تأملات في الشارع الإسلامي

تأملات في الشارع الإسلامي

أبو طلحة الكافي

 

عندما ينظر المرء إلى ما يدور حوله في العالم تنتابه – ولا شك – الحيرة إزاء الأحداث الجسام التي تحل بالأمة الإسلامية فلا تخلو أي نشرة إخبارية من النكسات والإهانات التي يتلقاها المسلمون في هذا القطر أو ذاك .

إن أمتنا صنعت تاريخا من المجد والسؤدد لقرون طويلة وها هي تقبع اليوم في براثن الظلام الحالك وتنصب عليها المصائب من كل حدب وصوب …. فأراضي تسلب والأرواح تزهق ويزداد التشرذم والانقسام وعمت الفوضى بها ريح التشتت والفرقة .

وفي ظل هذه الظروف القاسية اندثرت الآثار الحميدة لتعاليم الدين الإسلام الحنيف أمام أعين الجميع ، كما ساهم عصر العولمة في السيطرة الفكرية والثقافية على كثير من شبابنا التائه ، فالمسلمون أصبحوا لا حول لهم ولا قوة إذ لا نكاد نسمع عبر وسائل الإعلام إلا الشعارات الرنانة والنقاشات الصاخبة وتضارب الآراء ويوما بعد يوم يزداد الوضع تعقيدا والظلام حلكة مع ازدياد الشعارات والخطابات التي تستلهم النفوس . وباختصار فإن أمتنا اليوم تسبح في عصر الانحطاط الكامل والشامل إذا ما قورنت بمن حولها من الأمم والشعوب لدرجة أن الضعفاء من هذه الأمة وما أكثرهم !! جعلوا وراء ظهورهم تعاليم هذا الدين الحنيف ودخلوا في عملية انصهار تام مع العادات والتقاليد الغربية من جراء انبهارهم من التقدم الذي تحرزه هذه الشعوب في شتى مجالات الحياة وتفوقها على الأمة الإسلامية .

ولم يتوقف الأمر إلى هذا الحد المتدني بل يصدم المرء من حين لآخر حيث يسمع أقوالا تستهتر بالدين الإسلامي نظرا لعجز المسلمين عن منافسة هذه الشعوب واعتلاء ركب الحضارة والتقدم من جديد .

وهنا لا بد أن نذكر بحقيقة تكاد تكون مستترة بادئ الأمر عن أعين الناظرين إلا أنها تحمل في طياتها بصورة لا تدع مجالا للشك صدق الإسلام والدعوة الإسلامية فنذكرهم ونقول إن هذه الشعوب الغربية ما بدأت في تقدمها وتطورها إلا بعدما تحررت من ربقة السلطة الكنسية التي غاصت بهم في بحر الانحطاط إلى أمد بعيد ، أما المسلمون و يا للعجب .. فقد حدث لهم نقيض ذلك فكلما أخذوا بلب الدين أحدثوا ثورة روحانية عظيمة شهدتها الدنيا وحققوا ازدهار دينيا ودنيويا ، أما الانحطاط الذي يعصف بالمسلمين اليوم فما هو إلا وليد ابتعاد المسلمين عن تعاليم دينهم وجعلهم إياها وراء ظهورهم حتى أصبح الدين قشرا بلا لب وكلاما بلا روح وشعارات بلا فائدة . فكانت النتيجة ما يلقاه المسلمون اليوم من ذل وخذلان . أليست هذه الحقيقة كافية لإثبات صدق هذا الدين ؟ ولرد كل ما يزعمه ضعفاء الإيمان من مزاعم تنال من شرف ديننا ونبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم .

كثيرا ما عرف هؤلاء بعلماء السلاطين . ومن هذه الفرقة من يسعى إلى استرضاء الشارع الإسلامي بإصدار فتاوى قد لا تعجب القطاع الأوسع من الناس وهم يبررون أحيانا بعض أعمال الفريق الأول ويتناغمون مع حكام السلاطين أحيانا وفق ما تقتضيه مصالحهم ولعل أبرز هؤلاء هم مشايخ وعلماء القنوات الفضائية ، وعلى كل حال فإن علماء السلاطين وعلماء الفضائيات هم جميعا يسعون إلى إرضاء الناس سواء كانوا الحكام أو المحكومين

وإن الذين يحاولون النيل من الدين يظنون أنه سبب للانحطاط لربما يجدون لفكرتهم هذه مبررات واهية مرجعها ما يرونه من سلوك الحركات والتنظيمات الاسلامية التي ساهمت دون أدنى شك في تعقيد الأوضاع وإرباكها بل وتحملت أحيانا المسؤلية عن الويلات والمصائب التي تقع على الأمة ،

ولكن عليهم أن يدركوا أن هذه الحركات والتنظيمات لا تمثل عودة نحو الدين بل هي ردة عن قيمه ومبادئه.

فسلوك هذه الحركات المنافي لتعاليم الاسلام مع رفعهم لشعاره أسهم في الإساءة للأمة ولدينها وهذه الحركات ماهي إلا حركات سياسية بعباءة دينية لتحقيق مصالحها.  فقيم هذا الدين ومبادئه لا تقبل المساومة ولا تتغير بتغير الظروف والأحوال والأزمنة والأمكنة . فالمسلم يجب أن يكون ملتزما بهذه القيم والمبادئ حيثما كان وفي أي ظرف يعيشه سواء كان مهزوما أو منتصرا ، غالبا أو مغلوبا .

ويمكن تقسيم الحركات الإسلامية بشكل عام إلى ثلاث فرق أساسية في الوقت الراهن .فالفرقة الأولى هي الفرقة التي تسعى إلى تحقيق المكاسب على الأرض بغض النظر عن الالتزام الجاد بمبادئ الإسلام وهذه الفرقة تنصب نفسها وصية على مصالح الأمة وترتكب الجرائم باسمها وتنظر هذه الفرقة إلى المسلمين بنظرة قومية قائمة على الدين وما أشبه هذه النظرة بالنظرة اليهودية القومية الدينية .

فهؤلاء يشابهون اليهود في فكرهم وسلوكهم أما الفرقة الثانية فهي فرقة تسعى إلى استرضاء قطاع من الناس حسبما تقتضي الضرورة فمنهم من يسعى إلى استرضاء الحكام ومن حولهم والعالم الغربي الذي يبسط نفوذه على الأرض بادعاء نهجهم لمنهج الوسيطة والاعتدال فهم  يشنون أشد الهجمات على الفريق الأول ويصمونه بالإرهاب وبالخروج عن الدين وكثيرا ما عرف هؤلاء بعلماء السلاطين . ومن هذه الفرقة من يسعى إلى استرضاء الشارع الإسلامي بإصدار فتاوى قد لا تعجب القطاع الأوسع من الناس وهم يبررون أحيانا بعض أعمال الفريق الأول ويتناغمون مع حكام السلاطين أحيانا وفق ما تقتضيه مصالحهم ولعل أبرز هؤلاء هم مشايخ وعلماء القنوات الفضائية ، وعلى كل حال فإن علماء السلاطين وعلماء الفضائيات هم جميعا يسعون إلى إرضاء الناس سواء كانوا الحكام أو المحكومين ولا يأبهون كتثرا بمبادئ الإسلام وقيمه الأصيلة .

ولا شك أن الشارع الإسلامي هو شارع محب لدينه وسيدافع عنه بكل ما أوتي فيما لو انجلت عنه الغمامة التي تشكلت من قرون تضاءل فيها نور الإسلام الصحيح وخفت صوته بين الناس

أما الفئة الثالثة فهي فئة الصالحين الذين لا يخافون في الحق وفي الله لومة لائم ، وهم من يسعون إلى الالتزام بمبادئ الإسلام وقيمه والذين يعملون من أجل نشر هذه المبادئ والقيم التي تحمل الخير لهم وللعالم أجمع . وهذه الفئة على قلة عددها موجودة ولا بد أن تكون في هذه الأمة وإن كان صوتها خافتا أحيانا ودعواها لم تلق صدى عند الناس حكاما ومحكومين حتى هذا الوقت . فهذه الأمة لا يمكن أن تخلو من الفئة التي تحمل لب الإسلام وجوهره والتي تسعى إلى إعادة الأمة إلى دينها وقيمها الأصلية لقوله تعالى :

( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) ( آل عمران : 105 )

ونرجو من الله تعالى أن يجعلنا من هذه الفرقة التي هداها الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم . وقد لا يختلف العلماء على شتى مشاربهم أن سيدنا وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم قد تنبأ بأنه سيكون في الأمة من يشابهون اليهود والنصارى وهذا النبأ تتضمنه سورة الفاتحة أيضا التي يرددها المسلمون ثلاثين مرة على الأقل في اليوم

فمن هم المغضوب عليهم ومن هم الضالون الذين ندعو الله تعالى ألا يجعلنا منهم ؟ فعلى كل مسلم أن يستذكر أن الفرقة الأولى التي ذكرناها تحاول أن تستخدم نصوصا مبتورة من سياقها لتسوغ أعمالها وتعلن التزامها المطلق بالدين بحذافيره وهي فئة تتسم بالتعصب الأعمى وبعدم الشمولية في تناول الأحكام وهي تشابه اليهود الذين يستندون إلى نصوص دينية في تبرير القتل والتدمير الذي يصيبونه على المسلمين ويسعون إلى إشعار نار الفتن والحروب بين شتى أمم الأرض لتحقيق مصالحهم القومية المغلفة بعباءة دينية والفئة الثانية هي التي تشابه النصارى الذين ابتدعوا دينا متهاونا بالقيم والمبادئ متحررا من أعبائها وتسعى إلى استرضاء الناس واكتساب تعاطفهم أما من ليس من هؤلاء ولا من هؤلاء فعليه أن يسعى أن يكون من الفئة الثالثة التي هي فئة المسلمين المؤمنين الذين يتبعون الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم . ولكن هذه الفئة لا بد أن تتوحد ويشتد عودها كي تكون ظاهرة على هاتين الفرقتين ويتسنى لها النهوض بحال الدين والأمة ونحن في الجماعة الإسلامية الأحمدية نحمل تاريخا حافلا بمغايرة هاتين الفرقتين واتخاذ مواقف لا ترضي الأولى ولا الثانية فنحن نقول الحق ونلتزم بالاسلام سواء كنا في حال الضعف أو القوة ولا نسعى إلى اكتساب رضى الناس بسخط الله والانحراف عن أوامره ومبادئ دينه الحنيف ونحن ندعو جميع شرفاء الأمة أن ينضموا إلينا سواء التحقوا بجماعتنا أو لم يلتحقوا حتى نكون يدا واحدة نحو رفعة الأمة وإعلاء كلمة الإسلام وتبديد الأفكار المنحرفة بالحوار والكلمة الطيبة والحكمة والموعظة الحسنة .

والجدير بالذكر في هذا المقام أننا لم نخط هذه السطور إدانة أو إهانة زيد أو بكر أو الطعن في شرف هذا أو ذاك ولكننا ومن زاوية محايدة وبمنظار منصف حللنا أهم الأحداث التي تستقطب الاهتمام على الساحة الإسلامية كما أننا على يقين أن الأمة الإسلامية تزخر برجالات دين على مرتبة عالية من العلم والتقوى ولكنهم لم يكونوا محور بحثنا حيث إنهم أقلية لا يسمع صوتها في خضم الفوضى التي يشهدها الشارع الإسلامي ولا يقام لكلامها وزن . ولا شك أن الشارع الإسلامي هو شارع محب لدينه وسيدافع عنه بكل ما أوتي فيما لو انجلت عنه الغمامة التي تشكلت من قرون تضاءل فيها نور الإسلام الصحيح وخفت صوته بين الناس وعندما يجتمع هذا الفريق وتتكاتف أياديه فإنه سيجد أن يد الله تعالى ستكون فوق أيديه وسينصر الله تعالى من ينصره وهذا وعده الذي لا يخلف ومن أوفى بعهده من الله .

Share via
تابعونا على الفايس بوك