الصدق مع الحق والخلق مع الخلق

الصدق مع الحق والخلق مع الخلق

التحرير

الأعياد ظاهرة اجتماعية عرفها الإنسان منذ المراحل الأولى من تاريخه وهي في واقع الأمر فرصة ثمينة تعبر فيها القبائل والشعوب عن سرورها وابتهاجها بحادث سعيد كالتوفيق على إتمام شعيرة دينية أو انتصار على العدو أو تحقيق أمنيات طيبة ..

ولا تخلو أمة قديمة أو حديثة من الأعياد … ولكل أمة من الأمم تقاليدها ولا يخفى على أحد أن العديد من الأعياد لدى كثير من الشعوب هي مجال للعبث المريب واللهو المشين حيث يتداعى الناس إلى شرب الخمر والقمار والرقص من خلال الندوات الماجنة التي تستنزف العقول والأموال . ومما لا شك فيه أن الأعياد في كل أمة هي مظهر من المظاهر التي تعبر عن شخصيتها .

ولقد حرص الإسلام على خير الإنسانية وسعادتها حيث أقر كغيره من الديانات السماوية فكرة العيد كظاهرة دينية … فوضع للمسلمين عيدين كي يبتهجوا بنعم الله ويظهروا فرحتهم فهما بمثابة واحتين جميلتين في صحراء الحياة القاحلة يجد فيهما المسلم من الظل والنعيم والمتعة الحلال ما يملأ قلبه سرورا وبهجة وروحه يقينا وإيمانا بقدرة الخالق الذي شاءت رحمته عز و جل أن لا يترك المسلمين يحتفلون بأيام كانوا يحتفلون بها في الجاهلية بل وضع لهم عيدين مرتبطين بعبادتين عظيمتين من أهم العبادات في الإسلام … عيد الفطر وعيد الأضحى .

وفي هذين العيدين تتجلى المسرات التي تدخل السرور إلى الوجوه والبهجة إلى القلوب والبشاشة إلى النفوس فتظهر آثار نعمة الله على الخلق ، فيرتدون الثياب الجديدة ويعم السلام والوئام والألفة والإخاء وتمتد سحابة البر لتغطي الأقارب والجيران وتدخل السعادة إلى كل بيوت المسلمين . حقا إن العيد ربيع حياة الإنسان كما أن للأرض ربيعا زخر فيه بأنواع النبات فتظهر ألوان الزروع على بساطها وتأخذ الأرض زخرفها وتنبت من كل زوج بهيج ، كذلك ربيع الحياة الإنسانية فهو الفسحة الإلهية حيث تنسى البشرية آلامها وتدخل البهجة والفرحة أعماقها وتبتسم لنعم الله تبارك وتعالى وتشتعل نشاطا لاقتحام الصعاب والانتصار على الشدائد والأهوال كي تحقق ما تتطلع إليه الأمة من أسباب الكمال.

وتظهر ملامح خلقه السامي مع عامة الناس حيث تبرز مكارم ما تعلمه خلال الشهر الفضيل من عدم إيذاء خلق الله ومراقبة ثوائره النفسية وعطفه عليهم وخدمتهم ومراعاة مصالحهم وهذا ما يجعله مظهرا لحسن الخلق مع الخلق.

ومما لا شك فيه أن عيد الفطر حفل رباني يقام ما بين الأرض والسماء تشترك فيه الملائكة من الملأ الأعلى والطائعون التائبون من عباد الرحمن .

وفي هذا اليوم المبارك يقدم الصائمون محصول عبادتهم خلال شهر رمضان المعظم فيكرمهم الله عز و جل بتقديم جائزة التوفيق على ما قاموا به من عبادات وأدوه من تضحيات فتقام الأفراح في الأرض والسماء .

فللصائم فرحتان .. فرحة عندما يفطر وفرحة عندما يلقى ربه وفرحة اللقاء هذه ليست في الآخرة فحسب ولكنها تحدث في ليلة القدر خلال الشهر الفضيل وخلال عيد الفطر المبارك بعد أن يقدم المؤمن الطائع جميع  تضحياته وعباداته أمام عتبة الله فيكون ذلك يوم الجزاء حيث يفوز الصائم برضى الله عز و جل فتظهر علامات الرضا هذه حيث تغيب من قلبه شمس حب الدنيا الدنية وتشرق فيه أنوار الله البهية وتتجلى فيه صفات الله الأبدية وتنير فؤاده النفحات الربانية .

ويفهم من فاز بهذا المرام أن الحكمة من وراء الصوم هي أن يستبدل الإنسان الغذاء الذي يساعد على نمو الجسم فقط بغذاء آخر يشبع الروح ويضمن لها نموها وسكينتها وبالتالي تحظى الروح بأولوية لم تعرف لها مثيلا خلال شهور السنة المنصرمة وتتذوق رحيق جنان الفردوس بعد أن تقطع صلتها بالدنيا الدنية وتطلع إلى ملكوت الحضرة الإلهية .

وبعد انقضاء الشهر الفضيل وحلول يوم العيد يأخذ المؤمن عهدا على نفسه : الصدق مع الحق والخلق مع الخلق وهكذا تكون كل صغيرة وكبيرة تصدر منه خلال باقي شهور السنة يراعي فيها حدود الله عز و جل ويحرص كل الحرص على أن يكون صادقا في حركاته وسكناته ولا يغضب الله عز و جل خصوصا بعد أن تحصل على رضاه خلال الشهر الفضيل .

وتظهر ملامح خلقه السامي مع عامة الناس حيث تبرز مكارم ما تعلمه خلال الشهر الفضيل من عدم إيذاء خلق الله ومراقبة ثوائره النفسية وعطفه عليهم وخدمتهم ومراعاة مصالحهم وهذا ما يجعله مظهرا لحسن الخلق مع الخلق.

يا رب اجعل عيدك هذا كل عام يحمل بشائر الخلاص لأمة الإسلام وأعزهم بعز نبيك الكريم نبي الرحمة عظيم العظام سيد الخلق وفخر العباد وصل عليه اللهم أفضل صلاة وسلم أزكى سلام.

Share via
تابعونا على الفايس بوك