القتل باسم الدين الحلقة الخامسـة

الفصل السابع

عقوبة الارتداد

في الفصول السابقة أوردنا من القرآن الكريم ومن التاريخ الإسلامي مراجع عديدة تكشف زيف القول بأنَّ الإسلام يشرّع أيَّ عقوبة جسدية على من يخرجون من الإسلام كدينٍ لهم. وفحصنا بالتفصيل معظم الحجج الشائعة التي يسوقها المنادون بقتل المرتد، ونخصُّ منها خبر عِكرمة وواقعة الزكاة في زمن سيدنا أبي بكر. ونبحث في هذا الفصل بعضًا من الحجج الأخرى.

من الصعب أن نعيّن هل نشأ مفهوم الجبر في الإسلام على أرض الإسلام، أم أنّه وليد خيال المستشرقين، ثم انتقل بعد ذلك إلى حضن الإسلام. بعد دراستي لهذا الأمر في ضوء التاريخ الإسلامي.. أجدني بصدق أعتقد بأنَّ الفكرة أخذت جذورها من العالم الإسلامي نفسه، وأنَّ من الخطأ أن نُلقي باللوم على المستشرقين. إنها نُقلت عن المسلمين قبل أن يولد أي مستشرق، ويبدو أنَّ الفكرة عُرفت في عصور الإسلام الوسطى، إنها نشأت في أواخر عصر بني أميّة، وازدهرت في عهد العباسيين وازدادت قوة، لأنَّ الخلفاء العباسيين أرادوا استخدام القوة، ليس ضد أعداء الإسلام فحسب، وإنّما ضد رعيتهم. وطَلَبُهم الترخيصَ بذلك من العلماء الذين تحت سلطانهم لم يكن قليلاً. وكانت تلك الرُخص هي الأساس الذي اعتمدت عليه الحكومات المسلمة.

وإذن فقد نشأ المفهوم بعد عصر الخلافة الراشدة نتيجةً لمسلك وسياسات الحكومة المسلمة في بغداد. وإذا نظرنا من الخارج، فإنَّ الدارسين الغربيين اعتقدوا أنَّ ذلك من تعاليم الإسلام، والواقع أنها لم تكن كذلك أبدًا، إنّما كانت أساس السلوك لدى بعض الحكومات المسلمة.

وينبغي تذكّر أنَّ الفكرة وُلدت في زمن كان استخدام القوة في جميع أرجاء الدنيا لفرض النفوذ أو الفكر سائدًا بلا استثناء.

من الجليّ أنَّ الزعم القائل بأنَّ الإسلام يؤيد استعمال القوة لنشر فكره لم ينبع من دراسة تعاليم الإسلام، وإنّما من دراسة سلوك بعض الحكومات المسلمة. أما ونحن الآن في زمن تتوافر فيه كل مراجع التراث والتقاليد الإسلامية، وقد تُرجم القرآن إلى لغاتٍ كثيرة، وأمكن لعلماء الغرب التوصّل المباشر لأصول التعاليم الإسلامية.. فلا مبرّر لهم كي يُصرّوا على التمسُّك بهذا الزعم، بل عليهم أن يتجهوا إلى الأصول ويدرسوا التعاليم القرآنية والحديث وسُنّة النبي محمد بنفسه.

وهذا العمل محاولة لبحث الموضوع بجملته، ليس على ضوء مسلك المسلمين في عهدٍ معين، إنّما على نور التعاليم الأساسية للقرآن الكريم، وبيان تلك التعاليم بعرض كلمات النبي ومسلكه وفعله.

إنَّ الاتجاه إلى الحكم على التعاليم بسلوك أتباعها كثيرًا ما ضلّل الناس عن التعاليم الأصلية. ومن الملاحظ من كل الدنيا أنَّ الديانات كلها بعد فترة من الزمن تفقد سلطانها وتأثيرها على سلوك معتنقيها. ولبيان ذلك، أُدرس سلوك البوذيين اليوم أو في الحقب الماضية، وادرس سلوك الحكومات الهندوسية وهلمَّ جرًا، تجدْ غالبًا أنّه لا علاقة ما بينها وبين التعاليم الأصلية. وعلى الأخصّ، ينبغي عدم الخلط بين السياسة وبين الدين وألا يعتبر التصرّف السياسي لأمة مرآةً تعكس تعاليم دينها الذي من المفروض أن تتبعها.

وإنَّ بحثَنا في حجج المؤيدين لعقوبة القتل للمرتد يهدف إلى دحضها والوقوف ضدها.

تعريف المرتد

يقول القرآن الكريم:

  … وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة: 218)

  ويعني هذا أنَّ من يخشى السيف أو يخاف أذى العقاب، ويقرّر ترك الإسلام فله حقّ أساسي في أن يفعل ذلك، ولكن ليس لأحد آخر الحق في إعلانه مرتدًا. إنَّ حقّ إعلان الارتداد يستقرّ في يد المرتد وحده. وليس هناك تعليمٌ في القرآن الكريم يُعطي هذا الحق للآخرين. فالمرء حرٌّ في أن يترك دينه، ولكن ليس له حق في أن يفرض على غيره الارتداد. فوفقًا لتعاليم الإسلام لا يمكن لعماء الدين ولا المشتغلين بالدين ولا لأي فردٍ أو حكومة متعصبة أن يصنعوا مرتدًا.

وأيضًا يصرّح القرآن الكريم:

إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ . (محمد: 26)

آيات أخرى بشأن الارتداد

يقول القرآن الكريم:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (المائدة: 55).

مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النحل: 107).

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (آل عمران: 145).

  مهما جمح بنا الخيال.. لا نستطيع أن نستنتج من الآيات القرآنية السابقة أي أثر لعقوبة مادية دنيوية.

سورة التوبة

في محاولة مستميتة للعثور على آية واحدة من القرآن الكريم تكون سندًا لعقوبة قتل المرتد، ربما يكون الملاذ في الآيتين 12، 13 من سورة التوبة. وفيما يلي نتلو الآيات من 3 إلى 14 من هذه السورة.. وهي تتحدّث عن نفسها وتتحدّى كل محاولة لفهمها بطريقة مخالفة:

وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ * كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ * فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ * أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (التوبة: 3 – 14).

  فالذين يستخلصون من الآيتين 12، 13 عقوبة الموت للارتداد لا يستطيعون تفسير ما يترتب على ذلك من تعارض مع الآيات الأخرى. فالآيات تنتمي إلى ما بعد فترة الهجرة من مكة إلى المدينة (ارجع إلى الآية الثالثة) عندما شرعت قريش في اعتداءاتها للقضاء على الإسلام بالقوة. وعلى المنادين بعقوبة الموت جزاءً للارتداد أن يتذكّروا بأنَّ هذه الآيات تتحدَّث عن الوثنيين الذين نقضوا عهودهم وسخروا من الدين؛ ولم تُشِر إلى من يخرج عن دينه. فالذين نقضوا عهودهم بعد توكيدها، والذين عادوا إلى إبداء العداوة لدينكم وبادروا إلى أعمال العدوان.. الإذن لكم بقتالهم مقصورٌ على قادتهم (أئمة الكفر) الذين لا قيمة لعهودهم الباطلة، والإذن بالقتال بغرض وقفهم عن الدخول بأعمال عدوانية ضدكم. هذا هو المعنى الصحيح لتلك الآيات التي أساء تفسيرها دعاة القتل، وليس بها أدنى إشارة إلى من يرتدون عن دينهم لأنّهم أُكرهوا على الإسلام. وقد تناول القرآن هؤلاء القوم أنفسهم في موضعٍ آخر فقال:

عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الممتحنة: 8، 10).

الكفر المؤقت

وتروي آيةٌ أخرى من القرآن الكريم كيد بعض أعداء الإسلام:

وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (آل عمران: 73).

أهل الكتاب المشار إليهم هنا في الآية هم يهود المدينة. كان تكتيكهم هذا لبثّ الشك في نفوس المسلمين عسى أن يُضلِّلوهم ويُوقعوهم في هجر الإسلام. كيف كان من الممكن لليهود أن يُنفّذوا هذه الخطة إذا كان الموت عقوبة الارتداد؟ لو أنَّ واحدًا أُعدم لارتكاب هذه الجريمة، كما يزعم دعاةُ القتل، لكان في ذلك رادع للآخرين حتى لا ينهجوا نهجه.

ويلحُّ مؤيّدوا الإعدام على أنَّ هذه الآية تُشير إلى فلسفة يهودية لم تجد طريقها إلى التنفيذ أبدًا. حتى ولو كانت مجرّد فلسفة، فإنَّ الآية تبقى، مع ذلك برهانًا، حاسمًا على عدم وجود عقوبة دنيوية للارتداد، لأنها لو كانت موجودة ما فكّر اليهود في هذه الفكرة. ومن الخطأ أيضًا القول بأنّها فكرة نظرية لأنَّ كتب الحديث تذكر أنَّ اثني عشر كاهنًا يهوديًا من خيبر وعرينة استخدموها. (تفسير البحر المحيط).

وتتفق كل التفاسير أنَّ هذه السورة نزلت فيما بين فتح مكة ووفاة النبي ، وهذا إثباتٌ تام على أنَّ اليهود اتّبعوا هذه الخطة بعد أن توطّد الإسلام في جزيرة العرب. فكيف يمكن لليهود أن يلجأوا إلى مثل هذه الخطة الانتحارية الجنونية إذا كان القتل هو جزاء الارتداد؟ وكيف يُشجّعون المسلمين على التمسُّك بدينهم أثناء النهار ثم يكفرون بالإسلام في آخره وهم يعلمون أنَّ القتل عقاب من يُغيّر دينه؟

الأحاديث

يجرّد مؤيّدو عقوبة إعدام المرتد معنى الأحاديث النبوية من كل تناسب. فالأحاديث لا تؤيّد نظريتهم، بل على العكس، إنّها تبيّن بوضوح أنّه ليس ثمّة عقوبة للارتداد في هذه الحياة الدنيا.

ومع ذلك، واستكمالاً للموضوع ننظر في تلك الأحاديث التي غالبًا ما يُردّدها دعاة الإعدام للمرتد.

أ. روى أبو قلابة عن أنس أنَّ النبي أمر قوم عُكل أو عرينة أن يذهبوا إلى مرعى نوق خارج المدينة ويُقيموا فيها. فقتلوا حارسها وساقوها معهم وهربوا. هؤلاء الناس مع أنّهم حقًا قد ارتدوا، لكنهم عُوقبوا ليس بسبب الارتداد، وإنّما لقتلهم حارس النوق.

ب. لا شكَّ أن ابن خطل الذي كان بين الأربعة الذين أُعدموا بعد فتح مكة كان مرتدًا.. ولكنه أيضًا اغتال رفيقه في السفر. وواضح أنَّ إعدامه كان القصاص العادل لجريمته هذه.

ج. وفي واقعةٍ أخرى، قَتَلَ مقيس بن حبابة رجلاً من الأنصار ثأرًا لأخيه هشام. وهكذا في كل واحدة من هذه الواقعات كان المعدوم مجرمًا قاتلاً. لقد ارتدوا عن الإسلام فعلاً، ولكن كيف نُغمض العين عن جرائم القتل التي ارتكبوها، وننسب إعدامهم إلى ارتدادهم؟

د. مؤيّدوا الإعدام للمرتدين يعتمدون كثيرًا على الحديث المتعلّق بإعدام المرأة بسبب ارتدادها. وأقل ما يُقال عن هذا الحديث أنّه لا يُعتمد عليه.. لأنَّ حقيقة الأمر أنَّ النبي لم يأمر قط بإعدام امرأة بسبب كفرها. جاء في كتاب الفقه المعروف (الهداية) كما يلي:

لقد حرَّم النبي قتل النساء المرتدّات، لأنَّ مبدأ تنظيم العقوبات هو إنّه في مثل تلك الحالات يترك العقاب إلى الآخرة. لأنَّ العقاب المقرّر في هذه الحياة يتعارض مع الهدف من الارتداد.. لأنها تكون عندئذٍ محاسبة على أمرٍ يخصُّ الله وحده. ولكن يمكن توقيعها فقط لمنع الشخص المسؤول من المضي في اعتداءاته (خلال الحروب مثلاً). ولما كانت النساء بطبيعتهنَّ غير قادرات على القتال، فإنَّ المرأة المرتدة لا يمكن قتلها في أي حال.

ومن المستغرب أنَّ عالمــًا مثل المودودي، والمفروض أنّه يعرف تمامًا مدى ضعف هذه الأحاديث، نجده لا يزال يتمسّك بأحاديث ضعيفة رفضها معظم العلماء المسلمين البارزين.

ه. واقعة عبد الله بن سعد ذكرناها في فصلٍ سابق. ولو كان هناك أية عقوبة في القرآن الكريم على الردّة فكيف نوفّق بين تعاليم الرسول القاضية بأنّه ليس هناك أحد فوق الشريعة وبين تمسُّكه الصارم بشريعة الله؟. إذا كان الموت عقوبة المرتد فكيف يُخالف النبي أوامر الله تعالى؟

الصحابة

رأينا كيف أنَّ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة لا تُقدِّم أي تأييد للقائلين بإعدام المرتد، ولكن مؤيدي الإعدام لا تزال في جعبتهم حيلٌ أخرى. ولزامٌ علينا أن نفحص حُججهم المتبقية بالتفصيل. تعتمد تلك الحجج على الرأي الشخصي لبعض صحابة النبي ، وليس على حكمه بنفسه. وليكن معلومًا منذ البداية أنَّ رأي الصحابة وملاحظاتهم ليست إلا على سبيل التفسير، ولا تقف ندًّا لتعاليم الرسول . وهي على أحسن الفروض وجهة نظر.

لقد تناولنا موضوع الردّة الشهير المتعلّق بالزكاة على صفحاتٍ سابقة.. بدأت قبيلتا عبس وذُبيان أعمال العدوان بالهجوم على المدينة، وحاربهم سيدنا أبو بكر قبل أن يعود أسامة من حملته. فكان المرتدون هم المعتدون. لم يقتصر الأمر على رفض أداء الزكاة، ولكنهم رفعوا السيف على المسلمين. وهكذا تمرّدوا على الحكومة الإسلامية، وقتلوا المسلمين من بينهم بحرقهم أحياء، ومثَّلوا بأجساد القتلى، (الطبري).

إنَّ القائلين بقتل المرتد، اعتمادًا على هذه الواقعة، إما أنّهم يجهلون كل تلك الحقائق، أو أنّهم يودون تضليل الناس عمدًا لتهوين جريمة قتل المسلمين الأبرياء على يد المتمرِّدين.

ب . ثم يتساءل المؤيّدون لقتل المرتد قائلين: إذا لم يكن عقاب المرتد قتله فلماذا لم يُترك مسيلمة الكذَّاب وشأنه؟

الواقع أنَّ مُسيلمة كان طامحًا إلى السلطة السياسية. فقد رافق وفد بني حنيفة إلى النبي ، وأسلم على أن يكون خليفته من بعده، وقال له النبي لو سألتني هذا العسيب (سعف النخل) ما أعطيتُكَهُ. ولما عاد مُسيلمة ادَّعى أنَّ له نصف أحياء العرب، وأرسل إلى النبي كتبًا زعم فيه: إني قد أُشركت معك في الأمر، وإنا لنا نصف الأرض. فردَّ عليه النبي بالآية القرآنية: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . (الأعراف: 129)

وبعد أن ادَّعى مُسيلمة بالنبوة قبض على حبيب بن زيد الصحابي، وقطع أوصاله طرفًا طرفًا، ثم أحرق بقاياه. (تاريخ الطبري).

يتجاهل أنصار قتل المرتد هذه الجريمة الشنعاء، ويزعمون أنَّ الارتداد كان جريمته الوحيدة. لو أنه لم يرتكب جريمة القتل فهل كان سيُقتل على عقوبة الارتداد وحدها. ألم يكن ليُعاقب على القتل والتمثيل بالقتيل والفساد الذي أحدثه في الأرض؟ لم ترد أبدًا أية إشارة إلى أنَّ النبي لما سمع عن رفض مُسيلمة لنبوته، حكم بموته أو حثَّ أحدًا من صحابته على قتله.

ولما عجز مولانا المودودي أن يجد دليلاً على إدانة النبي لمسيلمة.. ذهب يلتمس مخرجًا له في رغبةٍ أبداها النبي في ساعته الأخيرة عن الخلاص من مُسيلمة. ولو كان هناك مثل هذه الرغبة ما تجاهلها أبو بكر خليفته الأول، ولأرسل بصحبته حملةً عسكرية إليه بناءً على هذه الرغبة النبوية. لماذا تلكّأ أبو بكر حتى بدأ مُسيلمة اعتداءاته، وجاهر بالتمرُّد ضد المسلمين؟

لقد حشد مسيلمة أربعين ألف مقاتل من بني حنيفة وحدها لملاقاة خالد بن الوليد، وابتدأ بالعدوان، وتحرَّك بقواته نحو المدينة، وعندئذٍ فقط أمر سيدنا أبو بكر بالمسير إليه بسبب تمرُّده وجريمة قتله المنكرة لحبيب بن زيد. (تاريخ الخميس، ج 2).

ج. مدَّعٍ آخر للنبوة، هو طُليحة الأسدي.. لم يكن مجرَّد مدَّعٍ كذَّاب، بل إنه قتل عُكاشة بن محصن وثابت بن الأكرم الأنصاري، وقبل أن يُقاتله خالد بن الوليد بعث إليه رسولاً للسلام وتجنب سفك الدماء. ويغمض دعاة قتل المرتد عيونهم عن أنه لو كان القتل هو عقوبة المرتد حقًا ما كان هناك معنى لأن يبعث خالد إلى طُليحة ليمنحه فرصة العفو. (ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، ابن الأثير، أُسد الغابة).

د. حالة مشابهة مع الأَسْوَد العنسي الذي رفع لواء العصيان مع ردّته، فقتل الوالي المسلم على اليمن. وعندما بلغ النبي خروجُه أرسل كتابًا إلى مُعاذ بن جبل والمسلمين لمقاومة الأسود العنسي. فقُتِل في مناوشةٍ مع المسلمين، ووصلت أخبار مقتله بعد وفاة النبي بيومٍ واحد. (ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 2).

ه. وبالمثل ارتدَّ لقيط بن مالك الأزدي وادَّعى النبوة، ثم طرد جعفرًا وعبّادًا اللذين كانا عاملين على عُمان. (الطبري، ج 4).

وكان شأنه في ادّعاءه للنبوة كغيره.. لا علاقة له بالدين.. وإنّما كان لكل منهم هدف سياسي يتوق لتحقيقه، ويطلب السيادة السياسية عن طريق التمرُّد العلني على الدولة الإسلامية التي يعيش في ظلّها. ولذلك فمسألة الارتداد ليست واردة هنا. دعنا نفترض للحظة واحدة أنَّ هؤلاء القوم لم يتخلوا عن إسلامهم، ولكنهم تمرَّدوا على الحكومة الإسلامية وحسب.. أما كان على هذه الحكومة أن تتخذ الخطوة لقمع التمرُّد.. الذي هو جريمة يترتّب عليها الفساد والفوضى في الأرض، وشرَّع لها الإسلام عقوبة الإعدام. فالعقاب لم يكن أبدًا سبب الردّة.

و. ويشهد مريدو قتل المرتد بحادثة (أم قرفة)، المرأة التي ارتدت في زمن سيدنا أبي بكر وكان لها ثلاثون ولدًا، كانت تحضُّهم على قتال المسلمين، فدفعت ثمن خيانتها وتآمرها وجريمتها المضاعفة.. وليس ثمن ارتدادها. (المبسوط، ج 10).

ز. كثيرًا ما يُذكر قتال الإمام عليّ مع الخوارج.. لقد أفسد الخوارج في الأرض أيّما إفساد، فقتلوا رجالاً ونساءً من المسلمين، وقتلوا عامل عليّ وجاريته ورسول عليّ.. (فتح الباري، ج 12).

ح. وتجدر الإشارة إلى تعيين مُعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري والِيَيْن على شطري اليمن.. وعندما أوشكا على السفر أوصاهما النبي قائلاً: “يَسِّرا ولا تُعسِّرا. وبشِّرا ولا تُنفِّرا”. جاء مُعاذ ذات يوم للقاء أبي موسى الأشعري، ولاحظ رجلاً هناك مقيدًا بحبل، فاستفسر مُعاذ عن أمره. فقيل له: هذا رجلٌ من اليهود أسلم ثم ارتد، وأنّهم عبثًا يُحاولون معه منذ شهرين أو ثلاثة ليرجع مسلمًا. فأصرَّ مُعاذ ألا ينزل عن دابته حتى يُقتل الرجل قائلاً: هذا حُكم الله ورسوله. هذه الملاحظة الأخيرة تُعبّر عن الرأي الشخصي لمعاذ، ومثل هذه الآراء لا تُعتبر حجّة شرعيّة ما لم تُساندها الدلائل التي تؤيّدها. وسنفصّل هذا المبدأ بعد قليل.

دعنا الآن نختبر صحة هذا الحديث. ملاحظة معاذ تتعارض مع وصية النبي الذي طلب منه أن يُخفّف على الناس أمورهم وألا يُنفّرهم بعيدًا. فإذا جعلنا اعتمادنا على حديثٍ ما من دون أن نتحرّى عن فهم مُعاذ للإسلام على أساس من مسألةٍ جوهرية تتعلّق بحقوق الإنسان.. فذلك سخفٌ ومجافاة للعقل.

وهناك شكٌّ كبير يحوط بهذا الحديث وسنده وأهليّته. وإذا ما كان هناك شكٌّ هكذا فيُنبذ الحديث على الفور. وينبغي ألا ننسى أنَّ هذه الأحاديث جُمعت بعد ثلاثة أو أربعة قرون من بدء الإسلام، ولعامل الزمن أثره في احتمال خطأ الذاكرة. فطبقًا لإحدى الروايات كان قتل اليهودي بأمرٍ من مُعاذ، وفي روايةٍ أخرى أنَّ مُعاذ هو الذي قتله بيده. وعند وقوع مثل هذه الاختلافات الأساسية في واقعةٍ جوهرية، كيف يمكن للمرء الاعتماد على مثل هذه الأحاديث؟ قد ينسى الناس ما قاله شخصٌ ما، ولكنهم إذا كانوا شهود عيان فلا شك أنهم يذكرون تمامًا ما حدث بشأن المرتد المذكور.

خ. ثم نلتفت إلى حديث نال اهتمامًا كبيرًا لأنَّ دُعاة قتل المرتد يؤكّدونه ويعتمدون عليه. وقد أرجأناه عمدًا إلى نهاية هذا الفصل حتى ينال حظه من العدالة دون تدخّل في مجرى الموضوع.

وقبل أن نبحثه بالتفصيل من المناسب ذكر بضع كلمات حول تطبيق بعض المبادئ المتفق عليها بين العلماء الإسلاميين خلال العصور. وتُساعد هذه المبادئ على حلّ التناقضات التي قد تبدو بين آيات القرآن الكريم وبين الحديث من ناحية، وبين الأحاديث بعضها البعض من ناحيةٍ أخرى.

أولاً: كلام الله فوق كل كلام.

ثانيًا: يأتي بعده التطبيق الفعلي للنبي أي السُنّة.

ثالثًا: ثم بعد ذلك الحديث، وهو الأقوال المروية عن النبي .

  1. إذا ما ثبت أنَّ الكلمة من النبي بل أي ريب.. فهي الكلام الذي وضعه الله تعالى في فم النبي. فإذا لم يكن ثمة تعارض ظاهر بين كلام النبي وبين القرآن.. يكون الحديث عندئذٍ حجّة مقبولة.
  2. وليس هناك من يُماري في أنّه إذا تعارض قولٌ منسوب إلى النبي مع تعاليم القرآن الواضحة رُدَّ هذا الحديث على أنه موضوع وليس من قول النبي .
  3. إذا كان الحديث لا يتعارض صراحةً مع تعاليم القرآن، وكان هناك مجالٌ لتأويل الحديث.. فالتصرُّف الصحيح عندئذٍ هو الاجتهاد في تأويله حتى يزول التعارض ويتفق النصّان.
  4. عند محاولة التوفيق بين حديثٍ منسوب إلى النبي وبين القرآن يجب مراعاة الالتزام بتعاليم القرآن الكريم، لأنّها الأصل الثابت الذي لا يُؤوَّل ليتفق مع غيره. ويكون المطلوب الصحيح هو البحث عن تفسير للحديث يتفق مع القرآن. وإذن، ففي جميع الحالات يُوضع الحديث في ميزان القرآن ويُوزن به.
  5. إذا لم يكن هناك تعارض بين القرآن الكريم وبين الحديث، فإنَّ صحة نسبة الحديث إلى النبي تتحدَّد عندئذٍ على ثقة الرواة وسلامة التسلسل.
  6. يجب مقارنة الحديث السابق مع الأحاديث الصحيحة المقبولة الأخرى تحرُّزًا من أن يكون بينه وبينها تعارضٌ ما.
  7. وأخيرًا، للتأكّد من صحة حديث ينبغي دراسة الدليل الداخلي في الحديث دراسةً فاحصة، فإذا تبيّن أنَّ في الحديث ما يُخالف صورة نبي الإسلام كما رسمتها سُنته الصحيحة وطريقته طوال حياته، أو إذا كان معارضًا لمبادئ المنطق السليم والعقل السوّي، رُفِضَ هذا الحديث وحُكِمَ ببطلان صدوره عن النبي .

وعلى ضوء القواعد السابقة، دعنا نفحص الحديث المذكور:

“عن عكرمة قال: أُتِيَ عليٌّ بزنادقة، فأحرقَهُم. فبلغَ ذلِكَ ابنَ عبَّاسٍ، فقالَ: لو كُنتُ أَنا لم أُحرِقْهم لنَهْيِ رسولِ اللَّهِ : لا تُعذِّبوا بعذابِ اللَّهِ، ولقَتلتُهُم لقولِ رسولِ اللَّهِ : مَن بدَّلَ دينَهُ فاقتُلوه”.

وروي هذا الحديث في الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

تناقض الحديث مع القرآن الكريم

ليس بوسع منصفٍ عاقل أن يُوفّق بين الآيات التالية من القرآن الكريم وبين الحديث المذكور:

سورة البقرة: 57، 100، 109، 218، 257، 273

سورة آل عمران: 21، 73، 86 إلى 92، 145

سورة النساء: 83، 138، 139، 146

سورة المائدة: 55، 62، 91 إلى 93، 99، 100

سورة الأنعام: 67، 150 إلى 108، 126

سورة الأعراف: 124، 129

سورة التوبة: 11 إلى 14

سورة يونس: 100 إلى 109

سورة الرعد: 41

سورة الحجر: 10

سورة النحل: 83، 105 إلى 107، 126

سورة الإسراء: 55

سورة الكهف: 30

سورة مريم: 47

سورة طه: 72 إلى 74

سورة الحج: 40

سورة النور: 55

سورة الفرقان: 42 إلى 44

سورة الشعراء: 117

القصص: 57

سورة العنكبوت: 19

سورة الزمر: 30 إلى 42

سورة غافر: 26، 27

سورة الشورى: 7، 8، 48، 49

سورة محمد: 26

سورة ق: 46

سورة الذاريات: 57

سورة التغابن: 9 إلى 13

سورة التحريم: 7

سورة الغاشية: 22، 23

وقد تناولنا بعض هذه الآيات آنفًا.. ولمزيد من الإيضاح نذكر الآيات التالية:

وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ * كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَىٰ بِهِ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ . (آل عمران: 86 إلى 92)

يتبيّن من هذه الآيات أنّه ليس ثمّة عقوبة ينزلها إنسان بإنسان آخر بسبب الارتداد. وقوله خَالِدِينَ فِيهَا يُشير جليًا إلى الآخرة.. ولا يمكن لعاقل أن يجمح به الخيال ليفسّر لَعْنَةَ اللَّهِ كي تكون رخصته لقتل أحدٍ ما باعتباره مرتدًا. ولم تذكر الآيات أي عقاب بالقتل. ولو كان هناك عقابٌ جسدي لتحدّد هنا بوضوح طبقًا لمقتضيات التشريع الحاسمة كما اتبع ذلك في كل الحدود. بل على العكس، إنَّ القرآن يذكر فرصة التوبة والمغفرة الإلهية للمرتد. فكيف يمكن للمرء أن يتوب وينجو من خطاياه في هذا الدنيا إذا ما قُتِل؟

إذا اعتبرنا هذا الحديث صحيحًا فعلى أنصار عقوبة قتل المرتد أن يتفكَّروا في حل التناقض بين آيات القرآن الكريم، وعلى وجه الخصوص عليهم أن يتفكّروا مليًّا في موقفهم على ضوء الآيات القرآنية التي سُقناها آنفًا، وأن يُعيدوا النظر فيها بعقلٍ متجرّد عن التحيُّز، كيف لا يجوز لأحدٍ أن يخلع على مثل هذا الحديث المشكوك فيه وزنًا يفوق آيات القرآن المحكمة البيّنة:

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (يونس: 100 -101).

فإذا كان الله بجلاله لم يُكره الناس على الإيمان، فما نحن حتى نرفع السيف لإكراه الناس على الإيمان، أو أن ننصب لهم الفخاخ المودودية. المشكلة لدى هؤلاء القائلين بإعدام المرتد أنّهم يقبلون نصوص الأحاديث التي جُمعت بعد النبي بمئات السنين، مع أنّها تتعارض بشكل بيّن مع تعاليم القرآن الكريم.

التعارض مع سنة النبي

مصدرنا التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم هو سلوك النبي وفعله وأسوته العملية. ولقد أوضحنا فيما سبق بطلان الزعم بأنَّ أحدًا أُعدِمَ بسبب الارتداد. وبرغم كل شيء، ماذا كان موقف النبي إزاء أهل مكة؟ كان يُريد أن يُترَك في سلام ليزاول عقيدته ويدعو الناس إلى رسالة الله. ولم يسمح له المكّيون بهذه الحرية، وعاقبوا الذين آمنوا به. كان المؤمنون من وجهة نظر أهل مكة مرتدين.. هجروا دينهم وعقيدتهم في تقديس الأوثان.

ولقد قضى النبي حياته كلها في صراعٍ للدفاع عن حقوق الإنسان الأساسية، في أن يكون كل إنسان حرًا في اختيار عقيدته الدينية، وألا يُكره إنسان إنسانًا على تغيير دينه، وأنَّ لكل إنسان حرية تغيير عقيدته الدينية إلى أي عقيدةٍ أخرى كما يشاء.

وفي الواقع، كان هذا هو حقيقة معنى (الجهاد)، الذي شنّه كل رسل الله ضد مُناهضيهم خلال عصور التاريخ. وقد ذكره القرآن الكريم عندما قصَّ أخبار الأنبياء السابقين. ولنرجع إلى الآيات 2: 5؛ 113:6؛ 21: 42؛ 25: 32؛ 36: 8؛ 43: 8. ومثالاً لهم إبراهيم (6: 75 إلى 79؛ 19: 47؛ 21: 53؛ 59، 61، 69، 70؛ 37: 89 إلى 91). وإلياس (37: 126، 127)؛ ولوط (26: 166 إلى 168؛ 27: 57؛ 15: 71)؛ ونوح (7: 60؛ 10: 72؛ 11: 26، 27؛ 26: 117؛ 71: 2 إلى 21)؛ وموسى (7: 105، 106 و124 إلى 127؛ 10: 76 إلى 79؛ 17: 102، 103؛ 20: 44، 45؛ 50: 3؛ 26: 19.. 34)؛ وعيسى (3: 52 إلى 56؛ 5: 118؛ 19: 37؛ 43: 65).

فيم كان جهادهم؟ كان جهادهم ردّ فعل لدعوى مناهضيهم بأنَّهم ليس لهم الحق في تغيير عقيدة أقوامهم. الحقيقة أنَّ لكل إنسان الحقَّ في اختيار عقيدته ما دامت الدعوة تتسم بالسلام والمودّة وتُبلَّغ بوسائل سلميّة. كان ردّ فعل المعارضين عنيفًا إزاء أعظم المواقف معقوليةً وإنسانية، وأصرُّوا على رفض موقف الأنبياء، واستمسكوا بدعواهم أنَّ الأنبياء إذا لم يرجعوا عن نهجهم فعليهم مواجهة عقوبة الارتداد من وجهة نظر المعارضين.. ولم تكن سوى القتل أو النفي.

كان كفاح النبي لمعارضيه يسير على سُنّة الأنبياء السابقين. كيف يمكن لأي عاقل أن يتنكّر لسنوات البعثة النبوية، ويتشكّك في موقفه الثابت المتين على هذا المبدأ الأساسي؟ فإذا كان القرآن الكريم، وسُنّة النبي والأحاديث الأخرى تتعارض تعارضًا كبيرًا مع هذا الحديث الذي هو موضوع بحثنا.. فما نرى سببًا أقوى من كل ذلك لعدم الاعتداد بمثل هذا الحديث.

الحديث من حيث توثيق الرواة والسند

هذا الحديث الذي فنّدناه آنفًا مرويّ في خمسةٍ من كتب الصحاح المعروفة: البخاري والترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه، وعند هذا الحد تقف صحته. ذلك لأنَّ صحة الحديث لا تتوقف فقط على روايته في كتاب من الصحاح، بل هناك معايير أخرى يستلزم توافرها للحديث. أهم هذه العوامل بحثٌ دقيق وعميق لتفصيل شخصية الرواة وتسلسلهم.

هناك علماء أوقفوا حياتهم لمثل هذه الدراسات، وبفضل بحوثهم المضنية الشاملة أصبحنا اليوم في موقف يتيح لنا دراسة أية صلة في تسلسل رواة المصنّف. فلنلتفت الآن إلى الحديث الذي نحن بصدده.

يقع هذا الحديث في طائفة أحاديث الآحاد الغريبة (أي ورد في تسلسل عن راوٍ واحد، فهو عن عكرمة).

قال مولانا عبد الحي اللكناوي رحمه الله عن عِكرمة: إنَّ جامعي الحديث رووا عنه لأنَّ البخاري روى له.. وذلك دون أن يتحرّوا عنه بأنفسهم.

ومن الممكن أن يكون الحديث صحيحًا ومعتبرًا ولو كان من طريق واحد عنه (حديث آحاد.. ولكنه لا يكون على قدم المساواة مع حديث له أكثر من طريق. ومثل هذه الأحاديث لا يُؤخذ بها في الأمور التي تتعلّق بالحقوق والمسؤوليات والواجبات والعقوبات، وعلى وجه خاص في مسائل (الحدود). ويراد بالحدود تلك العقوبات التي حدَّدها القرآن الكريم. ويحسب دعاة قتل المرتد أنَّ رأيهم مبني على تعاليم قرآنية وأنّه من الحدود. وفي الحقيقة، إننا فنَّدنا هذا الزعم من قبل.

وليكن مفهومًا أنَّ الحديث المذكور هو حديث آحاد، وليس به اعتبار حتى وإن عُدَّ صحيحًا عند بعض المصنّفين.. وبهذه المناسبة يجدر بنا أن نتعرَّف أكثر على عكرمة وسمعته.

عكرمة

كان عكرمة رقيقًا عند ابن عباس وتلميذًا له. كان تلميذًا غير متحمّس ومتخلفًا من الدرجة الأولى. ويعترف بنفسه قائلاً: إنَّ ابن عباس كان يغضب بشدّة من قلة اهتمامه وتهرّبه من دروسه، حتى إنّه كان يُقيّده من يديه ورجليه ليحضر دروسه (الطبقات الكبرى لابن سعد).

وكان من معارضي سيدنا عليّ ابن أبي طالب، وكان يميل إلى الخوارج، وخاصةً عندما بدأت الخلافات تظهر بين سيدنا عليّ وابن عباس، وأخيرًا، في العصر العباسي. وكان العباسيون معادين لكل ما يرتبط بذرّية سيدنا علي لأسباب سياسية. اكتسب عكرمة شهرةً كبيرة واحترامًا كعالم بارع متعدّد الجوانب. ومن البيّن أنَّ ذلك بسبب خصومته لسيدنا علي وصلته بالخوارج. (ميزان الاعتدال).

يقول الحافظ الذهبي: إنَّ عكرمة “كان خراجيًّا، وروايته مريبة لا يُعتدُّ بها”. والإمام علي بن المدايني يرى نفس الرأي، وهو عالم متخصّص بعقوبة الارتداد. وكان يحيى بن بكير يقول: إنَّ الخوارج من مصر والجزائر ومرَّاكش يميلون بشدّة إلى عكرمة.

وعلى وجه العموم، لوحظ أنَّ حديث قتل المرتد نشأ أساسًا بشأن وقائع حدثت في البصرة والكوفة واليمن. ولكم يكن أهل الحجاز (مكة والمدينة) على معرفةٍ بهذا كليّة.  ولا يستطيع المرء أن يُغمض عينيه أنَّ هذا الحديث لعكرمة عراقي السلسلة. ولنذكر بهذا الصدد مقالة الإمام طوس بن قيسان من أحاديث العراق مشكوك فيها على وجه العموم. (أبو داود ج2).

ليس هذا فحسب، بل إنَّ العلامة الكبير يحيى بن سعيد الأنصاري عاب على عكرمة عدم ثقة رواياته بصفة عامة، بل ذهب إلى أنّه كذَّاب.. (كتاب الضعفاء)، أي يكذب بدرجة كبيرة.

يروي عبد الله بن الحارث واقعة مثيرة للغاية شهدها بنفسه عندما زار عليًا بن عبد الله بن عباس. لقد صدمه وثبَّط همّته أن رأى عكرمة مقيّدًا إلى عمود خارج باب علي بن عبد الله بن عباس، وعبَّر عن صدمته لهذه القسوة بأن سأل عليًّا: ألا تتقي الله فيه؟ يعني بذلك أنَّ عكرمة، لما معروف عنه من الصلاح والتقوى، لا يستحق الإهانة والقسوة على يد ابن مولاه السابق. فردَّ عليّ مبرِّرًا فعله بأن عكرمة يتجرّأ على أن يعزو أقولاً باطلة إلى أبيه عبد الله بن عباس.

فمن أحسن حُكمًا على عكرمة مِنْ علي بن عبد الله بن عباس؟ لا غرابة إذن في أنَّ الإمام مالك بن أنس (95 إلى 179 ه) رائد مصنّفي الحديث ومن أشهرهم في العالم الإسلامي يضع الأحاديث المروية عن عكرمة في بند الضعيفة الواهية. (ميزان الاعتدال).

ويرى العلماء أنَّ عكرمة يميل إلى المبالغة، منهم الإمام يحيى سعيد الأنصاري وعلي بن عبد الله بن عباس وعطاء بن أبي ربيع. (فتح الباري).

فهذا هو الرجل الذي روى الحديثَ، المرجعُ الوحيد الذي يتوقف عليه حياة أولئك الذين يُغيّرون عقيدتهم إلى آخر الزمان.

ابن عباس

كلما جاء اسم ابن عباس في آخر سلسلة الرواة لحديثٍ ما.. استولت الرهبة على معظم علماء المسلمين. إنّهم ينسون أنَّ واضِعي الأحاديث يستثمرون اسمه وشهرته فينسبون أحاديثهم المنحولة إلى سلسلةٍ من الرواة تنتهي باسمه. ولذلك فإنَّ جميع الأحاديث المنسوبة إلى ابن عباس يجب فحصها ودراستها تمامًا.

ثم إنّه لو كان الراوي صادقًا في روايته عن طريق عكرمة، فإنَّ احتمال الخطأ البشري من جانب عكرمة وارد كذلك. والرواية التالية توضّح هذا الأمر جيدًا:

“عن ابن عباس أنَّ عمر ابن الخطّاب قال: إنَّ النبي قال: إنَّ الميت يُعذَّب ببكاء أهله، وقال: إنّه بعد وفاة عمر رُوِيَ الحديث للسيدة عائشة فقالت: غفر الله له، ما قال النبي شيئًا من ذلك. إنّه قال: إنَّ بكاء أهل المشرك على جسد الميت يزيد عذابه. واحتجّت قائلة: ألا يكفيهم ما قال تعالى:

لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ .

  فإذا كان رجلٌ في منزلة سيدنا عمر وكماله يُخطئ فهم قول النبي مهما كانت نبرة وقوع هذا.. فكيف لعاقلٍ أن يعتمد اعتمادًا تامًا على دلالة هذا الحديث، ويستخلص منه النتائج التي تصل إلى مسألة الحياة والموت وحقوق الإنسان الأساسية؟!

لا يُستبعد أن يكون هذا الحديث من وضع عِكرمة ونسبه إلى ابن عباس، كما قال علي ابن عبد الله بن عباس.

معايير داخلية

إذا فحصنا موضوع الحديث قيد البحث نجد أنَّ فحواه غلطٌ من عدّة طرق:

أولاً. إنسانٌ في مكانة سيدنا حضرة عليّ يُفترض فيه عدم الجهل بأنَّ الإسلام يمنع بتاتًا معاقبة الإنسان بالنار.

ثانيًا. جملة (اقتلوا من بدَّل دينه) ذات دلالة عامة، بحيث يمكن تفسيرها بعدة تفسيرات. وهي على إطلاقها تصدق على الرجال والنساء والأطفال جميعًا مع أنَّ الإمام أبو حنيفة وبعض المدارس الفقهيّة الأخرى لا توافق على قتل المرأة المرتدة.

ثالثًا. لفظة (دين) أيضًا كلمة عامة تعني أيَّ دين وليس الإسلام بعينه، بل إنَّ دين عبدة الأوثان يسمّى دينًا. (سورة الكافرون).

وعلى ضوء ألفاظ الحديث هذه كيف يمكن حصر معناه في المسلم الذي يُغيّر دينه؟ في لغة القانون الدقيقة وطبقًا لهذا الحديث، يُقتل كل إنسان يُغيّر دينه مهما كان هذا الدين، ويعني قتلَ اليهودي الذي يدخل المسيحية، وقتلَ المسيحي الذي يُسلم، وقتلَ الوثني الذي يعتنق أيَّ دين. إنَّ إطلاق كلمة (مَنْ) تتجاوز أيضًا حدود الدولة الإسلامية، بمعنى أن يُقتَل مُبدِّلُ دينه حيثما كان.. في فيافي أستراليا، أو مجاهل أفريقيا، أو غابات جنوب أمريكا..!

يؤكد الإسلام تأكيدًا عظيمًا على التبليغ لهداية الناس للإسلام، بحيث أنّه يكلّف كل مسلم بأن يكون مُبلِّغًا أو داعيًا إلى الله. فكم هو باعثٌ على السخرية أن ينسخ اليوم بعض علماء المسلمين روحَ الجهاد الإسلامي الحقّة، ويركنوا بتهوّر إلى فكرٍ عقيم ضيّق الأفق.. يقول بأنَّ الإسلام يفرض قتل من يبدِّل دينه، وهو الإسلام بحسب هذا السياق. وماذا بشأن الديانات الأخرى؟ إنَّ الإسلام يعلن بأنّه واجبٌ على كل مسلم أن يلتزم دائمًا بهدفٍ نبيل.. هو الجهاد الحثيث لتبديل دين كل غير المسلمين حولهم بطريقةٍ سلميّة. وهذه مهمة أساسية هامة وتتطلب من كل مسلم أن يواظب عليها طوال حياته. يقول القرآن الكريم:

ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل: 126).

إن المدافعين عن مبدأ منتحل غير إنساني.. مبدأ قتل المرتد.. لا يدركون عواقبه على العلاقات الإنسانية فيما بين الأمم والديانات. لماذا لا يدركون أنه يحق.. طبقًا لفكرهم هذا.. لأهل الديانات الأخرى تغيير دينهم، ولكن المسلمين ليس لهم هذا الحق، وأن الإسلام له الحق وحده في تحويل الناس إليه، ولكن أتباع الديانات الأخرى لا حق لهم في تحويل المسلمين إلى عقائدهم؟ ما أسوأ الصورة المؤسفة التي يعرضون بها عدالة الإسلام؟!!

ملخص القول، إن الارتداد هو جحد صريح من شخص لدينه الذي كان عليه. أما الاختلافات المذهبية مهما كانت خطيرة فلا تعتبر ارتدادًا. وعقوبة الارتداد في يد الله العلي القدير لمن وقع في هذا الإثم الشنيع. وجريمة الارتداد.. إذا لم تغلظها جرائم أخرى ليست لها عقوبة دنيوية. هذا هو تعليم الله تعالى. وهكذا كان تعلیم النبي ، وهذا ما يؤكده فقهاء الحنفية. (فتح القدير).. شلبی والحافظ ابن القيم، وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وكثيرون غيرهم. ودعاوي المودوديين.. أمام هذا الإجماع بشأن الحديث الذي يزعمون صحته.. ليست إلا محض خيال.

( يتبع )

Share via
تابعونا على الفايس بوك