الافتتاحية

الافتتاحية

التحرير

دخلت مرة إلى جامع بالقاهرة لأداء صلاة الظهر وكانت صلاة الجماعة قد انتهت. فوجدت في ركن من الجامع رجلين يصلي أحدهما بالآخر واقفين في صف واحد جنبًا إلى جنب. فجاء ثالث ليشترك في الصلاة، وأخذ ثوب الذي كان يصلي بجنب الإمام يجره إلى الخلف للوقوف معه في الصف الثاني خلف الإمام. ولكن هذا أصر على الوقوف في مكانه. فتكرر هذا ثلاث أو أربع مرات.. ذلك يجره إلى الخلف وهذا يجره إلى الأمام. وبعد الصلاة تشاجرا واحتدا، ولولا تدخل البعض لاقتتلا في المسجد.

مدهش حقًا أن يرى المرء مثل هذه الأحداث المأساوية تقع بين المسلمين في مختلف أطراف العالم.. يتصارعون بسبب اختلاف بسيط وخاصة في مجال الدين. والواقع أنه ليس وراء ذلك إلا بعض (وليس كل) المشائخ المتعصبين الضيقي الأفق الذين لا هم لهم في الحياة إلا تسليط آرائهم على الآخرين، وإلا تكفيرهم وإعلان ارتدادهم، ليخرجوا الناس إلى الشوارع لهدم المساجد، ونهب البيوت، وسفك دماء إخوانهم المسلمين.

يسمع المرء مثل هذه النعرات المتطرفة ترتفع بين حين وآخر في الأردن ومصر وغيرهما من البلاد الإسلامية، ولكن ما أكثر ما يسمع ويرى الإنسان هذا في باكستان حيث لا يستخدم بعض المشائخ الباكستانيين المغرضين منابر المساجد إلا لتكفير إخوانهم المسلمين وإعلان ارتدادهم على أدنی اختلاف، وبالتالي إثارة أتباعهم السذج والمتطرفين لنهبهم، وتدمير بيوتهم، وقتلهم، غير خائفين لومة لائم، لأنهم ارتدوا إذ اختلفوا معهم في الرأي، وليس للمرتد إلا القتل بدون هوادة.

غير أن الأدهى من ذلك أن هذا التطرف «المشائخي» بدأ ينعكس في الدولة المجاورة حيث بدأ الهنادك المتطرفون يحاولون الوصول إلى السلطة باسم الدين مرددين هتافات ضد المسلمين الهنود الذين يزيدون على مائة مليون مسلم. مما يهدد أموالهم وأرواحهم ومستقبلهم في الهند. يقول هؤلاء الهنادك المتطرفون بأن هؤلاء كانوا قد ارتدوا عن ديننا في الماضي وأسلموا، فهلموا نرجعهم أو نقضي عليهم. وحادث «المسجد البابري» بالهند ليس إلا حلقة من سلسلة هذا التطرف الهندوكي، وانعكاسًا للتطرف الذي يمارسه بعض المشائخ الباكستانيين وأتباعهم الرعاع ضد من يختلف معهم في الرأي من المسلمين.

من واجب العلماء المسلمين الواسعي الأفق والمحبين لدينهم من كل أنحاء العالم تدارك هذه الإساءة الفادحة إلى الإسلام والخطر المحدق بأهله قبل فوات الأوان. نعم عليهم أن يضعوا حدًا لهذا التطرف المشائخي المشوه لوجه الإسلام ونبيه.. حتى يتحلوا بالأخلاق المحمدية من رفق ورحابة صدر وتسامح. ويا ليتهم يتلقون درسًا مما يريهم الله في الآفاق من تيارات الانفتاح في مختلف أنحاء العالم، فيفتحوا عيونهم ويهدموا الأسوار التي ضيّقت آفاقهم كما هدم أهل «برلین» سورهم.

(المحرر)

Share via
تابعونا على الفايس بوك