الفتنة.. من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود

الفتنة.. من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود

عبد الله أسعد عودة

منذ أوائل السبعينيات يقوم علماء السوء بحملةٍ مسعورة ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية في باكستان، حملةٍ لم يسبق لها مثيل في تاريخ الجماعة، تستهدف القضاء التام على هذه الجماعة وبكل الوسائل المتاحة.

لقد سبق وقامت ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية في الماضي محاولاتٌ متكرّرة استهدفت هي الأخرى الحدَّ من نشاطها والقضاء عليها، إلا أنَّ هذه الحملة جاءت قمّةً في ضراوتها وشراستها واتبعت استراتيجيةً جديدة. من أهم ميزاتها مايلي:

  • إقحام الحكومة الباكستانية في المعركة ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى جانب المشائخ.
  • تبنّي المملكة العربية السعودية، بواسطة رابطة العالم الإسلامي، دعمَ المقاومة ضد الأحمديين في باكستان وخارجها.
  • إبراز الأحمدية والبهائيّة وكأنّهما عدو واحد مشترك للعالَم الإسلامي.

المقاومة ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية لم تتوقف ولم تنقطع يومًا من الأيام، إلا أنَّ هذه الحملة الأخيرة تستدعي التأمُّل والتفكير بشكلٍ خاص، ذلك أنّها جاءت بعد ثلاث هزّاتٍ عنيفة تعرَّضت لها الجماعة منذ تأسيسها، وحدثت على فتراتٍ حوالي عشرين سنة بين الحملة والأخرى، وفي كل مرة كان الهدف تمزيق الجماعة والقضاء عليها. ولكن المهم في الأمر أنَّ الجماعة في هذه الحملات أو الهزَّات كانت تخرج قويةً معزَّزة. وإنّي أذكر هذه الحملات بالاختصار عبرةً لمن يعتبر.

الهزَّات الثلاث

الهزّة الأولى حدثت سنة 1914 عندما نشأت حركة انفصالية استهدفت الإطاحة بنظام الخلافة وكادت تمزّق وحدة الجماعة، لكن هذه المحاولة الخبيثة فشلت وأُحبِطت تمامًا، واستمرت الخلافة في الجماعة قائِمةً راسخةً كما أراد لها الله ، وكما يريد لها بل ويفرض عليها نظام الحكم الإسلامي الصحيح أن تكون.

الهزّة الثانية حدثت بعد عشرين عامًا من الأولى وفي السنة 1934 حين دبَّر حزب الأحرار(1) في البنجاب مؤامرةً خبيثة استهدفت تدمير مركز الجماعة في قاديان والقضاء على مؤسّساتها هناك. وقد حالفهم الحظ حيث تواطأ حاكم البنجاب البريطاني معهم، ذلك الحاكم الذي كان هو الأخير يخشى نفوذ إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية الخليفة الثاني للإمام المهدي المسيح الموعود . ولكنهم مع ذلك عادوا خائبين مخذولين دون أن ينالوا من الجماعة. ومرةً أخرى خرجت الجماعة بفضل الله وتأييده عزيزة منتصرة رافعةً الرأس.

بعدها بحوالي عشرين سنة أخرى قامت سنة 1953 في باكستان اضطرابات البنجاب الدموية المعروفة حيث ثار بعض المتعصبين من رجال الدين مُطالبين الحكومة بإبعاد الأحمديين عن المراكز الحكومية الهامة وعن قيادات الجيش.

وقد ركَّزوا مُطالبتهم على تنحية السير محمد ظفر الله خان الأحمدي عن منصبه كوزير للخارجيّة الباكستانية بعد أن ذاع صيته في الحلبة الدولية وخاصة في أروقة الأمم المتحدة وبين الدول الإسلامية والعربية. وكان بين الذين قادوا تلك الحملة الشيخ أبو الأعلى المودودي أحد أعداء الجماعة الإسلامية الأحمدية الألدَّاء. وقد أدت تلك الاضطرابات إلى استشهاد العديد من أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية. لكن الحكومة حينئذٍ لم تخضع لمطالب أولئك المشائخ حتى أنها اضطرت لإخمادها بواسطة الجيش. كما أقامت الحكومة لجنةً للتحقيق في أسباب الاضطرابات وصدرت نتائج التحقيق في التقرير المشهور والعروف (بتقرير منير). وقد أُدِينَ الشيخ المودودي بخيانة الدولة وحُكِمَ عليه بالإعدام، الذي خُفِّفَ فيما بعد إلى السجن.

وبعد عشرين سنة أخرى أشعل علماء السوء نار الحملة الرابعة التي بدأت سنة 1974 وامتدَّ أوارُها حتى اليوم، وبلغت أوجها سنة 1984 في عهد الخليفة الرابع أيّده الله ونصره. هذه الحملة فاقت جميع المحاولات السابقة في حدَّتها وضراوتها بحيث يمكننا وبحق أن نُطلق عليها (الفتنة الكبرى)، لأنّها أخذت أوجُهًا جديدة غريبةً عن الدين، وركَّزت على اتهاماتٍ جديدة للأحمديين لم تواجه الجماعة مثلها في الماضي. والأهم من كل هذا مشاركة الحكومات الإسلامية ووقوفها إلى جانب العلماء ومُثيري الفتنة ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية، بدل أن تتولّى هذه الحكومات مهمة الحفاظ على سلامة وأمن المواطنين جميعًا، الأمر الذي زاد الموقف حدَّةً وخطورة.

لقد سبق وذكرت أوجهًا ثلاثة ميّزت هذه الحملة عن سابقاتها، وسأبيّن بالتفصيل هذه الأوجه قد ما يتسنّى لي، كي يقف القارئ الكريم على حقيقة وخطورة ما يجري في هذه الحملة.

حكومة باكستان تتولى مقاومة الجماعة الإسلامية الأحمدية

لقد تصدَّر المعارضة للأحمدية منذ قيامها وحتى اليوم بعض رجال الدين والعلماء المتعصّبين، فأصدروا على مرِّ السنين العديد من الفتاوى الدينيّة والبيانات ضدّ الأحمديّة. لكن هذه الفتاوى لم تُجدِهم نفعًا ولم تُحقّق لهم ما يريدون من إساءة للجماعة الإسلامية الأحمدية. فاتجهوا إلى ناحيةٍ جديدة وهي استمالة الحكومات الإسلامية وتجنيدها قدر الإمكان لضرب هذه الجماعة. فبعد أن يَئِسُوا من الوسائل الأخرى الدينيّة المتاحة لهم ألقوا بكل ثقلهم في هذا الاتجاه الجديد. وقد لجأوا إلى هذه الاستراتيجية العلمانية فقط بعد أن أفلسوا دينيًّا. وقد تكون هذه آخر محاولة وضربة اليأس الأخيرة منهم لمقاومة هذه الحركة الدينية حتى بالوسائل اللادينية. فإذا فشلوا دينيًّا كم بالأحرى أن يفشلوا بلجوئهم إلى الوسائل اللادينية. ونحن واثقون أنهم فاشلون لا محالة.

لقد اختاروا باكستان كهدف أول لحملتهم أكبر مجموعة من الأحمديين وفيها قيادة الحركة ومركزها العام. وظنّوا أنّهم إن أفلحوا في القضاء على الأحمدية في موطنها الأول ومركزها الأكبر ستضعف وتتلاشى الجماعات الأحمدية المنتشرة في بلدان العالم وتعجز عن المقاومة والصمود لوحدها.

لقد ركّز هؤلاء العلماء، بقيادة الشيخ محمود يوسف الحسيني هذه المرة ضغوطهم على حكومة باكستان وبدعم وتشجيع من المملكة العربية السعودية (وسنأتي على هذا الدور فيما بعد). فسلّطوا على الحكومة ضغوطهم حتى رضخت هذه المرة لمطالبهم. فبعد أن أدانتهم حكومة باكستان بإثارة الشغب والفتنة سنة 1953 أصدرت اليوم، سنة 1974، نزولاً عند رغبة العلماء وفي عهد الرئيس ذو الفقار علي بوتو قانونًا برلمانيًا لأول مرة يقضي بأنَّ الأحمديين في باكستان هم أقليّة غير مسلمة، وهو ما كان يُطالب ويحلم بتحقيقه أولئك العلماء منذ سنين. وهكذا أقحمت الحكومة الباكستانية نفسها ولأول مرة في هذا الصراع الديني. فاتخذ العلماء منها مطيةً وأداة طيّعة لتحقيق مآربهم الخبيثة وأهدافهم السيئة.

لقد كان موقف الضعف هذا من قِبَل حكومة باكستان حافزًا شجّع أولئك العلماء لمواصلة ضغوطهم على الحكومة بحيث لم يكتفوا بأن يظلّ ذلك القانون المشؤوم حبرًا على ورق بل طالبوا بتنفيذه قولاً وعملاً من قِبل السلطات الحكومية المختصة. ونزولاً عند رغبتهم أصدر الرئيس ضياء الحق سنة 1984، وهو ابن أحد هؤلاء المناوئين للجماعة الإسلامية الأحمدية، مرسومًا رئاسيًا يقضي بمنع الأحمديين من ممارسة الطقوس والمراسيم الدينية الإسلامية باعتبارهم أقليّة غير مسلمة. من ذلك منعهم من إعلان الشهادة والجهر بقراءة القرآن ورفع الآذان ومنعهم من تسمية أماكن العبادة باسم مساجد أو جوامع والتوجّه إلى الكعبة المشرَّفة في صلواتهم وما إلى ذلك. وتضمَّن المرسوم أيضًا فرض عقوبات بالسجن والغرامات المالية للمخالفين.

لقد تسبّب هذا الإجراء الحكومي التعسُّفي بمضايقات للأحمديين لا حدَّ لها. فَمُنِعُوا من القيام بأي نشاطٍ ديني، وأُغلقت دور النشر في المركز العام بربوة، وأُقصوا عن المناصب القيادية سواءً من الحكومة أم في الجيش، ولاقى أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية من جرّاء ذلك أبشع أنواع الظلم والاضطهاد الديني، واستُشهِد وسُجِن الكثيرون منهم لا لسبب إلا لأنهم رفضوا التنازل عن دينهم وعقيدتهم أو لأنهم رفضوا إلقاء شارة التوحيد من على صدورهم.

لقد تجاوزت حكومة باكستان بعملها هذا كل الحدود وهتكت كل القيم الإنسانيّة وضربت بتعاليم الإسلام السمحة عرض الحائط. وإليكم ما صرّح به زعيم “جمعية ختم النبوة” في مقاطعة بلوشستان، الملاَّ تاج محمد كما نشرته صحف باكستان. وهذه الجمعية هي التي تقف اليوم وراء حملة الاضطهاد ضد الأحمديين. صرّح هذا العالِم أثناء محاكمةٍ جرت لأحد الأحمديين لأنّه علّق شارة الشهادة على صدره بعد أن ضُرِب وسُجن، وقال أمام المحكمة وبلا خجل:

((صحيح أنَّ ما نُعامل به الأحمديين اليوم يُشبه معاملة الكفار للنبي عندما كان يجهر أمام الناس بالشهادة)).

لقد تطرَّق الخليفة الرابع أيّده الله إلى هذه الممارسات ضد الأحمديين في خطبة الجمعة في 13، 6، 1986. ومما ذكره في هذه الخطبة أنَّ وزير الأوقاف الباكستاني الحاج كريم وجَّه إلى الأحمديين في باكستان إنذارًا ونصيحةً بأن يقبلوا قرار الحكومة الذي جاء على حدّ قوله ديمقراطيًا ومعبِّرًا عن رغبة الشعب الباكستاني، وأن يُقلعوا عن ممارسة الطقوس الإسلامية والجهر بها، لأنَّ القانون ألغى علاقتهم وصلتهم بالإسلام. وكمواطنين باكستانيين عليهم أن يحترموا القانون ولا يكونوا من الخارجين عليه. ونصحهم بأنَّهم إن لم يقبلوا بهذه النصيحة فسيتحمّلون النتائج.

إنَّ ما يجري اليوم في باكستان يذكّرنا بمحاكم التفتيش في إسبانيا حيث يُروى عن أحد أمراء بني الأحمر من ملوك الأندلس ومؤسسي مجدها وعظمتها حيث سِيقَ ذليلاً مُهانًا إلى محكمة التفتيش “هذه المحاكم أُسِّست بإسبانيا لتنصير المسلمين واليهود قهرًا”، ولما مثل أمام قضاة المحكمة قال له الرئيس: ((لن يدلَّ على براءتك إلا أمرٌ واحد وهو أن تترك دينك وتأخذ بدين المسيح)). فطار الغضب في رأس الأمير وصرخ صرخةً دوَّت بها أرجاء القاعة وقال:

((في أي كتابٍ من كتبكم وفي أي عهدٍ من عهود أنبيائكم ورسلكم أنَّ سفك الدماء عقاب الذين لا يؤمنون بإيمانكم ولا يدينون بدينكم. من أي عوالم الأرض والسماء أتيتم بهذه العقول التي تصوّر لكم أن الشعوب تُساق إلى الإيمان سوقًا، وأنَّ العقائد تُسقى للناس كما يُسقى الخمر)).

واليوم ها هو أمير المؤمنين الخليفة الرابع أيّده الله وإمام الجماعة الإسلامية الأحمدية يصرخ في وجه هؤلاء الأقزام من وزراء وعلماء صرخة بطلٍ تدوّي وتُجلجل ليس في أرجاء باكستان فحسب بل في العالم أجمع. لقد جاء جواب الخليفة في خطبة الجمعة 13 حزيران سنة 1986 حيث قال: ((لقد أجمع زعماء قريش وسادتها على أن يمنعوا محمدًا من إعلان الشهادة وممارسة دين التوحيد في قومه، ونصحوا له بنفس الأسلوب الذي استعمله وزير الأوقاف الباكستاني اليوم بأن يُقلع عما يدعو الناس إليه، وحاولوا إغراءه بكل الوسائل. فردَّ عليهم بذلك الجواب الخالد:

“والله لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهِرَهُ الله أو أهلَكَ دونه”. واليوم هذا هو جوابي لأولئك الوزراء والعلماء، وإنّي أُعلن لهم وللعالم أجمع باسم كل الأحمديين أطفالاً وشيوخًا نساءً ورجالاً بأننا مسؤولون وملتزمون أمام الله فقط ولا يمكن لأحد أن يفرض علينا عقيدتنا”.

((يدَّعون بأنَّ القرار كان ديمقراطيًا وشعبيًا وعلينا أن نقبل به، ولكني أسألهم إن تقرر حكومة الهند شعبيًا كقراركم بأنَّ المسلمين في الهند أقلية غير مسلمة وعليهم أن يُنكروا الشهادة، فهل يا ترى يروق ذلك الإجراء لمن يسمُّون أنفسهم علماء في باكستان. كلا ثم كلا، إنّهم سيُعارضون هذا الإجراء هم وكل المسلمين في العالم. إذًا، فكيف يُطبِّقون علينا هذه القاعدة في دولة باكستان المسلمة)).

(إنّه لأمرٌ مضحكٌ جدًا بل يبعث على السخرية. إنَّ طَلَبَ هؤلاء الملّات بأن نتنكّر لشهادتنا مردودٌ مرفوض، ولن نهادن أو نساوم أحدًا في عقيدتنا تمامًا كما أنَّ النبي لم يُهادن ولم يُساوم الكفّار في دينه. إنَّ هذه الإجراءات الغاشمة الظالمة لن تُرهبنا ولن تُخيفنا. فدار الظالمين على الدوام هي دار الخراب وهي دار البوار).

خلاصة القول أنَّ محاولات رجال الدين ومقاومتهم للحركة الأحمدية على المستوى الديني قُرابة قرنٍ قد أثبتت فشلها وعُقمها ولم تُجدِ الفتاوى المتكرِّرة والاشتهارات والإعلانات المعادية للأحمدية مقارعة الحجّة بالحجة. فراحَ هؤلاء العلماء يستغيثون بالحكومات العلمانية مُطالبين بالقيام بإجراءات من نوعٍ آخر للحدِّ من نشاط هذه الجماعة. ولكن ليعلم هؤلاء العلماء المفلسون دينيًّا أنَّ الوسائل الأرضية هي أضعف سلاح يمكن استعماله في هذا المجال، وأنَّ جميع الشرفاء في باكستان وغيرها يستنكرون هذه الإجراءات كل الاستنكار، وأنَّ التحوّل من المجابهة الفكرية إلى المجابهة بالقوة ما هو إلا محاولة يائسة وفاشلة للقضاء على الأحمدية.

دور المملكة السعودية

إنَّ الدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية ولا تزال تلعبه في هذه الفتنة لهوَ دورٌ هام وخطيرٌ جدًّا بحيث يمكن القول بأنّه لولا دعم السعودية وخاصةً المادي منه لما بلغت المقاومة للأحمديين هذه الخطورة، ولما اتّسع نطاقها إلى ما هي اليوم سواء في باكستان أم خارجها. ومن يراقب ويتأمل مجريات الأمور يتبيّن له جليًّا أن السعودية لم تحمل راية المقاومة الأحمدية غيرةً على الدين ومبادئه السامية بقدر ما هو خدمة لمصالحها الخاصة ورغبات مليكها الشخصيّة. وبدون الدخول في تفاصيل فإننا والعالَم أجمع نعرف مدى غيرة السعوديين وسهرهم على الدين الحنيف. وإذ أقول السعوديين فإنّي لا أقصد بذلك عامة الشعب السعودي بل أولئك الذين يُديرون دفّة الأمور في السعودية. ولتوضيح موقف السعودية هذا استعرض فيما يلي الدوافع والمسببات التي أدت إلى إقحام السعودية في هذه الفتنة وذلك على ضوء الأحداث في السنوات الأخيرة وكما تبيَّن من مصادر الأخبار المختلفة.

لقد انطلقت الشرارة الأولى التي أشعلت هذه الفتنة من مؤتمر القمة الإسلامي الذي عُقد في لاهور بباكستان سنة 1974 حيث طُرح موضوع إقامة الخلافة الإسلامية. وكان الطامع الأكبر فيها هو الملك فيصل آل سعود. هذه الخلافة التي لم تزل تَقُضُّ مضاجع العلماء والمفكرين المسلمين منذ أن ألغاها كمال أتاتورك سنة 1924، لأنّ الشريعة الإسلامية تفرض إقامتها على رأس كل نظام حكم إسلامي. ومنذ ذلك الحين أعني سنة 1924 لم تنفك جهود ومحاولات المسلمين لإقامة الخلافة ولكن دون جدوى. وما جرى في مؤتمر القمة الإسلامي بلاهور سنة 1974 كان آخر هذه المحاولات. ولكن على ما ظهر لم يبرز من بين الملوك والرؤساء المسلمين من هو أهلٌ وجدير بحمل هذه الأمانة فلم يُنتخب الخليفة. وقد أفادت الأخبار وقتها أنَّ المؤتمر طلب من حكومة تركيا بأن تُسلّم ما تبقى من آثار للخلفاء العثمانيين للمؤتمر، ولكن تركيا أبتْ ورفضت هذا كذلك. وهكذا فشلت المحاولة. وقد عُلِمَ في حينه بأنَّ سوريا كانت ممن سَعوا لإحباط هذه المحاولة، بينما كانت باكستان من أشدِّ المؤيدين لانتخاب فيصل آل سعود خليفةً للمسلمين.

رجع الملك فيصل من مؤتمر القمة مُخيَّب الآمال، ومنذ أن وطأت قدماه أرض السعودية صرَّح أمام ممثلي رابطة العالَم الإسلامي الذين جاءوا لاستقباله وتهنئته بالعودة وطالب بأن تعمل الرابطة على جمع كلمة المسلمين على مستوى القاعدة بعد الاجتماع على مستوى القمة. وإليكم ما جاء في تقرير لمجلة الأسبوع العربي نشرته جريدة القدس الصادرة في بيت المقدس بتاريخ 26، 4، 1974:

عقدت الرابطة تحقيقًا لرغبة الملك وفي الحال مؤتمرًا ضمَّ ممثلين عن جميع المنظّمات الإسلامية سواء من الدول الإسلامية أو غيرها للبحث في السبل لمواجهة الهجمة التحريضية والتهديمية، كما وصفها المؤتمر، التي يتعرَّض لها الإسلام اليوم، وقد حضر هذا المؤتمر، كما جاء في التقرير، ممثلون عن كل دولة فيها مسلمون، منها اتحاد جنوب أفريقيا، غيانا، أمريكا الوسطى، الدنمارك، فرنسا، إيطاليا، اليابان، أستراليا، وكذلك عن حركة المسلمين السود في الولايات المتحدة. وجاء في التقرير أنَّ المؤتمر يرى بأنَّ الخطر الحقيقي الذي يهدّد كيان المسلمين وجوهر عقيدتهم مصدره الحركة القاديانية والحركة البهائيّة. وأجمع الحاضرون أنَّ الحركة القاديانية تخون قضايا الأمة الإسلاميّة وتقف مواليةً للاستعمار والصهيونيّة وتتعاون مع القوى المناهضة للإسلام من أجل تحطيم العقيدة الإسلامية وتحريفها (والعياذ بالله).

كما أشار المؤتمر إلى أخطار خارجية أخرى تواجه الإسلام والمسلمين ليس على أساس ديني بل اقتصادي وسياسي وعسكري. وهذه الأخطار تتمثل في الصهيونيّة والماسونية والشيوعيّة والاستعمار. ووصف المؤتمر الماسونيّة بأنَّها جمعية سريّة هدَّامة لها صلة كبرى بالصهيونية. ولذا من واجب الهيئات الإسلامية كشفت هذه الجمعية وتحريم انتخاب أي مسلم لعمل إسلامي إن عُلِمَ أنه ينتسب إليها.

منذ ذلك المؤتمر وعلى ضوء ما تقرّر فيه نشطت الرابطة بشكل خاص في معارضتها للأحمدية على كل الجبهات وفي جميع بلدان العالم وخاصة في باكستان. كل ذلك بوحي وتوجيه من السياسة السعودية. ولتأكيد ذلك إليكم ما قالته مجلة ((المسمون)) عدد 11، 7، 86:

((لقد تبنَّت رابطة العالَم الإسلامي محاربة هذه النِحلة الضالة (يعني القاديانية). ومنذ ما يقرب من ثلاث وعشرين سنة والرابطة تتولى إصدار القرارات ضد هذه الفئة من عدة جهات: أولها مؤتمر المنظمات الإسلامية الذي عُقد بمكة المكرمة سنة 1974 والذي جاء فيه أنّ هذه الطائفة كافرة خارجة عن الإسلام، وطالب الحكومات الإسلامية منع كل نشاط لأتباع مرزا غلام أحمد مدَّعي النبوة، واعتبر الأحمدية أقليّة غير مسلمة، وطالب بعدم التعامل مع الأحمديين ومقاطعتهم اقتصاديًا ونشر التحريفات التي أدخلوها على القرآن الكريم)).

وتمضي الجريدة المذكورة فتقول:

((كذلك صدر قرار مماثل عن مؤتمر وزراء الأوقاف الإسلامي سنة 1981 وهو الذي أيّد ما جاء في قرار المنظمات الإسلامية من سنة 1974. وفي قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي الذي صدر سنة 1978 بمكة المكرمة طالب المجمع اعتبار العقيدة القاديانية المسمّاة أيضًا بالأحمدية عقيدةً خارجةً عن الإسلام خروجًا كاملاً وأنَّ معتنقيها كفار مرتدون عن الإسلام. وإن تظاهر أهلها بالإسلام إنّما هو للتضليل والخداع. كما وأعلن المجمَّع أنه يجب على المسلمين حكوماتٍ وعلماء وكُتّابًا ومفكِّرين ودُعاة وغيرهم مكافحة هذه النِّحلة الضالة وأهلها)).

وهنا يتبادر إلى الأذهان السؤال: هل هذه النِّحلة الضالة يا ترى بحاجة إلى تجنيد كل هذه القوى لمجابهتها وصدّها؟ أم أنَّها في الواقع ليست مجرّد نِحلة بل قوة عظيمة وتيار جارف أقلق وأعيا هذه القوى كلها؟

وتمضي (المسلمون) فتقول: (لقد نجحت جهود الرابطة في مواجهة القاديانية ولكن ليس نجاحاً تامًا). ولأجل أن تُبرّر هذا النجاح المحدود للرابطة حتى الآن استعرضت الجريدة أعمال الجماعة الأحمدية الجبّارة لا لقصد أن تُشيد بها وتمتدحها بل لتبرّر قصور الرابطة من جهة ولتبرز من جهةٍ أخرى مدى الخطر المحيق بالإسلام والمسلمين من جرَّاء ما تقوم به الجماعة من أعمال وإنجازات! وإليكم ما سرَدتهُ هذه الجريدة المعادية للأحمدية والذي جاء اعترافًا وإقرارًا منهم، من حيث لا يدرون، بنجاح هذه الجماعة وبفضل جهادها لخدمة الإسلام والمسلمين. والفضل ما شهدت به الأعداء. لعل في هذه الشهادة ما يُسهّل على القرّاء التوصل إلى حكمٍ صحيح واتخاذ موقف عادل تجاه الحركة الأحمدية. كما وأنّ ما ذكرته الجريدة يكفينا عناء الحديث عن أعمال الجماعة وإنجازاتها.

وإليكم ما نشرته جريدة (المسلمون) في عددها الصادر في 11، 7، 1986:

  ((لقد أفادت وفودٌ عديدة من أفريقيا أنَّ أول حركات إسلامية تعرفها بلدان القارة كانت عن طريق الأحمدية. كما وأنه من أكبر أخطار القاديانية أنها تزعم الإسلام دينا لها. كما أنها ملكت إمكانياتٍ هائلة جعلتها تتغلغل في المجتمعات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وذلك من خلال إقامة المدارس والمستشفيات والمعابد الخاصة بهم (هذه المعابد هي في الواقع مساجد ككل المساجد الإسلامية ولكن الجريدة على ما يبدو تخشى أن تُسمّيها باسمها الحقيقي تمشيًّا مع القرار الباكستاني الغاشم الذي يمنع أن يُطلق على أماكن العبادة للأحمديين اسم مساجد أو جوامع). لذا نجحت القاديانية في أن تجد لها موطئ قدم في العديد من أقطار القارات كلها. ويذكر أنَّ لها 350 مركزًا في جميع أنحاء العالم، وهناك أكثر من عشرين مجلة وجريدة تنطق بلسانها وتروّج لتعاليمها)).

((وقد نشرت جريدة الفجر الصادرة في الباكستان باللغة الإنكليزية عدد 28، 12، 1977 بأنَّ الأحمديين يوزِّعون مليون نسخة قرآن في الخارج، وأنّهم يؤسِّسون مطابع ضخمة في بلدين أجنبيين. وتوزع كتب إسلامية مطبوعة بتسع لغات. وقد تم إنشاء أربعة معابد للأحمديين في كندا. وهناك معبدٌ آخر في إسبانيا. إلا أنّه يمكن استعراض أهم نشاطات القاديانية من خلال القرارات التي اتخذها زعيم الحركة في المؤتمر الحادي والثمانين لهم (المقصود الاحتفال السنوي) حيث اتخذ القرارات التالية:

  • إنشاء مراكز في غرب وشرق أفريقيا وفرنسا وإسبانيا والنرويج والسويد وإيطاليا والدنمارك وبريطانيا وأمريكا.
  • ترجمة القرآن الذي حرَّفوه (كذا!) إلى مائة لغة أساسية تشمل الروسية والفرنسية والصينية واليوغسلافية.
  • طبع ونشر الثقافة والأدب الإسلامي بكل اللغات السائدة.
  • إنشاء محطة إذاعيّة تسمَّى ((صوت القرآن)).
  • وضع مشاريع إعلامية لتوثيق العلاقات بين القاديانيين في كل أنحاء العالم)).

وتمضي جريدة ((المسلمون)) في سرد إنجازات الجماعة الإسلامية الأحمدية والتي تعتبرها أخطارًا تواجه العالَم الإسلامي فتقول:

((وفي أندونيسيا بدأت الجماعة سنة 1925، واعترفت بها الحكومة رسميًا سنة 1953، ومقرها جاكرتا. ولها هناك اثنان وعشرون فرعًا وسبعون معبدًا. وفي نيجيريا لها عدة معابد وعشرات المدارس والمستوصفات. ولها في غانا أكثر من مائة وثمانين معبدًا وخمسين مدرسة وأربع مستشفيات. وهناك معهد ومطبعة. وتُرسل الحركة الطلبة الغانيين للدراسة في ربوة باكستان. ولها مراكز ومدارس ومستشفيات في عشرات المدن في جامبيا. وقد توغّلت القاديانية في سيراليون، ومركزها الرئيسي في ((بو)) في الجنوب الشرقي. كما وأنَّ لها مركزًا في أربعين مدينة. هذا بالإضافة إلى سبع مستشفيات وخمسة مستوصفات وعدد كبير من المدارس. ويقدَّر عدد المعابد التابعة لها بمائة وثمانية معابد.

((وللقاديانية أقدامٌ راسخة في موريش حيث يُقدَّر أتباعها بحوالي 40,000 ومعابدهم مائتان وعشرة. وفي ساحل العاج لها يدٌ طولى. أما في جنوب أفريقيا فلا يحتاج الأمر إلى الإشارات فقد اعترفت الحكومة العنصرية بالقاديانية كمذهب رسمي، وقد وقعت مجابهة بين أتباعها وبين مكتب الرابطة هناك. وأما في أوروبا فقد أنشأوا مركزًا لهم في إنكلترا وانتشرت مراكزهم في بقية أقطار القارة. وعبرت الأطلسي إلى أمريكا وحصلوا على اعتراف بمذهبهم من الحكومات الأوربية. ولهم معابد في سويسرا حيث يقومون منها بالترويج لتعاليم حركتهم. كما وأنَّ لهم نشاطًا واسعًا وملحوظًا في إسبانيا خاصةً بعد افتتاح معبدهم الجديد ((بشارات)) للمسلمين عام 1982 حيث يوزِّعون الكُتيّبات والمنشورات. وفي السويد لهم مكتبةٌ ضخمة تحوي الآلاف من الكتب والمجلات الفاسدة التي تشوِّه معالم الدين. وهي مطبوعة بمعظم اللغات بما فيها العربية، وتوزَّع مجانًا على الزوّار والطلاب. ولهم مركز يُعرف باسم ((مسجد الأحمدية القادياني)). وللقاديانية نشاطٌ ملحوظ في أمريكا الشمالية والجنوبية على السواء. وقد وصلوا إلى سورينام وترينداد وجويانا وجزر المحيط الهادي وجزر الفيجي. ويوجد لهم في هذه المراكز ثمانية معابد وهي تنافس الجمعية الإسلامية هناك)).

ومما يجب الإشارة إليه أنَّ هذه الإنجازات والأعمال الجبّارة التي تقوم بها الجماعة الإسلامية الأحمدية القليلة العدد في مختلف بلدان العالم وبين العديد من الشعوب والأقوام على اختلاف عناصرهم ونزعاتهم وديانتهم، تقوم بها الجماعة الإسلامية الأحمدية في وضح النهار وعلى مرأى الناس جميعًا، ولأهداف ظاهرة واضحة غير مخفية، وبإمكان كل من يبغي معرفة الحقيقة أن يفحص ويتحرَّى من صحة وسلامة نوايا الجماعة الإسلامية الأحمدية وما إذا كانت أعمالها وإنجازاتها في أي مكان من العالم هي فعلاً لخدمة الدين والنهوض به أم لتدميره (لا سمح الله).

هذه الإنجازات التي يتحدَّث عنها أعداء الجماعة ويُقرُّون بها، والتي هي قليلٌ من كثير، يصفونها للأسف الشديد وبدون خجل أنّها لتدمير الإسلام وتمزيق الأمة الإسلامية. فهل يا ترى بناء المساجد والمعاهد العلميّة في بلدان أفريقيا النائية والتي لم تعرف الإسلام قبل وصول الأحمدية إليها كما يُشير التقرير السالف الذكر، ثم بناء المساجد في السويد والدنمارك وسويسرا وإسبانيا وترينداد الخ.. والتي لم يصلها الإسلام، قامت لأجل إضعاف الإسلام والمسلمين؟ ألم تجد الجماعة الأحمدية أماكن أقرب لفتح جبهات على العالم الإسلامي بدل أن تنشط وتجاهد في هذه الأماكن النائية البعيدة عن دار الإسلام وعن أرض المعركة؟ ألا يعلم هؤلاء الأعداء أنَّ أهل تلك البلاد كثيرًا ما يُحذّرون ويُعلنون عن خطر هذا الغزو الإسلامي لبلادهم والذي تقوده الجماعة الأحمدية سواء في بلدان أوروبا أو غيرها؟ أما الرابطة وزبانيتها من المنظمات المختلفة فإنَّهم مع ذلك يدَّعون ويُشيعون للأسف أنَّ الأحمدية لا تمثل الإسلام الصحيح بل يسعى لتدميره (والعياذ بالله)!

بعبارةٍ أخرى إنّهم يقفون في الواقع مع أولئك الذين يحذرون من التوسع الإسلامي عن طريق الأحمدية ويتعاونون معهم لصدّ هذا الهجوم. أمرٌ عجيب والله. علماؤهم وفقهاؤهم ورابطتهم، يرفضون التحدُّث والحوار مع الأحمديين ويتهرَّبون من مواجهة الأحمديين لأنّهم لا يقدرون على الصمود أمام الحق والحقيقة. فتراهم يُجاهدون لصدِّ زحف الحركة الأحمدية بالعنف والقوة والمقاطعة، وينسون بأنَّهم مُكلَّفون للاستماع إلى نداء المهدي الذي ينتظرونه، ومُطالبون بتأييده والإسراع لمبايعته لما أوصى وأمر نبينا الكريم . يريدون أن يأتي المهدي حسب رغباتهم وأوصافهم وحساباتهم وفي الزمان والمكان الذي يختارون، وكأنّ الله لم يعد له شأن ولا مشيئة ولا إرادة في الأمر! يريدون أن يكون لهم حق الموافقة والتصديق على رسل الله وأنبيائه! يريدون أن يتبعوا من سبقوهم ويقلِّدوا اليهود الذين لا يقبلون أحدًا نبيًّا ما لم يصدّقه أربعون ربيًّا! كلا ثم كلا، ليس هذا الأمر من شأنكم ولا هو شغلكم واختصاصكم، لأنَّ الله وحده هو الذي يعلم ويقرّر ويعرف حيث يضع رسالته، ولا زال هو الحاكم والقاهر فوق العباد.

إنّكم بهذا السلوك تُطبِّقون تمامًا ما قاله وحذَّر منه رسول الله : ((لتتَّبِعنَّ سُننَ مَنْ كانَ قبلَكُم شِبرًا بِشبِر وذِراعًا بِذِراع.. الخ)). حبَّذا لو تتأمّلوا في هذا الحديث لعلكم تستخلصون منه الدروس والعِبر.

لقد أعلن مؤسِّس الحركة الأحمدية أنَّ هدفه الأول والأخير إحياء الدين الحنيف وإقامة الشريعة الغرَّاء. ومن أجل هذا تعمل الجماعة الإسلامية الأحمدية وتُضحّي دون أن تخشى أحدًا، لأنَّ اعتمادها على الله تعالى الذي أقامها وكفل لها النجاح والنصر. ولو تألّبت عليها قوى الأرض جميعًا فإنَّها ستظل سائرةً من نصرٍ إلى نصر يومًا بعد يوم. وكما أنَّ أحدًا لم يفلح في صدِّ نشاطها وتقدُّمها خلال قرنٍ كامل كذلك فلن يقدر أحد على صدّها في المستقبل أيضًا وإلى أن تقوم الساعة.

بعد أن فشلت محاولة تنصيب الملك فيصل خليفةً للمسلمين في مؤتمر القمة الإسلامي بلاهور سنة 1974 ألقت السعودية بثقلها المادي والمعنوي لتعزيز مكانتها الدينيّة في العالَم الإسلامي. وكما تبيّن فقد أُوكِلَ هذا العمل لرابطة العالَم الإسلامي التي مقرّها مكة المكرّمة، وتعمل وفق الإرادة السعودية، ذلك من أجل تقوية نفوذها، وعلى أمل أن يساعد ذلك لتحقيق زعامتها للعالم الإسلامي وبالتالي يمهّد الطريق لتعيين الملك السعودي خليفةً للمسلمين. من هنا تولت السعودية دعم كل الحركات والمنظمات الإسلامية في العالم عن طريق الرابطة التي جعلت هدفها الأول القضاء على الجماعة الإسلامية الأحمدية وعلى رأسها الخليفة. كما صرَّح به الشيخ علي مختار الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي، حيث قال: ((إنَّ القاديانية تقف على رأس الموضوعات التي تُجابه الرابطة)) (المسلمون 11، 7، 1986).

والحقيقة أنّه بعد أن بدأ تدخُّل الحكومات في الأمر أخذت المقاومة للأحمدية صِبغةً جديدة، يمكن القول بأنَّها سياسيّة شخصية أكثر منها دينية ، لأن الذي يحرك العناصر الدينية اليوم في العالم الإسلامي هي للأسف السلطات السياسية وحكام البلاد السياسيون.

وحيث إن الخلافة موجودة في الجماعة الإسلامية الأحمدية ومعدومة في العالم الإسلامي، مع ما تتضمن هذه الخلافة من معنى الإمامة والقيادة للمسلمين، فقد اعتُبرتِ الخلافة الأحمدية أهم عائق في سبيل تحقيق المسلمين هذه الأمنية وهذا المنصب الإسلامي الرفيع الذي يتزاحم عليه ملوك ورؤساء الدول الإسلامية منذ أكثر من خمسين سنة! فقامت الرابطة المأجورة بشن هذه الحملة المسعورة على الأحمديين خدمة للعاهل السعودي وإرضاء لرغباته.

من هنا كانت الجماعة الإسلامية الأحمدية في باكستان، وهي أكبر تجمع للأحمديين في العالم، الهدف الأول لهذه الحملة التي جاء مخططها الإجرامي لتدمير هذه الجماعة أولا في موطنها الأكبر. فألقت السعودية بكل طاقتها لدعم العناصر المناوئة للأحمديين في باكستان، ولعبت الأموال السعودية دورا خطيرا في هذه المؤامرة الرهيبة حتى إن بوتو رضخ أمام هذه الأموال وقام باتخاذ قرار حكومي يقضي بأن الأحمديين أقلية غير مسلمة في باكستان إرضاء للملك فيصل، وتناسى أنه قبل وقت جاء عند الخليفة يلتمس منه تأييد الأحمديين له في الانتخابات، وبالفعل حصل على ما أراد، ولعبت أصوات الأحمديين دورا هاما في إنجاحه.

واستمرت المؤامرة، فقتل بوتو بعد سنوات قليلة شر قتلة. وحكم البلاد بعده ضياء الحق حكما عسكريا دكتاتوريا لم تعهده البلاد من قبل. فأصدر بدوره، وهو ابن أحد المشائخ المناوئين للجماعة الإسلامية الأحمدية، مرسوما رئاسيا يحظر على الأحمديين ممارسة واجباتهم الدينية الإسلامية كما ذكر آنفا. إلا أن ضياء الحق هذا لم يقابل من قبل الشعب الباكستاني بالتهليل والتمجيد بعد إصداره هذا المرسوم اللإسلامي، بل على العكس يتعرض اليوم للإهانات والاحتقار من قبل الشعب بما لم يتعرض له حاكم باكستاني من قبله.

وفي السنوات الأخيرة تكشفت الأوضاع عن مؤامرة سعودية جديدة في باكستان تستهدف فرض المذهب الوهابي على الباكستانيين. وذلك عن طريق تعزيز مركز العلماء الوهابيين ودعمهم بكل الوسائل الممكنة لنشر النفوذ الوهابي في البلاد. وقد انضم إلى الوهابية أعداد هائلة من الملات والشيوخ المرتزقة سعيا وراء المال والعيش. وقد بلغ نفوذ الوهابيين اليوم حدًا لم يعد معه أحد يجرؤ على المعارضة حتى يتهم بالتأييد للأحمديين ويعرض نفسه للخطر والأذى. واليوم لا يملك الشرفاء في باكستان الجرأة على أن يقولوا شيئا أو أن يعملوا شيئا ويفضلون السكوت والانزواء تجنبا للشر وخشية الأذى. هؤلاء الوهابيون يستعملون في دعاياتهم بدعم السعودية الوهابية الأساليب النازية المليئة بالكذب والتضليل والتي يتأثر الناس من حدتها فيجدون أنفسهم منجرين وراءها وهم لا يشعرون.

وقد يكون من المفيد لو يتذكر السعوديون وغيرهم كيف كان حالهم قبل ستين سنة عندما كُفروا ومُنعوا من الحج لبيت الله الحرام، واليوم ها هم أصبحوا حماة البيت. وإن في الرجوع إلى التاريخ دائما عبرًا ودروسًا فكثيرا ما يطلب الله من المسلمين في كتابه العزيز أن ينظروا ويتأملوا في الماضي لأن التاريخ مدرسة وفي التاريخ موعظة وعبرة.  (يتبع)

 

(1) مجلس الأحرار أو الأحراريون فئة من المشائخ وأتباعهم المتعصبين الذين هم أعداء ألداء للجماعة الإسلامية الأحمدية. كانوا عارضوا فكرة تأسيس باكستان، انضموا، بإغراء من الهندوس إلى حزب الكنغرس الهندوسي المعارض لتأسيس باكستان كدولة مستقلة للمسلمين. كانوا يسمون القائد الأعظم محمد علي جناح مؤسس باكستان (الكافر الأعظم) وهو الذي ترأس حزب (مسلم ليغ) الذي اجتمع تحت لوائه باقي المسلمين الهنود لتأسيس دولة الباكستان.

Share via
تابعونا على الفايس بوك