شرح الكلمات:
كالذي – الكاف للتشبيه والتمثيل، وأيضاً للتأكيد (الأقرب). وهنا وردت بمعنى الأول.
خاوية – خوى يخوي خواءً البيتُ: سقط وتهدَّم، فرغ وخلا (المنجد).
بل – حرف إضراب أي صرف الأمر إلى ناحية أخرى (المنجد). والإضراب على نوعين: أحدهما للرفض، كما جاء في القرآن الكريم: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (الأنبياء: 27). والثاني لصرف الحديث إلى أمرٍ آخر، ولا يراد عندئذٍ رفض ما سبق من كلام. وهي هنا بهذا المعنى، لأنَّ تعالى يتطرَّق في الحديث إلى معنى آخر.
نُنشزها – نشز: ارتفع. أنْشَزه: رفعه (الأقرب). ننشزها: نُقيمها أو نرفها.
التفسير:
يقول المفسِّرون أنَّ هذا الحادث وقع مع النبي عُزير. فقد مرَّ ذات يوم على قرية خَرِبة، فقال لله تعالى: كيف تُحيي أهل هذه القرية بعد موتهم؟ فأماته الله، وبقي في هذه الحالة مائة عام. وخلال هذه الفترة أحيا الله أهل القرية، ليقدِّم دليلاً على قدرته على إحياء الموتى. وعندما أحياه الله بعد مائة عام قال له: انظر إلى طعامك وشرابك لم يفسدا، انظر إلى حمارك فقد أحييناه، وكسونا عظامه باللحم بعد أن كانت رميمة (الدرّ المنثور).
وأرى أنَّ ما ذهب إليه المفسِّرون تُبطله الآية نفسها. فأولاً: يقول السائل: أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا .. فهو يسأل عن إحياء هذه القرية وليس عن كيفية إحياء الموتى. لو كان السؤال عن إحياء الموتى فالسائل كان يرى الناس كل يوم يموتون ولا يُبعثون في هذه الدنيا بعد موتهم، فكيف يمكن أن ينشأ في قلبه فجأةً سؤال عن إحياء الموتى برؤية هذه القرية الخرِبة؟ كان سؤاله عن إحياء هذه القرية وكل شخص يعرف أنَّ إحياء القرية بعد خرابها يعني عمرانها، ولا علاقة له بإحياء الموتى.
وثانياً – ماذا يعني قوله أَنَّىٰ ، هل يعني متى أم كيف؟ إذا كان الجواب مِائَةَ عَامٍ فمعنى ذلك أنَّ كلمة ’أَنَّىٰ‘ تعني ’متى‘. إذا كان السؤال عن كيفية إحياء هذه القرية فلا يمكن أن يردّ عليه: بعد مائة عام. فهذا الجواب يدلُّ على أنَّ السؤال كان عن مدة إحيائها وليس عن كيفية إحيائها.
وثالثاً – يقول الله فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ . وهنا ينشا سؤال: لماذا عُومِلَ السائل هكذا؟ إذا كان هدف سيدنا عُزير أن يرى كيف يُحيي الله الموتى.. فإنَّ موته لا يُحقّق هذا الغرض، لأنه بعد موته لا يستطيع أن يرى كيف يُحيي الأموات.
ورابعاً- إذا كان الغرض قد تحقّق بعودته من جديد إلى الحياة.. فهناك اعتراضٌ آخر يرد على قول وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا وهو: لِمَ لَمْ يكتفِ الله بإماتة الحمار ثم إحيائه كي يُريه قدرته على الإحياء؟ لماذا أماته هو لمائة عام؟ هذه إجابةٌ عجيبة أن يُميته الله مائة عام حتى يموت أهله وأولاده في غيابه، ثم يبعثه بعد قرن في أُناسٍ غرباء عنه! هكذا لا يستطيع السائل أن يعرف كيفية إحياء الله الموتى بموته، وإنّما يستطيع ذلك فقط إذا أماتَ الله أمامه أحداً ثم بعثه بمرأى منه.
وخامساً- لماذا لم يكتفِ الله بإماتةِ واحدٍ من أهل القرية ولماذا أمات عُزيراً نفسه؟
وسادساً- ماذا كان سؤاله حتى يردّ الله عليه فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ؟ سأل الرجل: متى تُحيي هذه القرية؟.. فهل يكون الجواب: انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنَّه؟ فإنَّ كلمة هَذه نفسها تدلُّ على أنَّ السؤال لم يكن عن إحياء الموتى وبعثهم من جديد، وإنّما عن إحياء هذه القرية وعمرانها من جديد. وعبارة مِائَةَ عَامٍ تدلُّ على أنَّ السؤال لم يكن لمعرفة كيفية الإحياء وإنّما لمعرفة مدة إحياء هذه القرية.
وسابعاً- ثم إنَّ إحياء الميت فعلاً مخالف لسُنّة الله تعالى، فإنّه لا يُحيي الأموات في هذه الحياة الدنيا.
وثامناً- إذا كان الله قد أماته مائة عام فلا يمكن أن يؤكّد له موته بقوله فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ، بل كان عليه أن يقول له: انظر حولك، لقد تغيّر العالم كله، وهذا دليلٌ على موتك.
إذن فكل هذه الأمور تبيّن أنَّ ما ذهب إليه المفسِّرون خطأ. والآن أروي لكم حقيقة هذا الحال كما أراه.
يقول الله تعالى: انظر إلى ذلك الذي مرَّ على قريةٍ وهي خاوية على سقوفها فقال: يا ربّ متى تُعمِّر هذه القرية مرةً أخرى؟ فأراه الله في المنام أنه ميت لمدة مائة عام، ولما قام من نومه سأله: كم لبثت في هذا الحال؟ فقال: يوماً أو بعض يوم. فقال الله: هذا صحيح، لكن تذكّر أنّك رأيت نفسك في هذا الحال ميتاً لمدة مائة عام. والدليل على صحة ما تقول أنَّ طعامك وشرابك لم يتغيّر أما الدليل على صدق قولنا من أننا أريناك في الرؤيا مشهداً لِما سيحدث في مائة عامٍ قادمة.. أنه عندما يتحقّق هذا سوف يسلّم الناس بانّك كنت على صلةٍ صادقة بالله تعالى. وعندما تبيّنت له هذه الحقيقة قال: أؤمن بأنَّ الله على كل شيءٍ قدير، وليس بعزيزٍ عليه أن يُعمِّر هذه القرية الخرِبة بفضله مرةً أخرى.
كان سيدنا الخليفة الأول للمهدي يقول أنَّ هذه القرية هي قري أورشليم القدس التي دمَّرها ’نبوخذنصَّر‘ وأنَّ الذي مرَّ عليها هو النبي ’حزقيال‘ فكشف الله له أنَّ هذه القرية سوف تُعمَّر خلال مائة سنة. (حقائق الفرقان، ج1 ص 416). وأرى أنَّ هذا هو التفسير الصحيح لهذه الآية.
ورد هنا أنَّ هذه القرية كانت خاوية على عروشها، أي أنها كانت خربة غير مسكونة بحيث سقطت سقوفها أولاً، ثم تهاوت عليها الجدران.. لأنَّ الديار التي لا تُسكن تتهاوى أولاً سقوفها، ثم تتداعى الجدران.. ذلك أنَّ السقوف الخشبية ينخر فيها السوس وتزعزعها الرياح فتسقطها، وبعد ذلك تسقط الجدران بفعل المطر.. وتقع على الأسقف. أما المنازل التي تسقط بسبب الزلزال وغيره فإنَّ جدرانها تسقط أولاً ثم السقوف. فبقوله هذا أشار إشارةً لطيفة أنَّ القرية لم تخرب بزلزال وإنما خربت بسبب هجرة أهلها عنها.
عند رؤية أورشليم الخرِبَة فكَّر النبي حزقيال في نفسه: متى يُحيي الله هذه القرية الخرِبَة؟ وليس المراد من إحياء القرية إحياء أهلها، وإنّما المراد عمرانها، كما قال القرآن في موضعٍ آخر وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (الفرقان: 49 و 50)، وقال في موضعٍ ثانٍ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا (ق: 12).. أي بالمطر أحيينا البلدة الميتة. وإحياء المدينة يعني عمرانها وجلب الرفاهية والرخاء إلى أهلها. سأل النبي حزقيالُ: متى تُحيي هذه القرية، وبالرؤيا أخبره الله أنها ستعمَّر خلال مائة سنة.
وهذه الرؤيا التي رواها القرآن الكريم مذكورة في سِفر حزقيال؛ والفرق بين الروايتين أنَّ التوراة لا تذكر فترة السنوات المائة. إنّه من الأدلة على صدق القرآن وكماله أنّه يذكر أموراً ضرورية لم تذكرها الأسفار السابقة، وهكذا يسدّ النقص الموجود فيها. على أية حال، قد ورد في سِفر حزقيال: «كانت عليّ يدُ الرب فأخرجني بروح الرب، وأنزلني في وسط البقعة وهي ملآنة عظاماً. وأمَّرني عليها من حولها وإذا هي كثيرةٌ جداً على وجه البقعة وإذا هي يابسة جداً. فقال لي: يا ابن آدم، أتحيا هذه العظام؟ فقلت: يا سيد الرب، أنت تعلم. فقال لي: تنبأْ على هذه العظام وقل لها: أيتها العظام اليابسة، اسمعي كلمة الرب. هكذا قال السيد الرب لهذه العظام: هأنذا أُدخِل فيكم روحاً فتحيون، وأضع عليكم عصباً وأكسيكم لحماً , أبسط عليكم جلداً وأجعل فيكم روحاً فتحيون وتعلمون أني أنا الرب.
فتنبَّأتُ كما أُمِرتُ. وبينما أنا أتنبّأ كان صوتٌ وإذا رعَشٌ، فتقاربت العظام كلُّ عظمٍ إلى عظمْه. ونظرت وإذا بالعصب واللحم كساها وبُسط الجلد عليها من فوق وليس فيها روح. فقال لي: تنبّأ للروح، تنبّأ يا ابن آدم وقل للروح: هكذا قال السيد الرب: هلُمَّ يا روح من الرياح الأربع وهُبَّ على هؤلاء القتلى ليحيوا. فتنبّأت كما أمرني، فدخل فيهم الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم.. جيشٌ عظيمٌ جداً جداً.
ثم قال لي يا ابن آدم، هذه العظام هي كل بيت إسرائيل. ها هم يقولون: يبست عظامنا وهلك رجاؤنا. قد انقطعنا. لذلك تنبّأْ وقل لهم هكذا قال السيد الرب. هأنذا أفتح قبوركم وأُصعِدكم من قبوركم يا شعبي وآتي بكم إلى أرض إسرائيل. فتعلمون أنّي أنا الرب عند فتحي قبوركم وإصعادي إياكم من قبوري يا شعبي. وأجعل روحي فيكم فتحيون وأجعلكم في أرضكم، فتعلمون أني أنا الرب تكلّمت وأفعل. يقول الرب» (حزقيال1: 37-14).
هذا هو النبأ الذي تنبّأ به النبي حزقيال.
والسؤال الآن: إنَّ النبي حزقيال كان عندئذٍ في السجن ببابل، فكيف مرَّ على هذه القرية؟ يمكن أن يكون مروره على هذه القرية أيضاً في المنام.. وهذا يتبيّن من كلمات التوراة أيضاً.
والرد الثاني: أنَّ الملك نبوخذنصَّر البابلي كان هاجم أورشليم وفتحها عام 586 ق.م.، وهدم جزءاً منها، وأسر ملكها وجميع أفراد عائلته إلى بلده، كما أخذ معه كبار القوم والصنّاع وأهل الحرف، ولم يترك فيها إلى بعض الأراذل من القوم (الموسوعة اليهودية: كلمة أورشليم). وكان النبي حزقيال من بين هؤلاء الأسرى (حزقيال3). وقال المؤرِّخون بأنَّ النبي حزقيال كان يحضُّ الناس على محاربة نبوخذنصَّر، وعلى عدم ترك بلادهم، ولذلك أسره الملك. ويتبيّن من التاريخ القديم أنَّ الملوك كانوا إذا هدموا قرية وخرّبوها أخذوا أهلها أسرى ومرّوا بهم على قريتهم الخرِبة ليشعروا بمزيدٍ من الذلّة ويُحسّوا بقلّة حيلتهم.
وأرى أنه عندما أخذوا النبي حزقيال وجعلوه يمرّ على قرية أورشليم الخرِبة.. توسّل قائلاً: يا رب، ماذا حدث؟ فكلمات وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا أيضاً تدلُّ على أنَّه فكّر هذه الفكرة عندما رأى عروشها المنهارة بعد الهدم فوراً، وإلا فإنَّ الناس بعد ذلك يأخذون الأمتعة. قال: يا رب كيف يتم عمران هذه المدينة المنهارة مرةً اخرى؟ لقد أَسَرَنا العدو نحن الكبار جميعاً، وأخذنا معه. فأراه الله مشهد الموت لمائة سنة؛ بمعنى أنّه في عالم الكشف رأى نفسه قد مات ثم بُعِثَ بعد مائة سنة، وهذا يحدث في المنام، وليس فيه ما يدعو للعجب. الإنسان يموت في المنام ويرى الكثير من المشاهد والمناظر وهو في حالة الموت المنامية هذه. ولما كان حزقيال نبيا لقومه، فالمراد من موته في حالة الكشف هو في الحقيقة موت بني إسرائيل، وأخبره الله بذلك أنَّ بني إسرائيل سوف يبقون في حالة العبودية والانحطاط هذه لمائة عام، وبعد ذلك يهب الله لهم حياةً جديدة ويرجعون إلى مدينتهم مرةً أخرى، فتعمر.
لا شكَّ أنّه ليس هنا أية كلمة للرؤيا.. ولكن من أساليب القرآن أنه يروي الرؤى دون ذكر كلمة رؤيا.. فعندما حكى سيدنا يوسف لأبيه رؤياه التي رأي فيها النجوم والشمس والقمر تسجد له قال القرآن إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (يوسف: 5) فلم يستخدم هنا كلمة الرؤيا.
وعندما رأى حزقيال هذا المشهد بُعِث أي خرج من هذه الحالة الكشفية، وسأله الله تعالى: كم لَبِثَ في هذه الحالة؟ قال: لبثتُ يوماً أو بعض يوم. وهذا أسلوبٌ للكلام يعني: أنني لا أعرف تماماً. وقد ورد هذا الأسلوب القرآني في مواضع أخرى مثلاً: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (المؤمنون: 113 و114).. يسأل الله الكفار كم لبثتم في الأرض من السنين، فيقولون: يوماً أو بعض يوم، فاسأل من كانوا يعدُّون الزمن. يعني أننا مكثنا مدةً قليلةً جداً، ولا نعرف كم لبثنا.
فكان هذا الجواب من حزقيال تأدُّباً واحتراماً، وقال: لا أدري مشيئة الله من هذا السؤال، ويبدو أنني مكثت بعض الوقت. فقال الله: بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ .. علاوةً على ما في ذهنك، فهناك جانبٌ آخر هو أنك مكثت مائة عام في هذه الحالة. و’بل‘ ليست هنا لنفي ما قبلها وإنما لاستئناف كلامٍ جديد.. كما ورد في القرآن الكريم قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ * بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا * الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (الأعلى 15-18). فما ورد هنا بعد بَلْ صحيح، وما جاء قبلها صحيحٌ أيضاً، وليس هناك نفيٌ لأي شيء. فالمعنى أنَّ ما فكَّر فيه حزقيال قولٌ صحيح، لأنه فعلاً مكث بعض يوم. ثم سرعان ما وجَّه الله نظره إلى موضوعٍ آخر أيضاً، فقال: إنك مكثت في هذه الحالة مائة عام. ولما كان كلام حزقيال صحيحاً وحتى لا يخطِّئ نفسه أخبره الله: إنَّ ما تقوله أيضاً صحيح، والدليل على ذلك أن طعامك وشرابك أمامك لم يطرأ عليهما تغيّر أو فساد؛ وها هو حمارك أمامك لم يحدث له شيء. نعم، أنت مكثت بضع ساعات في حالة الكشف.. وإلا فإنَّ الذي مكث ميتاً لمائة سنة لا يُقال له: انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه.
ثم قال: وأريناك هذه الرؤيا لنجعلك آيةً للناس، وانظر إلى هذه العظام كيف نُنشزها ونكسوها لحماً ونُقيمها أمامك.
بهذا الكشف والإلهام بشَّره الله بعمران هذه القرية خلال المائة عام القادمة. وبالفعل، بعد مائة سنة تقريباً، هيّأ الله أسباب عمران ورقي هذه المدينة مرةً أخرى. لقد تمّ دمار أورشليم مرتين: المرة الأولى عام 597 ق.م والثانية عام 586 ق.م. عندما تمرّد أهلها. وفي عام 519 ق.م. بدأ إرساء الأساس لمدينة أورشليم مرةً أخرى، واستغرق عمرانها 30 سنة، وتم ذلك بصورةٍ كاملة عام 489 ق.م. فهذه الفترة هي 97 أي مائة سنة تقريباً بين 586 ق.م. إلى 489 ق.م. (الموسوعة اليهودية والقاموس التوراتي لــــ Black، تحت كلمة أورشليم).
وقوله وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا جاء مطابقاً لقول التوراة الوارد في حزقيال «لقد يبست عظامنا وهلك رجاؤنا. قد انقطعنا» (11:37). وبهذه الكلمات بيّن الله لهذا النبي أنه سوف يُحيي أمة اليهود مرةً أخرى، وسوف يستعيدون قوتهم وعظمتهم.
وهكذا وجدنا من التوراة أيضاً رؤية تؤيّد هذا الحادث. كما ثبت كساء عظام بني إسرائيل باللحم.. ثبت أيضاً أسر النبي حزقيال. كما ثبت عمران قرية أورشليم بعد مائة من السنين. كان النبي حزقيال حزيناً بسبب ما حدث، ولكن عندما أخبره الله أنَّ هذا الدمار ليس نهائياً، وإنما سيستمر لمائة سنة قال أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، الآن قد اطمأنَّ قلبي. إنَّ تغيُّر الأحوال يبدو في الظاهر مستحيلاً، ولكن التغيير سوف يحدث يقيناً، ولسوف يُعمّر الله القرية مرةً أخرى. ويحقّق الازدهار لبني إسرائيل.