ها نحن نعرض عليكم ميراث الأنبياء

ها نحن نعرض عليكم ميراث الأنبياء

التحرير

انفرد الإسلام في الحث على اكتساب العلم والمعرفة دون سواه من الأديان بل لعله هو الدين الوحيد الذي يحرّض المؤمنين على بلوغ هذا الهدف النبيل ويعد من يسعى إليه بالدرجات العلى.. ومما لا شك فيه أن المؤمن مُطالب بأن يترقى في سُلمَي الرقي الإيماني والعلمي كي يتطلع إلى الرفعة المرجوة التي يحثه عليها دينه الحنيف. وفي واقع الأمر إن هذه الموازنة أو  المزاوجة “إن صَّح التعبير” بين الإيمان والعلم هي التي تقود إلى ترسيخ وتعميق الإيمان وذلك لقوله تعالى:

  يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات

حيث بالعلم نفقه كنه الموجودات وأسرارها فتتجلى الحقيقة أمام أعيننا، فيزداد مستوى الإيمان في أنفسنا وفي الآخرين، وتتوثق صلتنا بالله وتقوى بجلاء.

لا شك أن جميع المعارف ضرورية باعتبارها مائدة مشتركة تتقاسمها البشرية على حد سواء، حيث يعود نفعها على الجميع للرقي بالحياة بغية إسعاد الإنسان مهما كان دينه أو لونه أو عرقه.. ولعل ما قام به المفكرون المسلمون الأوائل من دراسة معظم معارف عصرهم والتحقق منها ثم ترجمتها للغة الضاد لهو إنجاز عظيم أضافوا إليه ما توصلوا إليه من إنتاج فكري مزدهر جعل من عملهم الإبداعي هذا مادة نافعة لبني نوع الإنسان نظر إليه أعلام الغرب والشرق بإعجاب واستحسان. وأضحت النظرة التقليدية الشائعة التي تحصر العلم في العلوم الروحانية وحدها نظرة قاصرة لا تراعي الإسلام حق رعايته، ولعل هذه النظرة كانت وليدة تأثير كتابات العصور الوسطى، وللأسف الشديد لا زالت متداولة بين شريحة من مشائخ اليوم. ولم تكن أفكارها عن الكون مبنية على فهم دقيق للقرآن الكريم والحديث الشريف، وأنَّـى لهم آنذاك أن يبلغوا الحقيقة ويصلوا إليها حيث إن معارف عصرهم حينذاك كانت بدائية يغلب عليها التفسير الخرافي.. وبالتالي فهم معذورون نوعا ما. لكن الغريب في الأمر هو أن يتمسك بهذه الرؤى والتفسيرات البدائية من هم في عصرنا هذا بالرغم من كل ما توصل إليه العلم الحديث واكتشفه من حقائق!

ها نحن نعرض عليكم ميراث الأنبياء فاطلبوه واجتهدوا في تحصيله أيامًا وليالي وابذلوا في سبيل ذلك الأنفس والأموال واسألوا الله – سبحانه – التوفيق إلى التمام والكمال واستعينوا على ذلك بالإخلاص والذكر اللذين بهما تُجتاز هذه المفاوز والقفار.

ولعمري إن عقليات مثل هذه في زماننا هذا لا يُرجى منها نفع للإسلام والبشرية. ويتحسر المرء من وجود بعض المسلمين اليوم من يعانون من هذا التعارض الوهمي في كثير من المسائل، فمثلا هناك من يعتقد أن الصورة محرمة ويشدد على هذا الأمر بصفة عامة ويتجاهل أهمية الصورة التي دخلت أبعادا جد هامة في عالم التقنية والجغرافيا والطب والرصد الجوي وغيره، فأضحت أداة علمية يستحيل الاستغناء عنها. وربما غاب عن أذهان هؤلاء أن الصورة في عصرنا لم يعد لها ذلك الشكل البدائي المرتبط باعتقادات وتصورات الماضي، بل إنها أصبحت مرتبطة بعالم التربية والتعليم والخيال والإبداع والوسائط والحوارات عبر الحدود والتواصل الاعلامي والعلمي، وهذا مثال صارخ لفهم خاطئ للدين يرى تعارضا بين الدين والعلم ويحرم جيلا شاملا من الاستفادة من الجوانب الايجابية ويعزله من أي تفاعل إنساني وحضاري .

إن الإيمان والعلم من أهم ركائز بناء الأمة المسلمة بشكل متكامل يلبي احتياجات الإنسان الروحية والمادية، وبالتالي وجب علينا ترسيخ مبدأ المعرفة واكتسابها والحث عليها وهذا من صميم الإسلام الذي حض على العلم ودفع المؤمنين إلى الترقي فيه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

فيا أمة العلم والقرآن هلا شمرنا عن سواعد الجد وهجرنا السِنَةَ والرقاد وجفونا غُرف الدردشة والتسكع في الشوارع والأسواق والخوض مع الخائضين في سبيل تحصيل العلم المتين الذي به تسمو الأقدار وتشرئب إلى أهله القلوب والأبصار وتُحصل به الدرجات الكبار. فالعلم عزٌّ لا تمحقه الليالي والأيام ولا تهمشه الدهور والأعوام فهو هيبةٌ بلا سلطان وغنى بلا مال ومنعةٌ بلا أعوان.

ها نحن نعرض عليكم ميراث الأنبياء فاطلبوه واجتهدوا في تحصيله أيامًا وليالي وابذلوا في سبيل ذلك الأنفس والأموال واسألوا الله – سبحانه – التوفيق إلى التمام والكمال واستعينوا على ذلك بالإخلاص والذكر اللذين بهما تُجتاز هذه المفاوز والقفار.

ومما يجعلنا نؤكد على العلم تأكيدا وندفعكم إليه دفعا مديدا أنه بالعلم يعبدُ المرءُ ربَه على بصيرة وهدى، وبالعلم يدعو أهل الدعوة الخلق إلى الله على مناهج أولي الأبصار والنهى، وبالعلم نميز الحق من الباطل ونفرق بين الهدى والضلال. وبالعلم الصحيح الصادق والدعوة الخالصة المثابرة والجهاد الدائم بالقرآن تخرج أمتنا من أنفاق التعاسات والظلمات والانتكاسات إلى ساحات السعادات.

وفقنا الله وإياكم إلى العلم النافع الراسخ ورزقنا حبه وحفنا برعايته وجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

Share via
تابعونا على الفايس بوك