الأمانة .. نذر الإنسان جميع قواه لله سبحانه وتعالى
التاريخ: 2003-08-08

الأمانة .. نذر الإنسان جميع قواه لله سبحانه وتعالى

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)

 

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيم* صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين (آمين)

  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (النساء: 59).

يقول العلّامة فخر الدين الرازي في تفسير هذه الآية الكريمة: “إن الله تعالى ينصح المؤمنين أن يؤدوا الأمانات في كل الأمور، سوء كانت أمور الدين أو أمور الدنيا. إن معاملة الإنسان إِمَّا أن تكون مع الله تعالى أو مع خَلْقِهِ أو مع نفسه، وفي كل هذه المعاملات الثلاث لابد من أن يؤدي الأمانة. إن أمانة الإنسان مع ربه أن يعمل ما أمره الله تعالى أن يعمله وينتهي عمَّا نهاه عنه. أما الأمانة مع النفس فهي كبيرة فمثلًا أمانة الإنسان مع لسانه ألَّا يستخدمه في الكذب والسب والشتم. وأمانة العين ألَّا تنظر إلى المحرمات وأمانة الأذن ألَّا يستمع الإنسان للفُحش من القول وما نهينا عن سماعه.

أمَّا فيما يتعلق بأداء الأمانة للآخرين فهي متعددة الجوانب، فمثلًا يجب ألَّا يبخس الإنسان أموال الآخرين ولا ينشر عيوبهم وأن يحكم الحكام بالعدل بين رعاياهم. والمراد من أمانة العلماء مع العامة ألَّا يدفعوهم إلى التعصب الباطل بل يجب أن يهدوهم إلى سواء السبيل.”

أقول: إن علماء اليوم لا يستمعون لقولنا ونصحنا لهم، ولكنهم لو استمعوا وتدبروا هذا القول من العلّامة فخر الدين الرازي وعملوا بهذا النصح لساد السلام كل العالم.

ثم يقول العلّامة فخر الدين الرازي: “بالنسبة لأداء الأمانة من الإنسان تجاه نفسه فالمراد بها أن يحب الإنسان لنفسه ما ينفعها في دينها ودنياهم وكذلك لا بتّبع أهواءه فيعمل عملًا يضره في الآخرة. من أجل ذلك قال النبي ” “كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته”، ويقول الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا”، وهذا الأمر الإلهي يشمل كل الأمور التي ذكرتها.”

إن هذه الأمانة هي أن يطيع المحكوم الحاكم، فهذا معنى أداء الأمانة من قبل الرعايا للحكومة. أما أداء هذه الأمانة بصورة صحيحة من قبل الحكام والسؤولين فهو حماية الرعايا والمدنيين ومراعاة حقوقهم.

لو تفحصنا هذا الأمر جيدًا لأدركنا أن حياة الإنسان كلها من ناحية جميع تعاملاته تقريبا تدور حول هذه الأمانات الثلاثثة. غير أن الأمر الذي ذُكر في نهاية الآية أرى من الأنسب أن أشرحه أولا. يقول الله تعالى في نهاية الآية بأن ما آمُركم به إنه لأمر أساسي جدا، ولو ظللتم عاملين به لحالفكم الفوز والفلاح. وتذكّروا أن الله تعالى في نهاية الآية الكريمة يقول: “إن الله كان سميعًا بصيرًا”، أي أنه سبحانه وتعالى بعد أن أمركم بأداء الأمانة، فإنه سميع بصير ولا ينسى وسوف يراقب أعمالكم وينظر هل تُقصِّرون في أداء الأمانة التي أمَرَكم بها أم لا، وسوف يراقبكم رقابة شديدة ليرى هل تؤدونها حق أداءها أم تخونون أماناتكم. ومن يخون أماناته سوف يلقى نتائج هذه الخيانة ولا يلوم إلَّا نفسه. ولسوف يَحرِم الخائنُ نفسه من خيرٍ كثيرٍ حيث قد ينزع الله تعالى منه هذه الأمانة ويُحرم من شرف خدمة الله تعالى. لأن الله تعالى سوف يستجيب لدعاء المظلومين ولن يسمح لمن يخونون الأمانة أن ينالوا شرف خدمة خلق الله تعالى أو أن يظلموهم. فما هي تلك النصيحة الإلهية التي علينا العمل بها؟ إن هذه النصيحة هي أن نؤدي الأمانات إلى أهلها. وما هي هذه الأمانات التي فوّضها الله تعالى إلينا وأمرنا أن نؤديها لأهلها، الذين يستحقونها فعلًا؟.

يقول المصلح الموعود : إن هذه الأمانة هي أن يطيع المحكوم الحاكم، فهذا معنى أداء الأمانة من قبل الرعايا للحكومة. أما أداء هذه الأمانة بصورة صحيحة من قبل الحكام والسؤولين فهو حماية الرعايا والمدنيين ومراعاة حقوقهم.

المسئولون في جماعتنا على درجاتٍ مختلفة وعلى كل أحمدي بغض النظر عن مكانته أو وضعه أن يؤدّي الأمانات إلى أهلها ويحاول أن يفعل هذا على أفضل وجه. إن نظام الجماعة يتوقع من كل أحمدي سواءً كان مسئولًا أو غير مسئول أن يؤدي هذه الأمانة أداءً صحيحًا. ولسوف أوضح لكم بعض جوانب الأمانة المتعلقة بالجماعة وكيفية أدائها بالوجه الصحيح.

أولًا: أتحدث عن أفراد الجماعة الذين يقومون بانتخاب المسئولين لإدارة هذا النظام، أنتم تعرفون أنه قبل الإنتخاب في جماعتنا تُقرأ القواعد ثم يقومون بالدعاء ثم يُصوّتون لاختيار الشخص الأنسب لهذا العمل. على كل منتخب أن يراعي الأمانة ويختار من هو أتقى وأصلح وأنسب لهذه المهمة. يجب ألَّا يختار أحدٌ شخصًا لمنصب بسبب قرابته له أو لأنه من أصدقائه وهو غير مناسب لهذا المنصب، فإذا فعل أحد هذا يكون خائنًا للأمانة. يجب أن يكون أداء أمانة الإختيار بالمعايير التي ذكرتها من تقوى وصلاح ومقدرة حتى يبارك الله في الختياركم ويتولى أمورَ الجماعة الأأتقياءُ المتواضعون المناسبون لكل عملٍ ومثل هؤلاء هم الذين يحافظون على حقوقكم ويسيرون بنظام الجماعة على المنهج الصحيح.

هناك من أفراد الجماعة من يطلب بنفسه المناصب، فأورد بهذا الصدد سيدنا الخليفة الأول للمسيح الموعود عليه السلام حديث النبي بأن رجلين جاءا إلى النبي فقالا: أَمِّرْنا يا رسولَ الله فنحن أحق بذلك. فقال : “لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتَها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتَها عن غير مسألة أعنت عليها.” أي إن الذي نُوكل إليه منصبًا يؤيده الله أمَّا الذي يطلب المنصب بنفسه لا يؤيده الله. عملًا بهذا الهدي النبوي في جماعتنا فنحن لا نولّي المناصب من يطلبها. أيضًا على كل مسئول وعاملٍ في الجماعة أن يتذكر أ، أبسط الأمور المتعلقة بالجماعة أو بفردٍ من أفراد جماعته هي أمانة في يده ولا يحق له أن يفشي أمرها لأنه مؤتمنٌ على هذه الأمانة مهما صغر شأنها. إنها لمعصية أن نظهر عيوب أحد أمام الآخرين ولقد نهانا الله تعالى عن هذه الأعمال. بل في بعض الأحيان ينشر الناس شائعات لا أساس لها ولا صحة فيها وبعد الفحص نكتشف أن السبب هو نقل الأمور بصورة مشوهة للآخرين بحيث يصبح الفارق كبيرًا بين الحقيقة وبين ما أشاعه الناس. وهذا بالطبع يسبب الكثير من الألم والأذى لصاحب الشأن، خاصةً إذا كان ما أُشيع عنه كان باطلًا وبعيدًا عن الحقيقة. وحتى لو كان ما أُشيع صحيحًا فمع ذلك ليس من حق أحد أن ينشر عيوب الآخرين على الملأ.

ثانيًا: أتحدث عن أمانة المشورة. إذا طلب منكم أحد المسئولين المشورة فيجب أن تعطوها بأمانةٍ وصدقٍ، ولكن يجب ألّا تنشروا هذا بين الآخرين وتقولون أنه جاءني واستشارني لأن من ينشر مثل هذه الأمور فهو يخون الأمانة.

ثالثًا: أحدثكم عن أمانة المناصب في الجماعة، وعلى المسئولين في الجماعة أن يتذكروا الحديث الآتي جيدًا، فعَنْ أبي هريرة قال، قال رسول الله : “إذا ضُيِّعتِ الأمانةُ فانتظر الساعة. قال كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أُسنِدَ الأمرُ إلى غير أهله فانتظر الساعة.”

(البخاري، كتاب الرقاق)

وورد في المعجم الكبير للطبراني أن رسول الله قال: “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له، والذي نفس محمد بيده لا يستقيم دين عبد حتى يستقيم لسانه ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه… وأيما رجل أصاب مالا من غير حله وأنفق منه لم يبارك له فيه ، وإن تصدَّق لم تُقبل منه، وما بقي فزاده إلى النار، وإن الخبيث لا يكفر الخبيث، ولكن الطيب يكفر الطيب.” *

(كنز العمال للعلامة المتقي الهندي المجلد الثالث، الإكمال من الأمانة رقم الحديث 5503).

فتذكروا دائمًا – وخاصة المسئولين والعاملين في الجماعة – أن المنصب أيضًا عهدٌ، والخدمة أيضًا عهدٌ بين صاحب المنصب المؤدي للخدمة وبين ربه من ناحية وبينه وبين الناس من ناحية ثانية. فإذا أدرك كل مسئول هذه المسئولية كما يجب، وأدرك أن خدمة الدين ليست بالكلام بل بالقلب وبالعمل الصادق الجاد وأن خدمة الدين هي فضل من الله تعالى للإنسان فإذا قصّر في أداء هذه الأمانة فإن هذا الفضل وهذا الشرف سوف يُنزع منه. لو أدرك كل مسئول في الجماعة هذا الأمر بهذه الروح لزادت سرعة رقيّنا. يجب أن يفكر كل واحد منَّا أن الأمانة من الإيمان، فإذا لم يوف أحد بوعده كما يجب ولم يحفظ أمانته فلا دين له. ولكي يصلح الإنسان دينه لا بد من أن يُصلح لسانه ولا يمكن أن يُصلح لسانه ما لم يُصلح قلبه وهكذا تترابط حلقات إصلاح النفس وتنتظم معًا. فمن أجل خَلْقِ مجتمعٍ جميل لا بد من إصلاح كل هذه الأمور. ويجب أن يكون واضحًا للجيمع أن القول باللسان فقط أن قلبي صالحٌ لا يكفي، بل لا بد أن يدرك كل واحد منَّا دومًا أن الله تعالى أعلم بخفايا القلوب وما تكنه الصدور فهو السميع البصير. من أجل ذلك يجب أن نصحح كل قِبلةٍ لنا عندئذٍ سوف يرفقنا الله تعالى لخدمة الدين. هذه هي معايير التقوى التي لابد من المحافظة عليها وإذا فعلنا ذلك فسوف يستحكم نظام الجماعة ويستمر إن شاء الله تعالى. إن المسئولين الذين يؤدون خدمة الدين بكل تقوى وصدق لهم بِشارةٌ كبيرة في الحديث الشريف الآتي، فعَن أبي موسى الأشعري عن النبي قال: “إن الخازن (المستأمن على المال) المسلم الأمين – الذي ينفذ وربما قال يعطي ما أمر به فيعطيه كاملا مرفرًا طيبة به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به – أحد المتصدقين.” (مسلم، كتاب الزكاة)

وهكذا ترون كيف تتولد الحسنات من حسنةٍ واحدة. إن هذا الشخص قد وُفِقَ لخدمة الدين وخدمة الخلق وكذلك وُفِّقَ لأداء الأمانة بتنفيذ الأمر ونال ثوابٍ الصدقة كما حُفِظَ من البلايا أيضًا، وحظيَ برضا الله تعالى وما أعظمه من جزاء.

رابعًا: أحدثكم عن أمانة المجالس، في المجالس إذا أؤتمنتم وقيل لكم شيئًا، فلا تنشروا هذا القول خارج المجلس لأن هذا خيانة. وإذا رأيتم عيبًا في أحد في مجلسٍ فيجب ألّا تنشروا هذا العيب لأن هذه خيانة أيضًا. يجب أن تتذكروا دومًا أنكم إذا سمعتم شيئًا ضد النظام الجماعة أو ضد مسئولٍ في الجماعة في مجلسٍ من المجالس، فعليكم أن تنصحوا من يفعل ذلك ألّا يفعل هذا ولا تنشروا مثل هذه الأمور بينكم. وإذا وجدتم أنه لا سبيل لإصلاح مثل هذا الشخص الذي يفعل مثل هذه الأمور، فعليكم أن ترفعوا الأمر للمسئولين. ولكن للأسف يقع المسئولون أن نفسهم في هذا الخطأ، لا أدري هي يصبح بعض الرجال عصبيين بسبب الضغوط العصبية وكثرة الأعمال أم أن الرجال أيضًا تعوّدوا على أن يتكلموا في كل شئ كما تفعل النساء! لهذا رأينا بعض المسئولين الكبار أيضًا يتكلمون بكلامٍ يترك تأثيرًا سلبيًا على المستمعين وهكذا أحد المسئولين ينشر شيئًا معيبًا ضد مسئولٍ آخر وهكذا تصير فتنةً للناس لأن الضعفاء يتأثرون سلبيًا من مثل هذه الأمور ولو كانت بسيطة. والذين يتكلمون عن إخوانهم بهذه الطريقة الخاطئة عليهم أن ينتهوا عن هذا ويعلموا أن المنافقين ينتفعون من مثل هذه الأمور وهكذا يتضرر نظام الجماعة كله. فعلى الجميع ألّا يتكلموا بهذه الطريقة ولا يسلكوا هذا السبيل حتى ولو ظنوا أنهم يريدون الخير، وحتى لو كان على سبيل المزاح فيجب ألا يفعلوا هذا. يجب أن يحترم كل مسئول منصبه وأن يتحاشى والقوع في مثل هذه الأخطاء.

إن كل ما يقال في مجلسٍ هو أمانة وينبغي ألا يخرج من نطاق هذا المجلس، ولكن إذا كان ما قيل في هذا المجلس ضد نظام الجماعة فلكم الإذن والسماح برفعه للمسئول الأعلى إذا كان هناك خطر يهدد الجماعة. في هذه الحالة يُسمح برفع الأمر للمسئولين الكبار كما جاء في الحديث الشريف عن جابر ابن عبد الله عنهما قال قال رسول الله : “المجالس بالإمانة إلَّا ثلاثةَ مجالس؛ مجلسٌ يُسفك فيه دمٌ حرامٌ، ومجلسٌ يُستحلُّ فيه فرجٌ حرامٌ، ومجلسٌ يُستحَلُّ فيه مالٌ مِن غيرِ حقٍّ.” (مسند أحمد)

هذه هي المجالس الثلاث التي يجب ألّا يسكت الإنسان عما يحدث فيها، المجلس الذي يستباح فيه دمٌ بغير حق، والمجلس الذي تُستحل فيه معصية وآخرها المجلس الذي يتآمر فيه الناس ليبخسوا أموال الآخرين. على الإنسان ألّا يسكت عن مثل هذه المؤامرات والمكائد التي تضر بأحد ويجب أن توصل هذه الأمور للمسئولين فهذه هي الأمانة والسكوت عيها هو الخيانة. ونفس الشيء يقال إذا كان هناك من يتكلم ضد نظام الجماعة فيجب أن توصلوا هذا للمسئولين الكبار. وفي بعض الأحيان تكون هناك بعض الشكاوى ضد أحد من المسئولين وبعضها يكون بسبب سوء الظن أو بسبب الضغينة، في مثل هذه الحالات يجب أن تؤدوا الأمانة إلى أهلها، أي أن توصلوا هذا الكلام إلى المسئولين ليعالجوا هذه الأمور ولكن لا يحق لكم أبدًا أن تتكلوا في هذه الأمور هنا وهناك، مِن الأفضل أنكم إذا سمعتم شيئًا عن مسئول أن تبلغلوه هو أولًا حتى يصلح نفسه إذا كان ما قيل عنه صحيحًا. يجب أن يتحرى هؤلاء الصدق فيما يقولون حتى لا يتكلموا ضد أحد بدون حق فيقعوا في الكذب أو الغيبة. ويجب أن يتذكر المغتابون الحديث الشريف القائل بأن أظفارهم ستكون مِن نُحَاسٍ يَخمشُون بها وُجُوهَهُم وَصُدُورَهُم. وقانا الله تعالى من هذا المصير.

إن كل ما يقال في مجلسٍ هو أمانة وينبغي ألا يخرج من نطاق هذا المجلس، ولكن إذا كان ما قيل في هذا المجلس ضد نظام الجماعة فلكم الإذن والسماح برفعه للمسئول الأعلى إذا كان هناك خطر يهدد الجماعة.

يقول المسيح الموعوح عليه السلام ما تعريبه: “لا يمكن أن نكون صادقين إلَّا إذا رددنا إلى الله تعالى المنعم ما أعطانا إياه أو كنّا جاهزين لرد ذلك إليه . إن حياتنا أمانةٌ في يده تعالى الذي يأمرنا أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها”.

ثم يقول حضرته عليه السلام ما تعبيره: “يجب أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها لأن الله تعالى لا يختار  صِديقًا من يخون الأمانات.”

ثم قال ما تعريبه: “إن المؤمنين هم الذين يراعون أماناتهم وعهودهم ولا يُقصّرون من ناحية التقوى والحرص في أداء الأمانة والإيفاء بالعهد. وفي هذا إشارة إلى أن نفس الإنسان وقدراته وبصره وسمعه ولسانه وقوى جوارحه كلها أمانات الله تعالى التي أعطانا إياها، وهو على استردادها إذا يشاء قدير. فالمراد من رعاية كل هذه الأمانات هو أن تسخّروا في خدمة الله تعالى بالتقوى المتناهية النفسَ وجميع قواها والجسم وجميع قواه والجوارحَ وكأن هذه الأشياء ليست للإنسان بل تصير لله تعالى فعلًا، ولا تبقى له مرضاته بل تصير خاضعة خاضعة لمرضاة الله وتصبح كل حركة وسكون لأعضائه وجميع قواه موافقة لمرضاة الله تعالى. ولا يبقى له من إرادته شيء بل تعمل فيه إرادة الله وتكون نفس الإنسان في يد الله تعالى كما تكون الدمية في يد من يحركها أي كأنه لا يبقى للإنسان وجود بل الله تعالى يتصصرف كليةً في وجوده حتى به يبصر وبه ويسمع وبه يتكلم وبه يتحرك وبه يسكن، وتزول شوائب النفس الدقيقة كلها التي لا تراها العين ولا تبقى منه إلا الروح. فتحيط به الهيمنة الإلهية (أي يكون الإنسان في قبضة الله تعالى كليةً) ويتفانى كليةً ولا يكون له حكمٌ على وجوده بل يكون الحكم كله لله تعالى، وتنعدم الثورات النفسانية كلها، حتى تصبح كل أهوائه وكل إراداته وأمانيه لله تعالى، وتنهدم كل بنايات النفس الأمّارة وتصبح رمادًا ويُبني في القلب صرح مقدس من القدسية والطهارة بحيث يحل لله فيه وتسكنه روح الله. بعد عبور كل هذه المدارج من الكمال يُقال بأن الإنسان قد ردّ تلك الأمانات التي كان قد وهبها المنعم الحقيقي وعندها تنطبق على الإنسان: “والذين هم لأَماناتهم وعهدهم راعون” (المؤمنون: 9).

إن الخليفة لترسيخ نظام الجماعة يدعو الله تعالى دائمًا أن يجعله إمامًا للمتقين. فيجب أن تكونوا موردًا لهذا الدعاء من الخليفة ولا يمكن أن يُستجاب هذا الدعاء إلّا في الذين يُراعون عهودهم ويحفظون أماناتهم والذين هم أوفياء لربهم والذين هم المتقون.

ويقول حضرته عليه السلام ما تعريبه: “هناك حُسنان في خلق الإنسان أحدهما حسن المعاملة وهو ألا يفوت الإنسان – قدر المستطاع – شيء فيما يتعلق بأدائه لأمانات الله تعالى وعهوده وإلى ذلك تشير كلمة “راعون” في قوله تعالى. ونفس الشيء مطلوب من الإنسان بالنسبة إلى أمانات المخلوق وعهودهم أن يراعي التقوى في أداء حقوق الله وحقوق العباد. الأمر الذي يُعتبر حسن المعاملة أو بتعبير آخر هو “الحسن الروحاني”.

ويقول حضرته عليه السلام أيضا ما تعريبه: “إن الله تعالى قد سمّى التقوى لباسًا في القرآن الكريم، فإن كلمات “لباس التقوى” واردة في القرآن الكريم. وفيها إشارة إلى أن الجمال الروحاني والزينة الروحانية إنما تأتي بفضل التقوى وحدها، والتقوى تعني أن يراعي الإنسان – قدر المستطاع – جميع أمانات الله تعالى والعهود الإيمانية وكذلك أمانات الناس وعهودهم كافة، أي ينفذ حتى أدق جوانبها.”

وقال حضرته عليه السلام ما تعريبه: “الأمانة تعني جميع قوى الإنسان الكامل وعملًا بالآية الكريمة: “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها”، القُوى التي وهبها الله تعالى للإنسان يردها لله سبحانه وتعالى أي إنه يتفانى في الله تعالى وينذر جميع قواه في سبيله تعالى… وكانت هذه الميزة قد تجلّت بصورتها الأعلى والأكمل والأتم في شخص سيدنا ومولانا وهادينا النبي الأمي والصادق والمصدوق محمد المصطفى .”

فعليكم أن تدركوا أن الأمانة شيء هامٌ جدًا وكلما حاول المسئولون أن يفهموا معنى الأمانة كلما ازدادت تقواهم. وكلما كان المستوى عاليًا في أداء حقوق الله تعالى وحقوق العباد كلما كان سببًا لتقوية نظام الجماعة ونظام الخلافة وصلتكم بهذا النظام. إن الخليفة لترسيخ نظام الجماعة يدعو الله تعالى دائمًا أن يجعله إمامًا للمتقين. فيجب أن تكونوا موردًا لهذا الدعاء من الخليفة ولا يمكن أن يُستجاب هذا الدعاء إلّا في الذين يُراعون عهودهم ويحفظون أماناتهم والذين هم أوفياء لربهم والذين هم المتقون.

وفق الله كل فردٍ من الجماعة أن تكون تقواه بهذا المستوى. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك