جزاء الصائم.. الفوز برضى الله عز وجل
التاريخ: 2003-10-24

جزاء الصائم.. الفوز برضى الله عز وجل

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)

ملخص خطبة الجمعة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين حضرة مرزا مسرور أحمد الخليفة الخامس لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام

بتاريخ 27 شعبان 1424 هـ الموافق 24 أكتوبر 2003م بمسجد الفضل بلندن

“تنشر أسرة التقوى ترجمة هذه الخطبة على مسؤوليتها”

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بسم الله الرحمن الرحيم* الحمد لله رب العالمين* الرحمن الرحيم* مالك يوم الدين* إياك نعبد وإياك نستعين* اهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين). آمين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 184-185)

بعد أيام فليلة -إن شاء الله تعالى- سيبدأ الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك الذي يأتي ببركات كثيرة للمؤمنين الذين يسلكون سبل التقوى. ندعو الله تعالى أن نحظى ببركات هذا الشهر الكريم.

الآيات التي تلوتها آنفاً يوضح الله تعالى فيها أن الصيام قد فُرض على المؤمنين كما فُرض على الأمم السابقة، والغرض من الصيام هو التقوى. وأيام الصيام معدودة، ومن كان يعاني المرض أو كان مسافراً فليصم في أيام أخرى والذين يشق عليهم الصوم فعليهم أن يؤدوا فدية الفطر، والصيام خيرٌ لكم.

إن الخطاب في:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)

موجه إلى المؤمنين، فمن هم هؤلاء المؤمنون الذين يخاطبهم الله تعالى؟

يقول سيدنا المسيح الموعود :

“المؤمنون هم أولئك الذين تشهد أعمالهم على إيمانهم، والذين قد كُتب في قلوبهم الإيمان، والذين يقدمون الله تعالى ورضاه على كل شيء، ويسلكون لله عز وجل السبل الدقيقة للتقوى، وينمحون في حب الله سبحانه وتعالى، وإنهم يُبعدون أنفسهم من كل ما يعرقل سبيلهم تجاه الله سبحانه وتعالى من حالة أخلاقية أو أعمال سيئة أو الغفلة والكسل.”

وهكذا وضّح حضرته أن الفوز بهذه المكانة.. أي أن يكون الإنسان مؤمناً حقاً.. ليس بالأمر السهل ولا ينال الإنسان هذا إلا بسلوكه سبل التقوى الدقيقة. ولكن ما هي تلك السبل الدقيقة للتقوى يا ترى؟

فإن لم تصوموا فستعترض عليكم هذه الأمم: تدّعون أنكم أكثر الأمم روحانية، ولكن ليس فيكم التقوى التي كانت في الأمم السابقة؟..

يقول المسيح الموعود ما معناه: إنكم ستحظون بهذه السبل إذا تخليتم عن رغباتكم ويكون كل عملكم لرضى الله سبحانه وتعالى، فتمنعكم طاعتكم لله سبحانه وتعالى عن شيء ولو كان حلالاً، فمثلاً يصوم الإنسان ويترك الطعام الحلال بإرادته طاعة لله سبحانه وتعالى، ويجب في هذا الشهر الكريم أن يدع الكسل ويستعد لينال البركات ورضى الله تعالى بالإكثار من الصلاة والنوافل وتلاوة القرآن الكريم. ينبغي أن يكمل كل واحد منكم دوراً واحداً لتلاوة القرآن على الأقل في شهر رمضان. فإذا تكاسلتم في هذه الأمور فليس صيامكم الصيام الذي يكون لله سبحانه وتعالى. لقد جاء في الحديث الشريف أن الله تعالى لا يريد من الإنسان أن يجوع ويعطش فقط في الصيام فالجوع والعطش فقط ليسا بشيء في حد ذاتهما. فالذين يقومون بهذه الأعمال بصورة ظاهرية فقط دون أن تُحدث فيهم أي تغير حسن فليسوا بالمؤمنين الحقيقيين. بعض الناس يتكاسلون عن فعل الخيرات ويحبون راحتهم ولا يبذلون الجهد في سبيل الله فهؤلاء ليسوا بالمؤمنين الذين يخاطبهم الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات.

هذا الشهر الكريم فرصة عظيمة للسير في سبل التقوى وهذا لا يمكن بدون بذل الجهد في الصلاة وتلاوة القرآن تقرباً لله سبحانه وتعالى مما ينشأ صرح التقوى في قلب الإنسان.

ويقول حضرته: من سبل ترقي الإنسان في مدارج التقوى الصيامُ ولهذا قد فرضه الله سبحانه وتعالى على الأمم السابقة أيضاً. ولقد أمركم الله سبحانه وتعالى بالصوم بشكل واضح لتنالوا رضاه سبحانه وتعالى، وإذا كان جزاء الصائم هو الفوز برضى الله سبحانه وتعالى فحري بكم أن تؤدوا حق الصيام. جاء في الحديث الشريف: أن رسول الله قال: “من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه.”

ويقول سيدنا الإمام المهدي عليه السلام ما معناه: لو عرفتم الفضائل التي يكتنفها رمضان لتمنيتم ان تصوموا الدهر. ولكن هناك شروطاً للصيام وضحها رسول الله في الحديث السابق حتى يكون صياماً حقيقياً فقال: “من قام رمضان إيماناً واحتساباً”. أي الصيام القائم على الإيمان ومحاسبة النفس. ينبغي على كل إنسان أن يحاسب نفسه في هذا الشهر خاصة ويرى ما هي السيئات التي يقترفها وعليه أن يتجنبها ويتركها، وما هي الحسنات التي لا يقوم بها بل عليه القيام بها. لو حاول كل واحد أن يقوم ببعض الحسنات ويترك بعض السيئات ويستمر على هذا المنوال، فيكون قد استفاد من إحدى بركات رمضان الكبرى.

ورد في الحديث الشريف عن عمرو بن تميم عن أبيه أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله : “أظلَّكم شهرُكم هذا لَمَحلُوفُ رسولِ اللهِ ما مرَّ بالمؤمنين شهرٌ خيرٌ لهم منه ولا بالمنافقين شهرٌ لهم منه. إن الله عز وجل لَيَكتب أجره ونوافله من قبل أن يدخله ويكتب إصره وشقاءه من قبل أن يدخله وذلك أن المؤمن يُعِدَّ فيه القوة للعبادة من النفقة ويعد المنافقُ اتباع غفلةِ الناسِ واتباعَ عوراتهم فهو غُنْمٌ للمؤمن يغتنمُهُ الفاجِرُ.” (مسند أحمد بن حنبل، مسند أبي هريرة)

أي أن المؤمن ينفق فيه الوقت للعبادة والتضحية المالية بسخاء، وكان رسول الله أجود الناس وكان في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة.

يقول المصلح الموعود : إن فضائل الصوم ومنافعه ذُكرت في قوله تعالى: (لعلكم تتقون).. حيث قيل إننا فرضنا عليكم الصيام كي تنجوا وتحتموا.

ويمكن فهم قوله تعالى: (لعلكم تتقون) بعدة طرق، منها مثلاً: لقد فرضنا عليكم الصيام حتى تتقوا لوم الأمم الأخرى التي كانت تصوم وتحملت مشقة الجوع والعطش وشدة الطقس إرضاء لله تعالى. فإن لم تصوموا فستعترض عليكم هذه الأمم: تدّعون أنكم أكثر الأمم روحانية، ولكن ليس فيكم التقوى التي كانت في الأمم السابقة؟..

ثم يشير قوله تعالى (لعلكم تتقون) إلى أن الله يصير حافظاً للصائم وحامياً له، لأن الاتقاء هو اتخاذ الشيء جُنّة وذريعة للنجاة واتخاذه وقاية. فمعنى الآية: إننا فرضنا عليكم الصيام حتى تتخذوا الله جنة تقيكم من الشرور، وتحميكم من فوات الخير.. أما الصوم فلا شك أنه أمر ديني روحاني، ولكن نظراً لما له من تأثير على صحة الإنسان فيمكن أن يُعد أمراً دنيوياً أيضاً. واتقاء الصائمين يعني أن يتقوا من الشرور الدينية والدنيوية، فلا تضيع منهم الخيرات والبركات الدينية، وألا يصابوا بضرر صحي. فالصوم أحياناً يحمي من العديد من الأمراض.. لقد رأيت بنفسي أننا لو صمنا في رمضان في حالة صحية جيدة فلا شك أننا نشعر بشيء من التعب والمشقة من الصيام، ولكننا بعد انقضائه نشعر بتجدد قوتنا مع نشاط وانتعاش. هذه فائدة مادية في الصيام تتعلق بصحة الجسم. وهناك منفعة روحانية، وهي أن الذين يصومون ويتحملون التعب والمشقة لوجه الله فإنهم يحظون بحماية الله من عقوبة ذنوبهم. لذلك ذكر الله بعد الصيام موضوع استجابة الدعاء وقال: إنني قريب من عبادي وأجيب دعواتهم. فالصوم يجذب فضل الله، والصائم يجعل اللهَ وقايةً له تحميه من كل الأذى والشرور.”

ثم يقول حضرته : “من معاني قوله تعالى (لعلكم تتقون) أن الصائم يتقي بصومه من السيئات والذنوب. فبانقطاعه عن الدنيا تزداد نظرته الروحانية حِدّة، ويطلع على عيوب لم يكن يبصرها من قبل.

وكذلك يتقي الصائم من الذنوب بإمساك لسانه كما قال المصطفى : “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” (البخاري، كتاب الصوم).. أي لا يعني الصوم أن يمتنع الإنسان طول نهاره عن الطعام والشراب فقط، بل عليه أن يحمي فمه من كل ما يضر روحانيته، فلا يكذب ولا يسب ولا يغتاب ولا يختصم. الأمر بحفظ اللسان عام، ويجب العمل به دوماً، ولكن الصائم يحفظ لسانه بصفة خاصة وإلا يفسد صومه. وإذا تعوّد الإنسان على حفظ اللسان لشهر كامل تمكّن من حفظ نفسه في سائر الشهور أيضاً. وهكذا فإن الصوم يحميه من الذنوب على الدوام.

وهناك منفعة أخرى للصيام.. وهي أنه يثبّت قدم الإنسان على التقوى، ويتيح له نوال المدارج الروحانية العليا. فليس الأثرياء وحدهم الذين يتقربون إلى الله بالصيام، بل إن الفقراء أيضاً يشعرون في الصيام بانقلاب روحاني في نفوسهم، ويحظون بمتعة وصال الله تعالى. إن الفقراء الذين يعيشون طول السنة في ضيق، ويذوقون الجوع مرة بعد أخرى.. نبههم الله برمضان أن بوسعهم استغلال هذا الجوع لكسب الثوابُ. والثواب على الجوع من أجل الله عظيم.. حتى ورد في الحديث أن الله يقول: “الصوم لي وأنا أُجزَى به”. أي أن لكل حسنة أجراً مختلفاً، أما الصوم فأنا الجزاءُ للصائم. وإذا فاز الإنسان بالله.. فماذا يريد بعد ذلك؟ فبالصيام يعلّم الله الفقراء أنهم إذا صبروا على هذه الشدة والضيق ولم يشكوا الله -كما يفعل بعض الجهلاء ويقولون: ماذا أعطانا الله حتى نصوم ونصلي؟ – كُتب هذا الجوع حسنة في صحيفة أعمالهم، وسوف يكون الله هو جزاء لها. فقد جعل الله الصيام سكينة للفقراء حتى لا ييأسوا ويقولوا: ما جدوى هذه الحياة مع الفقر والجوع؟ بل أخبرهم الله تعالى أنهم لو عاشوا بالفقر والجوع ابتغاء وجه الله فإن هذا الجوع يشرّفهم بلقاء الله”.

ثم يقول الله تعالى:

(أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)

هنا يبين الله تعالى أن الصيام محدد ومعدود وهو صيام هذا الشهر الكريم ولكن من كان يعاني المرض أو كان مسافراً فليفطر ثم يعوض فيما بعد ما فاته عند القدرة على ذلك.

هناك من يقول أنني أتحمل الصيام في السفر أو أتحمل الصيام وأنا مريض، فليعلم من يقول هذا أن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود يقول: “من التقوى أيضاً أن نعمل برخص القرآن. لقد رخص الله للمسافر والمريض بأن يصوما في أيام أخر، لذلك يجب أن يُعمل بحسب هذا الأمر أيضاً. لقد قرأت أن معظم الأسلاف يرون أنه إذا صام أحد في السفر والمرض فإنه يرتكب معصية، لأن الغاية المتوخاة من الصوم هي نوال رضى الله وليس إشباع رغبات النفس، ورضى الله يكمن في طاعته. فيجب على الإنسان طاعته في كل ما يأمر به عز وجل، وألا يؤوّل أمرَه بتأويلات من عند نفسه. وأمر الله هو: (من كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) ولم يحدد نوعية السفر أو المرض.

إنني لا أصوم في المرض أو السفر. واليوم أيضاً لست بصحة جيدة لذلك فلم أصم.” (جريدة الحكم ج 11 رقم 4 الصادرة في 21 يناير 1907م)

ثم يقول حضرته :

“من يصوم في حالة السفر والمرض فإنه يعصي أمر الله الواضح والصريح. لقد قال الله بصراحة بألا يصوم المريض والمسافر بل عليهما أن يصوما بعد الشفاء من المرض والانتهاء من السفر. فينبغي العمل بهذا الأمر الإلهي، لأن النجاة ترتبط بفضل الله وليس بوسع أحد أن ينال النجاة بقوة أعماله. فلم يحدد الله تعالى مدى السفر والمرض. بل الأمر عام، ويجب العمل به. فلو صام المريض والمسافر لَعُدّا من العصاة”. (جريدة البدر ج 6 رقم 42 عدد 17 أكتوبر 1907)

ثم يقول حضرته :

“لقد أسس الله الشرعَ على اليسر فالمريض أو المسافر الذي يجد سعة عليه أن يفطر ويدفع الفدية، والفدية هي إطعام مسكين.” (جريدة البدر ج 6 رقم 42 ص 7 عدد 17 أكتوبر 1907)

ويقول أيضاً:

“إن مسلكي هو ألا يعسر الإنسان على نفسه بحسب أحكام السفر وقصر الصلاة في كل ما يُعرف بالسفر حتى ولو كان فرسخين أو ثلاثة. وإنما الأعمال بالنيات. ففي بعض الأحيان نقطع مسافة فرسخين أو ثلاثة متنزهين مع الأصدقاء دون أن يشعر أحد بأننا على السفر. فإذا خرج أحد حاملاً أمتعته بنية السفر فهو على سفر. الشريعة ليست مبنية على الحرج. فما ترونه سفراً في العرف فهو سفر فيجب أن تُؤتَى رُخَصُ الله أيضاً كما تؤتى عزائمه، فإن الفروض من الله تعالى والرخص أيضاً منه”. (جريدة الحكم ج 5 رقم 6 عدد 17 فبراير 1901م)

ثم يقول حضرته : “..وقوله بألا يصوم المريض ولا المسافر يحتوي على أمر ليس فيه تخيير للشخص بحيث يصوم من يشاء ويفطر من يشاء. وبرأيي يجب على المسافر ألا يصوم، ولكن بما أن كثيراً من الناس يصومون في السفر لذا فلا حرج لو صام أحد عاملاً بالعرف السائد ولكن في هذه الحالة أيضاً يجب مراعاة قوله تعالى: (فعدة من أيام أخر). ومن يصوم في حالة المرض أو السفر ويتحمل المشقة فكأنه يريد أن يرضي الله بقوة عمله وليس بطاعته لله. إن الطاعة في الأوامر والنواهي هي الإيمان الحقيقي.” (جريدة الحكم ج 2 رقم 3 عدد 31 يناير 1899م)

وجاء في الحديث عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله في سفر فرأى زِحاماً ورجلاً قد ظُلِّل عليه فقال: “ما هذا؟” فقالوا: صائم. فقال: “ليس من البر الصوم في السفر.” (صحيح البخاري، كتاب الصوم)

وهناك حديث آخر في هذا الصدد عن ابن عمر أن رجلاً سأل النبي عن الصوم في شهر رمضان في السفر، فقال له رسول الله : أفطر، قال: إني أقوى على الصوم يا رسول الله، فقال له النبي : أنت أقوى أم الله؟ إن الله تعالى تصدق بإفطار الصائم على مرضى أمتي ومسافريهم، أفيحب أحدكم أن يتصدق على أحد بصدقة ثم يظل يردها عليه. (كنز العمال، صوم المسافر، رقم الحديث 24384) وعلى النقيض من ذلك هناك من يفطر ويقول إنني مريض وكل ما في الأمر أن الصيام يجعله يشعر بالتعب ولهذا يُرخص لنفسه رخصة لا يستحقها ويلجأ إلى أعذار واهية ولا يسلك سبل التقوى.

أما الفدية فيقول المسيح الموعود بهذا الصدد: “في إحدى المرات خطر ببالي سؤال عن حكمة الأمر الإلهي بأداء الفدية، فعلمتُ أن هذه الفدية هي أن يوفَّق صاحبُها للقيام بالصيام، لأن الله تعالى هو الموفِّق لكل شيء، فلنطلب كل شيء منه وحده. إنه القادر تمام القدرة على أن يوفق المسلول أيضاً للصيام إذا أراد ذلك. لذا فالأنسب للذي هو محروم من الصيام أن يدعو الله تعالى قائلاً: إلهي، إن شهرك هذا شهر مبارك، وأنا لا أزال محروماً من بركاته، ولا أدري هل سأكون حياً في العام القادم أم لا، أو هل أقدر على أن أصوم الأيام الفائتة، وهكذا يسأل الله عز وجل التوفيق. وإنني على يقين أن الله تعالى سوف يوفق شخصاً كهذا.” (الفتاوى الأحمدية ص 175)

هناك من يفطر ويقول إنني مريض وكل ما في الأمر أن الصيام يجعله يشعر بالتعب ولهذا يُرخص لنفسه رخصة لا يستحقها ويلجأ إلى أعذار واهية ولا يسلك سبل التقوى.

هناك بعض الأمور المتعلقة بالصيام أود أن أذكرها: بعض الناس بسبب الكسل لا يصومون وهناك من لا يصومون لسنوات ثم يكتشفون أن عليهم أداء الكثير لتعويض ما فاتهم، فماذا يفعلون عندئذ؟ إن شخصاً من أمثال هؤلاء قد حضر للمسيح الموعود وسأله قائلاً: إنني لم أصم قبل ذلك أبداً فما هي الفدية لذلك؟ فقال حضرته: “لا يكلف الله نفساً إلا وسعها. فعليك أن تؤدي الفدية عما مضى بحسب وسعك وتعاهد الله تعالى أن تصوم في المستقبل.” (جريدة البدر ج 1 رقم 12 عدد 16 يناير 1903)

عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله يقول: “من صام رمضان وعرف حدوده كفر ما قبله.” (فتح الباري، شرح صحيح البخاري، للإمام ابن حجر العسقلاني كتاب الصوم باب الصوم كفارة)

هناك من الناس من لا يتسحرون بسبب العادة أو رياء للناس بأنهم يستطيعون أن يصوموا بدون أن يأكلوا ويشربوا شيئاً، فعليهم أن يسمعوا هذا الحديث، عن أنس بن مالك قال قال النبي : “تسحروا فإن في السحور بركة.” (صحيح البخاري، كتاب الصوم)

وإذا كان الإنسان يأكل أو يشرب وأدركه الفجر فعليه أن يكمل ما تبقى في يده من أكل أو شرب عملاً بالحديث الشريف عن يونس عن الحسن عن النبي قال: “إذا سمع أحدكم الأذان والإناء على يده فلا يدعه حتى يقضي منه”. (مسند أحمد بن حنبل، مسند أبي هريرة ) وبالنسبة لتعجيل الفطور إليكم هذا الحديث الشريف، عن عمارة بن عمير عن أبي عطية قال دخلت أنا ومسروق على عائشة رضي الله عنها فقلنا يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب محمد أحدهما يُعجِّل الإفطار ويعجل الصلاة؟ والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة. قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة قال قلنا عبد الله (يعني ابن مسعود) قالت: كذلك كان يصنع رسول الله .” (سنن أبي داؤد، كتاب الصيام)

في بعض الأحيان ينسى الإنسان أثناء الصوم ويأكل أو يشرب. فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة عن النبي قال: “إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه.” (صحيح البخاري، كتاب الصوم) سُئل المسيح الموعود هل يجوز أن ينظر المرء نفسه في المرآة أثناء صومه؟ فقال: جائز. وسئل هل يجوز أن يدهن الصائم شعره ولحيته بالزيت؟ فقال: جائز. وسئل هل يمكن له استخدام العطر؟ فقال: يجوز. وسئل هل يمكن أن يكتحل المرء وهو صائم؟ فقال: مكروه. ولا داعي له وقت النهار بل يمكنه أن يستخدمه بالليل. وسئل أن الصيام يأتي أحياناً في أوقات يكون العمل كثيراً على الفلاحين والحر يكون شديداً، فما العمل؟ فقال حضرته: إنما الأعمال بالنيات، وهؤلاء العاملون أدرى بأحوالهم ولكن يجب على كل واحد منهم أن يفكر بصدق وتقوى، فالذي يقدر على أن يستأجر أحداً على العمل فليفعل وإلا فهو في حكم المريض، ويصوم في أيام أخرى عند السهولة. يقول سيدنا المسيح الموعود والإمام المهدي : “إن الذي يفرح قلبه أن رمضان قد جاء وكان ينتظره ليصوم، ولكنه بسبب مرضه لا يستطيع ذلك فإنه ليس محروماً من الصيام في السماء. هناك الكثير من الناس في هذا العالم الذين يبحثون عن الأعذار ويظنون أنهم كما يخدعون الدنيا يمكنهم أن يخدعوا الله تعالى أيضاً. الباحث عن الأعذار يختلق الأعذار من عند نفسه فيضفي عليها تكلفات أخرى ليعتبر أعذاره مقبولة ولكنها ليست مقبولة عند الله تعالى. إن الدوافع لإيجاد الأعذار كثيرة وبابها واسع جداً بحيث إذا أراد الإنسان أن يبحث عن الأعذار فلن يعجزه إيجاد عذر يبرر صلاته قاعداً طوال حياته وبالتالي لن يصلي قائماً البتة، بل يبقى متمارضاً ليصلي قاعداً على الدوام، ولا يصوم رمضان إطلاقاً. ولكن الله تعالى أعلم بنيته وإرادته. من كان صادقاً ومخلصاً فالله تعالى يعلم أن في قلبه ألماً لذلك فسوف يثيبه حتى أكثر من ثواب الصائمين لأن تألم القلب شيء جدير بالتقدير. إن الباحثين عن الأعذار يلجئون للتأويلات ولكنها ليست بشيء يذكر عند الله تعالى. عندما صمتُ لستة أشهر متواصلة رأيت في الكشف طائفة من الأنبياء فقالوا لي لماذا أوقعت نفسك في المشقة إلى هذه الدرجة؟ فاخرج منها. كذلك الإنسان عندما يلقي بنفسه في المشقة من أجل الله تعالى. فالله تعالى يرحمه كالآباء والأمهات ويقول: لماذا تشق على نفسك.

أما هؤلاء فإنهم يحرمون أنفسهم من المشقة، فالله تعالى يلقيهم في مشقات أخرى ولا يخرجهم منها. أما الذين يلقون أنفسهم في المشقة من أجل الله تعالى، فالله تعالى بنفسه يخرجهم منها. على الإنسان أن يتصرف بشكل يشفق الله عليه، وذلك لأن شفقة الإنسان على نفسه جحيم، وشفقة الله تعالى عليه جنة.”

وفقنا الله تعالى أن نتمتع بفيوض وبركات شهر رمضان المبارك وأن يأتي رمضاننا هذا ببركات غير محدودة. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك