خدمات الأحمدية لمسلمي شبه القارة الهندية
التاريخ: 1985-03-01

خدمات الأحمدية لمسلمي شبه القارة الهندية

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة جمعة ألقاها حضرة أمير المؤمنين مرزا طاهر أحمد نصره الله الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود في 1 آذار/مارس 1985م في مسجد “الفضل” بلندن (القسط الأول)

أصدر الدكتاتور الباكستاني الراحل الجنرال ضياء الحق في 26/4/1984 حكماً عسكرياً غاشماً يحرم المسلمين الأحمديين في باكستان من حقهم في إعلان دينهم الإسلام الذي يدينون به من الأعماق، أو النطق بالشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، أو إلقاء تحية الإسلام، أو الصلاة على النبي ، أو رفع الأذان للصلاة، أو قراءة القرآن الكريم، أو كتابة آياته أو حيازتها، أو تسمية أنفسهم بأسماء المسلمين، إشارة أو صراحة، شفوياً أو كتابة، أو تسمية مساجدهم مساجد!! الأمر الذي كان ولا يزال يحرض المشائخ المتعصبين وأتباعهم الجهلة على قتل المسلمين الأحمديين المسالمين، وعلى تدمير بيوتهم وهدم مساجدهم، كما يبشرهم هذا القرار بتغاضي الحكومة عن جرائمهم.

وبعدها نشرت حكومته كتيباً باسم “القاديانية.. خطر رهيب على الإسلام” لتبرير ما قام به هذا الدكتاتور ضد الأحمديين من إجراءات جائرة منافية لتعاليم الإسلام السمحاء وسنة نبي الرحمة وسمّت حكومته هذا الكتيب “البيان الأبيض” وكان الأجدر أن يطلق عيه “البيان الأسود” لما فيه من أعذار سخيفة لتبرير هذا القرار الفرعوني الغاشم، تسوّد وتشوّه وجه الإسلام الأغر.

ولقد قام إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدنا مرزا طاهر أحمد – أيده الله بنصره العزيز- بالرد على هذا “البيان الأسود” محللاً ومفنداً بعون الله كل أعذارهم السخيفة عذراً عذراً، في سلسلة طويلة من خطب الجمعة (ثماني عشرة خطبة)، في أوائل سنة 1985م .. ننشرها مترجمة من اللغة الأردية لفائدة القراء المنصفين.

وننشر في هذا العدد الخطبة السادسة منها. لقد تشرَّف بترجمتها الأستاذ عبد المجيد عامر وراجعها الأستاذ عبد الله أسعد عودة.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) (آمين)

(وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ۗ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ* فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ* لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (إبراهيم: 45-53)

هذه الآيات التي تلوتها هي الآيات الأخيرة من سورة إبراهيم، وقد لا أجد متسعاً من الوقت في خطبتي اليوم للخوض في تفسيرها لذا سوف أكتفي بترجمتها الحرفية. (ثم قام حضرته بترجمة الآيات إلى اللغة الأردية) ثم قال:

إن كلمة “نتَّبعِ الرسلَ” في الآية 45 جديرة بالعناية بوجه خاص، لأن لها علاقة بنبأ آخر حيث يقول القرآن الكريم: (وإذا الرسل أُقِّتَتْ) أي سوف يأتي زمان معيّن حين يُؤتى بالنبيين كلهم. يرى المفسرون بأن هذا سوف يحصل يوم القيامة، ولكنه يبدو جلياً من أسلوب الحوار هنا أنه سوف يتم في هذه الدنيا وأن المُهلة من العذاب سوف يطلبونها في هذه الدنيا قائلين: لو أُعطينا مهلة لاستغفرنا الله ولاتبعنا الرسل.

وفي هذا الصدد يجب أن نتذكر وحياً لسيدنا الإمام المهدي ، إذ قال الله تعالى مخاطباً حضرتَه: “جَرِيُّ الله في حُلل الأنبياء”.

ثم يقول الله تعالى في هذه الآيات: (يوم تُبدَّل الأرضُ غيرَ الأرض) ولقد أُلهمتْ إلى الإمام المهدي الكلماتُ نفسها بالإضافة إلى كلمات أخرى أيضاً. وقد شرح هذا الوحي وقال: هذا يعني أن أفكار أهل الأرض وآراءهم سوف تتغيّر.

لقد ذكرتُ أنني لا أجد متسعاً من الوقت لشرح مبسط لهذه الآيات، ولكن الأمور التي سوف أتناول ذكرها في خطبتي اليوم هي بمثابة تفسير لهذه الآيات بشكل أو آخر ولا يصعب فهمها على أولي الألباب. ولسوف يُدرك أصحاب البصيرة عند مرورهم بهذه الأمور أن لهذه الآيات علاقةً قوية بهذا الموضوع.

الطلائع في مجال التضحيات

كنت أذكر في خطب متسلسلة أن البيان الأبيض المزعوم الذي نشرته حكومة باكستان يقدّم الأحمدية كطائفة خائنة للإسلام وللدول الإسلامية كلها.

إن تاريخ مسلمي الهند ممتد على فترتين: فترة قبل تأسيس باكستان، وفترة بعد تأسيسها. ولقد تناولت في الخطبة الماضية على سبيل المثال، بعض الأحداث الهامة التي جرت قبل تأسيس باكستان وسوف أذكر بعضها اليوم أيضاً.

الحقيقة أنه كلما حلت بمسلمي القارة الهندية مصيبة أو جُرحت مشاعرُهم الدينية بشكل من الأشكال كانت الأحمدية بفضل الله تعالى في الطليعة لتقديم التضحيات دفاعاً عن إخوانهم المسلمين ولردع مصائبهم. بل كل المجهودات المبذولة في هذا الصدد بين حين وآخر، كان فضلُها عائداً على الدوام إلى الأحمدية وحدها، فإنها وحدها حملت راية هذا الجهاد دائماً. لا شك في أن بعضاً من المسلمين الأشراف أيضاً اشتركوا وتعاونوا كثيراً مع الأحمدية في هذا النضال، ولكن الحقيقة هي أن الأحمدية وحدها نالت بفضل الله تعالى حظاً أوفر لخدمة مسلمي القارة الهندية وإرشادهم بالمقارنة مع كافة الحركات الكبيرة التي قامت في الفترة الأخيرة لخدمة المسلمين الحقيقية.

تتميز سنة 1927م بشكل خاص بين الفترة التي جُرحت فيها مشاعر المسلمين في الهند. ففي هذه السنة أُلِّف كتاب بغيض ومَشين للغاية بعنوان: “رنغيلا رسول” أي رسول منغمس في الملذات – والعياذ بالله – ومن خلاله شُنت على شخص سيدنا ومولانا محمد الطاهر والمقدس هجمات شرسة لدرجة يغلي بتصورها دم المسلم.

وما كاد المسلمون ليفيقوا من هذه الصدمة، بل كانت الحركة لا تزال جارية ضد مؤلف هذا الكتاب البغيض، وهو راجبال الهندوسي، حتى كتبت امرأةٌ هندوسية، ضد سيدنا وإمامنا محمد . وكان المقال كومة من القذارة والنجاسة بحيث لا يطيق أي شخص ذي نفس شريفة قراءته. ومَن قرأه من غير المسلمين أيضاً تحيّر واندهش من خبث وسواد باطن هذه الكاتبة التي خرجت من قلمها تلك الكلمات الخبيثة عن مؤسس دين. لا يجرؤ أحد على التفوه بمثل تلك الكلمات ضد مؤسس أي دين ناهيك عن سيد بني آدم الذي هو أطهر الطاهرين وسيد الأسياد، والذي من أجله خُلق الكون، والذي لم يكن طاهراً بنفسه فقط بل كان يُطهّر الآخرين أيضاً، والذي لم يكن زكياً بنفسه فحسب بل كان مزكيّاً أيضاً، والذي ببركته وفيضه ثبتت طهارة الأنبياء الآخرين أيضاً. فعلى هذا النبي العظيم شُنّت هجمات نجسة لا يقدر القلم على كتابتها.

أتساءل إلى من يعود فضلُ تلك الحركة التي قامت في وجه هذه الهجمات، وفضلُ تلك المجهودات التي قام بها المسلمون بشكل عام في هذا الصدد؟ هل إلى المشائخ المنتمين إلى الكونغرس الهندوسي، أو الأحراريين، أو المشائخ المودوديين؟ أم أن الله تعالى وفّق أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية وقيادتها لبذل الجهود بصورة متميزة في هذا الجهاد؟ وبما أنني أخشى إطالة الموضوع لذا فقد اخترتُ مقتبساً واحداً فقط من جرائد المسلمين، كما سوف أقدم إليكم مقتبسين من جرائد الهندوس أيضاً ومن خلالها يتبين بوضوح: أية جماعة تألمت أكثر من غيرها في تلك الأيام الحرجة على العالم الإسلامي، وإمام أية جماعة قام بالهجمات المضادة بقوة حاسمة؟

منن الأحمدية على المسلمين

تقول جريدة “مشرق” الصادرة في غورخبور (بالهند) في عدد 23 أيلول 1997م: بعنوان: “منن إمام الجماعة الأحمدية على كافة المسلمين”.

أقول: لو أن ناكري الجميل في العصر الحاضر رفضوا هذه الحقيقة فليفعلوا ما شاءوا، إلا أن الجريدة المذكورة آنفاً تقول إنها منمٌ على “المسلمين” في كل الأحوال. أما الذي يريد إبعاد نفسه من دائرة الإسلام فهذا شأنه، فإن هذه المنن سوف تبقى على ألسن المسلمين في كل الأحوال.

تقول الجريدة مشيرةً إلى إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية:

“لقد رُفعت الدعوى ضد مجلة ورتمان بأمر منه، وجماعتُه وحدها تابعت القضية المتعلقة بكتاب “رسول منغمس في الملذات”، ولم يخشوا أن يقدموا تضحيات أرواحهم أو أن يودَعوا السجون. كما أن الكُتيّب الذي ألفه حضرته قد أقنع ودفع الحاكمَ للعدل والقسط. لا شك في أن كتيّبه قد صودر ولكن تأثيراته لم تذهب أدراج الرياح، بل اضطر الحاكم نفسه أن يسجل في حُكمه أن الكتيب صودر لتهدئة العواطف، ولكنه غيّر قراره السابق بحكم آخر عادلٍ للغاية. وقد فعل حضرته (إمام الأحمدية) ذلك حين كانت فرق المسلمين كلها ترتعب من الإنجليز أو الهندوس أو الأقوام الأخرى لسبب أو لآخر”.

هذا ما قالته جرائدكم الحرَّة آنذاك. هذه أقوال أولئك الأشراف الذين كانوا يراعون العدل والقسطَ إلى حد ما، ولم يرضَوا بمسخ التاريخ، والذين كانوا يجدون في أنفسهم جرأة على قول الحق.

وتضيف الجريدة المذكورة آنفاً وتقول:

“والجماعة الأحمدية هي الوحيدة – مثل المسلمين من القرون الأولى – التي لا تخشى أحداً، فرداً كان أم جمعية، بل تنجز أعمالاً إسلامية بحتة”.

هذا ما كانت تقوله الجرائد الناطقة باسم المسلمين آنذاك. أما جرائد الهندوس فكانت أيضاً ترى أن الأحمديين وحدهم قاموا في تلك الفترة بهجمات دفاعية أكثر شدة من غيرهم.

أين الآن راقمو تاريخ باكستان المعاصرون الذين قد عقدوا العزم على تشويه صورة التاريخ الإسلامي كله، وقد شوهوها فعلاً لدرجة لم تعُد تُعرف ملامح تاريخ باكستان الأصلي.

اسمعوا الآن صوت الخصم (أي الهندوس الذين كانت الأحمدية مشتبكة في المعركة معهم) علماً أن الهندوس استغلوا هذه الفرصة وفعلوا مثل ما يفعله “الأحراريون” اليوم.. أي حاول الهندوس قدر استطاعتهم لبذر بذور الخصام بين المسلمين الأحمديين والفرق المسلمة الأخرى، فقالوا على وجه التكرار إن الأحمديين ليسوا بمسلمين. مما يعني أن الهندوس كانوا قد أخذوا مهمة “الأحراريين” على عاتقهم فقالوا للمسلمين بتعبير آخر: “أيها الحمقى لماذا تتبعون الأحمديين؟ إنهم ليسوا بمسلمين، ولماذا تُبدون الغيرة لرسولكم في متابعتهم؟ إذا كان الأحمديون يضحّون بأرواحهم فدعُوهم يفعلوا ذلك وينمحوا من فوق الأرض. ما لكم ولهذا النبي -والعياذ بالله- الذي يضحي الأحمديون من أجله كلّ غال ورخيص ونفس ونفيس.

اقرؤوا بإمعان ما تقوله الجريدة الهندوسية: “هناك خلافات كبيرة بين القاديانيين والمسلمين الآخرين لدرجة يكفّر بسببها بعضهم بعضاً. وبالأمس القريب استفتى أحد من المسلمين الشيخَ كفايت الله، رئيس جمعية العلماء بدلهي في شأن الأحمديين، والفتوى التي أصدرها الشيخ بهذا الخصوص نُشرتْ في أعمدة مجلة “الجمعية” الناطقة باسم منظمة “جمعية العلماء” بدلهي، حيث استنكر الشيخ فيها كثرة التعامل والعشرة مع الأحمديين باعتبارهم كافرين”.

لاحظوا كيف أن هؤلاء الهندوس الذين ارتكبوا الإهانة في حق الرسول يثيرون بقية المسلمين ضد الأحمديين ويقولون لهم بلسان حالهم إننا وإياكم إخوة، لذا فاتركوا الأحمديين الذين يغارون لمحمد .

هناك اليوم أيضاً صوت يتصاعد ويقول إننا وإياكم إخوة، كما تصاعد صوت كهذا بالأمس القريب وقال إننا إخوة. اليوم يتصاعد هذا الصوت من قِبل بعض المسلمين السُذّج في حين كان مثل هذا الصوت قد ارتفع بالأمس من قبل الهندوس الماكرين لإثارة الفتنة. تقول هذه الجريدة:

“لاحظوا دهاء القاديانيين وذكاءهم وحسنَ حظهم أن المسلمين يكفّرونهم من ناحية، ومن ناحية ثانية صار الأحمديون زعماء لهم. يُظهر المسلمون في هذه الأيام في أرجاء الهند حماساً غير عادي -ولكنه حماس فارغ فحسب- على اعتقال محرر وناشر لجريدة بغيضة اسمها: “The Muslim outlook” ويُظهرون اضطرابهم لمرافعة قضية الجريدة المذكورة. ولشد ما كانت دهشتنا عندما عرفنا أن محرر جريدة “The Muslim outlook” دلاور شاه البخاري كان أحمدياً. (أقول هو الذي قام بشن هجمة مضادة على مقال نشرته الجريدة الهندوسية “ورتمان” (السالفة الذكر) وحين استلم الاستدعاء من قِبل المحكمة العليا، ذهب دلاور شاه إلى الميرزا القادياني ليرى رأيه في الدفاع عن نفسه والاستراتيجية التي يتبعها في القضية. فأشار عليه الميرزا أنه يفضّل له السجن على طلب العفو. فقد تبين أن هذه اللعبة لم تكن إلا لعبة أحمدية من كل الجوانب والنواحي”. (جريدة غورو غنتال، لاهور 11 يوليو 1927م)

أقول: لقد أشار إمام جماعتنا على محرر الجريدة أنك لو دخلتَ السجن غيرةً على سيدنا محمد المصطفى فلا بأس في ذلك. وهذا ما حدث على صعيد الواقع إذ حُكم على محرر الجريدة بالسجن بأعمال شاقة، ولكنه بدوره قَبِل كل ذلك برحابة الصدر.

أين الآن راقمو تاريخ باكستان المعاصرون الذين قد عقدوا العزم على تشويه صورة التاريخ الإسلامي كله، وقد شوهوها فعلاً لدرجة لم تعُد تُعرف ملامح تاريخ باكستان الأصلي. إذن فالحركة التي كانت قد قامت في حُبِّ النبي وعشقه وغيرة عليه، يقول عنها الخصم (الهندوس) الذين وقعت عليهم الضربات: “إنها لعبة أحمدية من كل الجوانب والنواحي”.

كذلك علَّقتْ الجريدة “برتاب” ومثيلاتها على هذا الموضوع واعترفت صراحةً: أن الجماعة الوحيدة التي نشعر بالخطر منها ونتعرض لأضرار فادحة من هجماتها إنما هي الجماعة الأحمدية دون غيرها.

خدمة مسلمي كشمير

الموقف الخطير الآخر، الذي كان مؤلماً للغاية لمسلمي الهند وشكَّل خطراً كبيراً على وحدة المسلمين السياسية وبقائهم السياسي، أطلَّ برأسه من كشمير إذْ شرع حاكم كشمير في غصب حقوق المسلمين، وسنَّ قوانين غاشمة لتجريد المسلمين من كافة حقوقهم في مناطق وُجد فيها الهندوس بأغلبية. فأُصيب المسلمون من أقصى الهند إلى أقصاها بقلق شديد بطبيعة الحال، وطفق المفكرون المسلمون يفكرون بجدية لحل المشكلة المحدقة. فبدأت أنظار كبار المفكرين والزعماء السياسيين آنذاك ترتفع إلى قاديان. ولفتوا أنظار سيدنا الخليفة الثاني للإمام المهدي عبر الرسائل وعن طريق ممثليهم إلى أن مهمة تخليص المسلمين من هذه المشاكل لن تُكلَّل بنجاحٍ أبداً إلا إذا حملتَ أنت عبء هذه المسؤولية على عاتقك، وأن هذه السفينة لن تصل إلى بر الأمان دون قيادتك أنت. وكان من بين أصحاب هذه الأفكار شخصٌ يوضع اليوم على رأس قائمة الأعداء الألداء للأحمدية، وهو د. محمد إقبال الذي كتب رسالة في 5 سبتمبر 1930م إلى السيد يوسف علي، السكرتير الخاص للخليفة الثاني . وبما أن مثل هذه المقتبسات كانت في معظم الأحيان تُنشر في جرائد الأحمديين فأحياناً يوهم المشائخ المعاندون المسلمين السذج أنها زائفة لكونها بدلاً من تقديم تلك المقتبسات فقد اخترتُ رسالةً بعثها د. محمد إقبال بيده إلى الخليفة الثاني ووقَّع عليها. فقد جاء في الرسالة:

“بما أن جماعتكم منسَّقة بتنظيم قوي وتضم كثيراً من الرجال النشيطين أيضاً لذا تستطيعون أنتم أن تنجزوا أعمالاً مفيدة للغاية لصالح المسلمين. أما موضوع تشكيل اللجنة فالفكرة رائعة أيضاً وأنا جاهز لعضويتها. أما زعامتها فلو عُيّن لها شخصٌ أكثر مني نشاطاً وقدرة وأصغر مني سناً لكان أفضل. ولكن إذا كان المقصود من اللجنة قيادة الوفود أمام الحكام فأرجو المعذرة من ذلك، لأن الوفود تكون عديمة الجدوى عادة. وعلاوة على ذلك لا أجد في نفسي استعداداً ونشاطاً للدرجة المطلوبة. على أية حال إذا أردتم كتابة اسمي ضمن أعضائها فأرسلوا لي قائمة أسماء الأعضاء الآخرين أولاً”.

وبسبب هذه الرسالة والرسائل الأخرى التي بعثها إلى الخليفة الثاني العلماء المسلمون والزعماء السياسيون، ارتأى حضرته عقْد مؤتمر بهذا الخصوص. فانعقد هذا المؤتمر في بيت السير نواب ذو الفقار علي عام 1931م بمدينة “شِمْلَه”. وسأقرأ على مسامعكم أسماء بعض من الزعماء الكبار الذين اشتركوا فيه، وهم السادة: شمس العلماء خواجه حسن نظامي، السير ميان فضل حسين، السير محمد إقبال، السير ذو الفقار علي خان، السيد نواب كنج بوره، السيد خان بهادر رحيم بخش، السيد سيد محمد محسن شاه المحامي، المولوي محمد إسماعيل الغزنوي (من أمرتسار)، المولوي نور الحق صاحب جريدة “The Muslim outlook” وسيد حبيب مدير جريدة “السياسة”. وعلاوة عليهم فقد اشترك في المؤتمر المولوي ميرك شاه، الأستاذ في مؤسسة ديوبند سابقاً، بصفته مُمثلاً عن منطقة “كشمير”، كما مثّل السيدُ “الله ركها” منطقة “جامون”.

وقبل نهاية أعمال المؤتمر رشح السيرُ محمد إقبال اسمَ الخليفة الثاني مخاطباً أعضاءه: “أنا أقترح أنكم إن كنتم تنوون نجاح “حركة كشمير” هذه فلا أرى أحداً مؤهلاً لذلك إلا ميرزا بشير الدين محمود أحمد، إمام الجماعة الأحمدية”.

ففور هذا الإعلان تصاعدت الأصوات من كل صوب تأييداً له وانتُخب سيدُنا الخليفة الثاني رئيساً للمؤتمر بالإجماع. ثم قال د. محمد إقبال: “يا سيدي لن يُكلَّل هذا المشروع بنجاح ما لم تتولَّ أنت أمرَه بصفة رئيسٍ له”. (مجلة “لاهور” 5 أبريل/ نيسان 1965م ص 12 عمود 2)

إن حكاية ضخامة التضحيات التي قدمتها الأحمدية لحماية مصالح مسلمي الهند طويلة جداً، ولا زالت ذكرياتها منتشرة في كل مكان في منطقة كشمير. إن العلماء الأحمديين الكبار وغيرهم، الفقراء منهم والأثرياء، كانوا يسافرون إلى كشمير على نفقاتهم الخاصة ويُسدون للمسلمين خدمات لا مثيل لها، ولم يشكلوا أي عبء على أهل كشمير إطلاقاً. كانوا يوزعون المنشورات وبالتالي يتعرضون لاضطهادات حاكم كشمير، حتى زُجّ بهم في السجون. ثم تبعتهم مواكب المحامين الأحمديين المتطوعين لرفع المرافعات لإخوانهم المسلمين المحكوم عليهم بعقوبات شتى.

هذه قصة طويلة وممتعة في الوقت نفسه، وقد أُلِّفتْ حول هذا الموضوع كتبٌ تقع في مئات من الصفحات. ومن المستحيل حقاً أن يجري على الألسن ذكر تاريخ كشمير، أو أن يُسمّى هذا التاريخ تاريخاً، دون بيان خدمات الأحمدية.

وبُغيةَ التذكير سوف أقتبس لكم مقتبسين أو ثلاثة من جرائد المسلمين الصادرة آنئذ. وهناك كتاب للسيد سيد حبيب، محرر جريدة “السياسة” باسم “حركة قاديان”، وكما هو ظاهر من اسم الكتاب فإنه كُتب في عداوة الأحمدية، ولكن المعارضة أيضاً في تلك الأوان كانت تتحلّى بشيء من خشية الله، وكان المعارضون في معظم الأحيان يضطرون للاعتراف بالحقيقة. يوضّح المؤلف لماذا اشترك هؤلاء الناس في حركة يقودها إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية؟ ويقول: “برزت للعيان جماعتان اثنتان فقط لمساعدة الكشميريين المظلومين. إحداهما لجنة كشمير (بزعامة سيدنا الخليفة الثاني )، والثانية جماعة “الأحراريين”. ولم يشكل أحد جماعةً غيرهما ولم تتشكل. أنا شخصياً ما كنتُ أضع ثقتي في الأحراريين. واليوم تعرف الدنيا كلها أن الأحراريين جمعوا الأموال باسم اليتامى في كشمير، وباسم المظلومين المنكوبين والأرامل، ثم أكلوها وهضموها مثل حليب الأم. (أقول: هؤلاء الأحراريون أنفسهم يُسلطون على باكستان اليوم)، وليس منهم زعيم واحد لم يرتكب هذه الجريمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. لقد دعتهم لجنة كشمير إلى توحيد العمل ولكن بشرط أن تتم المشاريعُ كلها بكثرة الرأي وتسجيل حسابات النفقات بصورة نظامية، ولكن الأحراريين رفضوا كلا المبدأين. فلم يبق لي خيار إلا أن أكون مع لجنة كشمير. وأقول بصراحة متناهية وأعلن على دقات الطبول إن ميرزا بشير الدين محمود أحمد، زعيم لجنة كشمير، عمل بجدية متناهية وجهد متواصل وحماس مفرط، وأنفق الأموال من عنده، لذلك أنا أحترمه”. (حركة قاديان ص 42)

ويقول السيد عبد المجيد سالك، محرر جريدة “انقلاب” في كتابه “سرغزشت”:

“حينما أثار الأحراريون فساداً ضد الأحمديين دون مبرّر ووقعت ثغرات الضعف في قوة كانت لجنة كشمير قد حازتها من خلال توحيد الهدف والعمل بسبب تحالُف الجهات المختلفة، استقال ميرزا بشير الدين محمود أحمد من زعامة اللجنة وعُيّن د. محمد إقبال زعيماً لها. وبدأ بعضُ أعضاء اللجنة يعادون الأحمديين لمجرد كونهم أحمديين، وهذا الوضع كان مضرّاً جداً لمصالح كشمير”. (سرغزشت ص338)

وإليكم الآن ما قالته وسائل الإعلام الهندوسية آنذاك بأنه من أية جماعة مسلمة كان الهندوس يشعرون بالخطر؟ ومَن الذي قلِق واضطربَ في رأيهم من أجل مسلمي كشمير، فقفز في الميدان؟ فتقول جريدة “ملاب”، الناطقة باسم الهندوس في عددها 1 أكتوبر/تشرين الأول 1931م ص 5:

“لقد أسس الميرزا القادياني “لجنة كشمير” بهدف الإطاحة بحكومة كشمير الحالية، وقام لهذا الغرض بالدعاية في كل قرية في كشمير.. أرسل إليهم النقود، كما أرسل المحامين والواعظين المثيرين للضجة، وظل يتآمر مع المسؤولين في باكستان اليوم: اتقوا الله في الجماعة التي تقولون عنها اليوم إنها تتآمر ضد المسلمين. الحقيقة أن أعداء المسلمين كانوا ولا يزالون يتهمونها أنها جماعة تتآمر لصالح المسلمين. وإذا كانت هذه الجماعة بمثابة أُذُن، كما يقول القرآن العظيم، لكانت “أُذُن خيرٍ لكم” وليست أُذُنَ شرٍّ لكم. تقول الجريدة نفسها عن سيدنا الخليفة الثاني :

“إنه أشعل نار الفتنة القاديانية في كشمير، وجعل الواعظين يطوفون في كل قرية. طُبعت منشورات وجيزة باللغة الأردية والكشميرية أيضاً ووُزّعت مجاناً بالألوف. وبالإضافة إلى ذلك وُزعت النقود أيضاً”. (جريدة “ملاب” عدد 30 سبتمبر/ أيلول 1931م ص 5)   (يُتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك