الصيام وليس الإضراب عن الطعام

الصيام وليس الإضراب عن الطعام

التحرير

لقد شد انتباهي خبر نشر في جريدة قبل بضعة أيام يقول: إن العديد من البريطانيين قاموا بالإضراب عن الطعام لمدة أربع وعشرين ساعة، لجمع وتوفير الأموال لصالح ضحايا المجاعة في افريقيا، وبالفعل قد جمعوا الملايين.

فقلت يا سبحان الله، ما أنكر هؤلاء بالحقائق الناصعة حيث ينكرون أهمية الدين، بل ويتنفرون وينفرون خاصة عن دين الفطرة الإسلام، ويعترضون على الصيام الذي فرض على المسلمين لنفس الغرض؛ الشعور والاحساس لقرصات الجوع ووطأة العطش التي يعانيها الفقراء، وبالتالي مد يد العون إليهم لإنقاذهم منها. ففي أموالهم حق للسائل والحروم. سبحان الله ما لهؤلاء القوم لا يكادون يقبلون الحقيقة بلسانهم، وقد استيقنتها أنفسهم، وآمنت بها فطرتهم، وصدقت بها أعمالهم من حيث لا يشعرون.

وقلت: كيف إن هؤلاء “أهل الغرب شعوبًا” يجمعون الآن الأموال سعيًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من براثن غول المجاعة، مع أن هذا الغول قد رباه هم بأيديهم، أعني حكوماتهم، حيث استعبدوا الشعوب الافريقية، واستغلوا ثرواتها، وامتصوا دماءها ظلمًا وبغيًا. بل لا يزالون يستعبدونها ويمتصون دماءها بسياستهم الجائرة البغيضة، رغم تحريرهم إياها ظاهريًا.

أقول هذا لأن حكوماتهم، سواء كانت من الكتلة الروسية أو الكتلة الأمريكية، كانت قد أُنذرت من قبل الجهات المعنية في هيئة الأمم المتحدة بخطر هذا الغول على هذه الدول البائسة، وذلك قبل هجومه عليها بعدة سنوات، ولكنها لم تحرك ساكنًا وقتها رغم هذا الإنذار المبكر.

ثم إذا هاجم هذا الغول هؤلاء البؤساء لم تساعد حكومات هاتين الكتلتين إلا الدول المؤيدة لسياسة كتلتها دون غيرها، ثم ما سخت عليها إلا بما لا يسمن ولا يغني من جوع، وسحبت يد المعونة عنها كلما رأت أنها تتضايق من أطواق سياستها الخانقة لها والمعوقة سبيل رقيها.

إن أهل الغرب (شعوبًا) يحاولون لإطالة أنفاس هؤلاء البؤساء لعدة ساعات وأيام أخرى بالأموال التي يجمعونها بالإضراب عن الطعام وغيرها من الطرق، وهذا عمل إنساني عظيم بلا شك، ولكنهم لم لا يأخذون على أيدي حكوماتهم التي تخنق هؤلاء البؤساء وتستهين الإنسانية بسياستها الغاشمة البغيضة هكذا.

وسبحان الله من بعض المسلمين الذين بالفعل جعلوا الصيام اضرابًا عن الطعام من الفجر إلى الغروب، ونقرات في الصلاة كنقرات الدجاجة، فلا يَدَعون قول الزور والعمل به ليلاً ونهارًا، وإذا جن الليل أكلوا وشربوا وأسرفوا لدرجة تصيبهم بالتخمة، متناسين الغرض الذي من أجله فرض الصيام، ألا وهو الإحساس والتفاعل مع معاناة إخوتهم الفقراء الذين ضاقت عليهم سبل المعيشة، فلا يجدون ما يسدون به رمقهم إلا بشق الأنفس، ثم المشاركة في هذه المعاناة بالتوفير مما رزقهم الله وبمد يد العون إليهم والدعاء لهم أمام الله، حتى يكونوا جميعًا جسدًا واحدًا إذا اشتكى جزء منه تداعى له الجسد كله، ويصبحوا كما أراد ووصف : خير أمة أخرجت للناس.

والعجب من بعض الحكومات الإسلامية الغنية التي لا تشارك أخواتها من الدول الإسلامية المغلوبة على أمرها في معاناتها مشاركة حقيقية لتخفيف أعبائها التي ترزح تحتها، وإنما هي منغمسة في تقوية أواصرها بإنفاق مبالغ خيالية مع دول الغرب التي فرضت عليها سياستها، والتي تقاتل المسلمين عربًا وعجمًا بتقديم مساعدات إلى أعدائهم خفية وعلانية.

ثم العجب من حكام الدول المسلمة الفقيرة الذين لا يشاطرون معاناة رعاياهم التي طحنتهم رحى الفقر طحنًا، وإنما يتشددون عليهم بحجة تطبيق الشريعة وباسم الدين الذي هو منهم براء، بسطًا لنفوذهم وتثبيتًا لحكمهم. فيفسدون في الأرض ولا يصلحون.

اللهم أصلح أمة سيدنا محمد ببركة شهرك هذا، وبوجه حبيبك هذا، الذي أرسلته رحمة للعالمين، فهم أولى برحمتك، وأنت أرحم الراحمين. آمين.

(رئيس التحرير)

Share via
تابعونا على الفايس بوك