آية رحمةٍ وفضل

 آية ورحمة وفضل هذه هي شخصية من تلك التي تظهر على الأرض في فترات متباعدة جدا، وترحل عن هذا العالم تاركة بصمات عميقة وجميلة لا في جيلهم فحسب، بل وفي أجيال عديدة. إنها شخصية فقيد الإسلام والأحمدية سيدنا الحاج مرزا بشير الدين محمود أحمد ، النجل البِكرُ والخليفة الثاني لمؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني المهدي والمسيح الموعود .

رُزق حضرته هذا النجل الكريم في 12 يناير 1889 م الموافق 9 جمادى الأولى 1306 هجري في قاديان، مصداقًا لنبوءة سيده وسيدنا محمد المصطفى : حيث روى ابن عمر رضي الله عنهما، قال رسول الله :

“ينزل عيسى ابن مريم إلى الأرض، يتزوج ويُولد له”. (مشكاة المصابيح، باب نزول عيسى ).

ولقد علق سيدنا المهدي والمسيح الموعود على هذا الحديث قائلا: “قد أخبر رسول الله أن المسيح الموعود يتزوج ويولد له. ففي هذا إشارة إلى أن الله يُعطيه ولدًا صالحًا يُشابه أباه ولا يأباه، ويكون من عباد الله المكرمين”. (مرآة كمالات الإسلام، ص 578).

ولقد تلقى حضرته بشارة ولادة هذا الابن المبارك في فبراير 1886 حينما كان منهمكا في نضاله التاريخي العظيم في الدفاع عن حياض الإسلام وكرامة نبيه ، متصديًا لهجمات أعدائه التي كان القساوسة وزعماء الهنادك يشنونها ضده. فألف كتابه الشهير (البراهين الأحمدية)، حيث أعلن فيه أنه مستعد بعون الله تعالى لإثبات صدق الإسلام بالآيات السماوية لأي بقعة من بقاع العالم. فثار بعض الهنادك من الفرقة الآرية من قاديان نفسها وقالوا له مستهزئين: تتحدى أعداء الإسلام من كل أرجاء العالم لإثبات صدق الإسلام ونبيه (صلى الله عليه وسلم) بالآيات السماوية، وها نحن أعداؤهما وفي قريتك، لماذا لا تُرينا هذه الآيات فنحن أولى بها بحق جوارنا لك.

فتوجه حضرته إلى ربه العزيز القدير يدعوه ويبتهل إليه ليلا ونهارًا، لا يقر له قرار. واعتكف في بيت بمدينة “هوشياربور” لأربعين يومًا.. يسيل الدموع أنهارًا على عتبه الله تعالى.. يستمطر عونه بوجه الإسلام وبوجه حبيبه محمد ، ليُري الأعداء آية من السماء. فسمع الله صرخاته واستجاب دعواته، مبشرا له بالوحي بولادة ابن مبارك عظيم خلال تسع سنوات قائلاً:

بشارة مباركة

“سمعتُ تضرعاتك ودعواتك، وإني معطيك ما سألت مني وأنت من المنعمين. وما أدراك ما أعطيك؟ آية رحمةٍ وفضلٍ وقربةٍ وفتحٍ وظَفَرٍ. فسلام عليك أنت من المظفَّرين. إنا نبشرك بغلام اسمه عنموايل وبشير. أنيق الشكل دقيق العقل ومن المقربين. يأتي من السماء، والفضل ينـزل بنـزولـه. وهو نور ومبارك وطيب ومن المطهرين. يُفشي البركات، ويغذي الخَلق من الطيبات، وينصر الدين. ويسمو ويعرج ويرقى، ويعالج كل عليل ومرضى، وكان بأنفاسه من الشافين. وإنه آية من آياتي، وعَلَمٌ لتأييداتي، ليعلم الذين كذبوا أني معك بفضلي المبين، وليجيء الحق بمجيئه، ويزهق الباطل بظهوره، وليتجلى قدرتي ويظهر عظمتي، ويعلو الدين ويلمع البراهين، ولينجو طلاب الحياة من أكف موت الإيمان والنور، وليبعث أصحاب القبور من القبور، وليعلم الذين كفروا بالله ورسوله وكتابه أنهم كانوا على خطأ ولتستبين سبيل المجرمين. فسيعطى لك غلام ذكي من صلبك وذريتك ونسلك ويكون من عبادنا الوجيهين. ضيف جميل يأتيك من لدنا. نقي من كل دَرَنٍ وشَينٍ وشَنار وشرارة، وعيب وعار وعرارة، ومن الطيبين. وهو كلمة الله. خُلق من كلمات تمجيديةٍ. وهو فهيم وذهين وحسين. قد ملئ قلبه علمًا، وباطنه حلمًا، وصدره سلمًا، وأعطي لـه نفَسٌ مسيحي، وبورك بالروح الأمين. يوم الاثنـين. فواهًا لك يا يوم الاثنين، يأتي فيك أرواح المباركين. ولد صالح كريم ذكي مبارك. مظهر الأول والآخر. مظهر الحق والعَلاء، كأن الله نزل من السماء. يظهر بظهوره جلال رب العالمين. يأتيك نور ممسوح بعطر الرحمن، القائم تحت ظل الله المنان. يفكّ رقاب الأسارى وينجي المسجونين. يعظم شأنه، ويُرفع اسمه وبرهانه، ويُنشَر ذكره وريحانه إلى أقصى الأرضين. إمام هُمامٌ، يبارَك منه أقوام، ويأتي معه شفاء ولا يبقى سَقام، وينتفع به أنام. ينمو سريعًا سريعًا كأنه عِـردام، ثم يرفع إلى نقطته النفسية التي هي لـه مقام. وكان أمرًا مقضيًا، قدّره قادر علام. فتبارك الله خير المقدرين. (مرآة كمالات الإسلام ص 578).

وهنا يمكن أن يعترض أحد ويقول: أية آية سماوية في ولادة ابن في تسع سنوات، إذ يمكن أن يرزق ابنًا أي رجل متزوج في هذه المدة. والجواب أن الله تعالى لم يبشره بولدٍ عادي، وإنما بولد مبارك عظيم، ذكي، صاحب عظمة وجلال، مليء بالعلوم الظاهرية والباطنية، مطلعًا على أسرار القرآن، ومعْلٍ لشأنه، ويذاع صيته إلى أكناف العالم.

وثانيا: من يضمن حياته وحياة زوجته وبقاء ابنه، لو رُزق، لمدة ينجز فيها كل هذه النبوءات التي تشكل كل واحدة منها في حد ذاتها آية ومعجزة.

عند إعلان حضرته عن هذه البشارة سخر الهنادك المتعصبون وغيرهم من أعداء الإسلام ونبيه ، واستهزأوا بهذا الوحي الإلهي وقالوا: إنه أخطأ في فهم الكلام، الأصل أنه بُشر بآية نقمة وووو….. ولكن الله تعالى الغيور على دينه الإسلام وحبيبه أنجز وعده مع عبده، ووهبه غلامًا ذكيًا وجيهًا في 12 يناير 1889 م.

أيام صباه

بدأ الولد المبارك الموعود ينمو ويترعرع في بيت أبيه، ترعاه عين رعاية الله تعالى. وظهرت عليه أمارات النبل والذكاء منذ نعومة أظفاره. وعلى الرغم أنه لم يتلق من العلوم الدنيوية إلا نزرًا يسيرًا حيث لم يقدر على اجتياز امتحان الثانوية، إلا أن الله تعالى علمه من لدنه وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة. حيث تشربت روحه بحب القرآن والحديث النبوي الشريف. فتلقى دروسًا خاصة في القرآن والحديث من مولانا نورالدين الخليفة الأول لسيدنا المهدي والمسيح الموعود . وبلغ من حبه وفهمه للقرآن مبلغا عظيما في صباه حتى بدأ يُلقي الدروس القرآنية في المسجد، ويخوض في بحار معاني القرآن ليأتي باللآلي الثمينة من المعارف والحقائق بطريق مدهش، وهو لا يزال دون العشرين من عمره.

كان كثير القراءة، حديد العزيمة، جم النشاط، متحمسًا في تربية الشباب حتى أصدر في عهد أبيه عليه السلام سنة 1906 مجلةً خاصةً بهم من نفقة جيبه ومساعدة بعض أصدقائه الشباب باسم : (تشحيذ الأذهان). وكان رئيس تحريرها، وكتب فيها مقالاتٍ قيّمةٍ للغاية. ولا تزال هذه المجلة في الصدور حتى الآن.

عهد تاريخي

رأى بأم  عينيه لما هبَ على أبيه من عواصف المعارضة وصراصر الابتلاءات وما نزل عليه بسببها من بركات وبركات من السماء في كل يوم، لذا كان في صغره أيضا قوي الإيمان بحضرته . وليس أدل على ذلك من عهده التاريخي الذي قطعه على نفسه أمام الله تعالى حين وفاة حضرته في لاهور يوم 26 مايو 1908 م. حيث قام هذا الشاب الطموح البالغ التاسعة عشرة من عمره بجانب جثمانه الطاهر وقال: “اللهم، يا من لا تخفى عليه خافية، إني أعاهدك اليوم وبكل صدقٍ بأنه حتى ولو انفض جميع أتباع حضرته من حوله وتركوا الأحمدية فإني سوف أقضي جميع حياتي في تبليغ دعوتك هذه التي بعثت بها سيدنا المهدي والمسيح الموعود إلى كل أرجاء العالم”.

ونِعم ما وفّى به هذا الشاب العظيم وعده مع الله تعالى حيث قضى حياته المباركة كلها، واستنزف آخر قطرة من دمه في خدمة الإسلام. سوف أحاول ذكر أبرز خدماته الجليلة. وهذا بالطبع غيض من فيض.

خدماته البارزة

  الدفاع عن الخلافة وتمكينها

من أبرز أعماله الخالدة هو الدفاع عن الخلافة الإسلامية الراشدة الموعود بها على لسان سيدنا محمد المصطفى في آخر الزمان، والتي أعادها الله تعالى رحمة بالمسلمين عن طريق سيدنا المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام. فلقد رد حضرته الفتن التي أثارها أعداء الخلافة من الداخل والخارج في نحورهم، ومكنها أيما تمكين.

فأولا حينما اشتد على الخليفة الأول مولانا نور الدين مرض الموت في مارس 1914م أخذت تقوم في الجماعة حركة انفصال من جانب فئة تزعمها المولوي محمد علي، الذي كان يحرر مجلة الجماعة “ريفيو أوف ريلجينز” (نقد الأديان)، وكان أقوى سكرتير في اللجنة الإدارية المركزية للجماعة (صدر أنجمن أحمدية)، فضلا عن المكانة الكبيرة التي تمتع بها في الجماعة وخاصة عند أولئك الذين تربوا تربية غربية. وكان هدف هذه الحركة توكيل اللجنة الإدارية المركزية سلطة إدارة وتنظيم شؤون الجماعة توكيلاً كاملاً، وإلغاء منصب الخلافة أصلاً. فلما أبدوا نيتهم هذه في أحد الاجتماعات للجنة المذكورة عارض سيدنا مرزا بشير الدين محمود أحمد هذه الفكرة الخطيرة بكل شدةٍ وبدون هوادة. وأوضح بجلاء للمولوي محمد علي وأصحابه بأنه لن يساهم في أي اتفاق يقضي بإلغاء الخلافة.. هذه النعمة الكبرى التي أنعم بها الله تعالى على المسلمين بعد ما قاسوا الأمرين بفقدانها من أيديهم بسبب تهاونهم.

وثانيا: تفجرت هذه الفتنة مرة أخرى وبصورة مروعة في 14 مارس 1914 حين شرَّف الله تعالى هذا الشاب المبارك البالغ من العمر 25 عاما فقط بخلافة سيدنا المهدي والمسيح الموعود ، وانشق عن الجماعة المولوي محمد علي ونفرٌ قلائل ممن كانوا يشاطرونه الرأي، ويظنون أنهم أولى بالخلافة، لأنهم أصحاب مناصب عليا في إدارة الجماعة. وذهب هؤلاء إلى لاهور ليؤسسوا هناك جمعية منفصلة عن باقي الجماعة. ولكن يد الله الحانية كانت مع الجماعة المتمسكة بالخلافة. أما هؤلاء فذهبت ريحهم، فلم تقم لهم قائمة.

استطاع هذا الشاب العظيم بعون الله تعالى الصمود لهذه الفتنة الكبرى التي قال أعداء الجماعة وقتها أن الصرح الذي بناه مؤسس هذه الجماعة قد انهار. فإلى جانب تنظيم إدارة الجماعة من جديد وتنسيق شؤونها المالية والتربوية على أحسن وجه، ألقى حضرته خطبا هامة رسخ بها في أذهان القوم أهمية وبركات الخلافة الإسلامية. كما وضع نظاما محكمًا لانتخاب الخليفة حيث رسم في ضوء تعليم القرآن والسنة وتاريخ الخلافة الراشدة وتاريخ الأمم خطوطا معينة ومعالم واضحة لانتخاب الخليفة وحقوقه وواجباته. مما جعل الجماعة تصمد كالجبال الراسيات في وجه كل فتنة أثارها العناصر المعادية للإسلام والأحمدية والخلافة الحقة، في مختلف الأوقات ولا سيما في  سنين 1914، 1934، 1953، 1965، 1974، 1982، 1984.

 تنظيم الجماعة

عند تولي حضرته الخلافة كانت خزينة الجماعة خاليةً، فقد أخذ المنفصلون عن الخلافة والذين كانوا ذوي المناصب الهامة في الإدارة المركزية كل ما في بيت المال إلا بضعة قروش. ولكن الله بفضل الخلافة مكن دينه وأيد حزبه ونصر جنده. فازداد عدد الجماعة بصورة ملحوظة، كما امتلأت الخزينة أيضا بتضحيات المخلصين.

وقام حضرته بتنسيق الإدارة المركزية للجماعة وتوزيع العمل بإنشاء مكاتب عديدة منها: مكتب السكرتير الخاص بأمير المؤمنين خليفة المهدي والمسيح الموعود، مكتب النظارة العليا وهو مكتب أكبر مسؤول عن الإدارة المركزية (صدر أنجمن أحمدية)، بيت المال، ومكتب المحاسبة والأملاك وبهشتي مقبرة، مكتب التأليف والتصنيف، مكتب الإشاعة والنشر والتوزيع، مكتب الدعوة والتبليغ، مكتب الضيافة، مكتب التعليم والتربية، مكتب الأمور العامة، مكتب الأمور الخارجية، مكتب الوقف الجديد ( مؤسسة تشرف على تربية أبناء الجماعة القانطين في القرى الباكستانية الخاصة)، دار القضاء، ودار الإفتاء.

معارضة إغلاق المدارس الإسلامية الأحمدية

في سنة 1908 وبعد وفاة سيدنا المهدي والمسيح الموعود بقليل، أراد مسئولو الجماعة الذين انفصلوا فيما بعد عن الخلافة، إغلاق المدرسة الإسلامية الأحمدية (معهد تأهيل الدعاة)، زعما منهم بأن تعليم الدين بالعربية ليس بضروريًا، ونفقاته عبء ثقيل على بيت المال. لقد أرادوا اتخاذ هذا القرار في أول اجتماع لهم بعد وفاة مؤسس الجماعة ! ولقد أيد هؤلاء في خطبهم الملتهبة إغلاق المدرسة، وكادوا أن يقنعوا الجميع برأيهم، ولكن هذا الشاب هو الوحيد تكلم ضد هذا الاقتراح القبيح، وغيَّر أفكار الأكثرية بصواب رأيه وحسن بيانه وقوة أدلته. فلم تزل هذه المدرسة تترقى وتزدهر حتى صارت جامعة، وتعرف الآن بالجامعة الإسلامية الأحمدية. ولقد تخرج منها العلماء الكبار والدعاة الأفذاذ مثل مولانا جلال الدين شمس ، أول داعية إسلامي أحمدي مبعوث للديار العربية، ومولانا أبي العطاء الجالندهري رحمه الله، الذي بُعث إليها بعده مباشرة، ومولانا نذير أحمد مبشر صاحب كتاب: (القول الصريح في ظهور المهدي والمسيح).

التحريك الجديد

في 1934 قامت طائفة الأحراريين (وكانوا من المشائخ المتعصبين وأتباعهم المتطرفين المعادين للجماعة، والموالين للهنادك، والمعارضين لحركة تأسيس باكستان، والمخالفين للقائد الأعظم محمد علي جناح مؤسس باكستان) بإحداث شغب كبير في قاديان بمساندة الحُكام الإنجليز. فقامو أثناء أحداث هذا الشغب بضرب بعض المسلمين الأحمديين بما فيهم نجل سيدنا المهدي والمسيح الموعود حضرة مرزا شريف أحمد . جاءوا بنية تدمير قاديان والقضاء على الأحمدية. ولكن الله تعالى أفشلهم فشلا ذريعا، فرجعوا يجرون أذيال الخزي والهوان.

والتحريك الجديد (أي المشروع الجديد) هو ثمرة طيبة لهذه الابتلاءات، إذ أعلن سيدنا محمود رضي الله تعالى عنه إثرها: إنهم يحاولون القضاء على الأحمدية. حسنًا، سوف ننشر ونوطد الدعوة الإسلامية الأحمدية بعون الله في كل أرجاء العالم. وفتح صندوقًا باسم التحريك الجديد لإنشاء شبكة كبيرة من المساجد ومراكز التبليغ وفروع الجماعة في مختلف بلدان العالم. فقام أبناء الجماعة بتقديم تضحيات جسيمة وتحقق هذا المشروع بعون الله تعالى. ولآن نرى هذه الشجرة الطيبة تُعطي ثمارها بإذن ربها في أكثر من 120 بلدًا من العالم. وهكذا تحقق وعد الله تعالى لحضرة المهدي والمسيح المعهود : “سوف أبلغ دعوتك إلى أقصى أطراف الأرضين”، على يد هذا الرجل العظيم الذي كان عاهد الله تعالى تحقيق هذا الوعد في عنفوان شبابه.

مجلس الشورى

ومن الأعمال الخالدة لحضرته إقامة مجلس الشورى للجماعة عام 1922.. تنعقد جلساته سنويا لمناقشة شؤون الجماعة. فكان حضرته يؤمن ويُعلن أن لا خلافة إلا بالمشورة، انطلاقًا من قول تعالى:

وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ .

والجدير بالذكر أن سيدات الجماعة أيضا يشتركن في جلسات هذا المجلس، وذلك بمراعاة الحجاب حيث يشتركن في النقاشات وهم جالسات في قاعة منفصلة عن قاعة الرجال.

إنشاء تنظيمات فرعية في الجماعة

قسم ونسق حضرته أبناء الجماعة رجالا ونساء حسب سنهم، فأسس مجلسًا للشيوخ وسماه “مجلس أنصار الله”، ومجلسًا للشباب باسم “مجلس خدام الأحمدية”، ومجلسا للسيدات باسم “لجنة إماء الله”، ومجلسًا للبنات باسم “ناصرات الأحمدية”. وذلك لتتولى هذه المجالس كل على حدة تربية الأعضاء تربية إسلامية. ولهذه التنظيمات فروع في جماعات كل بلد ومدينة وقرية من العالم. ولها هياكلها الإدارية، واجتماعاتها الشهرية والسنوية، واشتراكاتها الإلزامية، ومجلاتها الخاصة.

التصدي لفتنة الارتداد بالهند

في 1912 قامت الهنادك المتعصبون والمتطرفون في ولاية (ملكانة) الهندية بحملة خطيرة باسم حركة “شدهى” لرد المسلمين إلى الهندوكية، زاعمين أنهم قد ارتدوا عن دينهم وأسلموا. فبذلوا أموالاً طائلة وجهودًا مضنية لإرجاع هؤلاء المسلمين الفقراء والضعفاء. وبالفعل تمكنوا خلال عشر سنوات فقط من إدخال حوالي 6 ملايين منهم في الهندوكية، وذلك في القرى المجاورة للمدينة الهندية الشهيرة (آغرا). فتصدى حضرته في سنة 1923 لهذه الفتنة البالغة الخطورة، وحض أبناءه الروحيين من كل الطبقات على الدفاع المستميت عن حوزة الإسلام، موضحا لهم أنه لن يعطيهم شيئًا من نفقات السفر أو السكن، وإنما ينفر كل واحد لهذا الجهاد العظيم على نفقاته الخاصة.

فاجتمع حوله المخلصون من كل المجالات؛ من العلماء والدكاترة والمحاميين والأساتذة والتجار والصناعين فقراء وأثرياء. فشكل جندًا متكونًا من حوالي مائة شخص، سلاحهم القرآن والسنّة والدعوات أمام الله تعالى، وتمكنوا من إنقاذ هؤلاء المسلمين المرتدين التعساء من براثن الهندوكية الوثنية.

خدماته لمسلمي الهند

كان من ميزاته التي أخبر الله تعالى عنها أنه يفك رقاب الأسرى. ومصداقا لذلك النبأ العظيم وُفق حضرته لمساندة مسلمي الهند في مختلف المناسبات ولاسيما في تأسيس باكستان. فلما يئس مؤسس باكستان السيد محمد علي جناح من اتحاد المسلمين والهنادك وتوجه إلى إنجلترا ليمارس المحاماة بعيدًا عن مشاكل مسلمي الهند، أقنعه حضرته عن طريق الداعية الإسلامي الأحمدي بلندن عندئذ، بالعودة إلى أرضه ووطنه وقيادة شعبه المقهور في خضم مشاكلهم السياسية. فرضي السيد جناح وعاد ليقود شعبه المسلم إلى الاستقلال وتأسيس دولة باكستان.

كما ساهم حضرته مساهمة مشكورةً في محاولة تحرير أبناء كشمير المسلمين حيث اختاره المسلمون رئيسا (للجنة كشمير) التي تكونت لتحريرها. ولكن حضرته قدم استقالته عندما اندس الأحراريون في صفوف هذه اللجنة، وعرقلوا طريقه. وهكذا حُرم هذا الشعب المقهور من هذا القائد الجليل وبالتالي من الاستقلال.

مواقفه المشهودة للعرب

أحبَّ سيدنا المهدي والمسيح الموعود العرب حبا كبيرًا، كما علّم أتباعه أيضا حبهم. ونتيجة لهذا الحب الذي غرس حضرته في نفوس أتباعه للعرب أحبهم خلفائه واهتموا بقضاياهم اهتمامًا كبيرًا، وساعدوهم مساعدة مشكورة.

فحينما كان الاستعمار يخطط لتمزيق فلسطين في الثلاثينيات، وأحس العرب بهذا الخطر، واجتمعت الوفود العربية لمناقشة هذه القضية الحساسة مع المستعمرين في لندن في 1939.. أيد حضرة إمام الجماعة الخليفة الثاني حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد الوفود العربية كل تأييد، ودعا لهم بالتوفيق من الأعماق. وإليكم نص البرقية التي بعثها حضرته إلى الداعية الإسلامي الأحمدي حضرة جلال الدين شمس.. والتي قرأها على مسامع الوفود العربية في مأدبة فخمة أقامتها الجماعة في الجامع الأحمدي بلندن ترحيبًا وتكريمًا لهم.. حضرها ما ينيف عن مائتي شخصية كبيرة عربية وغربية:

“رحب بسمو الأمير الملكي الأمير فيصل نيابة عني، وكذلك ببقية المندوبين للمؤتمر الفلسطيني، وأخبرهم بأن الجماعة الإسلامية الأحمدية معهم بكل معنى الكلمة، وهي تدعو الله أن يكلل مساعيهم بالنجاح، وينصر جميع الحكومات العربية إلى طريق النجاح والفلاح، ويمنحهم قيادة العالم الإسلامي كتلك التي حازوها وتملكوها في القرون الإسلامية الأولى”.

الكفر ملّة واحدة

وعندما مزق الاستعمار فلسطين في سنة 1948 كتب إمام الجماعة نشرتين: (هيئة الأمم المتحدة وقرار تقسيم فلسطين) و(الكفر ملة واحدة).. بين فيهما موقف العالم الإسلامي لنبذ الخلافات وتوحيد الصفوف لمحاربة إسرائيل.. قال حضرته في (الكفر ملة واحدة):

“إن قضية فلسطين تهم العالم الإسلامي كله.. إن فلسطين على مقربة من الأرض المقدسة التي فيها مرقد سيدنا ومولانا محمد المصطفى .. الذي كانت اليهود تخالفه في حياته أيضًا، وتعارضه في أعماله بكل وقاحة.. مع أنهم لم يروا منه إلا البر والخير والكرم. إن الحروب التي نشبت بينه وبين العرب أكثرها كانت بإغراء اليهود وتحريضهم، وهم الذين استثاروا كسرى إيران على قتله ..

هذا العدو اللدود الذي يريد أن يرفع رأسه الآن بصورة دولة قوية على قرب من المدينة المنورة.. بنيته التقدم نحوها ومهاجمتها بعد أن ترسخ أقدامه في فلسطين. إذا كان هناك مسلم يرى غير هذا ويظن أنه ليس هناك أية أسباب قوية لتحقيق خطر كهذا، فلا شك أنه مخطئ. أما العرب فهم يفهمون هذه الحقيقة جيدًا، ويعلمون أن الصهيونية مزمعة على إجلائهم من أوطانهم، ولذلك فقد قاموا ضد الصهاينة كرجل واحد.

إن قضية فلسطين ليست بقضية عربية فقط، بل إنها قضية تهم العالم الإسلامي كله. ليست هذه القضية تهم فلسطين فحسب، بل هي قضية المدينة المنورة، ولا تهمنا القدس فقط، بل تهمنا مكة المكرمة. إنها ليست قضية زيد أو بكر، بل هي قضية شرف وكرامة محمد .

ألا ترون أن الأعداء مع شدة العداوة وكثرة الخلافات فيما بينهم قد وحدوا صفوفهم ضد الإسلام، فلا يتحد المسلمون في هذه الآونة العصيبة، ودواعي الاتحاد بينهم كثيرة؟ حان لنا أن نفكر ونقرر هل يليق بنا أن نموت متفرقين جماعة بعد جماعة، أو نكون يدًا واحدة، ونبذل كل جهدنا للانتصار مجتمعين.

أرى أن الوقت ينادي المسلمين بصوت عال أن يبيتوا رأيهم ويعقدوا عزمهم على أنهم إما يموتون مناضلين في سبيل الحصول على حقوقهم، أو يستأصلون الدسائس ضد الإسلام كلية.

إن هذه الأيام أيام الضحايا.. إذا كان مسلمو باكستان يريدون أن يعملوا شيئًا حقيقيًّا فعليهم أن يقترحوا على حكومتهم أن تأخذ واحدًا بالمائة من أموالهم على الأقل في الوقت الحاضر. وهكذا يمكن لباكستان جمع ألف مليون روبية. وإذا سلكت الدول الإسلامية الأخرى مسلك باكستان هذا، وقدمت بدورها مثل تضحيتها.. يبلغ المجموع نحو خمسة أو ستة آلاف الملايين من الروبيات. ويمكن بها شراء الأسلحة والمعدات الحربية لفلسطين، على رغم مخالفة الدول الأوروبية.

ها، إني أذكر المسلمين وأنبههم كي يعرفوا خطورة الموقف وشدة الخطب، ويعلموا أنه قد تحقق صدق قول النبي : الكفر ملّة واحدة. لقد قام الصهاينة قومة رجل واحد لمحو عظمة الإسلام. إن الشعوب الأوروبية كانت تصول على الإسلام من قبل متفرقة شعبًا شعبًا، أما اليوم فإنها قد هاجمت المسلمين في عقر دارهم مجتمعة. فهلموا، أيها المسلمون، ندفع عنا شرهم متحدين.. هلموا نقاومهم مجتمعين.. فما دام لا يوجد بيننا أي خلاف في هذه القضية، من السفاهة أن نقحم اختلافاتنا البسيطة في هذه القضية التي نحن متفقون عليها. إن القرآن يدعو حتى اليهود للاتحاد في المسائل المتفق عليها. ألم يأن للمسلمين، سواء أكانوا من باكستان، أو أفغانستان، أو إيران، أو ماليزيا، أو أندونيسيا، أو أفريقيا، أو تركيا، أو غيرها من البلاد الإسلامية.. ألم يأن لهم أن يوحدوا كلمتهم؟ ألم يأن لهم أن يتحدوا وهم يرون أن الفأس قد وضعت على جذور الإسلام، وتعرضت الأماكن المقدسة للأخطار؟ ألم يأن لهم أن يقوموا كلهم مع العرب ويدفعوا هذه الهجمات النكراء التي يريد بها العدو كسر شوكة المسلمين وجعلهم أذلاء مهانين”.

وقد علقت صحيفة (النهضة) على نشرة (الكفر ملة واحدة) في 12 يوليو 1948 قائلة:

“أهدانا السيد ميرزا محمود أحمد كراسة صغيرة تحتوي على الخطاب الذي ألقاه في (لاهور) باكستان.. يدعو فيها المسلمين إلى الاتحاد والعمل الحاسم لإنقاذ فلسطين من الصهاينة المجرمين. كما أنه يهيب بأبناء الباكستان البررة أن يبادروا إلى مساعدة عرب فلسطين بالمال، ويذكرهم بالرسول الكريم ، مستشهدًا بآيات شريفة يحض فيها المسلمين على أن يقفوا صفًا واحدًا أمام سيل الصهيونية المجرمة”.

مواقف مشهودة للسير محمد ظفر الله خان

وبتوجيه من حضرة محمود قام ابنه الروحي وأول وزير خارجية باكستاني السير محمد ظفر الله خان بخدمات مشهودة لقضايا العرب عامة وللقضية الفلسطينية خاصة.. لا تزال مسجلة في الجرائد العالمية والعربية.

ففي اجتماع في مجلس اللوردات برئاسة اللورد لمنجتون في لندن أثار السير محمد ظفر الله خان في خطابه قضية فلسطين الحساسة وقد سجل خطابه هذا في جريدة الأهرام بقلم مراسلها بتاريخ 27/10/1937، ونقتبس منه ما يلي:

“ارتأى ظفر الله خان أن مسألة فلسطين إذا لم تسو تسوية مرضية فلا بد أن تصير مسألة إسلامية. ونوه بأن الإسلام والأماكن الإسلامية المقدسة لا يجوز أن تخضع إلى سلطان غير سلطان المسلمين”.

ولما زار حضرته فلسطين في 1945 لتفقد ظروف المنطقة عن كثب، ورأى بعينه خطورة الموقف قال للشخصيات السياسية العربية الكبيرة:

“إن مسلمي الهند لا يعرفون تفاصيل المشكلة الفلسطينية في وضعها الراهن، فإذا رغب عرب فلسطين في أن يساعدهم إخوانهم مسلمو الهند فعليهم أن يتبعوا الطرق الواجبة لجلاء هذه المشكلة وإيقافهم على حقيقة الموقف.. لم يبق سوى أن يتبرع أثرياء مسلمي الهند ماديًا لإنقاذ أراضي فلسطين”. (جريدة فلسطين الغراء، يافا، 7/10/1945).

ونشرت جريدة (الأيام)، دمشق في عددها الصادر 30/1/1947 هذا الخبر:

“لاهور، ألقى الزعيم القاضي السيد ظفر الله خان خطابًا حول قضية فلسطين قال فيه: إن بريطانيا وأمريكا لن تستطيعا التخلص من النفوذ الصهيوني المسيطر على هذه القضية المهمة ما دام هنالك 25 نائبًا صهيونيًّا في مجلس العموم البريطاني ووزيران صهيونيان وسكرتير صهيوني للدولة. كما أن الصهيونيين في أمريكا يسيطرون على الأمور المالية في تلك البلاد وعلى شؤونها السياسية، ولذلك لم تستطع بريطانيا بعد مرور 31 عامًا على وجودها في فلسطين أن تجد حلاً لهذه القضية العويصة”.

ولما انقسمت الهند، وعين سيادته وزير خارجية باكستان وممثلاً لها في هيئة الأمم المتحدة، اشترك مع إخوانه ممثلي جامعة الدول العربية في الدفاع عن القضية الفلسطينية في دوراتها، وعارض مشروع تقسيم فلسطين بكل ما أعطي من شجاعة وقوة بيان، مدافعًا عن موقف العرب دفاعاً مجيدًا مشهودًا. وإليكم نص الخبر المنشور في جريدة فلسطين (يافا) في عددها الصادر في 8 تشرين الأول 1947:

الباكستان تنتصر لعرب فلسطين

ليك ساكس في 7، رويتر ويونيتد برس، لما اجتمعت اللجنة الخاصة بقضية فلسطين اليوم دعا المستر إيفات رئيسها الأسترالي، السير ظفر الله خان ممثل الباكستان إلى الكلام، فوقف السير ظفر الله خان وقال:

“إن مشروع تقسيم فلسطين هو من الناحية الطبيعية والجغرافية شر وبلاء، وينطوي على إجحاف شائن حقًا. وقد تصبح فلسطين شرارة تشعل حربًا أعظم من الحروب العالمية التي شاهدها العالم حتى الآن…”.

وقال في خطابه التاريخي هذا الذي استغرق 115 دقيقة، ويعد أطول خطاب في سبيل الدفاع عن القضية الفلسطينية، وهو يناقش مسألة المشردين اليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين: “لماذا لا تبيح كل دولة أراضيها لهجرة كل من يرغب في الهجرة إليها، إذا كانت المسألة مجرد الرغبة في الهجرة؟ ويوجد في البنجاب الآن 5 ملايين مشرد. ولو فرضنا أن هؤلاء رغبوا في الهجرة إلى أمريكا فهل مجرد رغبتهم هذه تبرر أن تفرض هيئة الأمم على أمريكا وجوب قبولهم في أراضيها؟ فإذا كان هذا المبدأ يعتبر مبدأ مغلوطًا في أمريكا وفي غيرها، فلماذا تعتبرونه صحيحًا في فلسطين فقط؟

سجل مندوب جريدة (الدفاع) موقف السير ظفر الله خان في قاعة الأمم المتحدة قبل التصويت على قرار تقسيم فلسطين كالآتي:

“ونهض السير محمد ظفر الله خان مرة أخرى يحمل على التقسيم حملة شعواء.. وكان بيانه محاولة بارعة.. فقد نادى القوم إلى تحكيم العقل قائلاً: إن الجمعية استهدفت لأعنف ضغط شوهد في يوم من الأيام. وتناول مشروعاً منافيًا للعدالة والمنطق والقانون، ولم تسلم نقطة واحدة فيه عن منطقه الأخاذ ولسانه الذرب ونقداته اللاذعة. حتى سمعت أحد المندوبين العرب يقول: إذا أخفق مشروع التقسيم وجب على العرب أن يقيموا تمثالاً للسير ظفر الله، تقديرًا لهمته وقوة منطقه وحكمته قائلاً: إنه إذا فرض (أي التقسيم) على العرب فرضًا سيكون أهل الأراضي المقدسة منهم ضحاياه، وسوف يترك إقراره جرحًا في هذا المجلس الدولي لا يندمل، وسوف يثير الريب والشكوك في نيات الدول الغربية في نفوس أهل البلاد المترامية من شمال أفريقيا إلى سهول آسيا. فإن الحق أقول لكم: إن هذا التقسيم سيقضي على السلام قضاء مبرما”. (الدفاع 17/1/1947)

وعندما صدر هذا القرار الغاشم بتمزيق فلسطين في 29 تشرين الثاني 1947 ندد به سيادته في بيانه التالي الذي قرأه عنه نائبه:

“لقد اتخذ القرار النهائي، ولقد جاهدنا وعملنا في جانب الحق لتبصيركم، وحاولنا أن نريكم طريق الحق كما رأيناه. ولكن ضميرنا في هذه الساعة متألم لمصيركم ومصير مبادئكم. اذكروا الدول الكبرى التي سبقتكم.. اذكروا صولتها واذكروا مصيرها”. (جريدة الدفاع، يافا 30 تشرين الثاني 1947).

وشكرًا على هذه الأيادي البيضاء وإشادة بهذه المواقف الجريئة الصادقة لصالح العرب منحت عدة دول عربية لسيادته أرقى أوسمتها ونياشينها. واتخذه ملك الأردن حسين وملك السعودية فيصل وملك المغرب الحسن الثاني صديقًا حميمًا لهم.

وكتبت مجلة (آخر ساعة) المصرية في فبراير 1952 تحت عنوان بارز: الرجل الذي يصلي في هيئة الأمم المتحدة..

“وهذا الرجل من أقدر المسلمين الذين يوثق بهم في خدمة البلاد الإسلامية.. هو رجل متدين يؤدي الصلاة في أوقاتها، حتى لو كان في الطائرة.. وقد أصبح أداؤه للصلاة في أبهاء الأمم المتحدة أمرًا مألوفًا لدى سائر الوفود. وهو لا يذوق الخمر مطلقًا، ولهذا غالبية أعضاء الوفود الغربية والشرقية تمتنع عن شربها في حضرته”. وقالت أيضًا: “كل ما هنالك أن السيد ظفر الله خان دافع عن قضية مصر مرات كثيرة”.

بطل قضية فلسطين

في الأيام الأخيرة نشرت مجلة العربي الصادرة من الكويت في عدد يونيو 1983 مقالاً بقلم الأستاذ عبد الحميد الكاتب بعنوان: ظفر الله خان بطل قضية فلسطين.. أشاد فيه بموقف حضرته في الدفاع عن قضية فلسطين في جلسات هيئة الأمم المتحدة، نقتبس منه قوله: “ولكن أقوى الأصوات وأكثرها قدرة.. كان صوت ظفر الله خان. وكان ظفر الله خان هو بطل قضية فلسطين”.

خدمات سيدنا محمود العلمية

لقد ألقى حضرته مئات الخطب والمحاضرات في مختلف المناسبات، وألف عشرات الكتب منها: حقيقة ملائكة الله، حقيقة الرؤيا، منهاج الطالبين، العرفان الإلهي، القدر الإلهي، بداية نشوب الخلافات في تاريخ الإسلام، نظام الاقتصاد في الإسلام، تحفة الملوك، دعوة إلى الحق، الأحمدية أو الإسلام الحقيقي (وقد ألقيت في قاعة الخطب بومبلي، لندن سنة 1924 حينما زار إنجلترا لإرساء حجر الأساس لأول مسجد هناك) وهو مسجد “الفضل”، ومقدمة تفسير القرآن. وله ديوان شعر بالأردية باسم: كلام محمود.

وسبق أن ذكرت أن حضرته أصدر في شبابه مجلة (تشحيذ الأذهان). وبعد أن عاد حضرته من حجه المبرور لبيت الله الحرام بمكة في سنة 1912 أصدر جريدة باسم (الفضل)، وذلك في ظروف مالية صعبة حتى أنه باع حلي زوجته لجمع المال لإصدارها. وكانت الجماعة في أمس حاجة إلى جريدة كهذه في تلك الأيام. هي أهم صحف الجماعة ولسان حالها، ولا تزال في الصدور بعون الله تعالى.

التفسير الكبير

ولكن أعظم خدماته العلمية هي تفسيره للقرآن الكريم. هو تفسير رائع بديع سلس الأسلوب باللغة الأردية باسم (التفسير الكبير) في 10 مجلدات. وقد ترجم ملخصه إلى عدة لغات. ولقد أشادت به مختلف الجهات أيما إشادة. وإليكم نصًا مما كتبته إحدى الجرائد العربية:

نشرت جريدة (وكالة الأنباء العربية) الغراء (عمان، الأردن) في عددها الصادر في 6 شباط 1949 بعنوان (ترجمة القرآن الكريم) ما نصه:

“عمان. تلقى فضيلة المرزا رشيد أحمد جغتائي المبشر الإسلامي المعروف وعضو الجماعة الأحمدية والمقيم حاليًا بعمان، نسخة من الكتاب القيم الذي أصدرته الجماعة في الهند باللغة الإنجليزية، حاويا ترجمة القرآن المجيد. ويقع الكتاب في 968 صفحة تضم ترجمة السور المجيدة: الفاتحة والبقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة. وقد قدم لها بمقدمة قيمة تقع في ثلاثمائة صفحة.. كتبها إمام الجماعة حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد، تضم مصادر الكتاب وبحوثًا قيّمة عن القرآن المجيد وسيرة الرسول الأعظم، وشخصيته، وكيفية جمع القرآن وغيرها.والترجمة الإنجليزية تفوق كل ترجمة سبقتها من حيث الإتقان وجودة الورق والطبع والانسجام وصدق الترجمة الحرفية، وتفسيرها تفسيرًا مسهبًا، بأسلوب جديد يدل على علم غزير واطلاع واسع على حقائق الدين الإسلامي الحنيف وتعاليمه السامية.والكتاب الثمين في مجموعه دفاع عن الإسلام، ورد على خصومه وخاصة على المستشرقين.. يبطل مزاعمهم بأسلوب علمي رائع!

وما يجدر ذكره أن المسز زمرمان الكاتبة الهولندية المعروفة قامت بترجمة القرآن المجيد من الإنجليزية إلى الهولندية، وما كادت تفرغ من ترجمتها حتى اعتنقت الإسلام.”

تأسيس مركز جديد (ربوة)

عند انقسام القارة الهندية اضطر المسلمون القاطنون في المناطق المجاورة للحدود الهندية الباكستانية للهجرة إلى باكستان، واشترى رقعة من الأرض على بعد حوالي 100 ميل من لاهور. وكانت أرضًا قاحلة جرداء. فأسس فيها مركزًا جديدًا للجماعة باسم ربوة، هذه المدينة التاريخية التي ترقت وازدهرت حتى طبق الآفاق صيتها كمركز ثان للجماعة. فالحمد لله على ذلك.

وصية الإمام الهمام

مرض حضرته في مايو سنة 1959 مرضًا شديدًا وظن أنه ملاق ربه. فكتب وصيته للجماعة المنتشرة في جميع أنحاء الأرض.. يناشدهم فيها على مواصلة العمل لخدمة الإسلام والتمسك بالنعمة الإلهية العظيمة.. الخلافة الإسلامية الأحمدية. نقتبس منها ما يلي:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي على رسوله الكريم بفضل الله ورحمته هو الناصر، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. (.. كنا أذلاء لا يُعتد بنا، فشرفنا الله تعالى كرما منه وفضلاً، وجعلنا حماة دينه. كنا ضعفاء عديمي الحيلة، فمنحنا الله تعالى القوة، وأناط بنا مستقبل الإسلام. كنا فقراء بلا إمكانيات، ومع ذلك فرض الله علينا نشر اسمه واسم نبيه المصطفى إلى أقصى أطراف الأرض. لقد كانت مهمة صعبة عجز الملوك عن الإتيان بها ولكننا حملناها، وليس بسبب كفاءتنا وإنما بفضل الله تعالى ورحمته وبركة رسوله خاتم النبيين . لم تكن بأيدينا الوسائل، لكنه تعالى نصرنا وأخزى أعداء الإسلام وأذلهم. فسبحان الذي أخزى الأعادي.

وإني لواثق بأن الله تعالى سيظل ناصرًا للإسلام إلى يوم الدين. وأرجو أن يتابع أبنائي وبناتي وأبناء وبنات سيدنا المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام تضحياتهم لحمل اسم محمد إلى أقصى أطراف العالم ورفع لواء الإسلام خفاقًا إلى الأبد.

وبنفس الثقة والرجاء أعهد إلى كل مسلم أحمدي أن يحمل الأمانة، حفظهم الله وأيدهم بتحقيق هذه المهمة المقدسة. إنهم ضعفاء، ولكن الله معهم. ومن كان الله في عونه فلا خوف عليه. وسيأتي وقت يقبل الملوك فيهم أيديهم، وتكون الحكومات مستعدة لخدمتهم، شريطة أن لا ينسوا تعاليم محمد سيد المرسلين ، وأن يجاهدوا في سبيل شرف الإسلام..

أرجو من أفراد الجماعة الإسلامية الأحمدية بأن يوقفوا حياتهم لخدمة الله ورسوله ، ويرفعوا لواء الإسلام خفاقًا في كل البلاد. كان الله معهم وأسبغ عليهم نعمه.. كل البركات تنبع من الخلافة. النبوة تزرع البذرة، أما الخلافة فتتعهد نموها ونشرها في العالم أجمع. فاعتصموا بهذا النظام السماوي، ولتنتفع من بركاته الدنيا كلها. وهذه هي وصيتي الأخيرة لكم. رحمكم الله وأعزكم في هذه الدنيا والآخرة. أوفوا بعهدكم حتى الموت.. لتكن مملكة الله على الأرض كما هي في السماء. فلا يقوم إنسان مهما كان قويًا بعمل شر لإنسان آخر. آمين ثم آمين).

مرزا محمود أحمد، 17 مايو 1959

ميزة فريدة

ومما خص الله تعالى هذا القائد الروحي العظيم أنه إلى جانب كونه ابنا سيدنا المهدي والمسيح الموعود ، فهو خليفته، وأب لخليفتين له؛ حضرة مرزا ناصر أحمد رحمه الله (الخليفة الثالث) وحضرة مرزا طاهر أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز (الخليفة الرابع وإمامنا الحالي).

وفاته

بعد حياة حافلة بجلائل الأعمال والخدمات للإسلام ولأبنائه، وقيادة تاريخية للجماعة الإسلامية الأحمدية لحوالي 52 عامًا لقي هذا القائد الروحي العظيم رفيقه الأعلى في صباح 8 نوفمبر 1965 في ربوة ودفن هناك.

يتوسط سيدنا مرزا بشير الدين محمود أحمد الخليفة الثاني لسيدنا المهدي والمسيح الموعود ، وفدًا من كبار علماء الجماعة الذين رافقوه أثناء زيارته لإنجلترا لوضع حجر الأساس لأول مسجد بلندن، مسجد “الفضل” سنة 1924، وكذلك للاشتراك في مؤتمر “ويمبلي” بلندن حيث قرئ له فيه مقال قيم موضوعه: الأحمدية.. أو الإسلام الصحيح. ويرى وراء حضرته بالعمامة البيضاء شقيقه الأصغر حضرة مرزا شريف أحمد رضي الله عنهما.

 

سر الغنى

يحكى عن شاب، أنه قصد مزارعًا غنيًا متقدمًا في السن ليقف منه على الكيفية التي تكونت له الثروة الكبيرة التي جمعها. وكانت زيارته ليلاً. ولما سأله عن سبب غناه أجاب المزارع: إنها قصة طويلة يا بني، فالأفضل أن نطفئ الشمعة توفيرا له، وقام من معقده وأطفأ الشمعة. فأجاب الشاب مقاطعًا: لا لزوم يا عماه، بأن تستمر في سرد القصة، فلقد فهمت كيف جمعت ثروتك.

Share via
تابعونا على الفايس بوك