شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت رضي الله عنه

شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت رضي الله عنه

جمال أغزول

منذ الزمن القديم الشعر سائر متداول بين العرب حيث إن اللغة العربي أقدم الألسنة نشأة وأدبا وبعد طلوع الإسلام ونزول القرآن صارت اللغة العربية أنيقة لرشيقة ذات قوة في البيان وأبعاد متناهية في البلاغة والفصاحة فغطت جميع جوانب العقائد والأخلاق .

وكان الشعراء قبل طهور الاسلام يتفاخرون حسبا ونسبا وشعرا ينظمون القصائد مدحا وذما ، ولما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم النبوة أخذوا يؤذونه بألسنتهم ، وأول من هجاه وأصحابه بقوارص الهجاء عبد الله بن الزبعري وعمرو بن العاص وأبو سفيان ، ثارت مباشرة بعد ذلك ثائرة الشعراء المسلمين وودوا لو يأذن لهم الرسول برد الهجاء عليهم  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”ماذا يمنع الذين نصروا الله ورسوله بأسلحتهم أن ينصروه بألسنتهم !”.

فقام من المسلمين نفر منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم فشنوا على شعراء الكفار حربا شعرية أعجزتهم وكبحت جماح ألسنتهم .

سنتناول في هذه السطور سيرة شاعر الإسلام حضرة حسان بن ثابت رضي الله عنه

اسمه حسان ويكنى بأبي الوليد ، ولد بالمدينة وأقام بهذه البلاد مدة طويلة ولكنه بالغ في مدح آل جفنة من ملوك غسان وكانوا يغدقون عليه العطايا ويمطرونه بالهدايا.

لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة دخل حسان الاسلام وترك مدائح الملوك وانقطع إلى مدح النبي صلى الله عليه وسلم . وحين آذى قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء قال النبي لأصحابه : ” ماذا يمنع الذين نصروا الله ورسوله بأسلحتهم أن ينصروه بألسنتهم .”

قال حسان : أنا أهجوهم بهجائهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : كيف تهجوهم وأنا منهم حسبا ونسبا؟ فقال يا رسول الله : أنا أسلك منهم كما تسل الشعرة من العجين فقال النبي اهجهم وجبريل معك ” ) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق )

فبعد ذلك جعل حسان رضي الله عنه يهجو قريش مكة وشعراءهم حتى أبكمهم ووقعت كلماته منهم مواقع السهام في دجى الليل ، فاشتهر بذلك ذكره وارتفع قدره وعاش ما عاش موفور الكرامة مكفى الحاجات من بيت المال حتى توفي سنة45 للهجرة بالغا من عمره مائة وعشرين سنة.

ومن بعض أشعاره الهجائية :

ألا أبلغ أبا سفيان عني

مغلغلة فقد برح الخفاء

.

فإن سيوفنا تركتك عبدا

وعبد الدار سادتها الإماء

.

هجوت محمدا فأجبت عنه

وعند الله في ذلك الجزاء

.

أتهجوه ولست له بكفء ؟

فشركما لخيركما الفداء

.

لنا في كل يوم من معد

سباب أو قتال أو هجاء

.

لساني صارم لا عيب فيه

وبحري لا تكدره الدلاء

.

فإن أبي ووالده وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء

هذه الأبيات تدل على حسن القول وقائله لأنه تمسك بالأخلاق في الهجاء والمفاخرة بل هو يقول بتحد تام ولكنه لم يتفوه بحرف أو كلمة يدفع أذهاننا إلى هجاء الجاهلية كما نقرأ ونرى في دواوينها .

كان حضرة حسان بن ثابت شاعرا نبيلا ذا لسان عذب وكأنما زاد الله فيه زيادة ظاهرة فكان إذا أرسل لسانه لم يجدوا له دفعا وإذا مسهم بالضر لم يجد شعراؤهم نفعا .

قد ذكر في التاريخ أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم وفد تميم بشاعرهم الأقرع بن حابس وخطيبهم عطارد بن حاجب ينادون من وراء الحجرات : يا محمد أخرج إلينا نفاخرك ونشاعرك فإن مدحنا زين وذمنا شين .

رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل خطيبه ثابت بن قيس وبشعرائه حسان وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم فأفحموا الشعراء والخطباء بالرد عليهم مؤيدين من الله في الدفاع عن نبيه ، ولما انقطعت المساجلة اعترف الأقرع بن حابس بالهزيمة واستسلم للأمر الواقع قائلا : ” إن هذا الرجل ( يعني الرسول عليه السلام ) لخطيبه أخطب من خطيبنا ولشاعره ” حسان ” أشعر من شاعرنا وأصواتهم أعلى من أصواتنا ” وتأثر القوم بعد هذا الإعلان وأسلموا جميعا.

لما تغيرت الأحوال ودخل الناس في الإسلام أفواجا ترك حضرة حسان بن ثابت الهجاء ووقف شعره على المدائح النبوية ، وكان في الجاهلية شاعر أهل دمشق والحيرة وغيرها من البلاد ، وبعد الإسلام صار شاعر النبي صلى الله عليه وسلم .

وما أعظم شأن قوله حين توفي خير خلق الله سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو شعره الذي يضرب به المثل :

كنت السواد لناظري

فعمي علي الناظر

.

من شاء بعدك فليمت

فعليك كنت احاذر

 

ولا يفوتنا في هذا المقام ذكر معنى ما قاله بكل حسرة وتمني مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدنا الإمام المهدي عليه السلام بخصوص شعر حضرة حسان هذا : “تمنيت أن أكون أنا قائل هذه الأبيات ” .

كان أسلوب أشعاره في الفخر والحماسة والمدح والهجاء ردا على أعداء الإسلام قويا دامغا نذكر منها مقتطفا أنشده في معركته الشهيرة مع بني تميم :

إن الذوائب من فهر وإخوتهم

قد بينوا سنة للناس تتبع

.

قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم

أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا

.

سجية تلك فيهم غير محدثة

إن الخلائق فاعلم شرها البدع

.

إن كان في الناس سباقون بعدهم

فكل سبق لأدنى سبقهم تبع

.

لا يفخرون إذا نالوا عدوهم

وإن أصيبوا فلا خور ولا جزع

 

وأيضا يقول وقد ذكر في أشعاره النبي صلى الله عليه وسلم وذكر مقامه بمكة وبالمدينة:

ثوى في قريش بضع عشرة حجة

يذكر لو يلقى حبيبا مواتيا

.

ويعرض في أهل المواسم نفسه

فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا

.

فلما أتانا واطمأنت به النوى

فأصبح مسرورا بطيبة راضيا

اللهم انصر من نصر دين خير خلقك شفيع الورى سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم واجعلنا منهم آمين

Share via
تابعونا على الفايس بوك