القرارات الصائبة والدعائم الثلاث

القرارات الصائبة والدعائم الثلاث

التحرير

حياة كل إنسان مملوءة بألغاز محيرة وأسرار كثيرة متشعبة لا يعلم بوجودها إلا هو، وقد يطلع عليها صديقه الحميم أو أحد المقربين إليه الذين يأتمنهم على أسراره وبعض أموره الخاصة.

لو حاول أحد أن يلفت انتباه صديقه لما يرتكبه يوميا من أخطاء وزلات ثم يقدم له النصح ويهديه إلى الوسيلة للتخلص منها، فغالبا ما نرى ردة فعل عنيفة أو عدم إصغاء بالرغم من أن الغرض هو مصلحة الصديق الذي يصر على ارتكاب نفس الأخطاء ويواظب عليها. ويبدو جليا من تصرفاته هذه أنه لا يستطيع استيعاب أية أفكار أخرى سوى ما تمليه عليه نفسه السقيمة ولا نراه يبالي بأهمية العقل في تسير مجرى حياته اليومية وتحسين نمط عيشه ورفع مستواه الثقافي والاجتماعي والديني. إن هذه الفئة من الناس قد حكمت على نفسها بالسجن مدى الحياة في زنزناة  نفسها السقيمة.. إنها تعيش في دوامة ميولاتها ولا تستطيع رفض أوامرها أو التحرر من قيودها كي يصبح لها كيان منصل يقرر مصيره بعقله لا بقلبه. وغالبا يجهل أمثال هؤلاء أن القلب لا يمثل العنصر الأساسي للتميز في ما يجرى على مسرح الأحداث.. فالقلب ليس أداة لتحديد المصير للفرد والمجموعة، بل هو أداة أحساس إنساني له أهمية في مجالات خاصة به ودوائر فعاليته محدودة. وليس من الحكمة في شيء أن نعتمد على طاقة قلوبنا من مشاعر وأحاسيس لتحريك عجلة الاقتصاد، فمثلا لا يستطيع المرء الذي هو على مكانة عالية من الإخلاص لدينه ووطنه أن يقود طائرة بل يحتاج إلى دراسة خاصة وتديب شاق. فالإخلاص هو القاعدة النظرية لبداية المشوار ويحتاج إلى قاعدة علمية وتطبيقية لأداء هذه المهمة.

فالعقل هو الميزان الحقيقي والعامل الأكثر فاعلية لتحديد مجرى حياة الإنسان اليومية ويلعب دورا هاما في تحديد مصير الفرد والشعوب.. أما الإصرار والتمسك برأي اختاره القلب بحيث لا نقبل معه المناقشة أو التعديل، فهذا يعد عاملا هداما سيؤدي إلى تدمير حياة الفرد بطريقة عمياء.. بل وتتضاعف خطورة وحدة الموقف يوما تلو آخر إلى أن تصل إلى مرحلة العجز التام فيصبح الشخص معاقا لا يستطيع أخذ أي قرار أو حتى مواجهة واقعة.. وفي هذه الظروف يتدخل العقل بكل شموخ مهما حاول المرء تجاهله وتراه يدق جرس الإنذار داخل الأعماق فتكلل مساعيه بالنجاح مع بعض الناس في حين يفشل مع البعض الآخر ممن يهنأون بأحلام وردية ويعيشون سكارى من خمر أفكار عقولهم المتحجرة وآرائهم المتعصبة دون إتاحة الفرصة حتى للمقربين لهم بالمساهمة ولو بمجرد الرأي.

إن الذي يغيب عن أذهان الكثير من الناس هو أننا نحتاج إلى دعائم ثلاث خلال حياتنا على وجه الأرض.. فللعقل والقلب فعاليتهما ودوائر مخصصة لهما ولا نستطيع أن نكتفي بواحدة منهما دون الأخرى، فاجتماعهما يصنع لنا قاعدة فكرية وعقائدية نستطيع من أعلاها التخطيط لمستقبل زاهر ومعاينة بذور ازدهارنا.. ولكن الحقيقة المجهولة لدى الكثير هي أن وحدة القلب والعقل مهما أعطتنا من نتائج إيجابية وأرباح خيالية إلا أنها تبقى محدودة تجهل ما يخفيه لها المستقبل القريب والبعيد.

بعد المرور بهذه التجارب المؤلمة وبعد أن انتهل المرء وشرب من رغباته يتبين له أن أفكاره وتمسكه برأيه دون الاستعانة برأي الآخرين كان خطأ كبيرا دفع قيمة الآن بل منذ أن استقر على رأيه على أن لا يشاور أحدا.. وفي محاولة يائسة لتعديل مسار حياته يبدأ في ترتيب أوراقه من جديد فيفاجأ بضيق الوقت المتبقي. فيتعلل بالظروف والزمن اللذين في الحقيقة لا دخل لهما في هذه القضايا سوى أننا نمضي خلف تيار الرغبة لا ندرك فحواها ولا منتهاها ونقضي جل عمرنا ندفع ثمن الأخطاء التي لا تعد ولا تحصى وليتنا نتوقف، بل يظل البعض يترقب ما تحمله الأيام المقبلة من أحلام غريبة واهية لا يملكون لأنفسهم قدرة سوى الخضوع لما تمليه عليهم أنفسهم. ويصل بهم الأمر إلى الدخول في زنزانة أنفسهم السقيمة لا يعلمون طريق النجاة منها ولا سبل الخلاص. إن المراقب لما يجري على مسرح الأحداث يتطلع لوجود صراع فكري، ديني وثقافي بين الفئات الأصولية المتعصبة وبين أصحاب الإيدويولوجيات العقلانية. ويستحيل على الطرفين في هذا النزاع الوصول إلى نتيجة سلمية ترضي الجميع. وكيف يحدث هذا وليس بينهم قاعدة فكرية مشتركة أو حتى نقاط تشابه يمكن أن ترسي بينهم وسيلة حوار.

إن الحقيقة التي يجهلها هؤلاء هي أن مجهودات القلب بمفردها لا تستطيع أن تحسن نوعية حياتنا أو تحل مشاكلنا الاقتصادية. فهذه المجالات تنتمي إلى مساحة فعالية العقل وحده الذي يعجز بدوره في التعبير عن المشاعر الصادقة وتحسين علاقتنا بالأقربين وبأفراد مجتمعنا، فهذه هي دائرة فعاليته.. إن الذي يغيب عن أذهان الكثير من الناس هو أننا نحتاج إلى دعائم ثلاث خلال حياتنا على وجه الأرض.. فللعقل والقلب فعاليتهما ودوائر مخصصة لهما ولا نستطيع أن نكتفي بواحدة منهما دون الأخرى، فاجتماعهما يصنع لنا قاعدة فكرية وعقائدية نستطيع من أعلاها التخطيط لمستقبل زاهر ومعاينة بذور ازدهارنا.. ولكن الحقيقة المجهولة لدى الكثير هي أن وحدة القلب والعقل مهما أعطتنا من نتائج إيجابية وأرباح خيالية إلا أنها تبقى محدودة تجهل ما يخفيه لها المستقبل القريب والبعيد. إن الإنسان مهما تقدم في مجالات الحياة يكون دائما بحاجة أو بالأحرى عبدا لمساعدة الله. فتخطيطاته هي نتاج مجهوداته العقلية والقلبية، ولكن أين مؤشرات النجاح؟ وهل عمله هذا حصل على موافقة من لا تعرف قراراته إلا الفوز المبين..

إن حضرة الإمام المهدي عليه السلام قد أكد في هذا الزمن مرة أخرى ضرورة تدخل نور من الله كي نتمكن من أخذ القرارت الصائبة. وأكد لنا أن العمل طبقا لتعاليم الإسلام هو الوسيلة الوحيدة لاتستقطاب هذا النور. فهذه الحقائق ليست وليدة إيحاءات النفس أو التفاعلات الفكرية بل هي إشارات خفية ومكالمات واضحة جلية، وكثير من سعداء الأمة لهم نصيب وافر من بركات الحضرة الإلهية.

إن عالمنا هو بمثابة غرفة مظلمة لا نتطلع من خلالها على حقيقة وماهية الأمور إلا حين يدخل نور الشمس من إحدى نوافذها فينير أركانها المظلمة ويضيئ فضاءها.. فالعقل والقلب هما بمثابة هذه الغرفة المظلمة ونور الله وحده فيه القدرة التامة والكافية على إنارتهما فيرزقان فراسة ربانية تتجلى لهم من خلالها حقائق الأمور.

جعلنا الله وإياكم ممن يستقطبون هذا النور الإلهي ويعملون حسب مقتضاه.

Share via
تابعونا على الفايس بوك