محبة فيض كل محبة..؟

محبة فيض كل محبة..؟

جمال أغزول

 

ما أكثر رغبات النفس وجذباتها وبهجة الحياة الجنيا وإقراءاتها حيث إنها لا تتوقف عن تحريض الناس في طلب زخرفها فيزداددون حيا وشغفا  لمادياتها الفانية فترضخ مشاعرهم وتخلد قلوبهم إلى الأرض.

وأشد خطأ فيه عامة الناس هو فهمهم للحياة وماهيتها والغاية منها إذ يكتفون بحب مادياتها ويقوتهم بفعل ما عميت به بصيرتهم أن هنالك محبة أزلية دائمة تتطلع إليها فطرة الإنسان بكل شغف ألا وهي محبة الله عز وجل والفناء فيه سبحانه وتعالى في علاقة فريدة تختلق عن كل العلائق والصلات يشع من خلالها حب الله فيضا ونورا جودا ورحمة سموا وجمالا تلك الحمبة التي لا يفقهها سوى من هم في سلك العبودي  التامة لله، الذين تذوقوا طعمها ففضلوها على كل متعة من متع الحياة..

وصدق من قال إن حياة الإنسان تقاس بمقدار حبه فيوم ينتهي حبه تنتهي حياته ولا يخلو إنسان من مشاعر الحب ولكن يتفاوت هذا املقدار من شخص لآخر من حيث المعنى والنوعية والغايات. فهناك من يحب عمله ويتفانى فيه فإذا ما أخفق فيه توارى عن أنظار الناسويئس من الحياة وتمنى لو أدركته المنون. وهناك من يحب وطنه ويذود عنه في ساحات القتال فيلبي نداء الوطن إذا دعاه لسترخص في سبيله المال والأخل والولد! وهناك حب الوالدين لأبنائهم حيث يضحون في سبيل تحصيل موارد العيش لهم ولإسعادهم ويذوقون الأمرين في هذا السبيل. ويسعى بها بين الناس آملا اجتثات نوازع الرذيلة في المجتمع ليسود الخير مرفوقا بجناحيه حرا طليقا فوق قمم الفضائل الأخلاقية المثى. فليراجه كل منا نفسه ليجد أن له فيها حبا ما لأن الحب نزعة فطرية وضعها الله في خلقه رغم التباين بينهم في معناه ومقاصده فإما وضيع أو سام نبيل. إن جميع أنواع الحب لها نهاية إلا حب واحد فهو خالد لا يموت بمغادرة الدنيا لأنه مستمر في رحلة الحياة الأخرى الخالدة حيث يتجلى على أولئك المؤمنين الذين تعلقت قلوبهم بحب الله في الحياة الدنيا، ليسهدوا أيضا في الآخرة بلقائه في جنات النيعم.

إن عالمنا بأمس الحاجة إلى الحب الصادق وهذا ما تنادي به الصيحات هنا وهناك،ولكنه سرعان ما يقضي على ثداها كثير من الأحقاد والكرهية فنراها تختص بمحتبها فئة دون أخرى وأفراد جون أفراد على أسس اللون أو العرق أو الدين فما أقرب هذا الإدعاء إلى الشفاه وما أبعده عن القلوب!

وما أجهل هؤلاء بكنه الحبة الصادقة التي لم يمكن تجزئتها بمثل ما فهموه لأن المحبة مشاعر إنسانية عامة لكل الناس وإلا كانت نوعا من المحاباة التي تتستر بين طياتها الأحقاد الدفينة وأحاسيس اللظى الملتهبة والتي يخشى منأن تتأجج نيرانها المحرقة لتنقث أدخنة متصاعدة أكثر مما هي عليه اليم من شخناء وبغضاء..

فمن الحكمة أننا إذا أردنا السمو بأحد فعلينا أن نعلمه تلك المحبة الحقيقية الشاملة التي هي فيض كل محبة ألا وهي محبة الله تلك المحبة الحقة الكاملة التي هي قصوى غايات امحبين الصادقين الذين فقهوا كنة الحب. إنها محبة من لون خاص لا بدانيها أية محبة في الوجود وهي منبع فياض ترتوي منه نفوس المؤمنين فقحيط بمعانيها الكاملة والشاملة لتشع منهم على كل شيء من خلقه كشمس مشرقة. إنها محبة تعكس صفات رحمانية الله روحيميته في عباد محسبين له سبحانه وعالى ومؤثرين راه على رضى المخلوق وجعلو حياتهم تطوف في مدار حبه تعالى فاعبروا كل شيء ف الحياة مظلما ما لم بضئه محبة الله وكل عمل لا لذة فيه ما لم يكن فيه رضى الله.. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة كونه ذلك الإنسان الكامل الذي عشق ربه بما لم يعشقه أحد قبله أو بعده فكان أن أحيط قلبه الطاهر ولك ذره من جسده الشريف بحب الله طيلة حياته الشريفة فكان مظهرا عظيما لصفات رب العالمين ارتوت منه اقلوب وارتتقت بمحتبه أمم شتى بما بث فيهم تعليمه ودينه من نوازع المحبة لله وخلقه فتوالدت منهما معان سامية نبيلة تفيض شفقة ورحمة ومؤاساة.

إن محبة الله هي أسمى أنواع المحبة بل هي أم كل محبة سامية طاهرة فإذا كانت سائر أنواع المحبة مستقلة بعضها عن بعض في سلوك الإنسان فإن محبة الله ليست كذلك لأنها ساملة غير مفككة تشع بدرر بهية من فيوض الرحمانية التي ترتقي بالعبد توتربية ليرتفع في سلم المقامات الروحانية. ولهذا علينا أن لا نجهل حبنا للحياة وملذاتها يفوق حبنا لله، لأن في هذا سركا ونقيا للتوحيد. فالذين آمنوا أسد حبا لربهم ويتخذون من هذا احب مرجعا لجميع قراراتهم. فحين يحب المرء به فإنه يبذل في سبيله المال الذي اكتبه فتزرع في نفسه مشاعر العطف والإحسان تحاه الخلق الذين هم عيال الله فلا يبقى في قلبه دشه وحرص بل يصير ماله وسيلة قربه من الله. وحينما يؤتى أحد حكمة أومعرفة فيعلمها الناس حبا لله فترتوي منها العقول وتبصر به الأعين فإنه بذلك يدلل على مشاعر حب الله بما ينفع الخلق. فلا شك أن الإنسان الذي لا يحركه وازع حب الله نحو محبة خلقه لهو مقطوع الصلة بذلك الإله الحق، الرحمن والرحيم وإلا فماذا ينفع تشدق أحد بحب الله إذا كان قلبه خال من الرحمة تحاه خلق الله. وكان لا يشهر نحو بني جنسه بالعطف ولا يتقدم نحوهم بقدم صدق لمواساتهم!!

ما أحوج البشرية لإدراك ما لمحبة الله من أثر على القلوب للتخلص من ويلات الحروب والكراهية والعنصرية التي أثخنت وجه الأرض بجراح نازفة ما زالت تقطر دما، ولك أنى لها أن تفقه كنه هذا الحب وهي لا تعرف الإله الحث الرحمن الرحين فاتخذت من ون الله أوثانا وصلبانا واتبعت الهوى في دنياها بتكالبها على الأموال واثروات لإشعال نار الحروب والفتن. فقست القلوب فأصبحت كالحجارة أو أشد قسوة ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أما مسلمو العصر فقد أساء كثير منهم إلى الإسلام ونسبوا إلى الدين الحنيف خطاب العنف والتطرف بدل الرحمة والاعتدال فحرف المشايخ سنة المصطفى فعصبوا أعين الناس الغافلين عن حقيقتها بضلالتهام وأراجيفهم فقادوهم لمهاوي الشر إرهابا وتخريبا في كل مكان مما جر على الإسلام وديار المسليمن فتا وحروبا وفتح الباب لخصوم الإسلام لاسر الأوطان وغزو الديار وسبي الرجال والسطو على الخيرات.

لقد علمنا سيدنا الإمام المهدي عليه السلام وسيلة للوصول إلى محبة الله عز وجل وذلك بالتعرف على صلاته والانمحاء في الحضرة الأحدية باتباع تلك الأسوة الطاهرة للرسول الأ‘ظم ..

فكان أن ربى جماعته الإسلامية الأحمدية على محبة الله والشفقة على خلقه لدرجو أن اشترط عليه السلام على كل مبايع عند عهد البيعة ضمن شروطها العشر أن يتعهد أنه لا يؤذي بثورة الميول النفسانية أحدا من خلق الله عامة والمسلمينخاصة، ولا يعتدي عليهم لا بلسنه ولا بيده ولا بطريق آخر وأن يظل لأجل الله وحده قائما بمواساة عامة خلق الله والإحسان إليهم يفيد بني الإنسان بمواهبه وكفاءاته ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

هذا هوا العهد الذي وضعه سيدنا أحمد حب أمر الله للانصمام إلى سلك جماعته الربانية المباركة والذي لا يمكن بغيره أن يكون أحد مسلما أحمديا صادقا. والذ يدعو إلى التفكير أن الرجل الذي يؤسس جماعته على أ، يعامل مبايعوه غيرهم من المسلمين أو من خلق الله كافة بإخلاص وشفقة وتعاطف ويسعو لخير الإنسانسة جمعاء لهو إنسان من طينة سماوية مقدسة عرف كنه محب الله وانمحى في صفاته بتجلياتها فما أروع أن يكون نفسه أسوة وما أ‘ظم ما يحب أ، تكون أعماله مثالا وقدوة في جميع هذه الفضائل والخصال الزكية. وذلك فضل الله على الإسلام في الزمن الأخير أن بوأ له خادما مخلصا وعاشقا صادقا للمصطفى ولدينه، رؤوفا ورحيما بالبشرية التي بعث رسول الله إليها ليكون رحمة للعالمين. لقد عبر عليه السلام عن محبته لخلق الله في مواضه كقيرة وأكد أنه لا يعادي أحدا، وأن قلبه يفيض بحب جميع الأمم والشعوب بمثل حب الأم الحنون لأولادها وأن عداءه هو فقط للمعتقدات الباطلة المعادية للحق، وواجبه يختم عله كمبعوث سماوي خادم للإسلام التبرء من كل كذب وسرك وجوز وضلالة وفسوق.

نعم أيها القارئ الكريم لم يكن ذلك ادعاء فحسب، بل الحق أن كل حياته الشريفةكتاب مفتوح تزخر بمواقف تنبض بمحبه الله والشفقة على خلقه. فعلينا معشر المسلمين الأحمديين أن نكون على مستوى ذلك العهد الذي عاهدنا عليه الله حتى ننعم بنفحات محبة الله ونبرهن بسلوكنا للدنيا قاطبة أن محبة الله فيض كل محبة.

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك