- حالة المسلمين في الوقت الحالي
- إنباء النبي صلى الله عليه وسلم بحال المسلمين اليوم
- المل لتخطي الوضع البائس
- مكانة حضرة المسيح الموعود عند الله
- غاية ما يفعله الأعداء أمام قدرة الله
__
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)
كانت حالة المسلمين عند بعثة المسيح الموعود مشابهة لما هم عليه اليوم، حيث كانوا يصطرخون لأن يأتي أحد ليرفع شأنهم، وأن يُبعث أحد لينشر بينهم الحب والوئام، ويخلق في قلوبهم الإحساس بالقِيم الإنسانية، ويستردّ مجدهم الغابر، وأن يَظهر بينهم من يجعلهم أمة واحدة، وأن ينزل أحد ليرسي في العالم وحدانية الله بشكلها الأصيل.
لقد كنتُ قرأت عليكم أمسِ بيتَ شعر للشاعر”حالي”، واليوم أقرأ عليكم بيتين آخرين سبقا البيتَ الذي قرأته عليكم رسم فيهما حالة المسلمين آنذاك. قال ما معناه:
فقدوا ثروتهم وعزتهم
وولّت عنهم النهضةُ والحكم
ونُزعت منهم العلوم والفنون
وانعدمت المحاسن كلها
هكذا كانت حالتهم عندها. ولكن كلما قرأ المرء قصيدة “حالي” الشهيرة -التي تسمى “مسدس حالي”- وجد أن كل بيت فيها لا يرسم حالة المسلمين في ذلك العصر فحسب، بل يرسم ما هم عليه اليوم من حال تعيس، فكل مسلم اليوم، سواء كان من القادة أو من العامة، يسعى جاهدًا من أجل منافعه الشخصية. في السابق كان القادة السياسيون وحدهم يسعون من أجل مصالحهم الشخصية والوصول إلى سدة الحكم، أما اليوم فإن المشايخ أيضًا قد شكلوا باسم الدين أحزابا ومنظمات طمعًا في الحكم وسعيًا للتربع على العرش. كان هؤلاء المشايخ والعلماء من قبل يضرب بعضهم رقاب بعض على أساس اختلاف الفِرق والمذاهب، أما اليوم فقد بدأوا- إضافة إلى ذلك- يقطع بعضهم رؤوس الناطقين بالشهادة باسم أحزابهم وتنظيماتهم السياسية المزعومة، ويصرّون على ذلك إصرارًا بحيث لا يريدون أن يتزحزحوا عن مواقفهم من أجل إصلاح سلوكهم الخاطئ. إن حالتهم غير القابلة للإصلاح هي هي كما رسمها “حالي” قبل مئة وخمس وعشرين سنة، بل هي أسوأ من ذي قبل لكل عقل متدبر وعين مبصرة. فهناك شريحة من الناس قد أعماهم الجشع والحُكم أكثر من ذي قبل.
ويتابع “حالي” ويقول: إن الإسلام صار كشجرة لا نضرة فيها، بل قد سقطت أغصانها بعد أن جفّت واحترقت.
والحق أن هذا ما يقوله المسلمون كلهم اليوم، بل إنهم يقولون من شدة يأسهم أن لا أمل الآن في إصلاح حالهم. وسبب ذلك أنهم لا يصغون لنداء الله تعالى، وإن المشايخ والقادة يتسببون في هلاك العامة متعمدين. بل الحق أن هؤلاء المصطرخين أنفسهم لا يصدّقون بمن بُعث إليهم ويلبّون نداء الله تعالى. يستمعون لما يقول لهم القادة والمشايخ من أقوال باطلة، ولكنهم لا يصغون لنداء هذا المنادي الذي جاء من عند الله تعالى، وليس ذلك فحسب، بل قد تجاوزوا الحدود كلها في معارضته، فلا يدّخرون وسعًا في الإضرار بالمسلمين الأحمديين بكل طريق. فمثلاً لا يدفع رجال الأعمال للتجار الأحمديين أموالهم، بل ينكرون أنهم قد أخذوا منهم شيئًا. يعلمون جيدًا أنهم يأكلون الحرام، ومع ذلك يقولون إن سلب أموال الأحمديين وأكلها بطريق حرام ثوابٌ. هذا ما يعلّمهم مشايخهم. فلعل”حالي” قد وصف هنا هؤلاء المشايخ الذين يعلّمون أتباعهم هذه الأباطيل، وعنى هنا هؤلاء القادةَ الذين يظلمون الناس، حيث قال ما معناه:
قد صارت أشجار هذا البستان حطبًا يُحرَق.
فمع أن المفروض أن يكون العلماء والمشايخ بمنـزلة أشجار يُظِلّلون الناسَ ويعلمونهم دينهم، ومع أن على القادة أن يكونوا متعاطفين مع الشعب مواسين له، إلا أن هؤلاء المشايخ والحكام يلهثون وراء مصالحهم الشخصية بحيث يستحيل عقد أي أمل عليهم. لقد صاروا أشجارًا لا تصلح إلا للحرق، إذ انحرفوا عن الإسلام. إنهم أصلُ كل فتنة وفساد في الأمة الإسلامية. إنهم أشجار كان من المقدر أن تصير للنار حطبًا، إذ لن ينفع الدنيا الآن إلا الشجرةُ التي غرسها الله بيده، وكان من المقدر أن تُغرس حين تصير حالة المسلمين وعلمائهم بحسب أنباء النبي إلى ما هم عليه اليوم. ورد في الحديث عن علي أن النبي قال «يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا يبقى من القرآن إلا رسمه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، علماؤهم شر من تحت أديم السماء، مِن عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود» (شعب الإيمان للبيهقي)، أي أنهم سيكونون مصدر كل شر وسوء.
إن حالتهم غير القابلة للإصلاح هي هي كما رسمها «حالي» قبل مئة وخمس وعشرين سنة، بل هي أسوأ من ذي قبل لكل عقل متدبر وعين مبصرة.
وقال النبي في حديث آخر “تكون في أمتي فَزَعةٌ، فيصيرُ الناسُ إلى علمائهم، فإذا هُمْ قردة وخنازير” (كنز العمال، ج7، ص190)، بمعنى أن الناس يذهبون إلى علمائهم يسترشدونهم، ولكنهم سيجدونهم قردة وخنازير، بمعنى أن المشايخ سيصبحون فاسدي الدين وسيئي السيرة، حتى تبعث حالتهم على الخجل.
ثم روي عن ثعلبة البهراني أن النبي قال: سيُنزَع العلم من الدنيا، فلن يعرفوا شيئًا من العلم والهدى والعقل. فقال الصحابة: يا رسول الله كيف يُنزع العلم وفينا كتاب الله، سنعلّمه أولادَنا. فقال النبي
أي على وجود الكتاب بين المسلمين إلا أنهم لن يعملوا به. ثم إنهم سيشوّهون تعاليم القرآن الأصيلة تشويهًا نتيجة انتشار التفاسير الخاطئة بينهم.
ثم هناك رواية أخرى
انظروا إلى القنوات التلفزيونية في هذه الأيام حيث تُبثّ برامج مضحكة غريبة، فهناك برنامج الاستخارة على إحدى القنوات التي يفتح فيها أصحاب البرنامج كتابا ويطرحون بعض الأسئلة على من يريد الاستخارة ويردون عليه الجواب الفوري ولا نعرف هل قاموا بالاستخارة أم لا، إلا أنهم يردّون ردا فوريا بأن صاحب الاستخارة سيواجه كذا وكذا من الأوضاع. فقد اخترعوا أساليب غريبة لكسب المال. ثم
وهذا كل ما نلاحظه اليوم. فليس الوضع مختلفا عن هذا في أي بلد إسلامي، فإذا كان رسول الله قال ذلك عن العلماء في العصر الراهن والزعماء أيضا، وقد ثبت صدقُه، فكيف يمكن الحصول على العلم وتفسيرِ القرآن الكريم عند هؤلاء والاهتداء إلى التوحيد الإلهي بواسطتهم؟ لكن المسلمين ليسوا كالأمم الأخرى، التي لا تملك بصيص أمل في الاهتداء، والتي لم يبقَ لها غيرُ اليأس والقنوط فقط، والتي إذا فسد دينها فلا مصلح له، والتي قد قُدِّر لها أن تُضيّع حقيقة الدين والتعليم الأساسي. كلا بل إن المسلمين هم خير أمة، فقد أعطاهم النبي أملا رغم بلوغهم هذا الوضع البائس الذي رسم صورته وبينتُها من الأحاديث، بل قد وثَّق وأكَّد بأن الله سوف يبعث في الآخرين أيضا لإصلاح الأمة والإنسانية بأكملها، شخصا يستعيد الإيمان من الثريا، ويقيم سمعة الإسلام الضائعة من جديد على أسس متينة، وهو الذي سوف يجمع جميع المسلمين وسليمي الفطرة مرة أخرى على يد واحدة، ويأتي بهم تحت لواء النبي ويجعلهم أمة واحدة، وسيكون مُحِبَّه المخلص. فثمة حاجة ماسة للاستماع إلى رسالة النبي هذه والاهتمام بمساعدة مُعيد الإيمان من الثريا ومؤازرته. فإذا سلَّمتم بأن هذا هو الوضع لحاملي لواء الدين بحسب نبوءة النبي فالحاجة ماسة للاهتمام بالعلاج الذي وصفه له، وإلا مهما تخبطتم فلن يأتي أحد لإحياء الإسلام من جديد غيرُ هذا الذي قد أتى، أو بتعبير آخر مَن أنيطت به النشأة الثانية للإسلام.
اليوم نحتفل بالعيد الكبير وعيد القربان الذي يلقَّن المسلمون فيه أن سيدنا إبراهيم أنهى تقليد ذبح البشر السائد منذ القدم، وبدلا من ذبحه إسماعيلَ وقطْعه رقبتَه، بدأ ذبح الحيوانات مقابل ذلك…
فيمكن أن يقال إن الحكومات الإسلامية موجودة في العالم، ففي نصف العالم تقريبا توجد اليوم حكومات إسلامية، وهناك منظمة أيضا تضمّ البلدان الإسلامية، لكن ما هو تأثير هذه المنظمة في العالم الإسلامي؟ فهل يُرى لها أي تأثير؟ فكان ينبغي أن تتجلى شوكة هذه المنظمة في العالم غيرِ الإسلامي أيضا، لكن ما الذي يحدث عمليا؟ فلا أحد يستجيب لها في البلاد الإسلامية نفسها. فالحقيقة أن البلاد الإسلامية شكَّلت هذه المنظمة بالاسم فقط، لصنع مواقفهم ولإظهار وحدتهم، إلا أن قبلة كل واحد منهم تختلف عن غيره من أعضائها. ثم من الملاحظ أن المنظمات الإرهابية توجد في البلاد الإسلامية بكثرة؛ فأحداث القتل وسفك الدماء البالغة أقصى حدودها تظهر أكثرها في البلاد الإسلامية فقط. كما أنّ الظلم أكثر ما يقع على العامة في البلاد الإسلامية، وذلك لفرض السيطرة وحماية السلطة، حيث تُنهب عقارات العامة ويُحرَمون من الحقوق، ويمارس فيهم القتل بحسبان أرواحهم أدنى من الحيوانات، فبعضهم يقومون بكل ذلك طمعا في السلطة، لكن الشقاوة فوق ذلك أن كل هذه المظالم تباح باسم الله ، وتُسفك الدماء باسم الشريعة والرسول. نعم إن هذه المظالم تمارس باسم ذلك الرسول الذي وصفه الله برحمة للعالمين. اليوم نحتفل بالعيد الكبير وعيد القربان الذي يلقَّن المسلمون فيه أن سيدنا إبراهيم أنهى تقليد ذبح البشر السائد منذ القدم، وبدلا من ذبحه إسماعيلَ وقطْعه رقبتَه، بدأ ذبح الحيوانات مقابل ذلك؛ بينما تعدّ أرواح البشر في العصر الحاضر في البلاد الإسلامية أرخص حتى من حياة الحيوان، فتُمزَّق أجسام الأولاد الأبرياء والنساء بهجمات انتحارية ولا يعودون يعرفون أين سقطت أشلاء الجثة. فالطفل حين يخرج من البيت لا يعرف والداه هل سيعود إلى البيت مساء سالما أم لا، أو إذا جيء بجثته فهل سيتمكنان من التعرف عليها أم لا. فهذه المظالم البشعة تمارس يوم العيد. فيوم الأمس حدث تفجير في أفغانستان في احتفال العيد سقط فيه عشرات القتلى، والأوضاع في سورية أيضا متأزمة، ففي سورية لا تُنصف الحكومة ولا المعارضة. ويقال إن بعض الإرهابيين أو المنظمات الإرهابية أيضا قد انضمت إليها، فلا أحد يُعمل العقل والعدل، فهم في تصرفاتهم البشعة وقتل الأبرياء قد تردَّوا عن الحيوانات أيضا، ودونك إعمالهم العقل. فهذا الوضع ليس مقصورا على بلد، بل في كل مكان. في باكستان تُزهق عشرات الأرواح يوميا، وفي أفغانستان أيضا عشرات الأرواح تضيَّع، وكذلك الحال في بعض البلاد الأفريقية والبلاد العربية أيضا، وكل ذلك يحدث باسم الشريعة وباسم الدين وبذلك يهيئون للأغيار فرصة للاستهزاء بالشريعة والاعتراض عليها. فقد جذب انتباهَ العالم مؤخرا حادثُ فتاة صغيرة اسمها “ملالة” بالغة من العمر 14 أو 15 عاما، وقد تهيأت لمعارضي الإسلام فرصة للاستهزاء به والاعتراض عليه. وقد وقعت على تلك الفتاة عقوبة وحاولوا قتلها بإطلاق الرصاص عليها لأنها كانت تكتب بعض الحقائق عن بعض المنظمات. ويقول الذين حاولوا قتلها بأن قتلها جائز بحسبما ورد في القرآن الكريم لأنه قد ورد في القرآن الكريم – كما يزعمون – ذكر غلام كان من المقدر أن يكون متمردا عند بلوغه الشباب فقتله النبي، لعلهم يقولون ذلك مشيرين إلى الحادث الذي ورد في سورة الكهف. الحق أنهم لا يملكون علما حقيقيا ومع ذلك ليسوا مستعدين للإيمان بالمسيح الموعود الذي جاء ليهبهم علما حقيقيا، فينجرفون وراء أمور سطحية. الحق أن ذلك القتل كان قتلا للتعاليم غير الأخلاقية، وكان المراد منه إصلاح النفس. على أية حال، لا أريد الخوض في التفاصيل هنا وإنما أقول بإيجاز بأن أعمالهم هذه قمة في الظلم، وتهيئ الفرصة للمعارضين فقط لأن معارضي الإسلام يستغلون هذه الأمور بحسب خطتهم المدروسة. والحق أن هناك فتيات عديدات مثل “ملالة” اللواتي يُقتلن في باكستان وفي أماكن أخرى كل يوم، وهناك فتيات كثيرات مثلها تُقتل أخواتهن وإخوتهن وآباؤهن ولا يُرسل أحد خارج البلاد لتلقي العلاج ولا تُثار ضجة كهذه. إذًا، فيمكن أن تكون هذه خطة مدروسة ولكن المسلمين هم الذين هيأوا الأساس لها. وبذلك لم تنحط كرامة البلاد الإسلامية داخل البلاد فقط بل في خارجها أيضا، ولم تعد لهم أدنى أهمية لعدم الوحدة والتعاون المتبادل فيما بينهم. صحيح أن منظمة البلاد الإسلامية موجودة ولكن لا جدوى منها قط لأنهم ينظرون إلى الآخرين دائما عند الضرورة. ففي هذه الأيام هناك اشتباكات تجري بين تركيا وسورية أو هي بوادر حرب وشيكة إذ يهاجم كِلا البلدين بعضهما بين الفينة والفينة ويُقتل فيها مواطنون أبرياء. ما أريد قوله هنا هو أن أحد المعلقين هنا أي من البلاد الغربية قال في تعليقه على هذا الوضع بأن تركيا تشن هذه الهجمات بإيعاز من أميركا، وقبل كل هجوم تؤخَذ التعليمات من أميركا. هذه هي حالة الحكومات الإسلامية. لا أدري مصداقية الخبر القائل باستشارة أميركا قبل الهجوم كل مرة، الله أعلم بذلك. ولكن المعلقين من هذه البلاد يتشجعون على مثل هذه التعليقات لأنهم يعرفون أن البلاد الإسلامية لا تملك أية قدرة وينظرون إلى الغرب دائما. وكل ذلك حادث لابتعادهم عن التوحيد الذي جاء به سيدنا رسول الله . صحيح أنهم يتفوهون بـ “لا إله إلا الله” باللسان ولكن قلوبهم خالية منها. الأوثان التي نزّه منها ذلك الرسول العظيم بيتَ الله قد جعلتها الرغبة الجامحة في حيازة السلطة والأهواءُ أوثانًا تتربع في القلوب من جديد. فأنّى لهولاء الناس أن يقيموا التوحيد؟ إن حجهم حجٌّ شكلي فقط، ولعل قلوب الأغلبية منهم تطوف بكعبة أخرى.
لقد ورد في الآثار أنه في أحد الأعوام لم يُقبل إلا حج شخص واحد فقط، وهو لم يذهب للحج أصلا. فهذه الأمثلة ليست قديمة بل هي مشهودة في هذه الأيام أكثر من ذي قبل. والله وحده أعلم ممن يَقبَل الحج وممن لا يَقبل. يُمنع الأحمديون من الحج في هذه الأيام، ولكن الله وحده أعلم هل يُقبل حج الأحمديين الذين في قلوبهم حرقة ولوعة لأداء الحج ولكنهم لا يستطيعون أداءه، أو يُقبل من هؤلاء الناس الذين يقومون بالظلم ثم يذهبون للحج، وقد نسوا حقيقة التوحيد ومغزاه.
لقد أقام سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أسس الكعبة لإرساء دعائم التوحيد ثم دعا لبعثة نبي عظيم يقدر على توجيه رسالة التوحيد إلى العالم كله وجعْل الناس خاضعين أمام الله تعالى. ولكن لسوء الحظ إن حالة الأغلبية من المسلمين هي أنهم يعلنون التوحيد في الظاهر ولكنهم متورطون في آلاف أنواع الشرك. والمعلوم أيضا أن النبي قد أنبأ ببعثة الإمام المهدي لإقامة التوحيد من جديد، والذي كان مقدرا له أن يقيم الدين في العالم من جديد ويحطّم الأوثان الظاهرية والباطنية ويرسخ مرة أخرى دعائم التوحيد الذي جاء النبي لإقامته. لا شك أن إقامة التوحيد كان الهدف من بعثته وهذا هو الهدف من وراء بعثة المسيح الموعود أيضا. فكما دعا إبراهيم اللهَ تعالى لبعثة نبي عظيم من نسله ليقيم التوحيد وليحقق الأهداف من بناء الكعبة المشرفة ولنشر الأمن والسلام في المنطقة – وقد أُجيب هذا الدعاء، فجعل هذا النبي العظيم عبدة الأوثان عباد الله الخاضعين له ، وأما الذين كانوا يعادون بعضهم كابرا عن كابر فقد حوّلهم النبي إلى سفراء الأمن والسلام- كذلك دعا هذا النبي العظيم أيضا لبعثة خادم صادق له من أجل مواصلة تحقق أهدافه العظيمة إلى يوم القيامة وسمّاه “مهدينا” بكل حب وتودد.
فقد جاء هذا الخادم الصادق، وقد أرسله الله تعالى ليستعيد مجد الإسلام الغابر. فأقام هذا الخادمُ الإسلامَ من جديد على أسس حقيقية في زمن كان المواسون للإسلام يشبِّهونه بالأنقاض. لقد أوحى الله تعالى إليه: سلام عليك يا إبراهيم، أنت مني بمنـزلة توحيدي وتفريدي. ففي هذا الزمن نال خادم النبي الصادقُ المنـزلة نفسها بسبب إقامته التوحيد كما نالها إبراهيم بسبب بناء الكعبة. لقد كان ألمه وعمله لإقامة التوحيد مقبولا في حضرة الله لدرجة أن الله تعالى خاطبه بلقب: “إبراهيم” وسلّم عليه.
ثم هناك وحي آخر: غرستُ لك بيدي رحمتي وقدرتي، وإنك اليوم لدينا مَكينٌ أمين.
ثم أوحى الله تعالى إليه: “دوحة إسماعيل.” أي شجرة إسماعيل. ورد في قاموس اللغة معاني كثيرة لكلمة “دوحة” منها الشجرة العظيمة المتّسعة.
فإن هذه الشجرة التي غرسها الله تعالى بيده إنما غرسها لتنمو وتزدهر، وذلك لكي يعلم العالـمُ كله أنه لم تنته فيوض الشجرة التي غُرست بأدعية إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام التي كان مقدّرًا لها أن تُظِلّ العالـمَ بظلالها الوارفة وتهبه الأمنَ والسلام وقد تم ذلك ببعثة النبي العظيم . وإن أغصانها وخشبها – أي علماء هذا الدين- لم تيبس ولم تصبح جديرة بالحرق كما قال الشاعر “حالي”، بل اخضرت هذه الشجرة بواسطة الخادم الصادق للنبي وأصبحت دوحة عظيمة مرة أخرى. أو يمكن القول بأن الله تعالى قد أخرج شجرة أخرى من أصل تلك الشجرة العظيمة وِفق وعوده، وهي الأخرى كأصلها شجرةٌ كفيلة بأن تُظِلّ العالم بظلال الأمن والسلام مرة أخرى، وستُعَرّف الناس على ثمار التوحيد. فمهما أثار المشايخ ضجةً الآن ومهما حاولوا للتفريق بين أحمد ومحمد فلا يسعهم أن يستفيضوا من أي مكان آخر بعيدًا عن هذه الشجرة التي تحمل صفتي محمد وأحمد للنبي . فما الذي ناله المعارضون من وراء جهودهم الممتدة على مئة وخمسة وعشرين عامًا سوى إثارة الضجة والفتن وتشويه سمعتهم، في حين أنه من خلال الشجرة التي غرسها الله تعالى بيده – أي ببعثة المحب الصادق للنبي – تنتشر أغصانها في العالم كله. إن عواصف المعارضة قد تحرّك أوراق هذه الشجرة إلا أنها لا تستطيع أن تضر بها شيئا. ألا يبعث ذلك هؤلاء العلماء ومَن يتبعونهم على أن يفتحوا أعينَهم؟ يقول سيدنا المسيح الموعود :
“لقد أنالنا الله تعالى الفوز والنجاح في كل ميدان وخُذِلَ الأعداء. أصدَروا ضدنا فتاوى التكفير ورفعوا ضدنا قضية القتل، باختصار، لم يدخروا وسعا في تدميرنا، ولكن هل يستطيع أحد أن يحارب الله تعالى؟
إن معارضينا أيضا يساهمون في رقينا، فقد بايَعَنا الكثيرون الذين اطَّلعوا على الجماعة من خلال رسائل المعارضين.” وهذا ما يحصل اليوم أيضا، إن الإخوة العرب الذين يدخلون في الأحمدية يكتبون في رسائلهم أنهم انتبهوا إلى معرفة الجماعة الإسلامية الأحمدية من خلال قراءتهم لما كُتب في المواقع المعادية للجماعة ومن خلال كلامهم مع المشايخ، ثم بعد انكشاف الحقيقة بايعوا. ثم يقول حضرته :
ثم يقول : “نادرا ما تنقضي ليلةٌ لا يُطَمئنني اللهُ فيها أنه معي وأن أفواجه السماوية معي. من المعروف أن طاهري القلوب سيرون الله بعد الموت، غير أنني أقسم بوجهه أنني أراه الآن أيضا.
إن الدنيا لا تعرفني لكن الذي بعثني هو يعرفني، ومِن خطأ هؤلاء ومجرد الشقاوة أنهم يتمنون هلاكي، أنا الشجرة التي غرسها المالكُ الحقيقي بيده، وإن الذي يريد اجتثاثي فلن تتحقق أمنيتُه، غير أنه سيُعدّ من زمرة قارون ويهوذا الإسخريوطي وأبي جهل. إني أترقب كل يوم بعـين دامـعة أن يبارزني أحدٌ ويطلـب الحكم على منهـاج النبوة ليتحـقق مَن مِنا مؤيَّد من الله.” (أربعين)
فلا شك أنه ليس بوسع أحد أن يضر بالشجرة التي غرسها الله تعالى بيده، وذلك لأنه بحسب وعد الله تعالى مع النبي كان مقدّرا أن يتم نشر توحيد الله تعالى وتعاليم الإسلام الصحيحة عن طريق هذا الخادم الصادق للنبي . ولكن يجب أن ينبّهنا كلُّ عيد أضحى إلى أننا قد عاهدنا على أن نكون مستعدين كل حين وآن للتضحية بأنفسنا وأموالنا وأوقاتنا وكرامتنا من أجل سقاية هذه الشجرة، وسنقدم كل ما كانت هذه الشجرة بحاجة إليه. وفقنا الله تعالى لذلك.
الأوثان التي نزّه منها ذلك الرسول العظيم بيتَ الله قد جعلتها الرغبة الجامحة في حيازة السلطة والأهواءُ أوثانًا تتربع في القلوب من جديد. فأنّى لهولاء الناس أن يقيموا التوحيد؟ إن حجهم حجٌّ شكلي فقط، ولعل قلوب الأغلبية منهم تطوف بكعبة أخرى.
أريد أن ألفت الانتباه بهذه المناسبة أنه بالإضافة إلى ما يقوم به كل فرد أحمدي من تقديم التضحية من أجل الجماعة، يجب أن يسعى لتقديم التضحية من أجل الآخرين أيضا. إذا ازدهرت هذه الروح في الجماعة فإن المشاكل الداخلية تنتهي وتتلاشى تلقائيا. إن البعض يدّعون بأن ذلك كان حقّهم فلا بد أن يأخذوه، والفريق الثاني أيضا يحاول أن يثبت أن ذلك كان حقه هو، فلا بد أن يأخذ حقه. فيظلان يتشاجران على هذا الأمر مما يؤدي إلى إضاعة الوقت الذي قد يُستخدم في العمل البنّاء، أي سيضيع الوقت الذي يجب أن يعطيه كل أحمدي من أجل ازدهار الجماعة. لو تعند الطرفان ما سَهُل البتّ في قضيتهما. فلو كان اليقين بالله تعالى قويًا وبأنه هو من يعوّض جميع الخسائر، فلا بد أن يحاول الجميع من أجل المساهمة في نشر الأمن والسلام ولو بالتخلي عن حقوقه أيضا إذا لزم الأمر. فلو نشأت مثل هذه الأفكار لرأينا تحسّنا ملموسًا بل روعةً وجمالاً في أخلاق أفراد الجماعة. وفقنا الله تعالى لاستيعاب هذا الأمر، ولتقديم التضحيات على جميع الأصعدة والمستويات.
ينبغي ألا تتعلموا من عيد الأضحى درس ذبح الأضحية التي تمت قبل أربعة آلاف سنة فحسب بل ينبغي أن تسعوا جاهدين من أجل تنفيذ أمثلة لهذه التضحية في كل مستوى وعلى جميع الأصعدة، وفقنا الله تعالى لذلك. آمين.
فكما دعا إبراهيم اللهَ تعالى لبعثة نبي عظيم من نسله ليقيم التوحيد وليحقق الأهداف من بناء الكعبة المشرفة ولنشر الأمن والسلام في المنطقة …. كذلك دعا هذا النبي العظيم أيضا لبعثة خادم صادق له من أجل مواصلة تحقق أهدافه العظيمة إلى يوم القيامة وسمّاه “مهدينا” بكل حب وتودد.
والآن بعد الخطبة الثانية سندعو معًا، وينبغي أن تتذكروا في دعائكم عائلات الشهداء الذين قد أراقوا دماءهم ليسقوا بها هذه الشجرة المذكورة، فقد قدموا التضحيات بدمائهم، واذكروا أيضا في دعواتكم الأسرى في سبيل الله، فيوجد بعضهم في السعودية وفي باكستان أيضا، واذكروا الذين يضحون بالأموال، والواقفين حياتهم أيضا لأنهم أيضا يقدمون تضحيات في أماكن مختلفة، واذكروا في دعواتكم المرضى والمحتاجين أيضا، وادعو للأمة المسلمة أيضا، لكي يخرجها الله تعالى من هذه الظروف ويهبها العقل والفهم. كذلك ينبغي أن تدعوا الله تعالى للبشرية كلها أن ينقذها الله تعالى من الوقوع في هوات الدمار. آمين.