- تعطيل موسم الحج قرار لا نود سماعه، ولكن علينا احترامه.
- هل يمكن أن يحج المرء دون أن يحقق أركان الحج؟! كيف هذا؟! وما الشروط؟!
- وهل لهذا الأمر سابقة في تاريخ الإسلام؟!
__
ما زال العالم يقف على قدم وساق أمام أزمة اعترته منذ شهور ولم تزل، ومثل الطاعون الأسود، تعيث جائحة كورونا، لا أقول فسادا، ولكنها تعيث في العالم ذات اليمين وذات الشمال ولا شك. نعم، أستحيي من قول عبارة «العيث فسادا» إزاء هذا الأمر، فإن حجم الإصلاحات المترتبة عليه، والتي جفت ألسنة الساسة والمصلحين الاجتماعيين في سبيل تحقيقها، ماثل للعيان، يكفي أن ننظر بعين الإنصاف إلى الإصلاحات الاجتماعية على مستوى الأسرة، فكم من والد اكتشف مواهب أولاده! وكم من امرأة عاملة حدثت زوجها وحدثها بعد قطيعة بدعوى الانشغال في العمل جريًا وراء لقمة العيش! وكذلك كم من أسرة التمَّت على مائدة الغداء، ولا عزاء لشركات الأطعمة السريعة الضارة «Junk Food». فها نحن نرى رحمات الله تعالى تتخذ مظاهر شتى، حتى وإن بدت في بادئ الأمر نكبات. إن حجم التأثر المباشر جراء أزمة فيروس كورونا على مستوى الكوكب، وبشهادة القاصي والداني، يفوق دون جدال، حجمَ الأزمة المالية العالمية الأخيرة، ولكن الغريب في الأمر أن الشكاية العامة من الآثار الاقتصادية لأزمة كورونا لا تكاد تذكر بالمقارنة بمثيلتها في الأزمة المالية، أفلا تدعونا هذه الملاحظة إلى الوقوف مليًّا للتفكر والغوص في أعماق المسألة؟!من جانب آخر يكاد يعتري العالم الإسلامي شيء من الحزن، ترقبًا لصدور قرار لا يحب أحد ممن ينطق بالشهادتين سماعه، ذلك القرار المرتقب هو تعطيل موسم الحج لهذا العام، كإجراء احترازي تجنبًا لأية تفاقمات وبائية لفيروس كورونا. وعلى الرغم مما يبدو من نحوسة الخبر المُرتقَب، إلا أن على كل مسلم أن يقابل أصحابه بوافر الشكر والامتنان، ذلك لأنه قرار لو تأكد صدوره فسيصدر مواساة للخلق.
فعلى أعتاب موسم هذا العام يقف المسلمون في كافة أصقاع الأرض في حال ترقب لقرار السلطات السعودية استئناف موسم الحج هذا العام أو تعطيله بوازع حماية الأنفس التي يخشى عليها من صولة الجائحة الوبائية. أوليس السماح باجتماع الحجيج بالأعداد الغفيرة المعهودة في خضم هذه الأزمة العالمية يُعدُّ إلقاء بهم في أتون التهلكة؟!
وفي حديث طالما يُعقد هذه الآونة مع الغيورين على شعائر الله تعالى، وهؤلاء يُحمد موقفهم إلى أن يدركوا حقيقة الموقف، وما لم تكن وراء غيرتهم المحمومة أغراض أخرى، فعلى فرض إن تم تعطيل موسم الحج هذا العام، فإنها ليست المرة الأولى التي يُعطل فيها الموسم المبارك طوعًا بقرار منظميه، أو كرها تحت تأثير انقطاع السبيل إليه، فقد عُطِّل موسم الحج لبيت الله الحرام للمرة الأولى في تاريخ الإسلام في عام 18 من الهجرة في عهد سيدنا عمر بن الخطاب بسبب تفشي وباء طاعون عمواس في الشام، وكان تعطيل الموسم المبارك تدبيرًا مباركًا أُلهِمه حضرة عمر الفاروق .. كان ذلك التعطيل هو الأول، ولم يكن الأخير، إذ تلته على مدار التاريخ مناسبات عدة عُطِّل بسببها انعقاد الموسم والتئام الحجيج، من تلك المناسبات التعيسة هجوم القرامطة على المسجد الحرام واختطافهم الحجر الأسود ونقله إلى جزيرة البحرين، ترتب على ذلك الحدث تعطُّل الموسم بضع سنين حتى رُدَّ الحجر الأسود إلى مكانه من البيت. فلو استقر رأي ولاة الأمر من المسلمين هذا العام على تعطيل موسم الحج رعاية للرعايا. فإن قرارًا كهذا مما يستوجب الشكر لا الضجر، لا سيما وأن هذا الإلغاء يحرم منظمي موسم الحج والقائمين على خدمة ضيوف الرحمن خيرًا ماديًا جـمًّا، فكما هو معلوم أن السياحة الدينية تدر على بلاد الحرمين من الدخل الشيء الوفير حسبما يُذاع. نحن إذن نرتقب قرار إلغاء موسم هو من أحب المواسم إلى قلوبنا نحن المسلمين، هو قرار لا نتمناه قطعًا، ولكن علينا احترامه، ولتَمْثُل أمام أنظارنا حقيقة الحج وفلسفته ودقائقه ومقاصده التي من أجلها شرع ذلك الركن العظيم.إن الحجيج يقدر أعدادهم كل عام بالملايين، حتى أن سواد الأرض وحجارة الموقف العظيم بعرفات لتنقلب بياضا ناصعا من مرأى المحرمين الذين فاقوا حد الكثرة، أما مَن قُبِلَ إحرامهم وطوافهم ووقوفهم وهديهم فلا يعلم عدتهم إلا الله، ولكن تحتفظ لنا الأخبار التي وثقتها روايات المقربين بقصص واقعية عرفنا من خلالها أن بعضًا من مواسم الحج في الأزمنة الخالية لم يقبل حج أي من الطائفين فيه، بينما تَقَبَّل الله تعالى نية حج رجل واحد لم يخطُ خارج عتبة داره، ليتأكد للجميع أنما الأعمال بالنيات، وأن الله تعالى لا تخدعه ظواهر الأعمال والأشياء، إذ
فقد يتقبل سبحانه نيةً خالصةً من بعض فقراء المسلمين تهفو أرواحهم كل ساعة للطواف حول البيت الحرام. فها هي الآن نقطة معرفة تمثل أمامنا لنراها رأي العين، فكم من راغب في الحج قد أعد عدته وجهز زاده، ثم قرعت أسماعه أخبار التعطيل المحتمل! إن هذا الموقف الحرج يدعو المرء إلى تلاوة قوله تعالى:
بإدراك جديد.. فهل أحداث الساعة تترجم شيئا من معاني الآية الكريمة؟! وكيف لا؟ أوليس الله غنيًّا حقًّا عن حج الحاج ما لم تُحرم روحه قبل جسده؟! وما لم يطف بقلب صحيح قبل أن يطلق ساقيه للريح؟! وما لم يعرف ربه قبل أن يقف بين يديه في عرفات؟! وما لم ينحر نفسه الأمارة قبل نحر هديه؟!
وكمسلمين أحمديين تؤرقنا فيما تؤرقنا قضايا البشرية جمعاء، وعلى رأسها قضايا ديننا الحنيف، فإننا نروم في هذا العدد الجديد من مجلة «التقوى» تبيان قضية هامة تتلخص في ما يريده الله تعالى منا ومن ممارستنا كافة شعائره عز وجل، ولنا في رسول الله أسوة حسنة حين أدى حضرته (عليه الصلاة والسلام) ما أمكنه من أركان العمرة في الحديبية، فأحرم ونحر وحلق، كل هذا دون أن يدخل المسجد الحرام طائفًا بالكعبة، امتثالا لشروط صلح الحديبية. فماذا تراك يا سيدنا النبي المصطفى أردت أن تعلمنا؟! فيا من نويت الحج وعزمت عليه بخلوص النية هذا العام أو أيَّ عام، هنيئا لك حجك، طفت أو لم تطف.. ويا من أعددت العدة لمجرد الرياء والفوز باللقب، راجع نفسك.
أعزاؤنا قراء التقوى الكرام، في خضم الأنباء عن التعطيل المذكور، للموسم لا للفريضة، سيكون من المناسب إفراد هذا العدد الجديد من مجلتكم الغراء للحديث عن فريضة الحج من زوايا مختلفة، وعلى قائمة محتويات هذا العدد خطبة أحد أعياد الأضحى التي ألقاها حضرة خليفة الوقت سيدنا مرزا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز) مبينا فيها فلسفة الأضحية والغاية منها، كذلك وفي صلب هذا الموضوع نورد في العدد مادة مقالية ثرية معنية بالشأن ذاته، داعين المولى عز وجل أن يتقبل منا الأعمال وينقي من أجل ذلك نوايانا، ويتقبل تضحياتنا ويجعلها خالصة لوجهه، لنكون مصداقَ قوله تعالى: