في عالم التفسير

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (الكهف: 61)

المفردات

حقبا: جمع حقب وهي مشتقة من حقب، يقال حقب المطر أي تأخر، وحقب الأمر أي اشتبه وتعقد، حقب معناه وقت، وقت غير محدد، زمن طويل، عصر، سنة أو سنوات، سبعون سنة، ثمانون سنة أو أكثر. (لين وأقرب الموارد).

التفسير:

بهذه الآية يبدأ موضوع إسراء موسى العظيم الأهمية، وكما ورد آنفًا فإن أتباع المسيح عيسى قد حققوا ازدهارًا وعظمة مادية كبرى وتركوا طابعهم على العالم في التاريخ مرتين. هذا الازدهار المزدوج للشعوب المسيحية شبه بالجنتين كما جاء في الآية 33 وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ..”. فعصر الازدهار الأول بدأ بقبول القيصر الروماني قسطنطين الديانة المسيحية وجعلها دين الدولة. واستمر هذا العصر حتى ولادة نبي الإسلام . أما العصر الثاني والأهم هو في زماننا الحاضر حيث نرى الشعوب المسيحية الغربية قد حصل لها من العظمة والعزة ما جعل شعوب آسيا وافريقيا ترقص لها كالخدم والعبيد. ثم بين هاتين الجنتين أو عصري الازدهار للمسيحية جرى نهر لقوله تعالى في الآية 34 وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا . وهذا النهر هو ولادة نبي الإسلام محمد بحيث ترك هو وأتباعه أيضًا أثرهم وطابعهم على التاريخ البشري خلال الفترة ما بين هذين العصرين.

ولكي يبدو هذا الموضوع بشكل تاريخي كامل متماسك النواحي نجد في الآية الحاضرة والآيات القليلة التي تليها وصفًا مفصلاً للإسراء الروحي للنبي موسى . فلقد أنبأ سيدنا موسى عن ظهور نبي مثله كما ورد في التوراة: “أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ” (اَلتَّثْنِيَة 18: 18).

وإلى هذا النبأ تبشير الآية إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (المزمل: 16).

فذكر قصة إسراء موسى بين موضوع “أهل الكهف” وموضوع “ذو القرنين” وهما العصران اللذان فيهما تقدمت المسيحية وتطورت وازدهرت.

يشير القرآن الكريم إلى الحقيقة بأن النبي المشار إليه في نبأ موسى والذي سيكون مثيله لابد أن يظهر أيضًا في الفترة بين هذين العصرين. ولهذا ذكرت هذه الحوادث بحسب ترتيبها التاريخي.

لثد شاع الكثير من القصص الغريبة حول طبيعة إسراء موسى والغرض منه والظروف التي تم فيها. ثم إن المفسرين قد اختلفوا حول اسم ووظيفة ذلك الإنسان المدعو في الآية “عبد الله” والذي بحث عنه موسى ولقيه، وكذلك حول “الفتى” الذي رافقه في رحلته. ونظرًا لعدم إدراكهم الناحية الروحية لهذه الرحلة التي بدت وكأنها جسمية فقد أغرق معظمهم في التخمين والظن بحيث وقعوا في خطأ فظيع.

والحقيقة أنه كان قد أشير في الآية الثانية من السورة السابقة إلى إسراء النبي أو رحلة روحية، كما فسر تعبيرا حرفيا هجرته إلى المدينة، وألقى الضوء كذلك على النتائج العظيمة التي كانت ستتبع هذه الهجرة والانتصارات الباهرة التي سيحققها المسلمون في أعقابها. وكذلك حذر المسلمون من الأخطار العظيمة التي كانت في طريقهم والمعارضة العنيدة التي كانوا سيلاقونها من اليهود والنصارى، وخاصة الضربات السياسية من المسيحية. ولقد ذكر هنا إسراء موسى فقط تأييدًا للأنباء التي انطوى عليها إسراء النبي من انتصارات عظيمة للإسلام، وكذلك توضيحًا بما لا يقبل الشك أن قوة المسيحية وعظمتها المادية ورفاهية شعوبها ستظل زمنا محدودا فقط، وإن الإسلام هو الذي سينتصر ويسود في النهاية.

وهكذا فقد كان إسراء موسى كإسراء سيدنا محمد اختبارا روحيا لا إسراءً جسديًا، وفيه تحول موسى من جسده المادي إلى جسده الروحي.. ويؤيد هذا القول كل من القرآن المجيد والكتاب المقدس، ومن هذه البينات المؤيدة ما يلي:

  1. لم يذكر الكتاب المقدس الذي يعتبر إلى حد ما المصدر الثقة عن حياة موسى شيئًا عن هذه الحادثة العجيبة وغير العادية ولو بتلميح.
  2. المعروف عن سيدنا موسى أنه قبل تلقيه النبوة قام برحلة واحدة هي تلك المذكورة في الكتاب المقدس والقرآن المجيد والتي قام بها إلى مدين وذكرها القرآن أكثر من مرة. ويتفق القرآن المجيد والكتاب المقدس على أن موسى قام بهذه الرحلة بمفرده. بينما نراه في هذه الرحلة المشار إليها في هذه الآية والآيات التي تليها يرافقه “صاحبه”.
  3. وحتى بعد أن أصبح موسى نبيًا لم يقم برحلة كهذه، ولم يأت الكتاب المقدس على ذكر رحلة كهذه ولو بأقل إشارة، بينما يسرد لنا حياة موسى بالتفصيل تقريبًا.
  4. من المعروف جيدًا أن قوم موسى أخذوا يعبدون العجل بعد أن تركهم وذهب إلى جبل الطور لبضعة أيام. ولما امتد غيابه عنهم إلى أربعين يومًا وهو على الطور أحدث ذلك فيهم فوضى روحية ذكرت في الكتاب المقدس تفصيلاً. فلنتصور مدى الفوضى التي يمكن أن يحدثها هذا الغياب الأطول بكثير، كما تذكر الآيات، في صفوف هذا الشعب المتشكك ضعيف الإيمان. فمن غير الممكن أن يهمل الكتاب المقدس ذكرها، لكنه في الواقع لم يأت على ذكر حادثة كهذه ولو تلميحًا. ومع ذلك فمن شأن هذه الحادثة أن تلقي الشك على حكمة موسى وذكائه بعدما حصل له مثل هذا الاختبار آنفًا لو قام برحلة ثانية تبعده عن قومه مدة أطول من الأولى.
  5. خلال غياب موسى على الطور أربعين يومًا عيّن أخاه هارون خليفة له في قومه، وغير هذا الحادث الفريد لم يعرف موسى أبدًا بأنه عيّن أحدًا خليفة له أثناء غياب آخر في أية مناسبة أخرى، ولا يذكر الكتاب المقدس شيئًا من ذلك. ولا يعقل أن موسى لم يعين خليفة له لو غاب هو فعلاً في هذه الرحلة الطويلة المذكورة في الآيات الكريمة.
  6. إنه خلاف النهج المعروف للأنبياء أن يبتعدوا عن قومهم مدة طويلة. معروف أن بعضهم قاموا برحلات قصيرة، لكن تلك الرحلات كانت بقصد تبليغ الدعوة، ولم يتعدوا مجال أقوامهم. لقد ذهب المسيح الناصري فعلاً إلى كشمير بعد حادثة الصليب، لكنه ترك جزءًا من قومه في فلسطين ليلحق بالقسم الآخر والأكبر منهم في كشمير. لكن رحلة موسى المشار إليها لم تكن لقصد تبليغ الرسالة ولم تكن محدودة لقومه. لقد ترك قومه بحثًا عن رجل أكثر منه علمًا كما تبين الآيات.
  7. كذلك تشير كلمة “مجمع البحرين” الواردة في الآية التي نحن بصددها إلى الحقيقة أن الإسراء كان روحانيًا، إذ لا يوجد أي مكان في العالم يعرف بهذا الاسم. والمعنى الوحيد الذي يمكن أن يعزى لهذه العبارة هو “مكان يلتقي فيه بحران”، ولمثل هذا الملتقى الأقرب إلى الأرض التي عاش فيها موسى بعد خروجه من مصر يمكن الإشارة إلى “باب المندب” حيث يلتقي البحر الأحمر بالمحيط الهندي، و”الدردنيل” حيث يلتقي بحر مرمرة بالبحر الأبيض المتوسط، وكذلك “البحرين” حيث تلتقي مياه الخليج العربي بالمحيط الهندي. ومن بين هذه المواقع يبدو أن الدردنيل هو أقربها إلى الصواب، وفيه تم اللقاء لأن كنعان التي كانت هدف موسى والتي لم يفلح في الوصول إليها في حياته تقع فعلاً على الطريق المؤدية إليه. إن جميع هذه المواقع التي ذكرناها تقع على بعد ألف ميل تقريبًا من المكان الذي كان يقيم فيه موسى.. ولدى اعتبارنا وسائل المواصلات البطيئة في تلك الأيام كان لا بد أن تستغرق مثل هذه الرحلة حوالي سنة. ولم يكن بإمكان موسى أن يترك قومه مدة طويلة كهذه بدون أن يعرض حياتهم الروحية إلى مخاطر كبيرة.

من هذه الوقائع التاريخية يمكننا أن نستخلص بالتأكيد وبدون أن نتعرض لتناقضات أن رحلة موسى المشار إليها في هذه الآيات كانت رحلة روحية قام بها بجسده الروحي ولغاية روحية.

عدا هذا البرهان الظاهري هناك في القرآن الكريم برهان باطني أيضًا يبين بالوضوح أن الرحلة لم تحدث جسديًا بل كانت اختبارا روحيا لموسى:

أ. لقد خرق الرجل “المعلم” السفينة حتى لا يأخذها الملك غصبًا. وهنا ينشأ بطبيعة الحال السؤال. هل كانت السفينة صالحة للسير في البحر بعد أن خرقها أم لا؟ فإن كانت صالحة فلمَ لم يأخذها الملك وإن لم تكن صالحة فلم لم تغرق؟ إذ لا نعرف في هذا العالم الطبيعي المادي عن سفينة تظل فوق الماء بعد أن يحدث فيها خرق كبير. ولكن يمكن حدوث ذلك في عالم الخيال (الرؤيا).

ب. “قتل الغلام” يظهر كذلك أن الحادثة وقعت في أثناء الرؤيا، لأنه في هذه الحياة المادية لا يمكن لإنسان عاقل أن يقتل إنسانًا آخر من دم ولحم بدون سبب، فكيف نتصور حدوث ذلك من نبي مرسل من الله.

ج. حادثة “إقامة الجدار” تؤيد كذلك ما استنتجناه أعلاه. إذ كيف لنبي عظيم ورجل نبيل ذي عقل سليم مثل موسى أن يتهم صاحبه العالم لعدم تقاضيه أجرًا من اليتيمين على إقامة جدارهم، لأن سكان تلك القرية أبوا أن يضيفوه وصاحبه؟ ثم ماذا فعل اليتيمان ليستحقا غضب موسى؟ لقد كان أهل القرية هم الذين أبوا أن يضيفوهما وليس اليتيمان. فأين العلاقة هنا بين هذين الأمرين؟ ففي هذا العالم المادي لا نتصور عاقلاً يخوض في حديث كهذا، فكيف بنبي عظيم من الله؟ إن مثل هذه الأمور تحدث فقط في الرؤيا والمنام.

د. ويروى عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن كلمة “كنز” الواردة في الآية 83 تعني “كنز علم”. وهذا ما يظهر أن الكلمة استعملت في الآية بطريق المجاز، ومن الضروري إذًا تأويلها. كذلك إقامة الجدار والاستضافة لم يكونا حدثين ماديين، وعليه لم تكن الرحلة بأسرها إلا اختبارًا روحيًا.

وبالاختصار فمجرد نظرة سطحية على هذه الآيات لا تترك مجالاً للشك حول الحقيقة بأن الحادثة كلها لم تكن أكثر من رؤيا. ولا يعقل قطعًا أن يقوم نبي عظيم كموسى برحلة طويلة مضنية كهذه بحثًا عن “عبد من عباد الله” ليتعلم منه، وكيف يحدث ثقبًا في سفينة أو يقتل غلامًا أو يصلح جدارًا لأحد دون أن يطلب أجر عمله. إن الرجل الجاهل الساذج لا بد أن يعتبر عملاً سخيفًا كهذا دون كرامته فكيف بنبي رسول من الله؟

كذلك يروى عن النبي أنه قال:

“وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا”. (صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن).

وهذا القول للنبي الكريم يدل على أن الأعمال غير العادية التي قام بها “عبد الله” هذا كانت أسرارًا عظيمة عن المستقبل أخبر عنها موسى في الرؤيا بلغة مجازية. ولو كانت هذه الأعمال قد وقعت بلفظها وعلى ظاهرها لما أثارت اهتمام النبي ، ولما تمنى صبر موسى ليعلم المزيد عن حوادث مماثلة.

يقول الماوردي أن الرجل الذي ذهب موسى للقائه لم يكن بشرًا بل ملاكًا. (ابن كثير).

إن كلمة “فتاه” قد تشير إلى يوشع بن نون، لكنها تنطبق أكثر على يسوع المسيح عيسى بن مريم. فقد كان عيسى الفتى المصاحب لموسى بصفته آخر وأحدث أنبياء السلسلة الموسوية الذي لم يأت ليبطل بل ليكمل الأنباء والشريعة شريعة موسى (متى 5: 117)

أما قوله تعالى “لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين” فيظهر أن صاحب موسى الفتى قد رافقه عند منتهى رحلته، وإن موسى لم يأخذه معه منذ بداية الرحلة. وألفاظ الآية كذلك لا تذكر موسى وهو يبدأ الرحلة بل أثناء متابعته لها فيما بعد مع صاحبه. وفي الواقع تقال مثل هذه الكلمات من قبل شخص أشرف على الوصول إلى هدفه وغايته.

وعبارة “مجمع البحرين” تعني الوقت أو الزمن الذي ستنتهي فيه السلسلة الموسوية وتبدأ السلسلة المحمدية. وحسب تعطير الأنام، فالبحر في الرؤيا يعني الملك العادل القوي الرحيم، وكذلك حمد الله وتمجيده. فلفظ مجمع البحرين يشير، حسب المعنى الأول، إلى مكان التقاء ملكين عظيمين عادلين رحيمين، وهما موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وبحسب المعنى الثاني تدل العبارة “ملتقى البحرين” على حمد الله وتمجيده أي الديانتين الموسوية والمحمدية.

ولفظ “أو أمضي حقبًا” تفيد أن الديانة الموسوية ستظل نافذة لقرون عديدة. وقد كانت الفترة منذ ظهور سيدنا موسى  وحتى ظهور سيدنا محمد حيث انتهت الديانة اليهودية، ألفي سنة فعلاً.

فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (62).

المفردات

سربا مشتقة من سرب، يقال سرب الماء أي جرى، وسرب الرجل أي ذهب دون غاية، سرب في الأرض أي أوغل فيها وابتعد. سرب تعني الابتعاد والذهاب بسرعة، الحفر تحت سطح الأرض، مستقر تحت سطح الأرض له مخرج منها، جحر، حيوان مفترس، عرين الأسد.

وعبارة القرآن “فاتخذ سبيله في البحر سربًا” تعني أن الحوت سلك طريقه في جوف البحر بسرعة. (لين وأقرب الموارد)

التفسير:

لفظ حوت يعني، حسب تعطير الأنام، أماكن العبادة للأتقياء. فيكون مفهوم عبارة “فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما” أنه عندما تلتقي الديانة الموسوية والديانة المحمدية أي عندما ينتهي مفعول الديانة الموسوية وتحل محلها الديانة المحمدية، تزول التقوى الحقيقية من بين أتباع موسى وعيسى عليهما السلام، وتصبح من مميزات أتباع الديانة الجديدة فقط، لقوله تعالى هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ (الفتح: 29). كما تظهر الآية التي نحن بصددها أيضًا أن الديانة الإسلامية كانت بالفعل استمرارا للديانة الموسوية. ولكونها جزئين متعاقبين من الهداية الإلهية الأزلية فلم يعرف زمن موسى شيء يطلق عليه “بملتقى البحرين”.

فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (الكهف: 63)

التفسير:

طلب الغداء في المنام يعني التعب والانهاك (تعطير الأنام) والآية تبين أنه عند ملتقى البحرين أي عندما يظهر النبي فلن يقبله أتباع موسى وعيسى عليهما السلام وسيظلون على نهجهم ولن يعترفوا بأن العهد أو الزمن المحدد لديانتهم قد انتهى. بل يستمرون على نهجهم منفردين وقتًا طويلاً وتنهك قواهم من انتظار ذلك الموعود في تثنية 18: 18. وتأخذهم الحيرة فيما إذا كان قد ظهر ولن يدركوه ولم يؤمنوا به. ففي هذه الآية يمثل موسى اليهود ويمثل فتاه (عيسى ) المسيحيين.

قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (الكهف: 64).

التفسير:

الضمائر في “حوتهما” في الآية 62 و”جاوزا” في الآية 63 و”أوينا” في الآية التي نحن بصددها لا تشير إلى موسى وعيسى بشخصيتهما، إذ لم يكونا حيين في زمن النبي ، بل تشير لأتباعهما.

و”الصخرة” في الرؤيا تعني حياة انحطاط وذنوب. فإذًا يكون معنى “إذ أوينا إلى الصخرة” أنه عندما يلتقي البحران أي عندما ينتهي مفعول الديانة الموسوية وتبدأ الديانة المحمدية يكون اليهود والنصارى غرقى في حياة الذنوب والمعاصي.

واللفظ “واتخذ سبيله في البحر عجبًا” يشير إلى أن التقوى الحقيقية والعبادة الصحيحة ستفقدان من بين هؤلاء الناس، وتصبح من اختصاص قوم آخرين (أتباع الإسلام) الذين سيرثون البركات الإلهية.

وحادث الحوت يشير بالتأكيد إلى أن الحادثة بأسرها ما كانت إلا رؤيا لأنه عندما كان موسى وفتاه يتابعان سفرهما بإرشاد الحوت لم يكن من الممكن أن ينسيا ذلك الحوت.

قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (الكهف: 65-66).

التفسير:

من كان هذا العبد الذي بحث عنه موسى بأمر من الله وتكبد من جراء ذلك سفرا شاقا وطويلاً والذي يعتبر الشخصية المركزية في الموضوع وبطل القصة كلها؟ إنه لم يكن سوى النبي الكريم محمد الذي أخذت روحه شكل إنسان في رؤيا موسى . وأن البينات الآتية لتظهر بلا ريب أن محمدًا ، كان باليقين ذلك العبد المذكور في هذه القصة:

أ. لقد سمي النبي بالعبد في عدة مواضع في القرآن الكريم 2/24، 8/42، 17/18 و 25/2، 29/37، 53/11، 72/20. وإنه في الواقع هو عبد الله الأول والأعظم. لأن مرتبة “عبد” هي في الحقيقة أعلى مرتبة في الرقي الروحاني للإنسان، وقد حاز النبي الكريم على هذه المرتبة.

ب. إن لفظ “آتيناه رحمة من عندنا” يشير كذلك بوضوح إلى النبي ، فلقد ذكر بشكل خاص أنه “رحمة للعالمين” (21/108) وهذا اللقب لم يعط في القرآن لأحد غير النبي .

ج. كذلك لفظ “علمناه من لدنا علمًا” يشير إلى النبي فقد جاء في عدة مواقع في القرآن بأن النبي أعطي من الله علمًا كثيرًا 4/114، 6/92، 20/115، 27/7.

د. لقد قال “عبد الله” هذا لموسى في الآية 68 “لن تستطيع معي صبرًا” أي أن موسى لن يظل ساكتا. ويروى عن النبي أنه قد قال: “وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا” بخاري كتاب التفسير. وهذا يظهر دون ريب أن “عبد الله” هذا الوارد ذكره في رؤيا موسى كان شخص النبي الكريم نفسه.

لقد رأى موسى في الواقع مظهر الله “في النار” أثناء سفره من مدين إلى مصر؛ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا (القصص: 30). وبعدها أخبر موسى “أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ”. (اَلتَّثْنِيَة 18: 18)، ويتبين من ألفاظ هذا النبأ أن النبي الموعود سيكون مظهرًا لله أعظم من موسى نفسه، لذا فقد رغب موسى بالطبع أن يرى ويعرف من سيكون “ذلك النبي”، ولأجل تحقيق رغبته تلك أراه الله في الرؤيا ذلك النبي الذي فاقه بالقوة الروحية.

فهذا “العبد” الذي أوتي العلم من الله والذي ورد ذكره في رؤيا موسى هذه والذي يعرف عامة باسم الخضر هو روح النبي العظيم محمد في جسد إنسان.

Share via
تابعونا على الفايس بوك