النبوءة المتعلقة بسيدنا «المصلح الموعود»

النبوءة المتعلقة بسيدنا «المصلح الموعود»

محمد حلمي الشافعي

كاتب

لكل سؤال جواب

 

الجواب عن سؤال هذا العدد اقتبسناه من كتاب بالإنجليزية للأستاذ المرحوم نعيم عثمان ميمن [1] قام بتعريبه الأستاذ المرحوم محمد حلمي الشافعي[2]

 

يتبين من خلال دراسة تاريخ الجماعة الإسلامية الأحمدية أن بعض نبوءات مؤسسها لم تتحقق. فما هو رد جماعتكم على ذلك؟

في سنة 1886م سافر سيدنا الميرزا غلام أحمد مرةً من قاديان إلى مدينة هوشيار بور، ومكث هناك في بيت أحد الأصدقاء عاكفًا على العبادة لأربعين يومًا، فبشره الله تعالى أثناء الاعتكاف بآيةِ رحمةٍ منه، أعلن سيدنا أحمد تفصيلَها في يوم 20 فبراير 1886.. فقال ما تعريبه:

“إن الله الرحيم الكريم الكبير المتعالِ القدير على كل شيء قد خاطبني في إلهامه وقال: “إني أُعطيكَ آيةَ رحمةٍ بحسب ما سألتني. فقد سمعتُ تضرُّعاتِك، وشرَّفتُ أدعيتَكَ بالقبول بخالص رحمتي، وباركتُ رحلتَكَ هذه. فآيةُ قدرةٍ ورَحمةٍ وقُربةٍ ستوهَبُ لك. آيةُ فضلٍ وإحسان ستُمنح لك، ومفاتيحُ فتحٍ وظفَرٍ ستُعطى لك. سلامٌ عليك يا مُظَفَّر. هكذا يقول الله تعالى، لكي ينجوَ مِنْ براثِنِ الموتِ مَنْ يبتغي الحياة، ويُبْعَثَ مِن القبورِ أهلُها، ولِيَتجلَّى شَرفُ الإسلام وعظمةُ كلامِ الله للناس، وليأتيَ الحقُّ بكلِّ بركاتِه، ويَزهقَ الباطلُ بجميعِ نُحوسَاتِه، ولِيَعلمَ الناسُ أنّي أنا القادرُ.. أفعلُ ما أشاء، ولِيوقِنوا أنّي معك، وليَرى آيةً بيِّنةً مَن لا يؤمنُ بالله تعالى، وينظرُ إلى الله ودينهِ وكتابِهِ ورسولِهِ الطاهر محمد المصطفى نظرةَ رفضٍ وتكذيبٍ، ولتَستبيِنَ سبيلَ المجرِمين.

أَبْشِرْ فستعطى ولدًا وجيهًا طاهرًا. ستوهب غلامًا زكيًا من صلبك وذريتك ونسلك. غلام جميل طاهر سينزل كضيف عندك. اسمه عنموائيل وبشير. لقد أوتي روحًا مقدسة، وهو مطهَّر من كلِّ رجس. هو نورُ الله. مباركٌ الذي يأتي من السماء، والفضل ينزل بنزوله. سيكون صاحبَ الجلالِ والعظمة والثراء. سيأتي إلى الدنيا ويشفي الكثيرَ من أمراضهم بنَفَسه المسيحي وببركة روح الحق. إنه كلمة الله، لأن رحمة الله وغيرته قد أرسلته بكلمة التمجيد. سيكون ذهينًا وفهيمًا بشكل خارق وحليمَ القلب. سوف يمتلئ بالعلوم الظاهرة والباطنة. إنه سيجعل الثلاثة أربعة (معنى هذا لم يتضح لي). إنه يوم الاثنين، مباركٌ يوم الاثنين. نَجْلٌ بهجة القلب كريم نبيل، مَظهر الأول والآخِر، مَظهر الحق والعلا، كأن الله نزلَ من السماء. ظهوره جِدُّ مباركٌ ومدعاةٌ لظهوره جلالُ الله تعالى. بشرى لك، يأتيك نور مسحَه الله بطيب رضوانه.

سوف ننفخ فيه روحنا، وسيُظلّه الله بظلّه. سوف ينمو سريعًا، وسيكون وسيلةً لفكِّ رقاب الأسارى، وسيذيع صيتُه إلى أرجاء الأرض، وسيتبارَك منه أقوام، ثم يُرفع إلى نقطته النفسية .. السماء. وكان أمرًا مقضيًّا” (1).

تشير هذه النبوءة العظيمة إلى مولد ابن يكون “المصلح الموعود” لهذا العصر. ولكن كما يظهر من نص الإلهام فإن النبوءة تبشر بمولد ولدين اثنين وليس بواحد. ولقد أوضحها سيدنا أحمد معلنًا:

“إن الكلمات التي بدايتها “غلام جميل طاهر”؛ ونهايتها “ينزل كضيف عندك” تعني حياة قصيرة.. لأن الضيف هو من يمكث لبضعة أيام ثم يرحل أمام عين الإنسان. والجملة التي تلي ذلك تشير إلى “المصلح الموعود” الذي اسمه “فضل” أيضًا في الإلهام (2).

وفي ورقة أخرى صدرت من قاديان صرح سيدنا أحمد أن في إعلان 20 فبراير 1886 نبوءةً عن ميلاد ولد صالح يتميز بالصفات الواردة في الإعلان. ثم كتب حضرته:

“إلى هذا الوقت -22 مارس 1886- لم يولد ولد في بيتي؛ عدا وَلَدَيَّ اللذينِ وُلدا من قبل، وسنُّهما اليوم أكثر من 20 أو 22 من السنوات. ولكننا نعلم أن مثل هذا الابن سوف يولد بكل تأكيد في غضون تسع سنوات مصداقًا لوعد الله تعالى -عاجلا أو آجلا- على أي حال سوف يولد في خلال هذه المدة.” (3)

في 15/ 4/1886 رُزق سيدنا أحمد بطفلة اسمها “عصمت”. فكان ميلادها فرصة ليزعم خصومه أن نبوءته عن ولادة صبي قد ثبت بطلانها .. هذا على الرغم من أن الحكمة الربانية قد كفلت خُلُوَّ النبأ من أي غموض. ويتأكد هذا من أن الله تعالى قبل مولد “عصمت” بثلاثة أسابيع جعل سيدَنا أحمد يعلن أن ولادة “المصلح الموعود” سوف تتم في مدى 9 سنوات من تاريخ الإعلان (4).

وقبل ولادة “عصمت” بأسبوع أعلن سيدنا أحمد:

“بعد إعلان 22 مارس 1886 ابتهلتُ إلى الله تعالى مرة أخرى ليكشف لي مزيدًا عن هذا الأمر؛ وقد بيَّنه لي اليوم: 8 أبريل 1886. أخبرني الله تعالى أن غلاما سيولد لي قريبًا جدًّا في مدى فترة حمل واحدة. وهذا يعني أن ابنا سوف يولد لي من حمل قريب؛ ولكن لم يُكشف لي ما إذا كان الوليد القادم هو الابن الموعود أم أنه سيولد في وقت آخر خلال مدة السنوات التسع” (5).

ويحمل هذا الإعلان نفسه رسالةً واضحة بأن الابن الموعود ليس من الحمل الحالي. ويتأكد هذا المعنى بعبارة أن ابنا سيولد من حمل قريب وليس من الحمل الحالي.

وفي يوم 7/ 8/1887 تحققت نبوءة سيدنا أحمد عن مولد غلام وجيه طاهر عنموائيل وبشير، ينزل من السماء كضيف .. عندما ظهر إلى الوجود ابنٌ لسيدنا أحمد، أعلن حضرته أن هذا المولود يحقق نبوءةَ 20/ 2/1886 التي تتحدث عن غلام وجيه وطاهر يأتي كضيف. وصرح حضرته أيضا أن مولد هذا الابن حقق النبوءة التي جاءت في إعلان 8/ 4/1886 عن طفل يولد قريبًا (6).

ولكن هذا الولد الذي سُمِّي بشير أحمد؛ واشتهر باسم بشير الأول، كان ضيفًا فقط بحسب ما قررته النبوءة (إعلان 20/ 2/1886)، وما أعلنه سيدنا أحمد عند ميلاد الطفل، وبالتالي -كما قدر الله تعالى- رَحَلَ الضيف بشير أحمد الأول أمام عيني والده سيدنا أحمد حيث توفي يوم 4/ 11/1887 محققًا نبوءةَ مولده وموته سريعًا أيضا.

وكانت وفاة الطفل بشير الأول فرصةً أخرى انتهزها خصوم سيدنا أحمد ليجادلوا في نبوءته المتعلقة بالابن الموعود على أنها باطلة. وردًّا على هذا المِراء أجاب حضرته:

“حتى يومنا هذا لم نصرح في أي إعلان أن هذا الطفل سيعيش حياة طويلة، ولم نقُل إنه كان الابنَ الموعود “المصلح الموعود”، بل الواقع أن في إعلاننا يوم 20/ 2/1886 نبوءة بأن بعض أبنائي سيموت في سن مبكرة. فهذه النقطة تحتاج تفكيرًا صحيحًا: هل تحققت بموت الطفل هذه النبوءةُ أم بطلت؟ بل إن معظم الإعلانات التي وُزِّعت بين الناس تشير إلى وفاة هذا الطفل. فمثلا: جاء في إعلان 20/ 2/1886 العبارة التالية: غلامٌ وجيهٌ طاهر ينزل كضيف. وكلمة “ضيف” تبدو كأنها اسم لهذا الطفل، وتومىء إلى أنه سوف يرحل من الدنيا بسرعة في سن مبكرة.. لأن الضيف هو من يرحل بعد أيام قلائل وأنت تقف وترقب رحيله. أما الرجل الذي يبقى في البيت ويقول وداعاً للراحلين لا يمكن أن يسمى ضيفًا” (7).

وزاد سيدنا أحمد الموضوع توضيحًا كي لا يقع أحد في الخطأ ويحسب أن هذا الجزء من النبوءة يتعلق بالابن الموعود.. فصرح حضرته أن الجزء المتعلق بالابن الموعود يبدأ من العبارة “ينزل الفضل بنزوله”. وهكذا يكون “فضل” هو الاسم المعطى للابن الموعود في هذا الإلهام. وأيضًا اسمه الثاني “محمود”، واسمه الثالث “بشير الثاني”. وفي وحي آخر سمِّي “فضل عمر”. ولذلك كان من اللازم أن يؤجل مجيئه حتى يأتي بشير هذا الذي مات، فيولد ويرحل، لأن كل هذه الأمور وُضعت تحت قدميه بحكمة من الله. وبشير الأول الذي مات كان سلفًا لبشير الثاني. هذا هو السبب في ذكر الاثنين معًا في نبوءة واحدة (8).

وبعد وفاة بشير الأول بشهر واحد تلقى سيدنا أحمد نبوءة أخرى تقول: “ستعطى بشيرًا آخر اسمه محمود. وسيكون صادق العزم في مشاريعه” (9).

وفي إعلان آخر، قبل مولد هذا الابن قال سيدنا أحمد أنه أُخبر عن ابن يولد له، ورأى اسمه مكتوبًا على الجدار “محمودًا” (10).

وأخيرًا تم الظهور المبارك للمولود بشير هذا، الذي اسمه أيضًا محمود يومَ 12/1/1889. وصرح سيدنا أحمد عند مولده أنه رُزق بمولود صبي اسمه بشير محمود على سبيل التيمن (11).

لقد وُلد سيدنا الميرزا بشير الدين محمود أحمد، الابن الموعود، بعد ولادة بشير الأول، الضيف الذي مات في طفولته، والذي كانت ولادته ووفاته بشارة بمولد بشير الثاني كما جاء في إعلان 20/2/1886

ووُلد لسيدنا أحمد بعد ذلك مولود صبي آخر سماه “بشير أحمد” يوم 20/4/1893. ومن ثم في خلال 9 سنوات ـ كما جاء في النبوءة الأولى -رُزق سيدنا أحمد- ليس بولد واحد -بل بثلاثة أولاد: بشير الأول الذي تُوفي، وبشير الدين محمود، وبشير أحمد.. وقد عاش الأخيران.

فالجدال في نبوءة سيدنا أحمد بخصوص مولد الابن الموعود ليس له ما يبرره مطلقًا.. لأن اثنين من أولاده وُلدا في خلال المدة المقررة في النبوءة.

ويبقى بعد ذلك أن ننظر هل تحققت النبوءة في ابني سيدنا أحمد هذين: بشير الدين محمود وبشير أحمد.. المولودين خلال فترة السنوات التسع المحددة.. وأن أحدهما كان الابن الموعود؟

ومن العجب أن الناقدين لنبوءات سيدنا أحمد يجادلون في تحقق هذه النبوءة المتعلقة بالابن الموعود، مستغلّين -بطريقة ماكرة- ولادةَ طفل تُوفي في المهد، متجاهلين تمامًا ولادة بَطَلَي الإسلام هذين: سيدنا الميرزا بشير الدين محمود أحمد وسيدنا الميرزا بشير أحمد.. اللذين وُلدا في غضون فترة السنين التسع المقررة في النبوءة، وكلاهما عاش بعد وفاة والدهما سيدنا الميرزا غلام أحمد القادياني. ألا يدل هذا الإغفال الخبيث المتعمد لمولد هذين النجلين الكريمين خلال الفترة المحدودة في النبوءة.. أن نُقاد سيدنا أحمد ليسوا أمناء في تناولهم لهذه النبوءة؟

حقيقة الأمر أن مولد ابن سيدنا أحمد: سيدنا الميرزا بشير الدين محمود أحمد كان استهلالاً لعهد تحقق النبوءة الكبرى: نبوءة “الابن الموعود” التي أعلنها سيدنا أحمد في 20/ 2/1886م.

لقد وُلد سيدنا الميرزا بشير الدين محمود أحمد، الابن الموعود، بعد ولادة بشير الأول، الضيف الذي مات في طفولته، والذي كانت ولادته ووفاته بشارة بمولد بشير الثاني كما جاء في إعلان 20/2/1886، وكما وضحّه سيدنا أحمد. ولقد وُلد في حدود مدة السنوات التسع. ومع أن أخاه الأصغر الميرزا بشير أحمد وُلد أيضًا في نطاق نفس المدة المحددة إلا أن الحكمة الإلهية أكّدت أن الابن الموعود هو سيدنا الميرزا بشير الدين وحده، وسمِّي محمودًا كما جاء في النبوءة.

ثم إن نص النبوءة فيما يتعلق بالابن الموعود يدل بنفسه على المعيار الصحيح لتحقيقها، فضلاً عن ولادته خلال المدة المحددة بتسع سنوات ابتداءً من 20/2/1886. تميَّز حضرته بصفات معينة ومنجزات بارزة كما جاء في إعلان 20/2/1886م. تشهد الدلائل التاريخية على أن سيدنا الميرزا بشير الدين محمود أحمد كان الابن الذي تجلّت في شخصيته بالفعل كل الصفات النادرة البارزة المذكورة في النبوءة. وأنجز حضرته الأعمال العظيمة المطلوبة منه شخصيًا، وحقق نبوءة الابن الموعود نصًا وروحًا.

فبينما كان حضرته في العقد الثاني من عمره ظهرت عليه أماراتُ نضج روحاني وفكري تفوق الوصف. وتتضح هذه الحقيقة من مساهماته الأدبية والعلمية في مجلة “نقد الأديان” (Review of Religions) وجريدة “بدر” ومجلة “تشحيذ الأذهان” وفي الجرائد والدوريات الأخرى.

وفي حقل المعرفة لم يكن لسيدنا بشير الدين محمود أحمد نظيرٌ في مثل عمره. قام بتفسير القرآن المجيد ـ المسمى بالتفسير الكبير – وتزيد صفحاته عن 6000، وتفسير مختصر -المسمى بالتفسير الصغير- في 853 صفحة. وألف عشرات الكتب منها: دعوة الأمير، تحفة الملوك، حقيقة النبوة، السير الروحاني، حل مشكلة الهند، دعوة الأحمدية، فضائل القرآن، ذات البارىء تعالى، ملائكة الله، الذكر الإلهي، والعرفان الإلهي. هذا فضلاً عن محاضرات عديدة منها: الانقلاب الحقيقي، نظام الاقتصاد في الإسلام، النظام العالمي الجديد للإسلام، وبداية الخلافات في الإسلام، وقد صدرت منها عدة طبعات.

وقد كشف سيدنا الميرزا بشير الدين أحمد عن فصاحة وبلاغة عظمى في خطبه، وتشرف بأن يكون أصغر المتحدثين سنًّا في الاجتماعات السنوية للجماعة الإسلامية الأحمدية. وتشرف بتمثيل الإسلام في مؤتمر الأديان الرئيسية بالإمبراطورية الذي انعقد في المعهد البريطاني بلندن 1924. ونُشر خطابه هذا في كتاب اسمه “الأحمدية.. أي الإسلام الصحيح” بعد ما لقيه من نقد صحفي رائع.

كما تجلت من حضرته الحكمةُ والفصاحة الفريدة؛ وأبدى أماراتِ الإقدام المدهشة، وأظهر مهارات إدارية رائعة منذ شبابه الباكر. وبفضل ما حباه الله من فطنة ثاقبة ومقدرة فذة كمخطط بارز ومنظم ماهر.. تمكّن حضرته من قيادة  وتوجيه الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى نجاح عظيم أثار حسد خصومها. لقد فعل كل هذا رغم أنه كان في سن الرابعة والعشرين الغضة.. عندما انتُخب خليفة للجماعة الإسلامية الأحمدية؛ واحتج خصومه بأنه في سن مبكر جدًا ليمسك بعنان الجماعة.

وأبدى سيدنا الميرزا بشير الدين محمود أحمد اهتمامًا شديدًا بمصالح المسلمين في شتى أنحاء العالم.. ونالت إسهاماته ضد حركة “شُدْهِيْ” الهندوسية الشهيرة الهادفة لرد المسلمين إلى الهندوسية، تقدير المسلمين الهنود (12).

وعندما استنّ حضرته عقدَ مؤتمرات “سيرة النبي” بمناسبة المولد النبوي الشريف في شبه القارة الهندية يعرض بها سيرة نبي الإسلام ، ويدحض بها تأثيرات حركة “شدهي” المناهضة للإسلام.. أشاد به قادةُ المسلمين في الهند إشادة متألقة (13).

وفيما بين 1917 و 1946 نصح لقادة حزب المسلمين الهنود “الرابطة الإسلامية” بصدد مسألة حقوق المسلمين في شبه القارة الهندية. (14). ولقد بلغ نفوذه إبان هذه الفترة الحرجة مبلغًا جعل قيادة “حزب الأحرار” الموالي للحزب الهندوسي “كونغرس” المعارض لحزب المسلمين تنوح قائلة: “ألقى السيد محمد علي جناح خطبة في مدينة “كويتا” حيث اتبع فيها تمامًا سياسات الميرزا محمود”.

ولقد أكسبته مساندته لقضية المسلمين في كشمير استحسانًا بمثل ما نال الثناء الحميد لتأييده قضية فلسطين (15). وما أدل على ذلك من خطبته الشهيرة: “الكفر ملة واحدة”.. التي دعا فيها المسلمين من جميع الأقطار لمساندة الفلسطينيين ومساعدتهم بالمال عند قيام إسرائيل.

مثل هذا الثناء والتقريظ من أهل النزاهة والاستقامة أمرًا عاديًا في حياة سيدنا الميرزا بشير الدين محمود أحمد. ثم ما هو المعيار للحكم على منجزات شخص أفضل مما يشهد به أعداؤه ويعلنونه؟ هذا شودري فضل حق -زعيم حركة الأحرار، وهي منظمة نذرت نفسها لمعارضة الجماعة الإسلامية الأحمدية- يتحدث عن براعة سيدنا محمود فيصرح: “إن وراءه عقلاً فذًا قادرًا على تدمير أعظم إمبراطورية في غمضة عين”

ولعله من المتعذر عمليًا أن نسوق كل منجزات سيدنا محمود في منشور واحد، ومع ذلك فإنه تقديرًا لإنجازاته العظيمة حيّاه وأشاد به رجال من ذوي المكانة الرفيعة من أمثال العلامة نياز الفتحبوري – العالم الشهير في القارة الهندية والمعروف بنفاذ البصيرة.. الذي أثنى عليه قائلاً: “بين أيدينا الجزء الثالث من التفسير الكبير الذي ندرسه بعناية. لا ريب أنك خلقت وجهًا فريدًا لدراسة القرآن الكريم. والتفسير هو الأول من نوعه. وقد مزجتَ فيه بين الذكاء والعلم بطريقة جميلة جدًا. إن معارفك العظيمة وتفكيرك المتبحر، وفهمك الفريد، وطريقتك في التعبير.. كل ذلك جليٌّ في كل كلمة. أعتذر عن إهمالي لهذا التفسير كل هذه المدة. يا أسفاه! كان بوسعي دراسة مجلداته كلها. بالأمس فقط كنت أقرأ تفسير سورة هود، فتأثرت كثيرًا برأيك فيما يتعلق بسيدنا لوط عليه الصلاة والسلام حتى وجدتُ نفسي مدفوعًا لكتابة هذه الرسالة. إن الموقف الذي اتخذتَه في تفسير الآية

هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ

موقف فريد، ولا أجد الكلمات التي أعبّر بها عن امتناني لك. فليحفظك الله تعالى” (16). وقد قرظتْ جريدة “وكالة الأنباء” العربية الأردنية الترجمةَ الإنكليزية للتفسير الكبير تحت عنوان (ترجمة القرآن الكريم)، وقالت: .. يقع الكتاب في 968 صفحة تضم ترجمة السور المجيدة: الفاتحة والبقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة. وقد أحسن الميرزا بشير الدين محمود أحمد فضم مصادر الكتاب وبحوثًا قيمة من القرآن المجيد وسيرة الرسول الأعظم وشخصيته، وكيفية جمع القرآن وغيرها. والترجمة الإنكليزية تفوق كل ترجمة سبقتها من حيث الإتقان وجودة الورق والطبع والانسجام وصدق الترجمة الحرفية، وتفسيرها تفسيرًا مسهبًا بأسلوب جديد يدل على علم غزير واطلاع واسع على حقائق الدين الإسلامي الحنيف وتعاليمه السامية. والكتاب الثمين في مجموعه دفاع عن الإسلام وردٌّ على خصومه وخاصة على المستشرقين.. يبطل مزاعمهم بأسلوب علمي رائع.

ومما يجدر ذكره أن المسز زمرمان الكاتبة الهولندية المعروفة قامت بنقل هذه الترجمة للقرآن المجيد من الإنكليزية إلى الهولندية وما كادت تفرغ من ترجمتها حتى اعتنقت الإسلام (17).

كان مثل هذا الثناء والتقريظ من أهل النزاهة والاستقامة أمرًا عاديًا في حياة سيدنا الميرزا بشير الدين محمود أحمد. ثم ما هو المعيار للحكم على منجزات شخص أفضل مما يشهد به أعداؤه ويعلنونه؟ هذا شودري فضل حق -زعيم حركة الأحرار، وهي منظمة نذرت نفسها لمعارضة الجماعة الإسلامية الأحمدية- يتحدث عن براعة سيدنا محمود فيصرح: “إن وراءه عقلاً فذًا قادرًا على تدمير أعظم إمبراطورية في غمضة عين” (18).

وهذا المولوي ظفر علي خان، وهو معارض شديد للجماعة الإسلامية الأحمدية.. يتحسر لما شهده من منجزات سيدنا محمود وينذر زملاءه وأصحابه: “أعيروني سمعكم وأنصتوا أنتم وشركاؤكم أيها الأحراريون! إنكم لن تستطيعوا أن تهزموا الميرزا محمود حتى يوم الدين. إن الميرزا محمود يملك القرآن وعلم القرآن. وإنكم لم تقرؤوا القرآن أبدًا ولو في أحلامكم. مع الميرزا محمود جماعة مستعدة للتضحية بكل ما تملك عند قدميه. الميرزا محمود لديه دعاة: مبلغين وعلماء في تخصصات شتى. لقد ثبَّتَ رايتَه في كل بلد من العالم” (19).

أي نوع من الرجال هذا الذي يلقي في قلوب خصومه مثل هذا الرعب والخوف؟ كل هذا.. وما خَفِي كان أعظم. لقد حظي سيدنا محمود أحمد بالاستحسان من أصدقائه وأعدائه على حد سواء.. لقدراته الخارقة وإنجازاته البارزة. ولسوف ننهي هذا الفصل باقتباس ما كتبه يعقوب خان -المحرر السابق للجريدة الرسمية المدنية والحربية: (CIVIL & MILITARY GAZETTE). مؤبِّنًا سيدنا محمودًا بعد وفاته:

عظيم من بُناة الأمة

“بوفاة الميرزا بشير الدين محمود أحمد إمام الحركة الأحمدية – ربوة.. أُسدلَ على مسار حياةٍ هي الأحفل بالأحداث والأحشد بمشروعات بعيدة المدى لا تحصى. رجل ذو شخصية عبقرية متعددة المواهب، مفعمة بالنشاط والحيوية. لا يكاد يوجد مجال من مجالات الفكر والحياة المعاصرة من العلوم الدينية إلى تنظيم الدعوة والتبليغ، بل والقيادة السياسية.. إلا وترك فيها الفقيد أثرًا عميقًا في خلال النصف القرن الماضي.

هناك شبكة كاملة من البعثات الإسلامية والمساجد منتشرة في أنحاء العالم؛ واختراقٌ عميق للدعوة الإسلامية في أفريقيا، وإزاحةٌ للإرساليات النصرانية الراسخة منذ زمن طويل عن مواقعها. كل ذلك ينهض نصبًا تذكاريًّا وأثرًا خالدًا لما كان يتمتع به الفقيد من تخطيط مبدع ؛ ومقدرة تنظيمية وطاقة لا تنضب. لا يكاد يوجد قائد قوم من زمننا الحاضر حَازَ كلَّ هذا الإخلاص العميق من جانب أتباعه.. ليس إبان حياته فقط، بل وبعد وفاته. فقد هرع 60،000 من كافة أنحاء البلاد ليقدموا واجب التكريم والتقدير الأخير نحو إمامهم الراحل. وفي تاريخ الحركة الأحمدية.. سوف يُسجَّل اسم الميرزا محمود على أنه عظيم من بُناة الأمة.. شيّد جماعةً متينة محبوكة النسج في مواجهة ظروف ثقيلة الوطأة، وجعل منها قوةً يُحسب حسابها” (20)

الهوامش

1ـ مجموعة الإعلانات ج1 ص97،وجريدة “رياض الهند”

(تكملة) واحد مارس 1886م أمرتسار.

2ـ المرجع السابق ص183، الإعلان الأخضر، 1/12/1888م أمرتسار.

3ـ المرجع السابق ص113، إعلان 22 مارس 1886

4ـ المرجع السابق

5ـ المرجع السابق ص 116،117، إعلان يوم 18 أبريل 1886

6ـ المرجع السابق

7ـ مجموعة الإعلانات ج1 ص183

8ـ المرجع السابق

9ـ المرجع السابق ص179

10ـ المرجع السابق، وترياق القلوب، الخزائن الروحانية ج 15 ص146

11ـ مجموعة الإعلانات ج1 ص191، إعلان 12/1/1889م

12ـ المولوي ظفر علي خان، جريدة ” زميندار”، لاهور 18/4 و 17/5 و 29/6/1923 ، والشيخ نياز علي، “زميندار”، لاهور 24/6/1923، وجريدة “مشرق” غورخبور

29/3/1923، وجريدة “وكيل”، أمرتسار، 3/5/1923

13ـجريدة “مشرق”غورخبور، 12/6/1928، وجريدة “سلطان” 12/6/1928، ومجلة “بيشوا”، دهلي، 2/7/1928، ومجلة”بيغام عمل”، فيروزبور، 24/5/1929، ومجلة “همت”، لكناو 3/5/1929

14ـ جريدة “خاور” 21/7/1930 وجريدة “انقلاب” 16/7/1930 وجريدة “سياست” لاهور، 2/12/1930 وجريدة “همت” لكناؤ 5/12/1930

15ـ جريدة”النهضة” الأردنية 12/1/1948

16ـ مجلة “الفرقان” ربوه، ديسمبر 1965 ويناير 1966

17ـ جريدة وكالة الأنباء العربية، عمان، الأردن، عدد6 شباط 1949.

18ـ جريدة”المجاهد”15/8/1935

19ـ أيك خوفناك سازش (مؤامرة مخيفة) للسيد مظهر علي أظهر ص196.

20ـ جريدة “النور”، لاهور،16/11/1965

Share via
تابعونا على الفايس بوك