الحقيقة كما أراها الحلقة الثالثة

الحقيقة كما أراها الحلقة الثالثة

حسين القزق

 الاعتقاد بعدم انقطاع الوحي والنبوة التشريعية

بعد رسول الله

يقول الأحمديون أن الاعتراض ناشئ إما عن قلة التدبر أو عن العداء والبغضاء. والحقيقة التي يجهر بها الأحمديون علنًا أنهم لا يرتبطون بمجرد الألفاظ، بل يتمسكون بكل ما يتفق وكرامة الله ورسوله، ولا يمكن أن يفكروا ولا لدقيقة واحدة أن هناك شخصًا سيأتي ويقضي على الرسالة المحمدية ويبتدع كلمة شهادة أو قبلة جديدتين وشريعة تنسخ الشريعة الإسلامية، أو يخرج الناس عن طاعة الرسول . بل يقولون أن الشريعة لا تنسخ إلا بالنبوة التشريعية الجديدة المباشرة، لكن النبوة التي تستمد من اتباع النبي الأول وتستهدف إلى نشر الشريعة السابقة وتعمل على دعم عظمتها وكرامتها، هذه النبوة لا تهين النبي، بل هي مظهر رائع للنبوة السابقة. وإن هذا النوع من النبوة كما بيّن القرآن والحديث والعقل السليم في متناول هذه الأمة. فلولا هذه النبوة لما بقي لهذه الأمة من فضيلة على غيرها من الأمم. وهذا ما قاله رسول الله أنه ظهر كثير من المحدثين في الأمة الموسوية. فلو كانت نبوة رسول الله وقوته القدسية لا تبلغ الإنسان إلا إلى المحدثية، فلم تعد ثمة مدعاة إلى تفضيله على سائر الأنبياء وإلى وصفه بسيد ولد آدم. إن لقب خير الرسل يقتضي وجود فضائل لم تعهد فيمن سلف من الأنبياء. وعندنا أن محمدًا وحده يتمتع بميزة عظيمة وهي أن أتباعه ينالون بفضل قوته القدسية مراتب النبوة، لكن اتباع الأنبياء السابقين لا يستطيعون، لأجل ضعف متبوعيهم في هذه القوة أن ينالوا هذه المراتب. وهذه هي القوة القدسية المنقطعة النظير التي تأسر قلوب المؤمنين وتغمرها حبًا وعشقًا لرسول الله . فلئن كان رسول الله قد ألغى هذه النبوة أيضًا، فيصبح مجيئه عذابًا ونقمة، وسيصير القرآن معطلاً لا يعود على العالم بفائدة، لأن ذلك يدفعنا إلى القول أن الإنسان كان ينال قبل رسول الله أعلى الدرجات الروحانية، لكنه حرم الإنسان من هذه النعمة السماوية، وإن الكتب السماوية قبل القرآن كانت تساعد على التمتع بالنبوة أي كانت تصل بالإنسان إلى مكانة يستحق بها أن ينتخب لتربية الناس، لكن القرآن لا يبلغ بتابعه إلى هذه الدرجة. فلو كان هذا هو الواقع، لذابت قلوب الصادقين من عباد الله حزنًا، وتحطمت نفوسهم من هذه الفاجعة، لأنهم كانوا مطمئنين بإيمانهم بمحمد رحمة للعالمين وسيد الأنبياء أجمعين بأن باب التقدم الروحي والتقرب إلى الله قد تفتح لهم على مصراعيه، لكن تبددت آمالهم وسد الرسول ما كان مفتوحًا من قبل. فهل من أحد من المؤمنين من يخيل إليه ذلك ولو للحظة واحدة؟ وهل من عشاق الرسول من يستطيع أن يستسيغ هذه الفكرة ولو لأقصر فترة؟ يقول الأحمديون في بحث النبوة أن الخطأ الذي وقع فيه المسلمون اليوم يرجع إلى خطأهم في تحديد معنى النبوة (مع العلم بأن كتب السلف الصالح كمحي الدين العربي وابن القيم وجلال الدين الرومي وأحمد السرهندي حافلة بهذه العقيدة). لأنهم يظنون أن النبي لا بد أن يأتي بشريعة جديدة أو يكون خارجًا عن طاعة نبي قبله. لكن الواقع أنه يمكن أن يكون تابعًا لأحد هذه الأقسام الثلاثة أو لا يكون له بها صلة، أي يمكن أن لا يأتي بكتاب جديد ولا ينسخ الشريعة السابقة ولا ينال درجة خاصة من درجات القرب. فإذا تشرف بها أحد، كان من واجبه أن يقوم بإصلاح الناس ويدعوهم إلى الله لكي ينفخ الحياة في قلوبهم المتحجرة، ويروي الأرض الجدبة ويسقيها، ويبلغهم ما ينزل عليه من كلام الله، ويؤسس جماعة تقف على نشر دعوة الحق، وتعمل في ضوء أسوته على تثقيف أنفسها وتقويم أعمالها.

وقصارى القول أن الخطأ قد نشأ بسبب تحديد معنى النبوة. ويقول الله تعالى:

مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (الأحزاب: 41).

يفسر الأحمديون كلمة (خاتم) على أنها الآلة وليس الانتهاء، وكذلك الخاتم الذي يتخذ للتصديق. فيصير معنى الآية أنه آلة الختم التي ختم بها جميع النبيين. الأمر المهم الذي يهدف إليه القرآن الكريم بهذه الآية يصرح بأن محمدًا ليس بأب لأحد منكم، ثم عقب ذلك (لكن رسول الله وخاتم النبيين). ومن البين جدًا أن (لكن) تستعمل للاستدراك، وأيضًا لا يخفى على أحد أن الأمر الذي يثير الشك هنا قوله في سورة الكوثر: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ . أي أن عدوك هو الذي سيكون أبتر ولست أنت، وقال إن لم يكن رسول الله أبا لأحد من الرجال من الناحية الجسمانية، فليس ذلك بضارِّه لأنه رسول الله وإن نسله الروحاني لن ينقطع إلى يوم القيامة. ثم ما اكتفى بذلك، بل قال مضيفًا إلى تقدمه وازدهاره: إنه (خاتم النبيين) أي أنه لم يكن مجرد أب للمؤمنين، بل إنه أبو الأنبياء أجمعهم وخاتمهم الذي يصدقهم ويمنح النبوة لمن يشاء من أمته .

والخلاصة أن هذه الآية لا تحظر النبوة التي ذكرناها آنفًا، ولكنها تنفي النبوة التشريعية أو النبوة المباشرة، لأن هذا القسم من النبوة ينافي الأبوة الروحانية التي أقرتها هذه الآية:

ويقال أيضًا أن رسول الله يقول: “فَإِنِّي آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ مَسْجِدِي آخِرُ الْمَسَاجِدِ”، وكذلك قال: “لا نبي بعدي”. لكن يظهر أن القائلين من الناس يأخذون بأول الحديث ويتركون آخره، إذ يقول : (وإن مسجدي آخر المساجد)، وكلا جزئي الحديث بمعنى واحد، فلو كان معنى آخر الأنبياء النبي الأخير دل (آخر المساجد) على أن مسجده هو المسجد الأخير ولا مسجد بعده. لكن الذين يستدلون بآخر الأنبياء على انتهاء النبوة المطلقة، ما برحوا مندفعين نحو بناء المساجد. فلو كان مجيء آخر الأنبياء داعيًا إلى إنهاء النبوة المطلقة لكان من المستحيل أيضًا أن يكون هناك مسجد بعد مسجد النبي .

ويجاب على ذلك أن شأن هذه المساجد كلها أيضًا لرسول الله ، لأن طريق العبادة الذي لأجله أسس مسجد رسول الله هو نفس الطريق الذي يُعبد به في هذه المساجد، فإنها لا تغايره، لأنها تابعة له كالظل، ولذا لا تنافي كونه آخر المساجد.

إن هذا الجواب صحيح، كذلك نقول أن رسول الله رغم كونه آخر الأنبياء لا يعارض مجيء ظله من الأنبياء الذي لا يأتي بشريعة جديدة، بل هو خاضع لشريعته ، ولا يبعث إلا لنشر دينه وإحياء شريعته ويستمد كل فضل من سيده ومولاه محمد رسول الله . فإن هذا النبي لا ينفي كونه آخر الأنبياء كما لا تنافي هذه المساجد كون مسجده آخر المساجد.

إن حديث (لا نبي بعدي) أيضًا لا يدل على نفي النبوة المطلقة. بل يهدف إلى نفي النبوة الناسخة لشريعة محمد ، لأن النبوة المرتبطة بـ (بعد) لن تبدأ إلا بعد انتهاء ما قبلها، فالنبي الذي يأتي مصدقًا لرسالة محمد لا يكون خاضعًا لحديث (لا نبي بعدي) بل إن نبوة رسول الله تكون متضمنة لنبوته أيضًا.

ومن الحصافة أن يتدبر الإنسان في الألفاظ حتى يدرك حقيقتها، ولعل هؤلاء هم الذين عنتهم عائشة بقولها: “قولوا إنه خاتم الأنبياء ولا تقولوا لا نبي بعده”. فلو اعتقدت عائشة بنفي النبوة المطلقة لما منعتهم من القول بـ “لا نبي بعده”، وإن لم يكن قولها صحيحًا فلماذا لم يقاطعها الصحابة y.

يقول الله :

وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (النساء: 67-71).

وفي سورة الفاتحة نردد كثيرًا قول اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ .

يتبين من هذه الآيات أن صراط الذين أنعمت عليهم، هو الانضمام إلى طائفة الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين. فإذا كان الله قد علمنا أن نقرأ ذلك فكيف إذن نقطع النبوة عن الأمة المسلمة على الإطلاق، وهل من الممكن أنه من ناحية يؤكد لنا بطلب الصراط المستقيم، صراط الأنبياء والصالحين، ومن ناحية أخرى يقول لنا والعياذ بالله – إنني حرمت عليكم هذه النعمة إلى الأبد. فلو كان حرّم علينا نعمة النبوة لما علّمنا بأن نلح في طلبها، ولما بشرنا بأن أتباع هذا النبي يشرف الإنسان بالنبوة.

يقول الشيخ محي الدين بن عربي منذ ثمانية قرون في بقاء النبوة ما يقوله الأحمديون اليوم، وإن تسرُّع الناس في تكذيب الأحمدية يشبه تسرع خصوم الشيخ الأكبر في تكفيره وتفسيقه من قبل. ودار الزمن دورته قديمًا وعرف العالم الإسلامي علو كعب الشيخ الأكبر وسمو درجته ورفيع مقامه. ونذكر هنا بعض أقوال الشيخ الأكبر:

1- فما ارتفعت النبوة بالكلية، ولهذا قلنا إنما ارتفعت نبوة التشريع. فهذا معنى لا نبي بعده، أي لا مشرع خاصة، لا أنه لا يكون بعده نبي – الفتوحات المكية.

2- فالنبوة سارية إلى يوم القيامة في الخلق، وإن التشريع قد انقطع، فالتشريع جزء من أجزاء النبوة، فإنه يستحيل أن ينقطع خبر الله وأخباره في العالم، إذ لو انقطع لم يبق للعالم غذاء يتغذى به في بقاء وجوده

قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (الكهف: 110). وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ (لقمان: 28).

وقد أخبر الله أنه ما من شيء يريد إيجاده إلا يقول له كن. فهذه كلمات الله لا تنقطع وهي الغذاء العام لجميع الموجودات. وأما النبوة العامة فأجزاؤها لا تنحصر ولا يضبطها عدد، فإنها مؤقتة الاستمرار دائمًا دنيا وآخرة. هذه مسألة أغفلها أهل طريقنا. فلا أدري عن قصد منهم كان ذلك أو لم يوفقهم الله عليها، أو ذكروها، وما وصل ذلك الذكر أينا.

3- فإن النبوة التي انقطعت بوجود رسول الله إنما هي نبوة التشريع لا مقامها، فلا شرع يكون ناسخًا لشرعه ، ولا يزيد في حكمه شرع آخر. وهذا معنى قوله : إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي بعدي يكون على شرع يخالف شرعي. بل إذا كان، يكون تحت حكم شريعتي. فإنه لا خلاف أن عيسى نبي ورسول وأن لا خلاف أنه ينزل في آخر الزمان (الفتوحات)

وفي هذا المقام تجدر الإشارة إلى أن الأحمديين يعتقدون بأن مهدي آخر الزمان ومسيحه الموعود قد أتى ممثلاً بحضرة مرزا غلام أحمد مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية الذي ولد سنة 1835م، واستهل كفاحه لنصرة دين الله، بكتابه التاريخي (براهين أحمدية)، وقد ادعى فيه بتحد صريح أن الإسلام هو الدين الحي الخالد الذي باتباعه يتمكن الإنسان من تعزيز صلته بخالقه ، ويظفر بالارتباط به أيما ارتباط، وأن التعاليم التي يتضمنها القرآن الكريم والشريعة التي يقدمها الإسلام، إنما تهدف إلى السمو بالإنسان إلى ذروة الكمال في كل من المجالات الخلقية والفكرية والروحية. وكذلك هو أعلن أن الله قد بعثه مسيحًا موعودًا طبق أنباء التوراة والقرآن الكريم. ويقول الأحمديون أن مجيئه ينطبق تمامًا على حساب الجمل من الآية وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (المؤمنون: 19)، وهو ذهاب روح الإسلام إلى الله في 1274 هـ، كما تشير الآية وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ (الجمعة: 4) حسب حساب الجمل سنة 1275هـ. والجدير بالذكر أن عيسى خاتم خلفاء الأمة الموسوية كان ظهر على رأس القرن الرابع عشر من بعد موسى عليهما السلام. ويقول الأحمديون أفما كان واجبًا أن يأتي مثيله في هذه الأمة من الأمة المحمدية نفسها حسب آية الاستخلاف على رأس القرن الرابع عشر.

هنالك استدلال آخر على أن مهدي آخر الزمان سيكون من الأمة المحمدية يقول الله تعالى

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (الجمعة: 3-4).

وقد جاء في الحديث تفسيرها ومعناها وعمن نزلت عليه صلى الله عليه وسلم هاتان الآيتان:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِم قَالَ: قُلْتُ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ: “لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أَوْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ” (صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن).

يتبين من هذه الآية أن الله بعث في الأميين رسولاً وهو محمد رسول الله خاتم النبيين ، وسيبعثه في الآخرين من أمة محمد في زمن بعيد قد عرج فيه الإيمان إلى الثريا، لكن بعثته هذه ثانية لا تكون بمجيئه هو مرة ثانية، بل ينوب عنه (رجال أو رجل) من قوم سلمان الفارسي. وهنا التركيز على قول “في الأميين رسولا”، “وآخرين منهم”، وكلمة “لناله” تشير إلى أن هذا النائب يكون خادمه لإرجاع الإيمان إلى قلوب المسلمين وتجديد دينه.

اتهام الأحمديين بتفضيل الحكم الأجنبي على الحكم الإسلامي

يرد المسلمون الأحمديون على هذا الاتهام بأن السيد أبو الأعلى المودودي هو الذي أثار هذه الزوبعة في وجه الأحمديين وقد أخذها عنه الكثيرون دون أن يدركوا الأغراض التي كانت وراءها. ولا بد من ذكر شيء عن الفتنة الكبرى التي أثارها في باكستان بعض العلماء ضد الأحمديين في عام 1953 وفي مقدمتهم السيد المودودي.

وكانت الحكومة الباكستانية أعلنت الحكم العرفي في البلاد، وألقت القبض على مثيري الفتنة والاضطراب وكان من بينهم السيد المودودي الذي أدين العشرات من أنصاره مع رجال حزب الأحرار، وحوكموا في محكمة التحقيق العدلية، وحكم عليهم بالسجن. وكان قد حكم على السيد المودودي بالإعدام من قبل ولم ينفذ الحكم فيه بسبب شفاعة الشافعين.

يرد الأحمديون أن الهندوس والسيخ في ذلك الوقت كانوا ينزلون بالمسلمين أشد أنواع العذاب حتى أنهم كانوا يخشون على نسائهم وبناتهم منهم، وقد قتل الكثيرون منهم، كما أنهم لم يكونوا يؤدون عباداتهم براحة من البال. وعندما جاءت الحكومة الإنجليزية حيث أقرت حرية العبادة مدحها الكثيرون من غير الأحمديين ومنهم علماء أفاضل.

ويزيد الأحمديون على ذلك بقولهم أنه إذا كانت الحكومة الإنجليزية في ذلك العهد تتخلق بهذا الخلق الإسلامي وتحمي حرية المعتقدات بين أفراد الرعية على السواء، وكانت الحكومات الإسلامية بعكس ذلك تخالف تعاليم الإسلام الصحيح إذ ذاك وتحجز على القول وحرية الآراء، وتقتل من يجهر بعقيدة جديدة تخالف عقيدة الأكثرية، فهل يكون مرزا غلام أحمد مخطئًا في مديح العدالة إذا وجدها عند الإنجليز الكفار لمجرد أنهم كفار؟ وهل يلام إذا ذم تعصب بعض الحكومات الإسلامية في الأمور التي ينكرها الإسلام؟ وهل يعني مدحه وذمه هنا أنه يفضل الحكم الأجنبي على الحكم الإسلامي والعياذ بالله، أم أن مدحه وذمه لا يعنيان سوى مدح خلق عظيم من الأخلاق.

مراجع مختلفة تعزز ما يقوله الأحمديون

1- يقول الأستاذ الشيخ محمد عبده في كتابه (الإسلام والنصرانية ص 165-166) ما نصه: “نحن لا ننكر أن بين الأمم الأوروبية أمة تعرف كيف تحكم من ليس على دينها، وتعرف كيف يحترم عقائد من تسوسهم وعوائدهم، وهي الأمة الإنجليزية، فهي وحدها الأمة المسيحية التي تقدر التسامح حق قدره..”

2- يقول الشيخ رشيد رضا في المجلد الثاني من مجلة المنار ما نصه:

“ولم تأل الحكومة الإنجليزية جهدًا بمداولة العدالة والحرية والأمن فوق الشعوب الهندية”.

ويقول أيضًا: “ولاسيما إذا كانت الحكومة متساهلة قريبة من العدل بين جميع الأمم والملل كالحكومة الإنجليزية. والمعروف أن قوانين هذه الدولة أقرب إلى الشريعة الإسلامية من غيرها، لأنها تفوق أكثر الأمور إلى اجتهاد القضاة، فمن كان أهلاً للقضاء في الإسلام وتولى القضاء في الهند بصحة قصد وحسن نية تيسر له أن يخدم المسلمين خدمة جليلة. تفسير المنار الجزء السادس ص 408-409.

3- يقول الشيخ محمد حسين البطالوي وهو من زعماء الوهابيين وألد أعداء المسيح الموعود في الهند في مجلة -إشاعة السنة- العدد 10 المجلد 6 ص 285 ما تعريبه: (لا يجوز للرعية المسلمة أن تحارب حكومة تتمتع في عهدها بحرية القيام بالشعائر الدينية أو تساعد من يحاربها بالنفس والمال، وإن كانت تلك الحكومة يهودية أو مسيحية، وعليه فإن عصيان المسلمين للحكومة الإنجليزية عليها حرام). ثم يقول: (إن الشيخ الكبير نذير حسين المعروف بالمحدث الدهلوي قال: إن ثورة 1857 بالنظر إلى المعنى الصحيح للجهاد لم تكن جهادًا بل كانت خيانة وتمردًا، من أجل ذلك أرى أن مساعدة هذه الثورة والاشتراك فيها معصية. ص 288)

ثم يقول: (إن السلطان العثماني ملك مسلم بلا شك، لكن نحن المسلمين بصرف النظر عن اختلاف ديني، لسنا أقل اعتزازًا بالحكومة الإنجليزية من جهة الأمن العام وحسن النظام. والفرقة الوهابية تشيد بهذه الحكومة من ناحية الأمن والسلام وتفخر بها أكثر من افتخارها بسائر الممالك الإسلامية كتركيا وإيران وخراسان (ص 292).

ثم يقول: (إن فرقتنا تفضل البقاء تحت هذه الحكومة ذات الحرية والأمن العامين وذات النظام الرائع على كونها رعية للدول الإسلامية الأخرى، وجماعتنا أينما تحل وترحل لا تريد أن تصير محكومة لحكومة أخرى غير هذه سواء كانت هذه الحكومة للعرب أم لغيرهم.

وهنا يمكننا القول أن مؤسس الجماعة الأحمدية كان يمدح الإنجليز لأسباب كان يمدحهم من أجلها غيره من كبار المسلمين، وإن من أعظم هذه الأسباب في بنجاب خاصة انقاذ الإنجليز للمسلمين هناك من مظالم السيخ، إذ كان هؤلاء القوم يحتلون مساجد المسلمين، ويضعون فيها أصنامهم، ويمنعون المسلمين من إقامة شعائر دينهم، وكانوا إذا سمعوا مسلمًا يؤذن وينادي للصلاة قطعوا يده أو لسانه وسجنوه حتى الموت. فجاء الإنجليز وأنقذوا المسلمين من هذه المظالم ومنحوهم حريتهم في دينهم.

إن رسول الله قبِل حماية عمه أبي طالب ولم يكن عمه مسلمًا، وكان رسول الله يرغب في أن يقول عمه كلمة الإسلام ولو في أذنه، وكان يمدحه ويحبه، ولم يعاتبه الله على حبه، بل قال له:

إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ .

كما أرسل المهاجرين الأول إلى الحبشة ومدح ملكها النصراني بقوله: (فإن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد).

Share via
تابعونا على الفايس بوك