استولوا على الوقت ولا تدعوه يستولي عليكم

استولوا على الوقت ولا تدعوه يستولي عليكم

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة الجمعة لأمير المؤمنين رحمه الله.

9 فبراير 1987م بمسجد فضل لندن

بعد أن تشهد وقرأ سورة الفاتحة تلا حضرته قول الله تعالى:

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (سورة آل عمران : 191-193)

وقال :

عندما هممت أن أطلب من المؤذن رفع الآذان، نسيت وقلت له: ((أعط الوقت))، بدلا من أقول له ((أذّن)). وذلك لأنني كنت قد اخترت موضوع ((الوقت)) لخطبة اليوم. وكان الوقت يجول في خاطري ويستولي على فكري لدرجة أنني بدلا من أن أقول له أذّن قلت له رغما مني أعطي الوقت. قد يحدث في بعض الأحيان أن يستولي موضوع ما على أفكار الإنسان حتى أنه يسيطر على اللسان وكذلك على الأفعال، ولأجل ذلك نجد بعض الصبيان النائمين يتركون فراشهم و يمشون و هم نائمون بدون أن يشعروا بما يفعلون، لأن الأفكار التي تجول بخواطرهم تستولي على أفعالهم أيضا. على أية حال، فرغم أن موضوع الوقت قد استولى علي، فإنني جئت اليوم لأقول لكم: استولوا على الوقت ولا تدعوه يستولي عليكم.

إن الآيتين اللتين تلوتهما أيضا تلقيان الضوء الكثير على موضوع الوقت. فمن الأمور التي أخبر الله تعالى هنا أن فيها آيات لأولي الألباب أمر اختلاف الليل والنهار. ومعنى اختلاف الليل والنهار الذي يعرفه الناس عموماً، والذي يتبادر إلى الذهن أيضا، انما هو تحوّل النهار إلى الليل وتحول الليل إلى النهار، مع أن لفظة اختلاف لا تشير إلى هذا فقط، بل أيضا إلى الأحوال المختلفة الحاصلة في الليل وكذلك في النهار، فهنالك اختلافات وتطورات عديدة تحصل في الليل والنهار. وهذا موضوع آخر مستقل، لو فكر فيه أولو الألباب لوجدوا فيه العديد من الآيات، فكيف يتحول الليل إلى نهار، وكيف ينقلب النهار ليلا، وما هي المحركات والأسباب لذلك. لوجدوا أن كل هذا الكون ليس باطلا عبثا، وإنما يسألهم الله تعالى كيف أنهم حولوا ليلهم نهارا ونهارهم ليلا. إنه موضوع شيق طويل، ورغم أن له صلة وثيقة بموضوع خطبة اليوم إلا أنني لا أركز الآن على هذا الجزء من الموضوع، بل أوجه أنظاركم إلى موضوع آخر: ثم ان كلمة اختلاف الليل والنهار تشمل أيضا معنى قصر الليل والنهار وطولهما. فأحيانا يقصر النهار وفي أحيان أخرى تقصر الليالي.

و فيما يخص الوقت فإن الإنسان يقيسه بهذين المقياسين، فيشعر بالوقت وتغيّره نتيجة تحول النهار إلى ليل، وكذلك تحول الليل إلى نهار. ثم عن كل مقياس للوقت يتغير أيضا نتيجة للدوران السنوي للأرض، فتبدأ الليالي تقصر فلا تزال تقصر، ثم يبدأ النهار يقصر فلا يزال يقصر. فقلما توجد أماكن يمكن أن يقال ان النهار والليل فيهما متسويان مائة بالمائة، بل الحق إنه لا يمكن القول بأنهما متساويان مائة بالمائة من الناحية الحسابية. وفي كونهما متساويين في بعض النواحي لآيات أُخر. وهنالك يلوح لنا موضوع آخر لا يخلو من حكمة، فتدبروا وابحثوا عن تلك الحكم وراء تساوي الليل والنهار في بعض أجزاء الأرض.

اذن، فوقتنا يدور من حيث النهار والليل، وكذلك من حيث السنين ويدعونا الله تعالى في قوله: ان في ذلك لآيات لأولي الألباب، إلى ألا نزال نتدبر في ذلك ونعمل فكرنا في البحث عن حكمة ذلك، حتى نفهم الإشارات التي وضعها القرآن الكريم لفهم موضوع الوقت.

انكم تجدون الأطفال يتأرجون على الأرجوحة الدوارة في الحدائق الترفيهية للأطفال، وهذه اللعبة تتواجد في كل أنحاء العالم، حتى انك إذا لم تجد الألعاب الجوية الأخرى في أيام الأعياد والمهرجانات في بلاد مثل الهند و الباكستان وبلاد أفريقيا، فإنك لابد و أن تجد فيها هذه الأرجوحة الدوارة التي منها ما تدور في حركة عمودية ومنها ما تدور في اتجاه أفقي.  على أية حال، إن الصغار يشتاقون لركوب هذه الأرجوحة. وكلما تكون سرعتها أكثر يزدادون لذة وابتهاجا، و كلما تنقص سرعتها يشعرون بالضيق والملل، حتى انهم اذا احسوا بتوقفها ينزلون عنها على الفور.

ولأرضنا أيضا حركة مماثلة لحركة هذه الأرجوحة، ولو فكرنا في نواحي التشابه وجوانب الاختلاف بين حركة الأرض وحركة هذه الأرجوحة تجلت لنا آفاق أخرى للموضوع. فابتهاج الطفل يتوقف على مدى سرعة الأرجوحة، فإذا لم يشعر بالسرعة لم يظهر عليه الابتهاج وتدور الأرض بسرعة أكثر بكثير من السرعة التي يمكن أن تدور بها الأرجوحة. إذ ان الارجوحة الدوارة التي تسمى في أمريكا Space Ride تصل أقصى سرعتها إلى 300 ميل في الساعة. وقد سبق لي أن ركبتها وهي ليست بيضوية الشكل، إلا أن راكبها يشعر بابتهاج كبير جدا. ولكن سرعة الأرجوحة الأرضية التي خلقها الله تعالى لنا تصل سرعتها إلى أكثر من 1000 ميل في الساعة. لا شك ان سرعتها ليست متساوية في كل مكان، ولكن حيث إن دوران الأرض حول محورها يكتمل في 24 ساعة، وقطرها يبلغ حوالي 25 ألف ميل في الساعة. ولكنها رغم هذه السرعة الهائلة لا تثير في نفوسنا أي ابتهاج وسرور. ذلك أننا لا نشعر بحركتها، ولكننا لو انتبهنا وكنا أكثر فهما لقيمة الوقت لاطلعنا على دواعي الابتهاج ووسائل السرور التي جعلها الله تعالى لنا فيها. ومن هذه الدواعي مثلا أنه لو استمرت رحلة الحياة بدون ابتهاج وسعادة لأصبحت الحياة ثقيلة مملة، وهذه حقيقة مسلمة. اننا لا نتمتع بإحساس السرعة الذي يحسه الطفل الراكب على الأرجوحة لذلك نحسب الأرض ساكنة فلا نبتهج.

أما كيف تخلق في أنفسنا الإحساس بالحركة، فعلينا أن نعرف أنه عندما ترجع أرجوحة الأطفال إلى نفس النقطة التي بدأت منها حركتها تكون هي نفس الأرجوحة، ولكن أرجوحة الأرض لا ترجع إلى نفس النقطة وهي كما كانت أبدا، وإنما تحصل فيها في كل لحظة تطورات سريعة بحيث أنها عندما ترجع إلى نقطة البداية تكون قد تغيرت تماما. ظهر على سطح خريطتها تطورات جديدة كبيرة جدا. فأرجوحة الأطفال تبقى على حالها ولا يحدث فيها أي تغير ولا تطور. أما الأرض فحيث أنها تتغير وتتطور في كل آن فلذا يحصل عليها في 24 ساعة تطورات تتجاوز ملايين الملايين. فكل حي فيها يتغير ويتطور حتى أن هناك حيوانات تكتمل دروة حياتها مرات عديدة في 24 ساعة. فالبكتيريا التي تدخل في أجسامنا في بعض الأحيان في صورة أمراض مهلكة تكتمل دروة حياتها في فترة لا تتجاوز بضع ساعات، بل أقل من هذا أيضا. وحيث أن دورة حياتها من توالد ونمو وموت تكتمل بسرعة هائلة لذلك فإنها تتوالد وتنمو وتتكاثر بصورة غير عادية. فإنها تستولي على الجسم الإنساني بسهولة.

اذن، ففي كل حركة وفي كل ليل ونهار هناك حركات أخرى تحدث في نفوسنا. حركات امتزجت بطباعنا لدرجة أننا لا نستطيع أن ننفك عنها. وكما اننا لا بد وان ندور مع الأرجوحة الأرضية وبنفس السرعة التي تدور بها، كذلك فإن الله قد جعل لكل شيء حي وغير حي دورة داخلية. فكل شيء في حركة دائبة لاستكمال دورته هذه. ولذلك فإن الأرض عندما تكمل دورتها وترجع إلى نقطة البداية فلا تبقى هي تلك الأرض التي كانت بدأت دورتها من هناك قبل. وكلما تكون مساهمة الانسان في احداث هذه التطورات على سطحها أكثر، يجد في نفسها بهجة وسرورا أكثر، وبقدر ما يكثر أو ينقص تأثير التطورات على الإنسان بقدر ما يشعر بالسعادة أو بفقدانها.

ثم إن هنالك آية كذلك في التغيير السنوي الناتج من دوران الأرض حول الشمس. إذ لو افترضنا أن كل حركة وتطور في الأرض قد توقف، فمع ذلك لن تكون الأرض بالغد في هذه النقطة التي هي فيها اليوم نظرا لدورانها حول الشمس، وهكذا يحصل نوع آخر من اختلاف الليل والنهار نتيجة لدورانها المداري.

إنكم لو فكرتم وجدتم أن الوقت اسم لشيء متحرك أو هو الحركة نفسها. فالسكون موت والحركة وقت. والحركة هي الشيء الذي يثير الابتهاج والسرور بشرط أن يشعر الإنسان أو يتحرك مع الحركة، بمعنى أن يكون له اسهام في التغيرات والتطورات، أو على الأقل ارتباط بها. هذان هما الأمران اللذان يشعران الإنسان بمرور الوقت، ومن ثم بالابتهاج والسرور، وفقدانهما هو السكون والجمود –أي الموت.

ولو نظرنا إلى الوقت من هذا الزاوية وجدنا أنه ليس في الكون شيء يتحرك حركة مستقيمة. انما هناك حركة لولبية بمعنى ان الأرض من ناحية تدور دورانا محوريا أي حول نفسها، ولكن لها حركة أخرى أيضا وهي المدارية اذن فهي تدور دورانا لولبيا، كما أننا إذا أدرنا الإصبع مع المسمار الملولب وجدنا أن الاصبع لن تبقى في مكانها بعد دورانها حول اللولب، بل تتحرك إلى الأمام عند كل دورة لأنها تتحرك حركة لولبية.

ثم هناك في الكون حركة أخرى وهي حركة هذه المجرة التي أرضنا جزء منها. فهي أيضا تتحرك مع شموسها وكواكبها. وهذا مقياس آخر للوقت. ثم ان هذه المجرة علاوة على دورانها المداري، فإنها تدور دورانا محوريا أيضا. ثم ان كل الكون الذي يوجد فيه من مثل هذه المجرات ما لا يُعد ولا يحصى هو أيضا في حركة مستمرة. وكل اجرامه تتباعد عن بعضها وتتسع المسافات بينها. وهذا معنى من معاني قوله تعالى: ((وإنا لمُوسعون))

فكل شيء مدهش، ومن أية زاوية نظرنا وجدنا للوقت مقياسا آخر، إلا أننا مرتبطون بمقياس وقتنا الذي أخبرنا الله عنه في القرآن. أما الأوقات الأخرى فقد أشار الله عز وجل إليها في قوله : ((كل في فلك يسبحون))(سورة الأنبياء:34)

أي لستم وحدكم الذين تدورون دورانا محوريا ومداريا، بل كل شيء يدور دورانا بيضويا. ولا أعني من الدوران البيضوي أن دوران كل شيء بيضوي الشكل بالضرورة، وإنما أعني أنه كمثل البيض أو أنه لولبي.

إن السؤال هو موضوع الوقت الذي يوجه القرآن الكريم أنظارنا إليه: ما هي أوجه الآيات لنا في ضوء هذا الموضوع فيرد عليه الجزء الأخير من الآية حيث يقول الله تعالى بأن تفكير هؤلاء المؤمنين الذين يذكرون الله كل حين يهديهم ربهم إلى النتيجة التالية:

(( ربنا ما خلقت هذا باطلا، سبحانك فقنا عذاب النار))

بمعنى أنك ربنا ما خلقت هذا الكون عبثا، لذلك إذا كانت حركتنا إلى الباطل، فهذا يعني أننا نخالف مقصد حياتنا. وبالتالي لا مفر لنا من المؤاخذة عليها، فنكون من الخاسرين. فلذا يا ربنا احمنا من عذاب النار، وسدد خطانا، ووجه حركتنا إلى الحق.

والآن، لقد تدبرتم وجدتم أن كل لحظة من الوقت إنما هي اسم ثانٍ للحركة، ولن يكون هناك شيء يسمى حركة الا إذا ملأنا إناء الوقت بالعمل. فإذا مضت لحظة من الوقت فارغة، ولم نملأها بالعمل، فهذا يعني انها ليست حركة، وبالتالي ليست هي وقتا. اذن، فقد عرفنا بالتدبر في الآية أن المقياس الذي يُقاس به وقتنا انما هو أعمالنا. فبقدر ما أسرعنا في إحداث التغير والتطور في أنفسنا، أو تغيير زماننا، أو التأثير فيه، بقدر ما أسرع وقتنا بالدوران.

ولآن، لو استخدمن هذا المقياس لأوقاتنا لوجدنا ان فينا أغلبية كبرى تضيع جزءا كبيرا من وقتها، بمعنى انها لا تصنع وقتها. لأن الوقت الذي ذكره القرآن الكريم انما هو وقت متحرك إلى الأمام، مليء بالعديد من التغيرات والتطورات. وليس في هذا الوقت جزء من ملايين الملايين من الثانية إلا ويحدث فيه تطور على نحوٍ ما، لذلك لابد ان يحدث بعض التطورات في أنفسنا، لأن الله تعالى قد أمرنا بذلك ونحن مسئولون عنه.

اذن (فقنا عذاب النار) دعاء اننا قد فهمنا جيدا اننا مسئولون عن وقتنا، وان مسئوليتنا عنه يعني السؤال عن مقدار التطورات الحاصلة في نفوسنا، لأن التطورات التي نحدثها نحد في أنفسنا أو فيما حولنا هي التي تسمى وقتا. فبقدر ما لا نكون نشطين جادين بقدر ما يضيع وقتنا، أو بتعبير آخر لا يتحرك وقتنا. فالذين يعيشون مثلا 60 سنة أو 70 سنة أو 100 سنة في الظاهر، إذا نظرنا إلى وقتهم الحقيقي في ضوء التعريف القرآني للوقت وجدنا ان إناء وقتهم فارغا، اذن فهو ليس بوقت في الحقيقة. وإذا قسنا الأعمار بقياس الأعمال وجدنا أنهم عاشوا مدة قصيرة جدا. ان الأمم المادية اليوم يهتمون نسبيا بالوقت أكثر، ولكن حيث اتجاههم إلى الباطل، لذلك فإنهم يؤاخذون من هذه الناحية. انني لا أتحدث الآن عن هذا الأمر، وإنما أريد أن أفهمكم أننا نحسب معظم وقتنا وقتا، رغم انه ليس بوقت في الحقيقة – ولله در من قال: يجب ألا يقاس الوقت بحركة عقارب الساعة أو بدقاتها، بل بدقات القلب.

فكلما كان الإنسان نشيطا مجداً، كلما يتحرك وقته سريعا. وعندما نفكر في الأمر من هذه الزاوية يتجلى لنا معنى رائع لقوله تعالى:

((وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر)) (سورة القدر).

فليلة القدر أحسن من ألف شهر. ومن معاني ليلة القدر انها من ليالي النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت ذوات قدر وقيمة، والتي كان صلى الله عليه وسلم يقدرها حق قدرها، ويحسن استغلالها، والتي كان الله تعالى ينظر إليها نظرة تقدير واستحسان. فرغم ان ليلة واحدة للرسول صلى الله عليه وسلم انقضت في الظاهر في نفس المدة التي انقضت فيها ليلة الزمان أو ليلة سكان ذلك المكان، ولكنه تعالى يقول: ان النسبة بين ليلته وليلتهم هي نسبة واحد إلى ثلاثين ألفاً، ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستغل كل لحظة من ليلته، وبالتالي كانت ليلته أكثر قيمة وقدرا عند الله تعالى.

عندما فكرت من هذه الناحية ألهمني الله تعالى مواضيع عديدة أخرى، وانكشفت علي صلة هذا الموضوع بعمر الدنيا بصورة مدهشة. على أية حال، يخبرُنا الله تعالى هنا عن مقياس وقت ذلك الإنسان الذي ندين بسيادته صلى الله عليه وسلم، ويأمرنا بأن حاولوا أنتم أيضا ملء اناء اوقاتكم. وكلما امتلأ اناء أقواتكم أكثر، كلما مضى وقتكم بسرعة أكثر، ولا بد أن يقيس الله أوقاتكم بنفس المقياس. فإذا كانت النسبة بين وقت النبي صلى الله عليه وسلم وبين باقي أوقات الناس هي نسبة 1 و30 ألفاً، فلا بد أن يكون وقت خدامه صلى الله عليه وسلم أسرع حركة وأكثر نفعاً وأغلى قيمة من أوقات خدام الأنبياء الآخرين عليهم السلام.

وما دمنا لا نقدر وقتنا حق قدره، ولا ننتبه إلى مروره أيضا، فبماذا نجيب ربنا عن سؤال؟ فهل نقول له ربنا ما خلقت هذا باطلا، ولكننا قد وجدناه باطلا؟ الوقت في حد ذاته شيء يوجب المؤاخذة عليه. والقول بأن الوقت وقتي لا شأن لك به، أنا حر ان اقضيه كيفما أشاء، قول خاطئ. كل هذه الأفكار أفكار خاطئة، يجب أن تنفضوها من الأذهان. ان الوقت ليس وقتكم، وانما هو ملك لله تعالى. هو وقتكم أيضا، ولكن بمعنى أنه أمانة الله في عنقكم، ولا بد أن يحاسبكم عليها. ولا بد أن تجيبوا عما إذا كنتم وجهتم حركة الوقت إلى الباطل أم إلى الحق. فلو نظرنا إلى الوقت من هذه الزاوية بمعنى أنه يتحرك بتحريك من جانبنا. وجدنا أنه ينقسم إلى قسمين: فإما هو متجه إلى الباطل وإما إلى الحق، اما إلى الظلمة واما إلى النور، وليس هناك جهة ثالثة. ثم إن ما تسمونه استراحة أيضا يُقاس بنفس المقياس. الذي تكون استراحته في طريق الحسنات فراحته أيضا تعد من الحسنات، والذي تكون استراحته في طريق السيئات فراحته أيضا تعد من السيئات. ولقد بيّن الله هذه الفلسفة للوقت والاستراحة ايما بيان حين قال لرسوله صلى الله عليه وسلم:

((فإذا فرغت فانصب، و إلى ربك فارغب)) (سورة الانشراح : 8-9)

لاشك أن الإنسان التعبان يحتاج إلى راحة ولذة، والله تعالى لا ينكر ذلك، ولا يعد اللذة مضيعة للوقت، ولكنه يخبر أن لجلب الراحة واللذة طرقا. فبعض هذه الطرق باطلة وبعضها حق. والإنسان الذي كانت كل لحظة من وقته ثمينة جدا أعني الرسول صلى الله عليه وسلم، فكانت راحته ولذته كلتاهما في ربه عز وجل، لأنه عندما كان يفرغ من العمل يجد لذته في ربه، فكان عمله أيضا في ربه وراحته أيضا في ربه. وهذا هو التوحيد الكامل الذي تجلى به الموحد الكامل صلى الله عليه وسلم.

والآن لو قسنا الوقت من هذه الناحية لتجلت لنا حقيقة مثيرة جدا، وهي أن الله تعالى قد أعطانا في هذه الآية مقياسا رائعا لقياس المسافة بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم. فما هو تطور الراحة عندنا، وماذا نريد أن نفعل لإزالة التعب؟

ثم ما هو تصور الراحة عند النبي صلى الله عليه وسلم؟ وماذا كان يريد فعله لجلب الراحة؟ عندما نقارن بين هذا وذلك نعرف مدى المسافة الهائلة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبيننا. ان المسافة بين المقام الرفيع للنبي صلى الله عليه وسلم وبين إنسان عادي وإن كان متقيا، مسافة هائلة لدرجة أن المقارنة بينه وبيننا تجعل كل رجل تقي يرى نفسه آثما، لأنه إذا نظر إلى الطرق العديدة التي يختارها أو يبحث عنها لجلب الراحة وجد أن معظمها تخالف المقياس المذكور في قوله تعالى: (( وإلى ربك فارغب))

لأنها لا تتجه إلى الرب تماما. ثم هناك أيضا فرقا آخر وهو أن المرء غير المتقي لا يبحث عن راحته ولذته إلا فيما هو باطل تماما.

بينما هناك جزء كبير من المؤمنين الذين يعيشون فيما يسمونه بالانجليزية  No mans land أي في منطقة محايدة. فلا تكون راحتهم لا في الباطل ولا في الحق. غاية استراحتهم أن يناموا أو يجلسوا في مكان ويضيعوا أوقاتهم في التفكير في أمر ما، ولكن لا يكون تفكيرهم في الله تعالى ولكن لذة النبي صلى الله عليه وسلم كانت اما في عبادة فعلية واعية أو في نوم خاص وصفه هو بنفسه بأن هناك فرقا بين نومي و نومكم، إذ تنام عيناي و لا ينام قلبي. وهكذا بيّن هنا للقلب تعريفا خاصا يحسم النقاش الدائر حول معنى القلب الوارد في القرآن الكريم. فإنه صلى الله عليه وسلم يبين أن المراد من القلب هنا هو ما يسمى بالانجليزية  Subconsious mind (الوعي الباطني) فيتبين أن وعيه الباطني لا ينفك مشغولا بذكر الله تعالى.

اذن فكان السبب الرئيسي لراحة ولذة النبي صلى الله عليه وسلم في النوم انما هو ان وعيه الباطني كان لا يزال يذكر الله في حالة النوم أيضا. وما من شك انكم تكونون قد جربتم بأن الإنسان عندما يكون قد قضى نهاره في المشاكل والأخطار، أو يكون في انتظار مواجهة الأخطار في اليوم القادم فإنه لا ينام في الليل نوما هادئاً، وذلك لأن وعيه الباطني لا يزال يعمل عند النوم، ولكن بصورة خاطئة. فبدل أن يجلب عليه الراحة يسبب له الضيق والتعب، وخوفه من أخطار شتى. كما أن الإنسان الذي في كل وقت يفكر في السيئات تكون أحواله في حالة النوم أيضا سيئة. اذن فلم تكن كل لحظة من وقت النبي صلى الله عليه وسلم حافلة بالأعمال فحسب، بل كانت أعماله لله تعالى وراحته أيضا لله تعالى، بل كل جزء من اللحظة من وقته كان حافلا بالأعمال، حتى أن بعضا من لياليه كانت أكثر عملا وأكثر نفعا من  30 ألف ليلة للرجل العادي.

لذلك يجب على أفراد الجماعة أن يقدروا ثمن أوقاتهم بهذه لمقاييس المحمدية. فإن الأعمال التي عُهد إلينا القيام بها كثيرة جدا حتى أن الإنسان الواعي الحساس المحب للدين لو فكر جيدا في السنين التي نحتاجها لإحداث انقلاب روحاني في إنجلترا فقط، لخاف على صحته نتيجة لهذا التفكير المضني، لأنه أمر مستحيل في الظاهر. فمنذ كم سنة ونحن نسعى ونحاول، ولكن ما هي الإنجازات التي حققناها إلى الآن. لا شك أن القلب يسجد لله حمدا وشكورا على كل تطور وإنجاز، ولكن لو فكرنا فيما يتعلق بالإحساس نحو الواجب وجدنا أنا قد تخلفنا عن موكب الوقت كثيرا. فأن نأتي بالعالم كله إلى حضرة الله، ونجعلهم يسيرون على طريق الحق لواجب كبير كبير جدا لدرجة أنه لو نظرنا إليه في ضوء ذلك المقياس للوقت الذي نبهنا إليه القرآن الكريم، وفي ضوء أسوة النبي صلى الله عليه وسلم في استخدام الوقت لرأينا أن هذا المستحيل يمكن أن يتحول إلى الممكن ان شاء الله.

مقدراتنا ووسائلنا لوجدناه مستحيلا كلية، ولكن لو نظرنا إليه في ضوء ذلك المقياس للوقت الذي نبهنا إليه القرآن الكريم، وفي ضوء أسوة النبي صلى الله عليه وسلم في استخدام الوقت لرأينا أن هذا المستحيل يمكن أن يتحول إلى الممكن أن شاء الله.

والآن أقدم لكم في ضوء هذه الفلسفة للوقت تحليلا واقعيا للحقائق، فمثلا جماعة ((بريطانيا)) جماعة نشيطة بفضل الله، وتعتبر عموما من الجماعات السابقات الأُوَل، ولكن لو نظرنا إليها نظرة فاحصة وجدنا فيها العديد من الفراغات بصورة مذهلة، ان كيف يضيع هذا الكم الهائل من هذا الوقت الثمين لهذه الجماعة العظيمة. وهو وقت لا اسميه وقتا، لأن اللحظات التي تمر بدون استغلال لا تعتبر وقتا حسب التعريف الإلهي للوقت، يمكن ان تسموه سكونا أو جمود أو موتا، ولكن لا تسموه وقتا.

إذن فكيف لا يندهش الإنسان حينما يرى أفرادا من إحدى تلك الجماعات التي تعتبر من أكثرها نشاطا في جماعتنا الأحمدية صاحبة الوقت الغالي جدا، وهم يضيعون هذا الكم الهائل من أوقاتهم، بمعنى أنهم لا يستغلون أوقاتهم في عمل مثمر. ثم انكم لو نظرتم إلى ذلك الوقت الذي ترون أنه يُستغل، والذي يستحق أن يسمى وقتا، وجدتم أن الجزء الأكبر منه أيضا لا تستغل حسب الأمر القرآني: ((وإلى ربك فارغب)) بل تكون حركته إلى الباطل أو العبث. مع العلم انني لا اسمي الوقت الذي يُستعمل للحصول على العلوم والمنافع الدنيوية وقتا ضائعا أو باطلا، وانما اعني أنه في ذلك الوقت أيضا يمكن ان تتجه أفكاركم إلى الله أو إلى غيره. ان القرآن الكريم لا يفرق بين العمل الدُنيوي وغير الدنيوي، بل يقول كل العمل دنيوي، تمكثون في الدنيا، وتمرون بظروف دنيوية، ومع ذلك تكونون تحدثون التطورات في الدنيا. لقد ربط الله بين خلق السمٰوات و الأرض وبين الوقت، وجمع بين الزمان والمكان، وهذه هي خلاصة الحياة. فهو عز وجل يقول ان شئتم اعملوا ما تريدون، ولكن بشرط أن تكونوا من الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، يجب أن يكون قيامكم وقعودكم ونومكم وجلوسكم وكل عمل حافلا بذكر الله تعالى. فالعالم المشتغل في معمله يجب الا يزال ذهنه ينتقل إلى ربه مرة بعد أخرى، وحيث ان فكره لا يزال غارقا في تصور ربه، فلذلك إنه كلما يكتشف شيئا جديدا، يتجلى عليه ربه في شأن جديد، وهذا أيضا معنى من معاني (وإلى ربك فارغب). والأبيات التي نظمها المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في القمر، تبحث على نفس الموضوع. ومثل هذا الإنسان عندما يخرج للتنزه، فرغم أن عمله هذا لا يدخل فيما يبدو في نطاق (وإلى ربك فارغب)، إلا أننا عندما نقرأ عن حضرة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام انه عندما كان يزور ((دلهوزي)) (أحد مصايف الهند). كان يقف عند المناظر الجميلة الخلابة يذكر الله تعالى، ويصلي النوافل، عندما نقرأ هذا يسهل علينا فهم هذا الموضوع، بأن الله تعالى لم يقسم أمورنا بحيث يكون بعض الوقت لله تعالى وبعضه لغير الله. وإنما الوقت كله لله تعالى، وليس الوقت وقتنا. فالذين يؤدون امانة الوقت إلى الله في كل حين وإن كانوا في أي شغل وحال، هم الذين يُعدون من عباده الأمناء. فهم عندما يلاطفون أزواجهم يؤدون عندئذ أيضا وقتهم إلى الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم بأن الذي يضع لقمة في فم زوجته متمثلا لأمر الله تعالى وعاشروهن بالمعروف باللطف والمحبة، يُعتبر عمله هذا أيضا عبادة.

فترون أن التعريف القرآني للوقت يحسم النقاش بأنه كم من الوقت يجب أن يبذله الإنسان لربه وكم لنفسه، حتى يكسب القوت ويأكل ويشرب وينام ويستريح. فالله تعالى يقول بأن محمدا صلى الله عليه وسلم قد أراكم عمليا كيف يوفق بين الدين والدنيا. هو أيضا بحيث تتجلى معنى (وإلى ربك فارغب) في كل شأن من شئونه، في نزهته وفي قيامه وقعوده وكلامه وسكوته وفي أي عمل دنيوي.

حينما ننظر إلى أوقاتنا من هذه الزاوية نجد أن أولئك الذين لا يضيعون أوقاتهم في الظاهر فإن جزء كبيرا من أوقاتهم أيضا يضيع، وعندئذ ندرك عظمة ورفعة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ونعرف كم من الأعمار المديدة الطويلة نحتاجها للحاق بشأوه. فالنسبة هي سنة واحدة و30 ألف سنة، لو قدرناها بالمقياس المذكور في سورة القدر. على أية حال، فإننا مسئولون – بلا شك – عما إذا كانت حركة وقتنا متجهة إلى الحق أم إلى الباطل؟ وما إذا كنا نحاول أن نتأسى بأسوته صلى الله عليه وسلم حتى نجعل من وقتنا وقتا حقيقيا أم لا؟

وعندما نمعن النظر من هذه الناحية نجد أن جزء كبيرا من وقتنا يضيع، وأن الوقت الذي يضيعه أولادنا هو أكبر من أوقاتنا الضائعة أيضا، مما يعني أننا وإن أقمنا لوقتنا قيمة، إلا أننا مع ذلك سوف نترك وراءنا أولادا تتجه أوقاتهم إلى الباطل، لأنهم عندما يكونون يدرسون الفيزياء مثلا سوف يدرسونها كطالب دنيوي، فلن يستطيعوا أن يروا وجه الله في الفيزياء، وعندما ينالون المناصب المرموقة ينالونها كعبد الدنيا، فتصبح مناصبهم أيضا باطلة. رغم أنه لا مانع من أن يكون الحائز على المناصب المرموقة من المتقين المخلصين المتجهين بأفكارهم إلى الله. هناك الكثير الكثير من الواجبات كاصلاح في داخل الجماعة و أحداث انقلاب فيما حولنا من العالم، ما لو فكرتم فيه بالجدية لقدرتم عندئذ حجم وثقل الواجب الذي عهد إلينا القيام به.

فليفكر الأخوة المسئولون في الجماعات عماذا يكون جوابهم على السؤال عن أوقاتهم. وإذا كان وقت الجماعة لا يتحسن فإنني أنا أيضا مسئول عن ذلك، ويصيبني الذهول وينخلع قلبي من الهول عندما أفكر بأنني بأي وجه أقابل ربي عندما يسألني قائلا: أنني كنت ربطت وقت الجماعة بوقتك، فلم لم تحاول تحسين أوقاتهم أيضا. فكل واحد منكم مسئول عن وقته، وكذلك عن وقت من حوله. ثم كل أمير مسئول عن وقت جماعته، وكل مسئول من مسئولي الجماعة سوف يحاسب على وقت الجماعة في حدود عمله. إنني كثيرا ما سمعت أفراد جماعات المناطق والمدن يشتكون بأن الأمير قد كون هيئته العاملة من بضعة أشخاص فقط، وكل شيء في أيديهم، ولا يشركون الآخرين في نشاطات الجماعة. ومن المستحيل أن ينشأ هذا الاعتراض في أية جماعة لو أقام المسئولون فيها لوقت افرادها قيمته الحقيقية، واستغلوه كما يبغي. فهناك في كل قطاع من العمل ما يكفي ليجعل كل مسئول في كل مكان يشكو بأنني اريد فلاناً، ولكن المسئول الفلاني قد ضمه إليه، فلا أجد احداً يساعدني. كما نشاهد في جماعات انجلترا مثلاً، فالمسئولون يبحثون عمن يساعدونهم، ولكن العمل كثير جداً، فلا يكفي العدد الموجود من العاملين للقيام به

فمثل هذه الشكوى ممكنة، ولكن كيف يعقل أن يعتمد المسئولون على بضعة اشخاص فقط، ولا يشركوا الآخرين في خدمة الجماعة؟ المنصب شيء والعمل شيء آخر تماماً. لذلك من المحال ان يكون الأمير يقيم لوقته قيمة، ويشعر ان وقت سائر جماعته قد أصبح الآن من أوقاته، ومع ذلك يعترض عليه البعض بأنه لا يشركهم في الخدمة، وانما هناك بضعة اشخاص يقسمون الاعمال فيما بينهم فقط. لا يمكن ذلك هذا مستحيل كلية. فعلى سبيل المثال، اتناول الحديث عن اعمال التصنيف والإشاعة، لأبين لكم حجم العمل وثقل الواجب فتحت اشراف هذا القطاع تطبع المنشورات باللغات العالمية الشهيرة، وسوف يطبع حسب المشروع المخطط، إن شاء الله تعالى، في الشهور المقبلة القليلة منشورات بكل اللغات العالمية الشهيرة بكثرة، يصيبني الذهول عندما أفكر في كيفية إدارة توزيعها، فتوزيعه مثلاً يتطلب من سكرتير الإشاعة النشيط المخلص الأمين نحو الواجب يجعله يبحث عن المتطوعين في كل مكان، ويتوسل إليهم بأن تعالوا يا إخوة ساعدوني، فإني لا استطيع بمفردي انجاز هذا العمل. لأن عليه أن يتصل بالعرب والروسيين والايطاليين والاسبانيين وغيرهم لإيصال هذه المنشورات المختلفة إلى اهلها. وقد خططنا نشر تراجم القران الكريم بأكثر من 100 لغة، ان شاء الله، خلال السنوات الثلاثة القادم، فهناك حوالي 55 لغة ننشر بها ترجمة كل القرآن الكريم، و55 لغة اخرى ننشر بها الترجمة لآيات قرآنية هامة. فعندما تطبع تراجم المائة لغة هذه، وتأتينا لن نستطيع الاحتفاظ بها، اذ لم نوزعه أولاً بأول. عشر آلاف نسخة لكل لغة، يمكن أن تقدروا الأرقام، فماذا نفعل به؟ فقبل طبعها أيضاً يتعين على سكرتير الاشاعة في كل جماعات العالم أن يتصل بأفراد جماعاته المختلفة ويعدهم لهذا المشروع. يجب أن ينتخب بعض منهم ليتخصصوا في هذا المجال، فمثلا لا بد ان يدرسوا السبل التي يتم بها البحث عن الروسيين مثلاً، ثم التعرف عليهم، ثم إنشاء علاقات ودية بهم، ثم ترغيبهم في الاسلام مبدئياً. لا بد أن يتم السكرتير هذه الأمور قبل طبع الترجمة الروسية، حتى إذا وصلت الترجمة اوصلها هو واصحابه المسئولون عن الروس الى معارفهم الروسيين. ثم لا بد من البحث عن اهل كل هذه اللغات المختلفة التي ستطبع بها هذه التراجم. فمثلاً هناك ترجمة باللغة الإيطالية لا تزال متكدسة في المكتب ولم توزع بعد، ذلك لأن المسئولون لم يولوها اهتماماً مناسباً.

ثم ينقسم عمل توزيع المنشورات الى قسمين: قسم للمنشورات التي تباع، وهذا يتطلب من الاداريين الكثير من الجهد والحكمة والذكاء والدقة، حتى ينشئوا الاتصالات بأصحاب المطابع، ثم بعامة الناس، ثم بشركات الدعاية وغير ذلك. والقسم الآخر هو قسم المنشورات التي توزع مجاناً والتي نريد ايصالها إلى الناس بدون اي مقابل. وهذا يقتضي انشاء اتصالات شخصية، لأن إرسال المنشورات بالبريد وان كان فيه منفعة مؤقتة كالدعاية ولفت الأنظار، الا ان في اختيار هذا الطريق لمدة طويلة خطراً لضياع المنشورات. وليس لدي الجماعة مال طائل ووقت زائد حتى يضيعها بهذا الأسلوب. فلا بد من انشاء علاقات شخصية ودعوة فردية لنجاح هذا المشروع. والآن إذا لم يكن قطاع الدعوة الى الله نشيطاً يتحرك قطار مشروع الاشاعة، ذلك انه إذا كانت عجلة الاشاعة متحركة وعجلة الدعوة إلى الله جامدة فكيف يتحرك هذا القطار؟

ثم إذا أمعنا النظر في مشروع الدعوة إلى الله وجدنا فيه ايضا فراغات واسعة جدا حتى في الجماعات النشيطة ايضا، فمثلا هناك 90 بالمائة من الأحمديين الساكنين في انجلترا الذين لم يشتركوا إلى حد الآن في مشروع الدعوة إلى الله. إني على علم بذلك لأنني لا ازال ادرس هذا الموضوع من حين لآخر. ثم الداعون إلى الله يراسلونني، كما أقرأ اسماءهم في التقارير ايضا. فلا أبالغ في قولي: أن ۹۰ بالمائة من افراد جماعات انجلترا لم ينخرطوا إلى الآن في سلك الداعين إلى الله. أما الجماعات المتخلفة في هذا المضمار فيبلغ عدد هؤلاء في بعضها إلى 99 بالمائة.

لا شك أن الانقلاب المنتظر سوف يكون انقلاباً عظيماً جداً، وقد اختاركم الله لأجل ذلك الانقلاب من فضله، ولكنه يحدث عندما يرتفع مستوى اوقاتكم إلى مستوى وقت محمد صلى الله عليه وسلم، وعندما يتبع وقتكم وقت سيدكم صلى الله عليه وسلم خطوة خطوة. عندئذ لا بد أن يحدث هذا الانقلاب، وسوف تجنون ثماره اليانعة الحلوة بكثرة حتى لن تستطيعوا الاحتفاظ بها، كما يقال، ان شاء الله تعالى. ولكن كم هو عدد فروع هذه الشجرة التي بدأت تؤتي اكلها، وكم هو عدد الفروع التي لا حياة فيها والتي لا تنتظر الا الموت، اذ لا هدف لديها.

وحيث اننا ندخل في عام جديد، فلذلك اوجه انظار جميع الاخوة المنتشرين في العالم كله إلى أن يفكروا جدياً في موضوع الوقت، ويتدبروا المصطلحات القرآنية للوقت، ويحاولوا أمراء ورؤساء ومبلغين ومربين أن يكون وقتهم ووقت جماعاتهم حافلاً بالأعمال، وألا يكون متجها إلى الباطل، بل الى الحق. لا شك أن هذا أمر صعب، ولكن إذا كان هنالك نية واهتمام وجهد ودعاء فلا بد أن يبارك الله اوقاتكم حتى لا يزال وقتكم المقبل أحسن مما مضى ان شاء الله. وفقنا الله تعالى لذلك. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك