تربية الأولاد

خطاب أمير المؤمنين – نصره الله تعالى – ألقاه في خيمة السيدات خلال المؤتمر السنوي العالمي في ألمانيا، 25 أغسطس/ آب 2001م

ترجمة: داود أحمد عابد (داعية إسلامي أحمدي)

“تنشر أسرة التقوى هذه الترجمة على مسؤوليتها”

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) (آمين)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 7)

خطابي اليوم يتعلق بتربية الأولاد، وآمل أن الأمهات سوف يُربِّينَ أولادهنّ الذين هم مستقبلهن تربية حسنة على ضوء هذا الخطاب. فأول حديث أقدمه في هذا الصدد مرويّ عن أبي هريرة أن رسول الله قال:

“ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه وينصِّرانه ويمجّسانه”. (مسلم، كتاب القدر)

فهذه لبشارة عظمى بأن الله تعالى يخلق كل مولود – كائناً من كان – على الفطرة السليمة.

ثمة أولاد يولَدون نتيجة الاغتصاب. ولقد وُلد في البوسنة أمثال هؤلاء الأولاد، فسألتني أمهاتهم عن مصيرهم، فأجبت: لا ذنب لهؤلاء، فإنهم أهل الجنة، أما الذين قاموا بهذا الظلم فهم أصحاب الجحيم. وذلك لأن النبي قال: إن الأطفال كلهم يولدون على الفطرة.

إذن ثمة نقطة هامة جداً ينبغي أن تُلقيَ لها الأمهات الأحمديات بالَهن وهي أن الأولاد الذين يولدون على دين الفطرة إذا نشأوا وكبروا تحت تربيتهن وصاروا يهوداً او نصارى أو مجوساً فليس في ذلك ذنب لهؤلاء الأطفال، وإنما يرجع سببه إلى تقصير الأبوين.

عن أيوب عن أبيه عن جدّه أن رسول الله قال:

“ما نَحَل والدٌ ولداً مِن نحلٍ أفضلَ مِن أدبٍ حسنٍ”. (الترمذي، أبواب البر والصلة)

وورد في حديث آخر:

“عن أبي هريرة قال، قال رسول الله : “الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل”. (الترمذي، أبواب الزهد)

إذن يجب الانتباه إلى أصدقاء الأولاد منذ نعومة أظفارهم ويجب أن نرى من يتخذ الأولاد كأصدقاء. ثمة أناس لا يعيرون لهذا الأمر اهتماماً مع أنهم يدركون تماماً أحوال أصدقاء أطفالهم، فإن كانوا صالحين يتربّى الطفل تربية حسنة تلقائياً. لذا عليكم أن تهتموا بأصدقاء أولادكم، بحيث إذا كانوا من قبيل قرناء سَوء فاسعَوا إلى فضِّ العلاقات بينهم. أقرأ لكم في هذا الصدد قولاً لسيدنا المسيح الموعود ، يقول حضرته:

“تذكروا جيداً أنه لا شيء ينفع ما لم تكن مع الله صلة، وما لم تنشأ به علاقة صافية. انظروا إلى اليهود! أَمَا كانوا من سلالة الأنبياء؟ إنهم قوم كانوا يفتخرون بذلك ويقولون “نحن أبناء الله وأحبّاؤه”، لكنهم حينما قطعوا علاقاتِهم بالله تعالى وآثروا الحياةَ الدنيا فماذا كانت النتيجة؟ سمّاهم الله تعالى الخنازير والقردة. فالآن بالرغم من الأموال الطائلة لديهم فإن حالتهم ليست خافية على أحد”. (الملفوظات، المجلد 8 ص 109-110)

قال رسول الله :

“خيرُ ما يخلُفُه الرجلُ مِن بعده ثلاث.. ولدٌ صالح يدعو له، وصدقةٌ تجري يبلغه أجرُها، وعلمٌ يُعمَل به من بعده”. (ابن ماجة، المقدمة، باب ثواب معلم الناس)

فمجرد العلم لا يُعتبر صدقة وإنما العلم الذي يُعمل به من بعده فهو صدقة.

وثمة رواية أخرى عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: “وُلد لي غلام فأتيتُ النبي ، فسمّاه إبراهيم، فحنّكه بتمرة، ودعا له بالبركة”. (البخاري، كتاب العقيقة)

كان من دأب النبي أنه كان يسمي الأطفال بأسماء حسنة تفاؤلاً، وينبغي أن تسمّوا أنتم أيضاً أولادكم بأسماء ليست مترنّمة على السماع فقط وإنما تكون ذات مدلول وأن تكون جيدة المعنى أيضاً، ففي كثير من الأحيان ينشأ الطفل ويتربّى حسب تسميته. فهذه كانت سنّة النبي ، ولأجل ذلك سمّى الطفل إبراهيم.

يحنك الناسُ الأطفالَ في هذه الأيام بالعسل، أما النبي فثبت عنه أنه حنَّك بالتمرة.

يقول سيدنا المسيح الموعود :

“إذا تمنّى أحدكم الأولاد فلتكن أمنيتهُ أن يُولد له ولد يكون وسيلةً في إعلاءِ كلمة الإسلام. فإذا كانت الأمنية طيبةً فإن الله قادر على أن يرزق الأولاد كما رُزق زكريا عليه السلام”. (الملفوظات، المجلد الثالث ص 579)

*عاملوا أولادكم بالعدل والمساواة، وأكرموهم وربوهم تربية حسنة. إن الحب الزائد للأولاد يعرض الإنسان للفتن الكبيرة. لن يكون نصحكم لأولادكم بالحسنة مجدياً ما لم تتداركوا أحوالكم أولاً. لا بد من خلق النفور من الكذب لدى الأطفال منذ نعومة أظفارهم. لا يدمر الله تعالى بيتاً يداوم فيه على الدعاء.

أي إذا كان الإنجاب مستحيلاً لأحد في بادي الأمر، ولكن إذا كانت لديه النية أن يولد له أولاد أطهار، وإلى جانب ذلك يتضرع إلى الله تعالى ويرفع البكاء في حضرته دون يأس ولا قنوط، ففي مثل هذه الحالة يقول سيدنا المسيح الموعود : “ليس من المستعبد أن يرزقه الله تعالى أولاداً صالحين استجابةً لأدعيته المتضرعة على الرغم من الحالات المستعصية.

يقول حضرته أيضاً: “نسمع في بعض الأحيان أصحابَ العقارات يقولون: “ليكن هناك ولد يرث هذا العقار لئلا يذهب في يد الأغيار. لكنهم لا يدرون أن الأولاد والشركاء كلهم يصبحون – بعد الموت – أغياراً بالنسبة لهم. فإذا كانت ثمة أمنية للأولاد فلتكن لأولاد يخدمون الدين”. (الملفوظات، المجلد الثامن ص 110)

عن أنس بن مالك أن النبي قال: أكرِموا أولادَكم وأحسِنوا أدبهم. (ابن ماجة، أبواب الأدب)

هذا الأمر هو الآخر ضروري. إن الضجر والتوبيخ الزائدين للأطفال وتخاطبهم دون الاحترام أمور تُفسد تربية الأولاد، وبالتالي لا ينشؤون على احترام الأبوين.

في إقليم ” أتّرا برديش” الهندي لا يخاطب الناس أولادَهم إلا بصيغة الجمع، فكذلك إذا استطعتم أن تخاطبوا أطفالكم بصيغة الجمع فافعلوا، فهذه عادة حسنة، فغذا احترم الأبوان الطفلَ يحترمْها، أما إذا لم يؤدّباه فإنه سوف ينشأ قليلَ الأدب ولن يحترمهما فيما بعدُ وإن صار كبير السن.

 

تقول عائشة رضي الله تعالى عنها: “ما رأيت أحداً كان أشبهَ سمتاً وهَدْياً ودَلّاً لرسول الله من فاطمة رضي الله تعالى عنها. كانت إذا دخلتْ عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذتْ بيده وقبّلته وأجلسته في مجلسها”. (أبو داود، كتاب الأدب)

ثمة قول آخر لسيدنا المسيح الموعود : “إن الناس يرغبون في الأولاد، ولكنهم لا يفكرون في تربيتهم ولا يسعَون لجعلهم طيبين وصالحين ومطيعين لله، فلا يدعون لهم ولا يأخذون أمورَ تربيتهم في عين الاعتبار.”

أقول: إن هذا القول لسيدنا المسيح الموعود لربما هو نتيجة طلبات أناس كانوا يطلبون من حضرته الدعاء للأولاد ولكنهم ما كانوا يبالون بتربيتهم الحسنة. أما الآن، فكما أتذكر، أن معظم الناس عندما يكتبون إلي للدعاء أن يُرزقوا الأولاد، يطلبون الدعاء بأن يكون أولادهم صالحين.

يقول سيدنا المسيح الموعود : “لقد غدا من عادتي أنني لا أصلّي صلاة إلا وأدعو بها لأصدقائي وأولادي وزوجتي”. (الملفوظات المجلد الثاني ص 372)

ورد في صحيح البخاري عن عمر بن أبي سلمة يقول: “كنت غلاماً في حِجْرِ رسول الله وكانت يدي تطيش في الصفحة، فقال لي رسول الله : يا غلام! سَمِّ اللهَ وكُلْ بيمينك وكُلْ مما يليك، فما زالت تلك طِعمَتي بعدُ”. (البخاري، كتاب الأطعمة)

فالتربية لا تتم إلا في الطفولة، فإذا لم نعلِّم الطفل قول البَسْمَلة في صغر سنّه لن يتعلم هذا الأمر في الكبر، وكذلك الأمر بتعليم تناول الطعام مما يليه، فينبغي ألا تطيش الأصابع في الصحن هنا وهناك. فإن الأطفال الذين يبحثون عن ألذّ طعام وأطيب لحمٍ علِّموهم أنكم سوف تنالون هذا النوع من الطعام أيضاً، لذا ليس عليكم إلا أن تأكلوا براحة وطمأنينة. إن تناول الطعام باطمئنان يساعد على الهضم، ومَن يتناول الطعام مضطرباً فإنه يتضرر.

“إذن فالتربية لا تتم إلا في الطفولة، فإذا لم نعلم الطفل قول البسملة في صغر سنه لن يتعلم هذا الأمر في الكبر، .. لذا ليس عليكم إلا أن تأكلوا براحة وطمأنينة. إن تناول الطعام باطمئنان يساعد في الهضم، ومن يتناول الطعام مضطرباً فإنه يتضرر.”

ثمة رواية عن طفل يرويها رافع بن عمرو الغفاري قال: “كنتُ وأنا غلامٌ أرمي نخلاً للأنصار فأُتي النبي فقيل: إن ههنا غلاماً يرمي نخلَنا، فأُتي بي إلى النبي ، فقال: يا غلام! لِمَ ترمي النخل؟ قال، قلت: آكل. قال: فلا ترمِ النخل، وكُلْ ما يسقُط في أسفلها! ثم مسَحَ رأسي وقال: اللهم أشْبِع بطنَه”. (مسند أحمد بن حنبل، مسند البصريين)

وهذا يعني أنه إذا كان ثمة فاكهة طريحة على الأرض من دون أن تُسقط بالرمي فيجوز أكلها في رأي النبي . هذا وإن النبي مع تعليمه للطفل دعا له بأن يملأ الله بطنه، فلم يطمع هذا الطفل طيلة حياته.

عن أبي هريرة أن الحسن بن علي أخذ تمراً من تمر الصدقة، فجَعَلَها في فيه، فقال النبي بالفارسية: (كِخْ كِخْ! أما تعرف أنّا لا نأكل الصدقة؟) (البخاري، كتاب الجهاد والسير)

وفي رواية أخرى أدخل النبي إصبعه في فم حفيده وأخرج منه التمرة.

وهناك رواية أخرى عن أبي هريرة قال: “قبّل النبي الحسن ابن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: “إن لي عشرةً من الولد ما قبّلتُ منهم أحداً! فنظر إليه رسول الله ثم قال: مَن لا يَرْحَم لا يُرْحَم”. (البخاري، كتاب الأدب) فتقبيل الأولاد وحبُّهم من سنّة رسول الله ، فإنه كان يحب الأطفال صغارَهم وكبارَهم، وكان يقبّلهم.

ثمة رواية أخرى في الأدب المفرد للبخاري عن أبي هريرة قال: “أتى النبي رجلٌ ومعه صبيٌ يضمّه إليه. فقال النبي : أتَرحمه؟ قال: “نعم”. قال: الله أرحم بك منك به وهو أرحم الراحمين”. (الأدب المفرد للبخاري، باب رحمة العيال)

عن سهل عن أبيه عن النبي أنه قال: إن لله تبارك وتعالى عباداً لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم. قيل له: مَن أولئك يا رسول الله؟ قال: متبرٍّ عن والديه راغبٌ عنهما ومتبرٍّ عن ولده، ورجلٌ أنعم عليه قوم فكفر نعمتهم وتبرأ منهم. (مسند أحمد بن حنبل، مسند المكّيين)

قال أنس: كان رسول الله من أحسن الناس خُلُقاٍ، فأرسلني يوماً لحاجة، فقلتُ: والله لا أذهبُ، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبيُّ الله . فخرَجتُ أمُرُّ على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله قد قبَض بقفاي من ورائي. قال: فنظرتُ إليه وهو يضحك، فقال: يا أُنيسُ أذَهَبْتَ حيث أمرتُك؟ قال: قلتُ: نعم! أنا أذهب يا رسول الله! قال أنس: والله لقد خدَمْتهُ تسعَ سنين ما علِمْتُه قال لشيء صنعته: لِمَ فعلتَ كذا وكذا؟ أو لشيءٍ تركته: هلّا فعلتَ كذا وكذا؟ (صحيح مسلم، كتاب الفضائل)

ويظهر من ذلك أن النبي كان يحب سيدنا أنساً ويرفق به كثيراً حتى إذا صدر منه تقصير فيما وُكِّل إليه من عمل فكان يعفو عنه.

عن عبد الله بن جعفر قال: “كان رسول الله إذا قدِم من سفر تُلُقِّيَ بالصبيان من أهل بيته. قال: وإنه قدِم مرةً من سفر، قال: فسُبِق بي إليه، قال: فحمَلني بين يديه، قال: ثم جيء بأحد ابنَي فاطمة إما حسن وإما حسين فأردفَه، قال: فدخلنا المدينةَ ثلاثةً على دابّة.” (مسند أحمد بن حنبل، مسند أهل البيت)

لقد ولّى زمن الجِمال لكنكم إذا أجلستم الأولاد معكم أو إذا كنتم تسوقون المركبة أو السيارة وأركبتم أولادكم وأجلستموهم في الحضن فإنه من سنّة النبي ، وكنتُ أنا أيضاً أتّبع هذه السنّة إذ كنت أحتضن بناتي واحدة بعد أخرى عندما كنت أسوق السيارة. وثمة رواية أخرى عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما يقول: كان رسول الله يأخذني فيُقعدني على فخذه ويُقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمهما ثم يقول: اللهم ارحمهما فإني أرحمهما. (البخاري، كتاب الأدب)

والآن أقدم رواية عن السيد يعقوب علي عرفاني وردت في كتاب سيرة المسيح الموعود: “أنه كان يخرج من بيته دون تردد محتضناً بعض أولاده، كما كان يحتضنهم أثناء النزهة أيضاً مع أن خدامه وأصحابه كانوا يحسبون من سعادتهم أن يحملوا أولاد حضرته ، لكنه كان يحتضنهم رغبة في رضاهم أو لإصرارهم، فكان يُرضيهم بهذا العمل ثم يناول لبعض خدّامه إيامهم”. أي كان يحتضن أحد أولاده ويسير لبعض الوقت ثم يناوله أحداً من خدّامه حسب رغبة الخادم.

ويستطرد الراوي قائلاً: “عند وفاة كريمته الآنسة “أمة النصير” حمَلَ جَنَازتها ووصل حاملاً إياها إلى السوق الصغير أي إلى كراج الباصات”. (سيرة المسيح الموعود ، تأليف يعقوب علي عرفاني ص 389)

يروي السيد عبد الكريم السيالكوتي ويقول:

“لقد شاهدت مراراً أنه كان يجلس مع الأولاد على السرير، والأولاد قد اضطروه أن يجلس على مؤخرة السرير، وأخذوا يروون له قصص الضفادع والغربان والعصافير بلهجة الطفولة، واستمروا في بيان هذه الحكايات إلى ساعات طويلة وحضرته يستمع إليهم متمتعاً كأن أحداً يلقي على مسامع حضرته حكايات من مثنوي مولانا روم. وكان يعارض بشدة فكرة ضرب الأطفال وضجرهم وتوبيخهم، فما كان يضرب الأطفال ولا يضجرهم ولا يصدر عنه ما يُظهر سخطه عليهم ولو شغبوا وأزعجوه بأسئلة لا محل لها وأصروا للحصول على شيء لا يكاد يوجد أصلاً”. (سيرة المسيح الموعود ص 35) كذلك ينبغي بيان القصص الممتعة أيضاً للأطفال. رُوي أن سيدنا المسيح الموعود قال: “ينبغي أن تُروى القصة الجيدة لأن الأطفال يتعلمون من خلالها ويعقلون”. (سيرة المسيح الموعود ، تأليف يعقوب علي عرفاني ص 384)

كنت أنا أيضاً أحكي الحكايات للأطفال في البرنامج التلفزيوني لتعليم اللغة الأردية “أردو كلاس”، وكنت أنسج القصص من عندي ثم أحكيها لهم، وكان الأطفال يستمتعون بها ويتعلمون اللغة الأردية، وكنت هكذا أنتهز الفرصة – بتوفيق من الله – لتأسِّي أسوة سيدنا المسيح الموعود .

وفي رواية عن النعمان بن بشير أن أباه أُتى به إلى النبي فقال: “إني نحلتُ (أي أعطيت) ابني هذا غلاماً”. فقال: أكُلَّ ولَدِكَ نحلتَ مثلَه؟ قال: لا. قال: فأرجعه. وفي رواية أنه قال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. فرجع فردَّ عطيته. (البخاري كتاب الهبة)

وفي رواية أنه قال: لا تُشهِدْني على جور، لا أشهد على جور. (البخاري، كتاب الشهادات)

كما هو معلوم أن بعض الأطفال يكونون أحب إلى الأبوين من الآخرين، لكن التعامل بالعدل بين الأطفال أمر لا بد منه وإلا يتولد بينهم شعور البخل والنفور تجاه إخوانهم الآخرين.

إن سيدنا حضرة المسيح الموعود كان يعارض بشدة فكرة ضرب الأطفال، وكان قد أعطى تعليمات صارمةً للأستاذة ألا يضربوا التلاميذ في المدرسة، وإذا وصلت إليه شكوى من طالب أن الأستاذ قام بضربه فكان يكره ذلك كثيراً، وقد تم سنُّ الأحكام العديدة كيلا يعاقب الأطفال عقاباً جسدياً، وكان يقول عن صغار السن بأنهم لم يُكلَّفوا بعدُ من الله فكيف أصبحوا مكلَّفين لديكم؟ (سيرة المسيح الموعود ، تأليف يعقوب علي عرفاني ص 365)

يعني أنهم ما بلغوا بعد عمراً ليصبحوا مسؤولين أمام الله تعالى فلا يجوز لكم أن تقسوا عليهم قبل سن البلوغ.

ثمة حديث عن أنس يقول: “أتى علَيَّ رسولُ الله وأنا ألعب مع الغلمان، قال فسلّم علينا، فبعثني إلى حاجة، فأبطأتُ على أمي، فلما جئتُ قالت: ما حبَسَك؟ قلت: بعثني رسول الله لحاجة! قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سرٌّ! قالت: لا تحدِّثَنّ بسرِّ رسول الله أحداً! قال أنس: والله لو حدّثتُ به أحداً لحدثتُك يا ثابتُ! (مسلم، كتاب فضائل الصحابة)

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله : مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناءُ سبعِ سنين، واضرِبُوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع. (أبو داود، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة)

أقول: يجب أن يكون هذا الضرب خفيفاً مثل الضرب بالكف مرة أو مرتين على الظهر، وليس الضرب القاسي بالعصا وغيرها من الأشياء، الأمر الذي ما كان يحبّه رسول الله . ويقول اجعلوهم ينامون في سررهم وُحداناً.

ولا يجوز الضرب بعد أن يبلغ الأطفال الثاني عشر من عمرهم، بل اتركوا أمرهم على الله، عندها سوف تعينهم تربيتكم التي قمتم بها في طفولتهم أو الأدعية التي تدعونها لهم. عن بن عباس قال: “بتُّ عند خالتي، فقام النبي يُصلِّي من الليل، فقمتُ أُصلِّي معه، فقمتُ عن يساره، فأخذ برأسي فأقامني عن يمينه”. (البخاري، كتاب الأذان)

ليكن معلوماً أن الطفل – في مثل هذا الوضع – يقوم عن يمين الإمام أما البنت فتقوم عن شماله.

أحِبُّوا أولادكم! لكن الأمر الذي لا بدّ أن يكون في الحسبان هو أن حب الأولاد هو الآخر يعرّض الإنسان لابتلاءات شديدة. هذا وإن معظم الناس يُفسدون أخلاق أولادهم بسبب الدلال الزائد، ولذلك فإنهم هم المسؤولون عن ذنوب أولادهم عند ما يكبرون. يقول سيدنا المسيح الموعود : “يجب على الإنسان إلى جانب إحداث تغيُّر في حالته ودعائه لنفسه، أن يستمر في الدعاء لأولاده وزوجته أيضاً، لأن كثيراً من الفتن يتعرض لها الإنسان من جرّاء أولاده”. (الملفوظات ج 5 ص 456)

وقال بمناسبة أخرى: “وإنه لعمل غير مُجْدٍ، بل من المعصية والإثم أن يتمنى الإنسانُ أولاداً إذا لم تكن النية أن يكونوا متدينين ومتقين وخدّام الدين، مطيعين لله، وإلا من الممكن أن يسمى هؤلاء بـ “الباقيات السيئات” بدل “الباقيات الصالحات”.

أي إن الظن في مثل هؤلاء الأولاد أن يكونوا بارّين ليس إلا وهماً، إذ سيظل أمثال هؤلاء متوغلين في الآثام.

“..أما إذا قال أحد بأنه يبغي أولاداً صالحين مواسين لخلق الله وخدام الدين، فقوله هذا ليس سوى ادعاء فارغ ما لم يُحدث في نفسه تغيراً صالحاً”.

على العموم يريد الأبوان أن يكون أولادهما بارّين ولكنهما لا يُحدثان تغييراً في نفسيهما، والأولاد أذكياء ودائماً يراقبونهما ويدركون أنهما يستحبان السيئة ويأمراننا بالبرّ، لذا فقد أرشدنا سيدنا المسيح الموعود وعلّمنا هذه النقطة أن مجرد نصحكم أولادكم بالخير قولٌ لا يُجدي نفعاً.

“فإذا كان الإنسان يقضي حياته في الفسق والفجور ويدّعي بلسانه أنه يبغي أولاداً صالحين أتقياء فهو كذّاب في دعواه. فقبل التمنّي بالأولاد الأتقياء والصالحين على الإنسان أن يُصلح نفسه ويجعل حياته حياة التقاة. عندها تأتي أمنيته بنتيجة مرضية، ويكون الأولاد جديرين بأن يطلق عليهم، “الباقيات الصالحات”، لكنه إذا كانت النيّة أن يخلد اسمه فقط وأن يرث الأولاد الأملاك والأموال ويكونوا ذائعي الصيت ومن المعروفين، فإن هذا شرك في رأيي”. (الملفوظات 2 ص 370-371)

ثمة رواية عن حضرة المولوي عبد الكريم السيالكوتي تقول:

“كان يعتني بالأولاد ويربّيهم بحيث يُخيَّل للناظر في بادي الأمر أنه ليس ثمة من يحب الأولاد مثل حضرته. كان يهتمّ بهم عند المرض ويداويهم ويعالجهم بعناية كبيرة كأنه ليس ثمة ما يشغل باله سوى هذا الهمّ، لكن الناظر المتعمق يستطيع أن يلاحظ أنه لا يقوم بهذه الأعمال إلا لله تعالى ولأجله يقوم برعاية خلقه الضعيف وتربيته. إن كريمته الكبرى “عصمت” مرضت بداء الكوليرا في مدينة “لودهيانه” فعالجها بعناية كبيرة كأنه لا حياة له بدونها، ولا يمكن حتى لشخص دنيوي محبّ للأولاد أن يقوم أكثر مما قام به حضرته من الاهتمام والرعاية. لكنها حينما فارقت الحياة، تنحى عنها وكأنها لم تكن شيئاً مذكوراً، ولم يذكر لأحد شيئاً عن هذه البنت”. (سيرة المسيح الموعود تأليف السيد عبد الكريم السيالكوتي ص 53)

لقد ذكرت عمّتي السيدة “نواب مباركه بيجم” بعض أساليب اتخذتها أم المؤمنين رضي الله عنها في التربية، وهي بمثابة المرشد الدائم لكم طيلة الحياة، فإذا انتهجتن هذا المنهج فلسوف يستمر |أولادكم على درب الحسنة حتّى يكبُروا، تقول: “لقد قمتُ بالمطالعة للعديد من المؤلفين من العامة والخاصة في صدد التربية لكنني ما عثرت على أحد خيراً من أمِّنا المحترمة. فعلى الرغم من أنها لم تتعلم في أية مدرسة إلا أنني كلما أمعنت النظر في مناهجها التربوية وجدت أن فضل الله الخاص إلى جانب تربية المسيح الموعود لهو مدار هذا الأمر”.

“إن الثقة بالطفل والمثابرة في ذلك يجعل الطفل يستحي ويخجل من أن يهتك هذه الثقة، فكانت الثقة بالطفل من أفضل أساليب تربيتها رضي الله عنها.”

إذاً ينبغي أن تثقوا بالطفل وألا تنظروا إليه بنظرة الشك والريبة، ولسوف يعود إلى الصلاح بتأثير نظراتكم المعتمدة تجاهه ولو كان على الخطأ، ولن يكذب أمامكم بفضل الله فيما بعد أيضاً إذا لاحظ ثقتكم به.

النفور من الكذب هو الدعامة الأساسية في التربية، وينبغي خَلقُ الكراهية من الكذب في نفس الطفل منذ نعومة أظفاره. تقول عمّتنا الكريمة: “إن أم المؤمنين رضي الله عنها كانت تنصحنا دائماً أن نجعل الطفل يتربّى على الطاعة، فإذا كان الأمر كذلك فلن تكون ثمة مشكلة وإن صدر من الطفل بعض مضايقات الطفولة”.

فتحمّلوا المضايقات، ولكن لا تصبروا على الكذب، فإن الطفل الذي يمتنع كلما مُنِع من شيء فإصلاحه ممكن. تقول رضي الله عنها إنكم إذا عوّدتموهم على الطاعة فهناك أمل دائم للصلاح، وعلى هذا الأساس كانت أُمُّنا قد ربّتنا، وما كان ليخطر في بالنا أن نقوم بما لا يُرضي أبوينا في حالة غيابهما أيضاً. كانت والدتنا المحترمة تقول دائماً: “إن أولادي لا يكذبون”. واعتمادها هذا علينا كان يُبعدنا من الكذب، بل كان يزيدنا نفوراً منه”. أقول: إنني أيضاً جرّبت هذا الأسلوب ببناتي، وجعلتُهن يَقرِفن الكذبَ. فالحمد لله الذي جعل بناتي يكرَهْن الكذب منذ صغر سنهن، فلا يكذبن البتة، أو على الأقل لم أطلع على مثل هذا الأمر.

لا تتذكر السيدة نواب مباركة بيجم إذا كانت السيدة أمَّان جان أم المؤمنين رضي الله عنها قد وبَّخت أحداً، فتقول: “إنها لم تقسُ على أحدٍ مع أنّها كانت ذات رعبٍ، وكان يسودنا هذا الرعب دائماً، وكنا نحاول للإصلاح تحت تأثيره”.

كان سيدنا المسيح الموعود يحترمها احتراماً كبيراً، فمن أجل ذلك فإن الأطفال هم الآخرون كانوا يحترمونها احتراماً شديداً.

وتقول عن الأسلوب الخامس من أساليب التربية لسيدة “أمان جان” إنها كانت تقول: “اجتهدوا بكل ما في وسعكم لتربية البكر من أولادكم، فبمشاهدة أسوته سوف ينشأ الأولاد الآخرون على التربية الحسنة من تلقاء أنفسهم”. (سيرة “أمان جان رضي الله عنها” تأليف محمود أحمد عرفاني)

أي إذا ربّيتم الولد الأول تربية حسنة فسوف تستمر بعده هذه التربية في الأولاد الآخرين أيضاً بإذن الله.

هناك رواية عن أبي هريرة قال: “قال رسول الله : ثلاث دعوات يُستجاب لهنّ لا شك فيهنّ؛ دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد للولد. (ابن ماجة، كتاب الدعاء)

“تتوهم الأمهات أن الابن سيصاب بالعين، أو إن عين فلان ستصيبه، فاذكروا في هذا الصدد دعاء سيدنا رسول الله : “عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان النبي يعوِّذ الحسنَ والحسين ويقول: إنّ أباكما كان يعوّذ بها إسماعيل وإسحاق؛ أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومِن كل عينٍ لامّةٍ. (صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء)

يقول سيدنا المسيح الموعود عن أسلوبه في الدعاء:

أولاً: أدعو لنفسي بأن يوفِّقني الله تعالى بما يظهر به عزُّه وجلالُه، وأن يوفقني بأن أرضاه رضىً كاملاً.

ثانياً: ثم أدعو لأهل بيتي بأن يهبني الله منهم قرّة أعين وأن يتقدموا في سبل مرضاته عزّ وعلا.

ثالثاً: أدعو لأولادي بأن يصبحوا خدّام الدين.

رابعاً: ثم لأصدقائي المخلصين اسماً اسماً.

خامساً: ثم أدعو بالدعاء لكل أولئك الذين قد انخرطوا إلى هذه الجماعة سواء عرفتهم أم لم أعرف”. (جريدة الحكم اليومية، 17 يناير/ كانون الثاني ج 4 ص 2)

أتبع في الدعاء نفس هذا الأسلوب الذي أقوم باتباعه دائماً. وأذكر في الأدعية الجميع قدر المستطاع اسماً اسماً أو بصورة جماعية، وأدعو لأحبائي ولغيرهم أيضاً، كما أدعو للذين لا أعرفهم. فإذا اتبعتم أنتم أيضاً هذا الأسلوب فستُوفَّقون بتربية أولادكم الحسنة.

أُنهي الآن خطابي بكلام لسيدنا المسيح الموعود يقول فيه: “إذا أردتم أن تعيشوا بخير، وأن يسود بيوتَكم الأمانُ، فمن واجبكم أن تدعوا الله تعالى كثيراً، وأن تملأوا بيوتَكم بالأدعية، فإن الله لا يدمّر بيتاً يُداوَم فيه على الدعاء”. (الملفوظات ج 3 ص 232). إلى هنا ينتهي خطاب اليوم، وأستأذنكم الآن، لكن قبل الانصراف ننهي الخطاب بالدعاء كما كان الحديث آنفاً يدور عن الدعاء.

ثم رفع أمير المؤمنين نصره الله يديه الكريمتين للدعاء ودعا بالحضور ثم سلَّم عليهن وانصرف.

Share via
تابعونا على الفايس بوك