي حمد الله لنا، علينا التحلي بأخلاقه والتأسي بأسوته . حتى وإن عارضتنا الدنيا ولم ننل «إعجابات» الآخرين.

فأي دين شرح الحمد لأتباعه كديننا؟ فكيف ننزلق فيما انزلق فيه الذين لا يعلمون؟

أعلى لايكات

هناك وصفةٌ معروفة جدًا وبسيطة وفعّالة ننال بها حمد الله تعالى، وحمدَ الناسِ الذي يخلقه الله في قلوبهم، وقد علّمنا إياها حضرة الإمام المهدي عليه السلام وشدّد عليها مرارًا، وبيّن أنها لُبّ تعاليم الإسلام العظيم، ألا وهي: «أداء حقوق الله وحقوق العباد».

هذه الوصفة مجربة ومؤكدة، ونتيجتها أنك تحصل بها على إعجابات الملائكة الكرام الذين يشيعون حمدك بين الناس بأمر الله تعالى.

القرار عندك

الحمد رائع فعلًا، ملأ الله قلوبنا به. وجعلنا محمودين عنده. فهل نسعى وراء حمدٍ زائف مؤقت؟ أم نوجه عزمنا نحو حمدٍ دائمٍ حقيقي؟

هل نسعى إلى «ترند» كزبدٍ يذهب جفاءً؟ أم نفعل ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، ونرث به الحمد؟

هل نشتري لهو الحديث ونضل عن سبيل الله سعيا لإعجابهم؟ أم نلزم الخير؟

هل نتورط في هتك الحياء بحجة تبادل الآراء وتقدير ما عند فلان وفلانة؟ أم نلزم القول المعروف في العالم الافتراضي كما نلزمه في العالم الحقيقي؟

هل يستوي التقديران؟

هل يستويان مثلًا؟

الحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك