قبس من صفات الله عز وجل

قبس من صفات الله عز وجل

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

 

ملخص لخطبتي الجمعة ألقاهما حضرة ميرزا طاهر أحمد (أيده الله)

الخليفة الرابع لحضرة الإمام المهدي والمسيح الموعود

بمسجد الفضل، لندن

«تنشر أسرة التقوى هذه الترجمة على مسؤوليتها»

خلاصة الخطبة الأولى

استهل حضرته نصره الله الخطبة بتلاوة الآية الكريمة

ولله الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (الأعراف: 181)

ثم قال: كنت أفكر منذ فترة أن ألقي الضوء على صفات الله الحسنة. فأولا، أتناول الصفات الواردة في سورة الفاتحة. فهناك صفات لله تعالى في (بسم الله الرحمن الرحيم)، وتكررت صفتا “الرحمن” و “الرحيم” بعد صفة ” رب العالمين”، ثم هناك صفة “مالك يوم الدين”.

ومما يبدو لنا بعد التدبر في كتابات سيدنا المسيح الموعود هو أن صفتي “الرحمانية والربوبية” هما الأساسيتان، أما “الرحيمية” فتنبثق من “الرحمانية”.

لقد قال رسول الله :

“إنَّ لله تِسْعَةً وَتسْعِينَ اسْمًا …. مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنْةَ”. (البخاري، كتاب الشروط)

وقوله : “من أحصاها” يعني: من سعى جاهدًا ليتّصف بهذه الصفات كلها فقد دخل الجنة. وهذه الصفات نوعان: تنزيهية وتشبيهية. أما التنزيهية، فليس للإنسان منها نصيب. أما الصفات التشبيهية فيمكن أن تنعكس في الإنسان بالقدر الذي يوفقه الله لذلك.

وثمة حديث قدسي:

“يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْر،َ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ” (صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب)

أما قوله : “يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي” فاعلموا أنَّ هناك أنواعًا من الظلم يمارسها الإنسان على بني جنسه، حتى إن أكثر الناس رحمةً وشفقةً على الأولاد قد يصدر منهم أيضًا ما يكون ظلمًا للأولاد. فعلى سبيل المثال قد يعطون الولد دواءً ضارًّا، أو قد لا يتمكنون من علاج مرضه في وقت مناسب… أما الله فلا يظلم عباده أبدًا. وأما قوله:

“يَا عِبَادي كُلُّكُمْ جَائعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ”

فلا شك أن الله تعالى لا يُطعمنا كل يوم في الظاهر، إلا أننا لو أمعنا النظر في هذا النظام تبيَّن لنا أن جميع ما نُرزَق به قد أخرجه الله سبحانه وتعالى… ليس الإنسان وحده الذي يُطعمه اللهُ، بل إن أصغر حشرة في العالم هي الأخرى تحتاج إلى رزق منه تعالى… لقد خلق الله أشياء محيرة للعقول. إن الغافل لا ينتبه إلى ما يجري حوله، ولكن الذين يتفكرون في صفات الله تعالى ليلاً ونهارًا يندهشون أمام عظمته . ثم يقول سبحانه وتعالى:

“كُلُّكُمْ ضَالٌ إلا مَنْ هَدَيتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ.”

وإن لم أهدكم فليس لكم هدى، وفي هذه الحال ستمرون من الدنيا عميانًا. أما قوله :

” كُلُّكُمْ عَارٍ إلا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ”

فتأملوا في النظام الذي يتسبب في إنتاج اللباس. فلو لم يعط الله اللباس لبقي الجميع عراةً. وفيما يتعلق باللباس فـ لِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ . أما قوله :

“يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بَاللَّيْلِ َوالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيِعًا، فَاسْتَغْفِرُوني أَغفرْ لَكُم”

فهذا لا يعني أن نرتكب الأخطاء قصدًا وعمدًا وسيغفر الله تعالى، بل الأخطاء المذكورة هنا هي تلك التي تصدر من الإنسان من غير قصد وعمد. وهناك حديث آخر: عن عبد الله بن عمرو قال، قال رسول الله :

“الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ” (سنن أبي داوود، كتاب الأدب)،

وقال في حديث آخر:

“…إِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ” (صحيح مسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان)،

لاحظوا الآن كم كان رحيمًا وكريمًا. إن ذبح الحيوان جائز ومسموح، ولكن بشرط ألا يُؤذي. كما ينبغي ألا يُذبح حيوان أمام حيوان آخر… فإن الرحمة تشمل كل شيء.

لقد تساءلت مرارًا أيهما أسبق من صفتي الربوبية والرحمانية؟ وعندما نتأمل في كلمات سورة الفاتحة نجد الربوبية تسبق الرحمانية والرحيمية، وبناءً على هذا قال سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود : إن الربوبية هي الأسبق. ولكن لو تأملنا من ناحية أخرى لرأينا أن الرحمانية سبقت الربوبية، إذ متى طَلَبَ الأنسانُ من الله، قبل أن يُخلَق أيُّ شيء، ما سيحتاج إليه. ولكن الله تعالى كان يعلم أن الإنسان سيحتاج إلى الخشب بالإضافة إلى الفحم والنفط وغير ذلك من الأشياء. فإنه لعجيب خلق الله، ومهما تعمقنا في صفاته فلن نقدر على الإحاطة بها بل هي لامتناهية وصِفة واحدة منها تهدي إلى الأخرى. (خلاصة خطبة جمعة أُلقيت في 6 أبريل عام 2001م)

يجب أن تفهموا جيدًا أنه لا يُحرم الدعاء للمشرك ما دام حيًّا، بل ينبغي أن يُكثَر الدعاء في حقه أن يوفقه الله للإيمان الصادق بتوحيده، أما إذا مات مشركًا وعُلم أنه كان عدوًا لله والرسول فلا يجوز له الدعاء مطلقًا.

خلاصة الخطبة التالية

قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (الإسراء: 111)

ما زلت بصدد موضوع صفات الله تعالى، ومن الصعب علي التمييزُ بين الخيوط النورانية لصفتَي الربوبية والرحمانية. سأتناول اليوم ذِكرَ صفة الرحمانية مرة أخرى، ولكن من الطبيعي أن الربوبية أيضًا ستتخلل الموضوع. فأولاً، أقدم لكم حديثا نبويًّا حيث قَالَ رَسُولُ الله :

” كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ بِيَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي” (سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة)

إن هذا الحديث يتضمن بشارة عظيمة لكل من لم يذنب متعمدًا، كما يتضمن بشارة عظيمة أيضًا للذين يتعمدون ارتكاب الذنوب ثم يوفقهم الله للتوبة، فالرحمانية الواسعة تغلب ذنوبهم. وهناك حديث آخر عَنْ أَنَسِ بْنِ مالكٍ قَالَ:

“مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ” (صحيح مسلم، كتاب الفضائل)،

وثمة حديث آخر عَنْ عُمَرَ ابْنِ الخَطَّابِ  قال:

قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا” (صحيح البخاري، كتاب الأدب) وهناك رواية أخرى  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ يَقُولُ: لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ” (سنن الترمذي، كتاب البر والصلة)،

أي أن الرحمة لتُنزع ممن كان شقي الفؤاد وغليظ القلب بحيث لا تصدر منه الرَحْمة لأحد، وبالتالي فإنه لن يُرحَم يوم القيامة.

وفي إحدى المرات قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ:

“ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً” (صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب).

يجب أن تفهموا جيدًا أنه لا يُحرم الدعاء للمشرك ما دام حيًّا، بل ينبغي أن يُكثَر الدعاء في حقه أن يوفقه الله للإيمان الصادق بتوحيده، أما إذا مات مشركًا وعُلم أنه كان عدوًا لله والرسول فلا يجوز له الدعاء مطلقًا. قَالَ رَسُولُ اللهِ بما معناه:

“كُلّ أَمْر ذِي بَال لَا يُبْدَأ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّه بِبَسْمِ اللَّه بِحَمْدِ اللَّه فَهُوَ أَقْطَع”.

وفيما تعلق بهذا الحديث فقد مررت بتجربة ممتعة هنا في إنكلترا. لقد قام بعض المسيحيين بعرض ضيافة مجانية لمدة أسبوع في مناطقهم الجميلة وذلك بهدف استمالة الزائرين إلى المسيحية. وبما أنني كنت مولعًا بزيارة تلك المناطق لذلك قررت الذهاب …. فلما كنا حول طاولة الطعام رأيت أن مضيفتي قد أحنت رأسها قليلاً ورددت صلاة المائدة في حين أنها قالت لي: بإمكانك أن تبدأ بالطعام لأن صلاة المائدة هذه تخص المسيحيين فقط. فقلت: هل الصلاة لديكم للطعام فحسب؟ أما نحن المسلمين فقد قال رسولنا : كل أمر لا يبدأ بـــ “بسم الله” فهو أبْتَرُ . فتأثر صهر هذه المرأة تأثرًا شديدًا لدرجة قال لي مرة: أنا أعترف أمامك بتوحيد الله تعالى. وثمة حديث آخر عن أبي هُريرة رضى الله عنه عن النبي قال:

“خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَذَاكِ” (صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن).

إن قطع الرحم لهو إثم عظيم. وإن الله قد كتب على نفسه أنه سيقطع من الرحمانية من يقطع الرحم، أي من لا يؤدي حقوق القرابة لن يرحم هو الآخر أبدًا. وأما الذي يصل الرحم، أي يقوم بأداء حقوق الأقرباء، ولا سيما الذين هم من جهة الأم، فإن الله سيصله بصلات الرحمة. يقول سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود : “… فلزم أن يكون الإنسان الكاملُ أعني محمدًا وأحمد من رب الكونَين. وقال الله في شأنه :

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ .

فأشار الله في قوله “عزيز” وفي قوله “حريص” إلى أنه مظهر صفه الرحمن بفضله العظيم. لأنه رحمة للعالمين كلهم، وبنوع الإنسان والحيوان، وأهل الكفر والإيمان. ثم قال:” بالمؤمنين رءوف رحيم” فجعله رحمانًا ورحيمًا كما لا يخفى على الفهيم .”ثم يقول حضرته في شرح كلمة “الرحمن”: إن الله تعالى يسمى رحمانًا وذلك لأنه أعطى كل كائن حي، بما فيه الإنسان، صورة وسيرةً بحسب المقتضى: أي قد أعطاه الله جميع تلك القوى التي كانت تقتضيه الحياة التي أرادها له، أو أنه أعطاه كل ما كان يحتاجه من تركيبة جسدية أو أعضاء (خلاصة خطبة جمعة ألقيت في ١٣ إبريل عام ٢٠٠١ م).

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك