التجديد لإنقاذ الجيل الجديد..!!

التجديد لإنقاذ الجيل الجديد..!!

جمال أغزول

يشهد عصرنا تحولات جبّارة على جميع الأصعدة وفي مختلف الميادين الفكرية والعلـمية والسيـاسية. وإلى جانب هذا التطور السريع تزداد حيرة الجيل الجديد في العالم الإسلامي مما يستجد من  ثورات  معرفية جبارة التي أضحت قوتها وبراهينها المستندة على العقل والبراهين المنطقية والتحليل العلمي الهادئ  بما يتناقض ما اعتاد كثير من شبابنا  سماعه عن الآباء من تفكير  تقليدي وشروحات لمواضيع  دينية وثقافية عديدة، مزجت بين ما هو  نص مقدس وبين تفسيره تفسيرا خرافيا لا علاقة له بالمنطق والمعطيات التاريخية!!

إن  أدبيات الفكر التقليدي  أشد خطرا على شباب الأمة المسلمة،  لأنها تحمل كثيرا من المتناقضات من مخلفات أزمنة الانحطاط التي  غلب عليها طابع  الخرافة، وضيق التفكير، وتخلف المعرفة، وبالتالي فلا حول ولا قوة لها أمام هذا الزمن الذي هزّه زلزال المعرفة التي تُخرج الأرض كل يوم أثقاله وعجائبه، وتكشف العديد من أسرار الحياة، ونواميس الطبيعة المذهلة الدالة على عظيم صُنع الله وخَلْقِه. ورحم الله علماءنا الكـرام.. الذين اجتهـدوا فأخـطأوا، وجزاهم الله خيرا على قدر اجتهادهم وإخلاص نياتهم.

إن حاجة الجيل الجديد اليوم ماسة إلى مبادئ الشرح والتأويل والبحث والتحليل والمنطق والتعليل والتفصيل والتقوية والتدليل والنقد الجرئ للخرافة المتوارثة باسم الدين والحكم عليها بمنطق العلم والمعرفة الحديثة..

وشبان اليوم الذي حَظو بنصيب من الثقافة والدراسة والعلوم يجدون أنفسهم بين نقيضين خطيرين هما: دائرة  الشروحات الدينية التقليدية المتوارثة ودائرة  المعارف والعلوم الحديثة،  إذ يجدون أنفسهم أمام خيارين صعبين بحيث يستحيل أن يوفقوا بينهما على نحو قاسم مشترك إلا إذا ضحى بجانب على حساب الآخر، فالمعادلة صعبة  لأن دائرة الدين بحسب ما رسّخه المقلّدون عبر مختلـف الوسائل المكتوبـة والمسـموعة والمرئية لا ترى للعقل والمنطق والحقائق العلمية ذلك الاعتبار الواجب إلا بقدر يسير مما يُسمح به!! وكيف لا وسمة المدارس الدينية التقليدية كانت وما زالت القبول الأعمى لما هو متوارث من شروح وآراء واجتهادات! وكأن لها من القدسية ما يستوجب التقيّد بها  دون أي اعتبار  لمتغيرات الزمن  أو محاولة تقديم ما يتناسب ومعطيات العصر وحقائقه العلمية القطعية الثبوت.

لقد أوصلت الأزمة الفكرية التي عمّقتها المدارس الدينية التقليدية كثيرا من الشباب المسلم إلى حافة التهلكة بما نجم عن ذلك من أوجه الفساد المتـعدد..  كالتـطرّف الديني، والتخلّف المعرفي والبعد عن فحوى الدين، وفي واقع الأمر هذه كلها نتائج أزمة فكرية عمّقها سوء فهم للدين الإسلامي الحنيف الذي طالما ظلمه رجال الدين المقلّدون بآرائهم  المتحجرة التي لا تمتّ لحقائق الإسلام ومقاصده وبراهينه العقلية والمنطقية بصلة.. إن انحطاط المسلمين وذهاب عزتهم وكرامتهم ومقامهم بين الأمم إلى أيامنا هذه هو دليل غياب العقل والمنطق في منهج الفكر الإسلامي.. ولعل ما جاء في قصة من تراثنا العربي الإسلامي من حوار الملك والوزير فيه من العبر ما يفيدنا اليوم. يحكى أن ملكا سأل وزيره: ما خير ما يُرزقه المرء؟ قال: عقل يعيش به، قال: فإن عدِمَهُ، قال: أدب يتحلّى به، قال: فإن عدمه، قال: مال يستره، قال: فإن عدمه، قال: فصاعقة تحرقه وتريح منه العباد والبلاد!.  ولعل هذه القصة من تراث العرب كانت جد حكيمة وهي ولا شك تبرهن على زمن نهضة كانت الأمة تولي للعقل مقامه وأهميته باعتبار أنها جعلت العقل هو الخير كله، وذهابه فقدان النعم كلها!؟ وهذا صحيح أثبتته سنن التاريخ والأمم.. إذ أن الدمار والضلال هو نتاج انعدام العقل!!   وهو نتيجة حتمية للذي يغيّب خير ما رزقه الله وميزه  به عن الأنعام والجماد.. وهذا يعطي للأمة درسا وتحذيرا من أن  إقصاء العقل والحكمة من الدين سيجعل منه معتقدا غير ذي جدوى أو كشيء مبهم لا يكاد يبين، ولا يفرق بين الحق والباطل وبين الحقيقة والخرافة؟!.. إن حاجة الجيل الجديد اليوم ماسة إلى مبادئ الشرح والتأويل والبحث والتحليل والمنطق والتعليل والتفصـيل والتقـوية والتدليل والنقد الجرئ للخرافة المتوارثة باسم الدين والحكم عليـها بمنطق العلم والمعـرفة الحديثة..

إننا مطالبون اليوم بإنقاذ عقلية الشباب والنشأ الجديد وتحريرها من  قيود وأصفاد أقوال المشايخ التي  كبّلت عطاءات وإبداعات الشباب في إحاطته لفهم دينه فهما عقليا منطقيا تدعمه الحجة بالنص القرآني والمعرفة لا بالخرافة والأساطير التي هي كأعشاب طُفيلية ضارة حول حديقة  الفكر الإسلامي الطاهرة الجميلة النقية.  تلك الطفيليات ضغطت على معصم الأمة منذ أزمنة الانحطاط المظلمة البعيدة إلى أيامنا هذه. وروجت ما لا يقبله العقل من أساطير الجن الشبحي وكلام الحيوانات والحشرات وهلم جرا مما تحمله كثير من كتب التفسير الخرافي من فهم ضيق وهزيل..

وأمام هذا التحدي الذي يواجه الجيل الجديد، فإننا لسنا مطالبين فقط بأن نشحذ أقلامنا بالمداد، وإنما بأن نرفع أصواتنا أيضا محاورة للشباب البائس التائه .. وتقديم المساعدة الفكرية والروحية التي يزخر بها الفكر الإسلامي الأحمدي البديع المتكامل ….

لقد خلّد التاريخ  كما هو  عادته  المستمدة من سنن  الله فيه، إرادة الحرية والعلم والتفكير والإيمان في شخصيات عظيمة كسّرت القيد وتحررت من ربقة رجال الظلام والخرافة، كابن رشد والكندي وابن باجة وابن سينا والرازي والجاحظ والحلاّج وابن عربي وغيرهم الكثير، الذين تكبّدوا من الاضطهاد والتنـكيل والملاحـقة والتكفير  الأمر العظيم، إلا أنه بالرغم من  ذلك كله لم يفتّ من عضدهم أو ينغّص عليهم رؤيتهم العقلية والمنطقية في فهم الدين الحنيف أو يخدش حبهم لله. فقد ظلوا أمناء للحقيقة والمنهجية المنطقية، والمعرفة والسماحة، وحرية الرأي والمعتقد، منذ ريعان شبابهم إلى آخر رمق من حياتهم. فسطع نورهم ويقينهم وتضحيتهم بطريقة بهرت العقول.. واعترف بمكانتهم وقيمة إبداعاتهم أولوا الألباب مِمَن جاء بعدهم من الشرق والغرب بإعجـاب واستـحسان نتائجها الفائقة التي سطعت قيمتها في كل دور قامت به عقليا، أدبيا، معرفيا وروحيا..

إن أجيالنا اليوم حري بها أن تنحني إجلالا أمام العقليات الجبارة المؤمنة.. والمواهب التي منحها الله لمثل هؤلاء واستخدامهم إياها في ما يفيد علمه، من ثقافة واسعة، وعلم غزير، وأفكار رشيدة، وآراء سديدة، وعبقريات فذة.. وحيثما تحررت إرادة الشباب المسلم من هذا القيد تحررت الأمة من كبوتها، لأن شباب اليوم هم رجال الغد وهم أمل المستقبل و عماده.

وأمام هذا التحدي الذي يواجه الجيل الجديد، فإننا لسنا مطالبين فقط بأن نشحذ أقلامنا بالمداد، وإنما بأن نرفع أصواتنا أيضا محاورة للشباب البائس التائه بين الخيارين السابق ذكرهما وتقديم المساعدة الفكرية والروحية التي يزخر بها الفكر الإسلامي الأحمدي البديع المتكامل من كل النواحي للخروج بهم إلى حيث النور الذي هدانا الله إليه نور الإسلام الذي نفض خادم المصطفى سيدنا أحمد المهدي بأمر من الله ما عَلِق بها من غُبار وخزعبلات.. وأخيرا ندعو الله عز وجل أن يجنّب أبناء المصطفى الشبهة والضلالة والحيرة ويجعل بينهم وبين المعرفة نَسَبا، وبين الصـدق سببا، ويحبّب إليهم التثبيت، ويزيـن في أعينهم الإنصاف، ويذيقهم حلاوة التقوى. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك