إنه الإسلام الذي يتنعم العالم المعاصر في إصلاحاته

إنه الإسلام الذي يتنعم العالم المعاصر في إصلاحاته

التحرير

  • كيف قدَّم الإسلام الحلول الشافية لمشاكل العالم الاقتصادية؟
  • كيف كان الإسلام السباق إلى رعاية حقوق رعاياه الاقتصادية على اختلاف قومياتهم؟
  • أليست النكبات الاقتصادية التي يمنى بها العالم كل بضعة عقود جرس إنذار ليرتدع عن خطأ ما؟!

__

هل أتى على العالم حين من الزمان لم يكن يحلم بما يتقلب فيه الآن من رفاهية ونعيم؟! نعم، إلى أن أشرقت عليه شمس الإسلام ممثلة في البعثة النبوية المحمدية في القرن السادس الميلادي، منذ ذلك الحين دخلت الإنسانية عصرًا جديدًا، بدأ العالم فيه يتعرف شيئًا فشيئًا على منظومة القوانين والمعاملات والأخلاقيات المتعارف عليها الآن، والمعمول بها على نطاق عالمي واسع، وإن كانت غالبية سكان الكوكب تجهل حقيقة أن مصدر كل تلك الرفاهية هو الإسلام حصرًا.. يا له من ادعاء غريب! والأغرب منه ما يتضمنه من عمومية قد تبدو مفرطة! ولكن، ما علينا في هذه الافتتاحية سوى أن نقدم شواهد مقبولة على هذا الادعاء، وهذا ما سيأتي بيانه.

في الوقت الذي تنتهج فيه كبرى الدول سياسة إتلاف المحاصيل والأغذية، مخافة أن تؤثر وفرتها على مؤشر سعر البورصة العالمية، فتُهدر أطنانًا من الخيرات إغراقًا في البحر، غاضة الطرف عن ملايين الناس ممن تطحن هياكلهم العظمية رحى المجاعات في دول شتى، ولسان الحال يقول:

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (1)..

ومع كل ذلك القدر من الاستهتار بالقيم الإنسانية، تتبجح القوى الاقتصادية في هذا العصر بمثل تبجح أسلافها الهالكين، كقارون وأهل مدين، الذين أساؤوا التصرف في المال بدعوى أن ما يملكونه لهم حرية التصرف فيه، وهذا ما نقله القرآن حكاية عنهم في قوله تعالى:

قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (2)..

ويبدو أن جواب قوم شعيب لم يختلف كثيرًا عن جواب قارون الذي ادعى أنما أوتيه على علم عنده. لقد كان مصيرهم الهلاك كما هلك قارون على أية حال. وكما هلكت مدين، فالهلاك ذاته ينتظر خلفهم، وما النكبتان الاقتصاديتان التي مـُـنـــي بهما العالم في قرنين متواليين إلا جرس إنذار ليرتدع العالم عن هذا التصرف البغيض.

ولكننا دأبنا على النسيان، فنسبنا الفضل إلى غير أهله، وإنْ هذا إلا من قبيل التفريط في التقوى، فمن الظلم نسبة الفضل إلى غير أهله كما أن من الظلم نسبة الولد إلى غير أبيه، فانسبوا الفضل لأهله، هو أقسط عند الله!

وعلى الضفة الثقافية والحضارية المقابلة، فإن ما جاء به الإسلام من منظومة إصلاحية كاملة شاملة لا تقتصر على أن يكون المال ثمرة جهد حلال فقط، بل إن المال وفق المنظور الإسلامي يُعد أداة ابتلاء للإنسان، فلن يُسأل المرء من أين اكتسبه وحسب، بل سيسأل أيضًا فيم أنفقه.. ذلك لأن قيمة العمل والسعي في الإسلام إنما هي في خدمة الخلق..

فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ (3)..

وقد كان تعامُل الخلفاءِ الراشدين مع المال العام واضحًا جدًّا، حيث كانوا يفرّقون بين أموالهم الخاصة وأموال الدولة، فاتخذ الصحابة إجراءات حازمة ضد العابثين بالمال العام دون تمييز بين قريب وبعيد(4)

ولم تقتصر إصلاحات الإسلام وريادته الاقتصادية على تعامله مع المال الخاص والعام وحسب، بل تجلت كذلك في سبقه التام إلى إقرار منظومة دعم لرعايا المجتمع الإسلامي، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، فكافة الناس بدءًا من زمن الخليفة الثاني حضرة عمر بن الخطاب كانوا يتلقون راتبًا حكوميًّا مفروضًا للغني والفقير، والكبير والصغير، والمسلم وغير المسلم على حد سواء، بل خطت الإصلاحات الاقتصادية الإسلامية في عهده خطوة أبعد من هذا، حين سن قانون الراتب التقاعدي لكبار السن الذين لم يعد بمقدورهم العمل والكسب، ففرض لهم راتبًا شهريًّا يكفيهم ويكفي عيالهم من بيت مال الدولة، وأسقط الجزية عمن تقدمت بهم السن(5).

والواضح أن أساليب الجباية كانت من أبرز الأمور التي أبرزت جانبًا عظيمًا من الإصلاحات التي جاء بها الإسلام، حيث كان الرفق والتحري والإنصاف هو الاتجاه العام في تعامل الدولة مع أهل الذمة في صدر الإسلام، وقد حذر النبي من ظلم أهل الذمة فقال:

«أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(6) ،

وكان من أبرز مظاهر الرفق بأهل الذمة أخذ الخراج من جنس ما ينتجون، حيث أخذ النبي من أهل الذمة في اليمن الثياب المعافرية بدلاً من الدنانير، فأصبح الرفق في الجباية عادة عند الخلفاء حتى في العصر الأموي.

فها هو الإسلام الذي يتبختر العالم الآن في إصلاحاته، فما قوانين الدعم الاقتصادي والإعانة الاجتماعية والرواتب التقاعدية التي ينعم بها مواطنو أكثر دول العالم تقدمًا اليوم سوى ثمار ذلك الزرع الذي ألقيت بذرته أول مرة منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا.. ولكننا دأبنا على النسيان، فنسبنا الفضل إلى غير أهله، وإنْ هذا إلا من قبيل التفريط في التقوى، فمن الظلم نسبة الفضل إلى غير أهله كما أن من الظلم نسبة الولد إلى غير أبيه، فانسبوا الفضل لأهله، هو أقسط عند الله!

عزيزي القارئ، في هذا الشهر، سبتمبر من عام 2021، نهدي إليك مجلتك «التقوى» وقد تناولت فكرة ريادة الإسلام وإصلاحاته على المستوى الاقتصادي والسياسي، مستنيرين بنموذج الخليفة الراشد الثاني حضرة عمر بن الخطاب ، وقد أسهب الخليفة الخامس للمسيح الموعود في بيان تلك الإصلاحات غير المسبوقة، وذلك في إطار عرض حضرته سير الصحابة البدريين رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

الهوامش:

  1. (البقرة: 12-13)
  2. (هود: 88)
  3. (الرعد: 18)
  4. عبد الحكيم عبد الحق محمد سيف الدين، الإصلاح الاقتصادي في الفكر الإسلامي.. جيل التابعين أنموذجًا، ص83-85.
  5. أبو عبيد القاسم بن سلام، كتاب الأموال.
  6. سنن أبي داوود، كتاب الخراج والإمارة والفيء.
Share via
تابعونا على الفايس بوك