التقوى منكم وإليكم رد سريع

التقوى منكم وإليكم رد سريع

تشكر أسرة “التقوى” جميع قرائها الأفاضل الذين أثنوا عن أعدادها الجديدة الملونة وتعدهم أنها ستواصل النشر بنفس الميزة.

—————-

خواطر من عالم الاكتئاب

– من يقل أنه لم يشعر قط بالاكتئاب… إنني أشك في آدميته.

–  من لا يدمع قلبه حين يعايش شخص مصاب بالاكتئاب، فإن قلبه من حجر، أو أشد قسوة.

–  إن فهم مرض الاكتئاب ليس حكرًا على الأطباء.. هناك العديد من الأدباء المبدعين استطاعوا أن يصفوا بعمق خلجات النفس المكتئبة.

– العجيب أن حياة الإنسان تبدأ بالبكاء وتنتهي أيضًا بالبكاء.. فهل البكاء الذي يُشخص العصر الحديث معظم دوافعه إلى الاكتئاب قدر محتوم كُتب على الإنسان عند المولد والممات.

– قد تطول قائمة التساؤلات حول هذه الظاهرة المضنية التي يرى الخبراء أنها مرض فتاك ولكنني أكتفي بهذه القدر آملا أنني سألمس أهم جوانبها.

يبدأ المرض بفقدان الاهتمام وفقدان الرغبة في ممارسة الحياة، فتصبح الألوان باهتة وتفقد الأشياء طعمها. ثم يستعمر الحزن مدركات المصاب.. حزن غريب في عمقه وحدته، رغبة في البكاء، تشاؤم، خوف، هواجس. يفتح المصاب عينيه في ظلمات الليل والكل نيام، إنها أسوأ لحظة ألـمًا، الجميع في سبات هادئ وهو يتخبط يمينا وشمالا.. وللأعراض بقية حيث يضعف التركيز والشهية للطعام. ويبدأ في الانعزال التدريجي حتى يصل إلى المرحلة الحرجة حين يقول إن الحياة لا تستحق أن نحياها. ثم يقول: أنا لا أستحق الحياة.. وتراوده فكرة الخلاص..

وقد يلبس الاكتئاب قناعًا حيث إنه يختفي وراء آلام الجسد: المعدة، القلب، الظهر أو أي جزء من الجسم يتولى التعبير عن الاكتئاب. ويظل المريض حائرًا تائهًا لشهور عدة حتى إن الاكتئاب لا يريد أن يفصح عن نفسه.

وقد يسمع مريض الاكتئاب أصواتًا غير حقيقية مصدرها نفسه المضطربة. إنها أصوات تؤنبه وتحقره. وقد يصاب بالهذيان والضلالات كأن يعتقد بأنه مصاب بمرض خبيث أو أن جزءًا من جسده – مثل القلب – قد توقف عن العمل. أعراض غريبة مؤلمة لا يعرف كم هي معذبة ومهلكة إلا من عاشها وعانى منها،  أعراض يجب ألا نأخذها باستخفاف.

ومرض الاكتئاب العقلي أكثر انتشارا  لدى الرجال، وهناك نوع آخر من الاكتئاب يطلق عليه “اكتئاب سن اليأس” ونسبته ترتفع في النساء عن الرجال، وعادة يبدأ بعد سن الخمسين أي في الفـترة التي يبدأ فيها هبوط نشاط الغدد الجنسية.

وهناك اتجاه لإنكار علاقة هذا النوع من الاكتئاب بالتغيرات الهرمونية التي تحدث في هذه السن، وأن هذا الاكتئاب يحدث نتيجة لظروف نفسية وبيئية كفقدان الزوج، أو زواج الأبناء، أو الإحالة للمعاش بالنسبة للرجال.

أما “الاكتئاب التفاعلي” فإنه مختلف تمامًا… فهو مرض نفسي يدرك المريض أبعاده، ويحدث نتيجة لمؤثرات خارجية، تدفع الإنسان إلى الإحساس بالحزن، دون أن يصاحب ذلك أي أعراض جسدية، كما لا يصاحبه أي ميول انتحاري، بل على العكس فإن المريض يسعى بنفسه إلى الطبيب طلبًا للعلاج.

كما أن هناك نوعية معينة من الشخصيات تكون عرضة أكثر للإصابة بهذا المرض، وهذه الشخصـيات تعرف باسـم “الشخصيات الدورية” والتي يكون صاحبها من الناحية الجسمية بدينًا، ويميل من الناحية النفسية إلى الانبساط، ويعرف بين أصدقائه بأنه “طيب وقلبه أبيض” ولكن تنتابه فترات من هـبوط المعنـويات، والميل إلى العزلة وفقـدان الاهـتمام.

ويُعتبر إدخال الفرح والسرور على المصاب بالاكتئاب أنجع وسيلة للتخلص منه. إن الفرح الذي يأتي بعد حزن طويل تكون له حلاوة قطرات الماء التي تهبط على لسان شققه الجفاف. ولهذا يجب أن لا ييأس المكتئب حيث إنه أقدر الناس على الإحساس بمعنى الفرح والأمل والجمال. بل إنه قادر على الإحساس بكل نعم الخالق في الكون وهو من أحسن المؤهلين للتحدث عن معنى الحياة. إنها تجربة مضنية تُكسب المصاب خاصية النحل الذي يرتشف رحيق الزهور.. تجعل له خاصية جذور النباتات التي تمتد في باطن الأرض لتمتص كل العناصر الطيبة اللازمة لاستمرار ونمو وازدهار الحياة. وتُنتج عسلا فيه شفاء للناس.

إن تجربة الاكتئاب هي أعظم وأهول تجربة يمر بها الإنسان وأجد نفسي في مأزق.. هل أحسد مريض الاكتئاب أم أشفق عليه من هول التجربة ؟… لعلي أحمل له في قلبي كلا الإحساسين المتناقضين.. الحسد والإشفاق.. أحسده لأنه اقترب من فهم معنى الحياة.. ولكن لا أملك نفسي من الإشفاق، لأن مريض الاكتئاب يتحمل ما لا يتحمله أي إنسان آخر.

وأجد نفسي أمام الأمر الواقع وأقول: لو كان الاكتئاب رجلاً لقتلتـه.

مساهمة الصديق

م.ع.ع (تونس)

Share via
تابعونا على الفايس بوك