حبل الله

مقتبس من كتاب

كارثة الخليج والنظام العالمي الجديد

لحضرة مرزا طاهر أحمد

رحمه الله تعالى

في صبيحة يوم الخميس، الثاني من آب عام 1990 اجتاحت القوات العراقية دولة الكويت. فكشفت تلك الحادثة الغطاء عن هشاشة النظام العربي، وفتحت الباب لبداية تطبيق ما سمي بالنظام العالمي الجديد، الذي تكشفت فيه أنياب الدجال وأصبح يصول ويجول في العالم بلا هوادة و دونما رادع.

وقد تسارعت بعد ذلك الأحداث وتصاعدت، وها هو العالم العربي والإسلامي يعاني من آثار تلك الفاجعة وعواقبها وما تمخض عنها من دمار كبير ألمَّ بالأمة العربية والإسلامية.

وفي اليوم التالي كانت خطبة الجمعة التي ألقاها إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله تعالى)، تناول فيها هذا الموضوع الخطير وأعلن من خلالها أن القتال بين طائفتين مسلمتين هو من الأمور التي تناولها القرآن الكريم بالعلاج والحل، وأن المسألة ليست مشكلة عربية أو إقليمية، وإنما هي مشكلة إسلامية، ينبغي أن يُتَّبع في علاجها الوصفة القرآنية بأن يحلهـا المسلمون بأنفسهم بدلَ دعوة الغير للتدخل في أمورهم، حتى تكون يد الله تعالى على المسلمين، وإلا تركهم لأنفسهم ولن يجدوا عندئذ علاجًا ناجعًا ولا حلاً صالحًا.

لقد نبَّه حضرته، أيده الله، أمةَ الإسلام وكذلك سكان دول العالم الثالث عن دموية حلم النظام العالمي الجديد. وقد أكّدت الأحداث المتلاحقة على صحة كثير من هذه المخاوف، وما تخفي صدورهم أكبر والعالم الآن بانتظار مزيد من الويلات التي تلوح في الأفق.

هذه السلسلة من الخطب قُدِّمت للقارئ العربي في صورة كتاب “كارثة الخليج والنظام العالمي الجديد” بعد تعديلات مناسبة وإضافات ضرورية من صاحبها. وها نحن نقدم مختارات من هذا الكتاب اجتهدنا في اقتطافها وفقا لما رأيناه مناسبا للوقت أو المرحلة، أو لما أردنا أن نذكر به القارئ المؤمن النجيب. فإن الذكرى تنفع المؤمنين. آملين من الله تعالى التوفيق.  وإليكم فيما يلي مقتبسًا من هذا الكتاب:

يَاأَيُّهَا الَّذِيـنَ آمَـنُوا اتَّقـُوا الله حَقَّ تُقَـاتِهِ وَلا تَمُـوتُنَّ إِلا وَأَنْتـُمْ مُسْـلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (آل عمران: 103-104)

الإسلام يريد منك أن تعقد صلة بالشـريعة، وبالنبي صاحب الشريعة، ليس بصفتك الشخصية فحسب، بل إن “حبل الله” أو الإسلام يعني أن تكون تلك الصلة جماعية. فإذا ما بدت صلتكم هذه باقية، ولكن كانت وحدتكم متفـتتةً.. فمعنى ذلك أنكم قد تحركتم خارج حالة الإسلام. ومن ثم لا يكفي أن تمسكوا بحبل الله وحدكم فرادى، وإنما لا بد من أن تمسكوا به جماعة غير متفرقين.

وإنه لموضوع رائع يلفت أنظارنا إلى ضرورة ألا ندع الأمة تنحلّ وتتفكك، وإلا صارت صلتنا بالشريعة ونبي الشريعة غير مجدية. إذا كنتم في الظاهر متصلين بالشريعة ونبيها، ولكنكم تجعلون بأفعالكم ومسلككم وأقوالِكـم الأمةَ متفككة متحللة.. وتنفـصلون وتتـباعدون بعضكم عن بعضكم، فلا يُعتَدّ بصلتكم بحبل الله، ولا تُعتبر صلةً بالمعنى الحقيقي، وستستحقون العقاب في نظر الله تبارك وتعالى.

هذا هو المفهوم الإضافي الذي زادته الآية الثانية على معنى الإسلام، وهو مفهوم لا ينشأ في الذهن تلقائيا من الآية الأولى.

وعلى ضوء هذه الآية الكريمة.. هل يستطيع أحد القول بأنهم كانوا معتصمين بحبل الله؟ وأنهم كانوا يمسكون به جميعًا؟ كلا، وألف كلا. فهذه الآية من القرآن الكريم لا تضع أمامنا فلسفة فكرية فحسب، بل تجعلنا على دراية بحقائق العالم العميقة.

وهكذا نشأت الحاجة إلى أخذ البيعة من الخلفاء، ليس لأن الخليفة قد عُيِّن كصاحب شريعة.. وإنما لأنه بعد رحيل النبي صاحب الشريعة السماوية.. فإنه لا يكفي مجرد إقامة صلة معه أو مع كتابه.. إذ كيف يتحقق قوله جميعًا ولا تَفرَّقوا ؟ وكيف يكون التنظيم ممكنًا؟ لا بد للتنظيم من السلطة المركزية. ونظام الخلافة بعد النبي يتيح هذه المركزية ويكفل هذا التنظيم. وإذا انقطع الاتصال مع الخلافة عانت الأمة من الانحلال. وكلما انقسمت أمة إلى طوائفِ مَثنى وثُلاثَ وأكثرَ، ولم يكن لواحدة منها الارتباط بالخلافة، ولم يكونوا يمسكون بحبل الله بحيث يكون الجميع متحدين مجتمعين على يد واحدة.. انقطعت صلتهم بحبل الله في  رأي القرآن الحكيم. والحقيقة أنه بدون خلافة لا يمكن لجهاز أي تنظيم في العالم أن يحقق وحدةً. إنك تجد طوائف كثيرة، ولكنها لا تكون متحدة كما يكون الناس متحدين في جهاز الخلافة. وبوسعكم أن تروا بعد الخلافة الرائدة في الإسلام.. كيف بدأت الأمة تنقسم وتتجزأ. والوحدة التي كانت في زمن الخلافة الرائدة انحلّت.. ولم تزل تتشعب إلى جماعات وشراذم أصغر وأصغر.

فأهم معنى للإسلام، للإسلام الحقيقي، أن تقيموا صلة مع النبي صاحب الشريعة.. مع شخصه، ومع شريعته؛ فهذا العهد ليس قاصرًا على طاعة الشريعة التي أوحيت إليه فحسب.. ولكن العهد يجمع بطاعته واتباع شريعته. وبعد وفاة النبي المشرع لن يكون هناك مفهوم للوحدة بدون نظام الخلافة. ولو لا ذلك لقبلنا بأن يمسك كل فرد وحده بحبل الله ويكون ذلك كافيًا.. في حين أن القرآن الحكيم يعلن أن ذلك غير كاف، والمطلوب هو أن

  اعتصِموا بحبل الله جميعًا ولا تَفرّقوا .

وهكذا، بوسعكم أن تروا أنه من جهة المنطق لا سبيل إلا إقامة نظام للخلافة بعد النبوة. وإذا ما انحلّت الخلافة مرة لا يمكن أن تقام ثانيةً إلا بعد النبوة، حتى وإن كانت هذه النبوة تجديدًا للنبوة التشريعية. حتى ولو لم ينـزل الله شريعة جديدة فإن “حبل الله” يتدلى مرة أخرى من السماء، وعندئذ تقام الوحدة، وبدون ذلك لن يمكن إقامة الوحدة.

ثم تقول الآية الكريمة:

اذكُروا نعمةَ الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّـف بين قلوبكم فأصبـحتم بنعمته إخوانًا .

فما أعظمَها من نعمة.. أحدثت معجزة جمعت بين الأعداء وربطت بينهم بصلة وثيقة من المحبة، فجعلت منهم إخوةً أحبّة.

وكنتم على شفا حفرة من النار فأنْقَذَكم منها ،

 إن الله تعالى هو الذي أخذ بيدكم، وأبعدكم عن حافة هذه الحفرة النارية المهلكة.

  كذلك يُبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ..

أي تَفكّروا في هذه النعمة والآيات البينة كي تتعرفوا على سبيل هدايتكم ونجاتكم.

من هذا الشطر الثاني للآية الكريمة يتضح لكم أن الانشقاق والفرقة تسوق الأمم إلى النار. يحسب الناس عادةً أن النار هي جهنم؛ ولكن المقرر في الأسلوب القرآني أن النار تعني أيضًا الحروب المهلكة. إنها ليست نارًا بعد الموت فقط، بل إنها ما نرى عندما تتحارب الأمم المختلفة في أماكن شتى. والسبب الأساسي لهذه الحروب هو الشقاق، الذي إذا اشتد دفع الأمم إلى القتال ونار الحرب.

وهذا محك آخر يقدمه القرآن لتعرفوا حالكم. يقول لكم: إذا كنتم حقًّا مسلمين.. إذا كنتم تطيعون الله وتعتصمون بحبله، قابضين عليه بقوة وإحكام.. فلا يمكن أبدًا أن يحارب بعضكم بعضًا، ومن المحال أن يُدفع بكم إلى حفرة النار.. نار الحرب، بعد أن أخذتكم نعمة الله تعالى بعيدًا عنها، وحفِظكم بحبله بمنجاة من حافتها. وما دمتم واقفين عند الحافّة فأية هَبَّةٍ من الريح تقذف بكم فيها، أو أي عدو قاس يدفعكم داخل الحفرة. ولكن  الذين أُبعدوا عن الحافّة لا يمكن أن يُرمَوا في الحفرة النارية بهبة ريح أو بهزة أو هزتين. مَن يُمسك “حبل الله” بإحكام وثبات يسير مبتعدُا عن حافّة النار، ولا يمكن لقوة شيطانية على الأرض لأن تدفعه في النار.

بعد أن فهمنا هذا المعنى تعالوا نلتفت نحو الموقف التعيس الذي يقفه المسلمون اليوم. هذه الحرب التي تقاتَلَ فيها العراق وإيران، ومضى المسلمون يسفكون دماء بعضهم البعض ثماني سنوات طوال، هل يمكن القول، على ضوء الآية القرآنية هذه، أنهم ما كانوا في حفرة من النار؟ وعلى ضوء هذه الآية الكريمة.. هل يستطيع أحد القول بأنهم كانوا معتصمين بحبل الله؟ وأنهم كانوا يمسكون به جميعًا؟ كلا، وألف كلا. فهذه الآية من القرآن الكريم لا تضع أمامنا فلسفة فكرية فحسب، بل تجعلنا على دراية بحقائق العالم العميقة. إنها حقائق صلبة، لا يمكن للإنسان أن يمر عليها دون أن يلاحظها. إنها حقائق تسيطر على الأمم، ولو تجاهلوها ما استطاعوا اجتناب عواقبها.

وإذن، فقول الله تعالى:

  اتّقُوا الله حقَّ تُقاتِه ولا تموتُنّ إلا وأنتم مسلمون

جعَل أمرًا ملزمًا وفرضًا واجبًا على كل المسلمين، وأن يتوحدوا معًا كنفس واحدة، طاعةً لله تعالى، ويتمسكوا بحبل الله، ولا ينفكّوا متشبثين به، فلا تفلت يدهم منه أبدًا.. ولا للحظة واحدة، كما لا ينفصل بعضهم عن بعض؛ أي أنهم من ناحية يمسكون حبل الله، ومن ناحية أخرى تتماسك أيديهم ويتحدون على حبل الله معًا.

هذا هو مشهد وحدة الأمة الإسلامية الذي صورته لنا الآية القرآنية الكـريمة بالتـفـصيل. والمؤسف أن المسلمين الذين يتلون القرآن المجيد لا يتفكرون في مواضيعه ولا يتدبرونها؛ وكثير منهم لا يستطيع قراءتها ولا التدبر في معانيها، ولكن زعماءهم وقادتهم بعد قراءتها يعمدون إلى التفريق بينهم بدلا من التوحيد. إنه لظلم عظيم حقًّا.. لأن القرآن المجيد يدعوهم قائلاً: واعتصِموا بحبل الله جميعًا لتُنقَذوا من شتى أنواع عذاب النار، ويقول: حتى ولو كنتم مستعدين لمهاجمة بعضكم البعض؛ فإن بركة حبل الله سوف تزيل منكم حالة العداوة، وسوف يقرب ما بينكم بمشاعر المحبة، ويربط بينكم برباط القربى حتى تصبحوا إخوانًا.

ما أجملَ وأروعَ هذا المشهدَ الذي تصوره لنا الآية نتيجة للتقوى. وعلى النقيض نرى شيوخ اليوم يُرغون ويُزبدون، ويعلِّمون المسلمين بذكر آيات القرآن الكراهيةَ تجاه إخوتهم. لقد رأت الدنيا مشهدًا كهذا أولاً لمدة ثماني سنوات، عندما استخرج شيوخ إيران من القرآن ما يحضّون به الناس على قتل العراقيين. لقد رموهم بالكفر وقالوا للناس: يجب مهاجمتهم وقتلهم لتكونوا أبطال الإسلام أو شهداء الإسلام. وبنفس القوة والقناعة كان شيوخ العراق يبشرون الناس بالجنة ومنـزل الشهداء إن هم قتلوا الإيرانيين الكفرة الملعونين، وزجّوا بهم في نار الجحيم. ولم تكن خطب المشائخ تقال سرًّا.. بل كانت تذاع على الملأ في كل وسائل الإعلام من الجانبين. كانت جرائدهم ومجلاتهم وصحفهم تخرج على الدنيا كل يوم تملأ صفحاتها بهذا الكلام. وكانت إذاعاتهم المسموعة والمرئية مشغولة طول الوقت في ترديد هذا الكلام. واستمرت هذه الدعايات لثماني سنوات. فهل تحسبون ذلك “حبل الله” كما يعلّمنا القرآن الكريم؟

ثم هو نفسه العراق الذي كانت تسانده بلاد العرب كلهم.. وكانوا يعلنون أن هذه الحرب هي بين الإسلام واللاإسلام. واتخذت أقوالهم عدة ألوان.. فتارة هي حرب بين الإسلام السُنِّي والإسلام الشيعي، وتارة أخرى حرب بين الأشرار النهّابين الذين مرقوا من الإسلام وبين المؤمنين الأبرار. وحينًا قالوا إنها حرب بين العرب والعجم. وكل العرب الذين ساندوا العراق لم يفعلوا ذلك حقًّا باسم الإسلام.. لأنهم، في جهات أخرى، كانوا على علاقات عادية مع الشيعة، بل إن بلادًا ذات أغلبية شيعية ساندت العراق.. لأنهم عرب. فالحرب إذن كانت بين العرب والعجم، ولكنهم استخدموا اسم الإسلام لمؤازرة العراق، فقالوا: إن البلد الذي خرج عن الإسلام وهاجم المسلمين والعرب بلد معتدٍ يرتكب جريمة مضاعفة.

واليوم ترون عالم الإسلام، الذي يسمَّى الإسلام السني، قد انقسم إلى حزبين، واتحد كثير من بلاد العرب ضد دولة إسلامية كبرى.. العراق؛ ونار الحرب موشكة على الاشتعال، تلك  النار التي قال القرآن الكريم: لقد كنتم ذات يوم تقفون على حافتها، وأنجاكم الله منها!

وإلى هذا الأوان.. لم يقعوا بعد في حفرة النار هذه. ولو أنهم يؤمنون حقًّا بالقرآن.. ويدرسون هذه الآية، فإني بناء عليها أدعوهم بكل تواضع، وبكل حرارة، وأناشدهم الله جل وعلا.. أن يتدارسوا هذه الآية في كل مسجد في بلادهم، وفي إذاعاتهم وصحفهم وكل وسائل إعلامهم، ويخبروا  الناس بما ينتظره القرآن منهم، ويبينوا لهم أنهم إذا ما خرجوا للحرب.. فلن يموت أحد على حالة الإسلام.

إن القرآن الكريم حق.. وإن دعايتكم هي الباطلة. من المحال أن يخطئ القرآن وتكون ادعاءاتكم حقًّا. إن الموت في هذه الحرب موت فُرقةٍ وشتات، والقرآن يقول ولا تَفرّقـوا محدثـين النـزاعـات والخلافات. يجب عليكم أن تتمسكوا بحبل الله جميعًا، وهذا هو الأمل الوحيد الذي ينقذكم من خراب الحروب وويلاتها.

هذا هو وقت الدعاء ولا شك، وبدون الدعاء لا يمكن فتح الأقفال التي على

وعلى كل مسلم أحمدي في كل مكان من العالم.. أن يوجه انتباه إخوته المسلمين إلى هذه الحقيقة: بأن العلاج المنجي من الهلاك مذكور في هاتين الآيتين الكريمتين اللتين تلوتهما آنفًا. فتدبروهما وخافوا الله تعالى. يجب على المسلم أن يكف يده عن قتل مسلم آخر، لأن من مات لن يموت على الإسلام، ولا القاتل سيكون بطلاً في عين الله، بل سيكون قاتلاً لمسلم. وإذا كان هذا التقاتل سيجرّ معهم أممًا أخرى، حيث يدعون غيرَ المسلمين أن تعالوا وساعِدونا على قتل إخواننا.. صار الأمر أشد فظاعة وكراهة.

هذا هو وقت الدعاء ولا شك، وبدون الدعاء لا يمكن فتح الأقفال التي على القلوب. لا يكفي الوعظ والنصح لفتح القلوب ما دام المرء لم يحصل على العون الإلهي. فابتهِلوا إلى الله جل وعلا، وابذلوا جهودكم، وذكِّروا إخوانكم المسلمين مرارًا وتكرارًا بهاتين الآيتين. أَخبِروهم أن حياتهم متوقفة على اتباعهما، وهلاكهم في مخالفتهما. وإنه لموت أليم.. لأن الآية القرآنية تشهد بأن من مات فيها لن يكون مؤديًا حق التقوى. تقول الآية له: إنك مت ولست في حال إسلام. سمّيتَ نفسك مسلمًا.. وحاولت طوال حياتك أن تتبع الإسلام.. ثم الآن تبذل حياتك من حيث الظاهر في سبيل الإسلام.. ولكن نهايتك تعيسة، إذ تنهض كلمة الله لتشهد ضدك. يا من تتحدثون عن الإيمان.. وتتكلمون عن التقوى، يا من تتشدقون بالإسلام، إن كلمة الله التي أوحاها لكم شاهدة على أنكم لم تذوقوا الإيمان، ولم تعرفوا معنى التقوى، ولا حق لكم في الحديث عن الإسلام.

إنه لوقت شديد الخطورة ذلك الذي نراه أمام عيوننا. هناك في العالم كله جماعة واحدة تستمسك بحبل الخلافة الإلهي. إنها تتشبث بحبل الله. إنهم عقدوا عهدًا بالوفاء مع الرسول سيدنا محمد المصطفى وشريعته.. جميعًا مترابطين يدًا واحدة، ووفَوا بواجبهم بحسب مفهوم هذه الآية، ووصلوا أنفسهم جميعًا بحبل الله.

عليكم أن تواظبوا على اعتصامكم بحبل الله. ليس ذلك فحسب، بل ادعوا الناس إلى النجاة، ونادُوهم أن هلموا إلى هذا الحبل. فهو الضمان الوحيد للحياة.

عسى الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لذلك وأن يمكّن أولئك الذين يستمعون لي أن يفهموا الموضوع ويعملوا به، وأن يشربوا ماء الحياة من هنا، لأنه لم يبق هناك سبيل للحياة سوى ذلك. اللهم آمين!( 23/11/1990)

Share via
تابعونا على الفايس بوك