مصالح مسلمي شبه القارة الهندية ودور الأحمدية
التاريخ: 1985-02-22

مصالح مسلمي شبه القارة الهندية ودور الأحمدية

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة جمعة ألقاها أمير المؤمنين مرزا طاهر أحمد نصره الله

الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام

في 22 شباط /فبراير 1985 م في مسجد ” الفضل ” بلندن

أصدر الديكتاتور الباكستاني الراحل الجنرال ضياء الحق في 26/ 4 / 1884 م حكما عسكريا غاشما يحرم المسلمين الأحمديين في باكستان من حقهم في إعلان دينهم الإسلام الذي يدينون به من الأعماق ، أو النطق بالشهادة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) أو إلقاء تحية الإسلام ، أو الصلاة على النبي صل الله عليه وسلم أو رفع الأذان للصلاة ، أو قراءة القرآن الكريم ، أو كتابة آياته أو حيازتها ، أو تسمية أنفسهم بأسماء المسلمين ، أو تسمية مساجدهم مساجد إشارة أو صراحة ، شفويا أو كتابيا !! الأمر الذي كان ولا يزال يحرض المشايخ المغتصبين وأتباعهم الجهلة على قتل المسلمين الأحمديين المسالمين ، وعلى تدمير بيوتهم وهدم مساجدهم ، كما يبشرهم هذا القرار بتغاضي الحكومة عن جرائمهم.

وبعدها نشرت حكومته كتيبا باسم ” القاديانية ، خطر رهيب على الإسلام ” لتبرير ما قام به هذا الدكتاتور ضد الأحمديين من إجراءات جائرة منافية لتعاليم الإسلام السمحاء وسنة نبي الرحمة صل الله عليه وسلم وسمت الحكومة هذا الكتيب ” البيان الأبيض ” ، وكان الأجدر أن يطلق عليه ” البيان الأسود ” لما فيه من أعذار سخيفة لتبرير هذا القرار الفرعوني الغاشم ، تسود وتشوه وجه الإسلام الأغر . ولقد قام إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدنا ميرزا طاهر أحمد –نصره الله – بالرد على هذا ” البيان الأسود ” محللا ومفندا بعون الله كل أعذارهم السخيفة عذرا عذرا ، في سلسلة طويلة من خطب الجمعة ( ثماني عشرة خطبة ) ، في أوائل سنة 1985 م .. ننشرها مترجمة من اللغة الأردية لفائدة القراء المنصفين .

وننشر في هذا العدد الخطبة الخامسة منها . لقد تشرف لترجمتها الأستاذ عبد المجيد عامر وراجعها الأستاذ عبد الله أسعد عودة .

أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن أن محمدا عبده ورسوله . وأما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

( بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم *مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا السراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) آمين

(ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين * يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون* هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلهولو كره المشركون ) ( الصف 8-10 )

اتهام غريب

كنا في صدد ” البيان الأبيض ” المزعوم ولقد تكرر فيه أن الأحمدية عدوة للإسلام كما هي عدوة للقوم والوطن ، والعياذ بالله ، وخيانتها تشكل خطرا فادحا على القوم والوطن والملة . إنها لا تشكل تهديدا وخطرا على الاسلام فقط وإنما تشكل خطرا جسيما على الأمة الإسلامية بأسرها بل على كافة البلاد الاسلامية . والدليل على ذلك –على حد قول الزاعمين – هو : بما أن الأحمديين يرون أنهم لا يستطيعون الانتشار والازدهار في البلاد الاسلامية لذا يسعون جاهدين لدمارها ويريدون أن تقع في أيدي القوى غير الاسلامية .

المجاهدون الرواد

وفيما يتعلق بدراسة هذه  الاتهامات من الناحية التاريخية فإنه لموضوع بعيد الغور لا يمكن الخوض في تفاصيله في هذا الوقت الضيق ، غير أنه من الأهمية بمكان تحليل أمر هام جدا وهو : كلما ترض الإسلام أو المسلمون لخطر ، فمن كان في طليعة الجيش المجاهد للدفاع ؟ أأبناء الأحمدية أم متهموها ؟ وسأقدم فيما يلي وقائع بعض الأحداث التاريخية البارزة في هذا الصدد .

ضرورة تفكير رصين

فيما يتعلق بزعمهم القائل إن الأحمديين لا يقدرون على النمو والازدهار في البلاد الإسلامية فيريدون تدميرها ، فهذا زعم في منتهى الغرابة ومبني على افتراضات خاطئة ، كما يحتوي على تعارض داخلي شديد ، يقولون : إن الجماعة الأحمدية ما حازت في البلاد الإسلامية أي تقدم لذا ترغب في  تدميرها انتقاما لذلك . فلو قبلنا جدلا هذا الاعتراض الواهي ، لكانت النتيجة المنطقية والطبيعية كالآتي : بما أن الجماعة الأحمدية قد حققت تقدما ملموسا في باكستان فيجب ألا تشكل أي خطر عليها وما دام الامر هكذا فكيف يسوغ لكم إذن أن تفرضوا حصارا خانقا على الجماعة في باكستان ؟

الحقيقة أن المحامين المعارضين للأحمدية أدلو ببيانات متتالية أثناء إجراءات المحكمة الشرعية المزعومة في باكستان فقالوا بصراحة متناهية : إن الجماعة الأحمدية في تقدم وانتشار مستمرين عن طريق التبشير في باكستان ، وهذا ما لا نستطيع تحمله . بل الأمر الوحيد الذي ركز عليه معارضو الأحمدية أثناء الاضطرابات ضد الجماعة في باكستان عام 1974 م وما قبلها هو أننا لا نستطيع الحيلولة دون انتشار الأحمدية وتقدمهم ، فإنهم لا يزالون ينتشرون بسرعة هائلة . إذن فكيف ومتى تعرضت الجماعة الأحمدية لخطر عدم انتشارها وتقدمها وازدهارها في بلد من البلاد ولا سيما في باكستان ؟ وإذا كانت الأحمدية في تقدم وانتشار مستمرين حسب اعترافكم أنتم فلا بد لكم أن تصدروا قرارا أن باكستان ليست دولة إسلامية حسب تحليلكم المذكورة لذا تتقدم الجماعة فيها وتنتشر . وهذه هي النتيجة المنطقية التي يصل إليها كل من يلقي نظرة شاملة على بياناتكم التي أدليتم بها بمناسبات مختلفة .

وإذا لم تكن باكستان دولة إسلامية فما معنى ادعائكم بالإسلام وبحمايته ؟ يا للعجب !!! لا علاقة لكم بذلك كله !إذا كانت باكستان دولة غير إسلامية فليكن فيها ما كان وأنتم منه براء . أما إذا كانت باكستان دولة اسلامية ، كما هي فعلا لأنها تأسست باسم الإسلام ، فقولوا بالله – إن كنتم صادقين – كيف تخشى الأحمدية عدم انتشارها في بلد ( باكستان ) انتشرت فيه على أوسع نطاق وفي كل طبقة من طبقات شعبه؟ وهذا ما تعترفون به أنتم أيضا .

إذن فما هي حقيقة افتراضكم أن الجماعة الأحمدية لا تستطيع إحراز تقدم في دول اسلامية وبالتالي ترغب في تدميرها ؟ والآن أتناول الأحداث التاريخية في هذا الصدد ويجب على العالم أن يفكر فيها بتأن . وهذه أحداث سبق أن سجلت في صفحات التاريخ بخبر مستحيل محوه . لأن قلم التاريخ عندما يرسم الأحداث مرة فلا تستطيع قوة من القوى الدنيا أن تعود وتمحوها  . فمهما أثار هؤلاء الناس الشغب والضجيج في العالم كله ، ومهما حاولوا خلق تاريخ جديد ، فإن الأحداث التي برزت للعيان مرة لا تقدر يد محوها . بما أن هذه الحكاية طويلة جدا وقد تطول كثيرا على ما أرى مهما حاولت الإيجاز ، لذا فمن المحتمل أن تستمر هذه السلسة في خطبتين مقبلتين أو ثلاث خطب . وأرجو من الأحبة أ يصغوا إليها بالصبر والمثابرة ولو طالت الخطب بعض الشيء لأن الموضوع معم للغاية ويمس بقاء الجماعة ومصالحها ، لذا يجب أن نرد على اعتراضات المعارضين ردا مفصلا ومفحما وبأسلوب يستوعبه عامة الناس ، حتى يتمكنوا من التمييز بين الصادق والكاذب .

 

حركة الخلافة

الآن أوجه أنظار المستمعين الكرام إلى” حركة الخلافة” . الحرب العالمية الأولى لم تعقبها التغييرات السياسية فقط وإنما أعقبها بعض التغيرات الجغرافية الهامة أيضا ، منها التغير الهام الذي وقع في تركيا التي كانت قد قررت الانحياز إلى الألمان ضد القوى المتحالفة، انهزم الألمان وكان الانتصار من نصيب القوى المتحالفة . فأزيل السلطان عبد الحميد من السلطة في تركيا  . ثم حدثت هناك ثورة عظيمة أسفرت عن اعتلاء ” كمال أتاتورك : عرش السلطة . وهكذا عندما انقرضت من تركيا تلك الحكومة التي كانت جارية باسم الخلافة قام المسلمون في الهند بحركة ثورية ل إحياء الخلافة من جديد . والحركة في حقيقتها كانت ضد الانجليز ظنا منهم أن الانجليز هم المسؤولون عن انقراض الخلافة الإسلامية لذا يجب على المسلمين ولا سيما مسلمي الهند أن يشنوا الجهاد ضدهم . ولكن دعوة الجهاد هذه لم تصعد من أية دولة عربية . فبعث إلى تركيا وفد دبلوماسي يضم علماء المسلمين وبعض رجال السياسة البارزين من الهند . اجتمع الوفد مع “كمال اتاتورك” وطلب منه قبول منصب الخلافة وقالوا ما مفاده : إننا سوف نقوم معك في كل الأحوال . فاستمع إليهم ” كمال اتاتورك ” بقدر كبير من الغرابة ثم رفض عرضهم قائلا : ما هذه الأمور التي جئتموني بها . لقد أخرجت تركيا بصعوبة كبيرة من براثن هذه الأفكار البالية بوضع الحد على انتشارها ، وأنقذت الدولة من الأخطار الداخلية والخارجية ، وأنتم تعرضون علي تلك الأفكار البالية نفسها مرة أخرى ، وتريدون أن تجروني إليها من جديد .مما يعني أن كمال اتاتورك رفض دعوتهم رفضا باتا .أما الناس في الهند فكانوا مندفعين بالعواطف العابرة والمشايخ – الذين ليس لديهم أدنى شعور أو إلمام بالمستقبل ، ولا يدركون ما يجري حولهم ولا يدرون شيئا عن الحال فضلا عن الماضي أو المستقبل ، فلا يقدرون على تعلم دروس يلقنهم الدهر إياها – كانوا متحمسين جدا لإقامة حركة عظيمة في المسلمين ( حركة الخلافة) حسب زعمهم ، في حين كانت الحركة يرأسها زعيم هندوسي !في هذا الوقت ارتفع صوت وحيد ضد هذه الحركة ،وكان هذا الصوت الجهوري قد ارتفع من قرية ” قاديان” معلنا وناصحا المسلمين مرارا وتكرارا : أن هذه الحركة سوف تلحق بكم أضرارا فادحة لا قبل لكم بها ، ولن تخاصوا من أخطارها إلى مدة طويلة ، لأنها حركة غير معقولة ولا طائل من ورائها ، لذا فعليكم أن تتراجعوا عنها . وكانت النتيجة أن المسلمين الأحمديين لقولهم الحق جعلوا عرضة لأنواع من الاضطهادات والظلم حتى قامت هناك حركة أخرى ضد الأحمديين أسفرت عن أحداث أليمة وتعرض الأحمديون للمقاطعة هنا هناك  . وقطعت عليهم المياه في الطقس الحار الشديد الحرارة ، وتعرضوا لرشق الحجارة وهم نيام ليلا في باحات منازلهم بسبب شدة الحر .

وبما أن المعارضين كانوا متحمسين جدا لمعاداة الأحمدية فكانوا يقولون لهم : لماذا تعارضون ” حركة الخلافة ” ، وحركة “ترك الموالاة ” ؟ ( أي نبذ طاعة الحكومة في الأمور القانونية ) وكانوا يزعمون أنهم بذلك يخدمون الإسلام على عكس الأحمديين . وقالوا بلسان حالهم إن عقوبتكم أيها الأحمديون هي أن نعاملكم أيضا كمعاملتنا الانجليز . عندئذ ارتفع صوت وحيد من قاديان ونبه المسلمين بفداحة الخطر وقال : إنكم ترتكبون خطأ فادحا فاحذروا !

مكيدة المهاتما غاندي

ماهي ” حركة ترك الموالاة ” في الحقيقة؟ إنها حركة أثير من خلالها المسلمون في الهند لنبذ طاعة الحكومة الانجليزية في أمور قانونية . وكانت الحركة من اختراع قريحة ” المهاتما غاندي” فقد أقيمت الحركة عن طريق المشايخ المرتزقين لدى ” الكونغرس الهندي ” ( الحزب السياسي للهندوس ) ، ثم تفاقم أمرها لدرجة انجرف فيها علماء المسلمين الكبار و الزعماء السياسيون كافة ، ومن ثم لم يعد هناك تمييز بين أعضاء الكونغرس الهندي وغيرهم من ناحية الاشتراك في هذه الحركة . السيد غاندي بنفسه حصل على فتاوى من العلماء المسلمين في شأن هذه الحركة إذ قال لهم : إن الانجليز قاموا بظلم عظيم على المسلمين لدرجة أنهم أزالوا الخلافة من بينهم . فماذا تفتون أيها العلماء المسلمون عن كيفية الجهاد ضد من لا يمكن مقاومته عن طريق القتال؟ لاحظوا أن الزعماء الهندوس يجمعون الفتاوى لصالح المسلمين !على أية حال عندما استفتى المهماتما غاندي العلماء أفتى 500 من العلماء المسلمين البارزين أنه لا سبيل للمسلمين إلا أن يقاطعوا الانجليز تماما ويتخلوا عن معاشرتهم نهائيا ، وأن يهاجروا إلى دولة إسلامية أخرى ، ليعودوا من هناك فيما بعد منتصرين عن طريق محاربة الانجليز فيطردونهم من الهند .

خلفية حركة ترك الموالاة بناء على الفتاوى الآنفة الذكر . وكان المسلمون من أقصى الهند إلى أقصاها مندفعين بحماس شديد لإنجاح الحركة إلى درجة أصبحوا فيها جاهزين للتضحية بأرواحهم .

لقد أورد الكاتب الشهير السيد عبد المجيد سالك ، كشاهد عيان ذكر هذا الحماس المفرط في تأليفه ” سرغزشت ” فقال : ” في الليلة نفسها اجتمعت لجنة مؤتمر الخلافة في خيمة الكونغرس الهندي – لا أتذكر بالضبط من كان رئيس الاجتماع ، أ السيد غاندي أم المولوي محمد علي ؟ على كل حال اشترك في الاجتماع أعيان البلد جميعهم . وكان من بين الجالسين على المنصة ، السيد ” غاندي ” تلك ، مسز أيني بسنت ” و جيكر ” وكيلكر” و المولوي محمد علي ” وشوكت علي ” وظفر علي خان ” والسيد حسين ” والسيد عبد الباري ” والسيد فخر إله آبادي ” والسيد حسرت موهاني ” وغيرهم من الزعماء السياسيين . بدأ المولوي محمد علي الخطبة بالإنجليزي في بداية الأمر وقال : إنني سوف أخطب بالإنجليزية لبعض الوقت ليتمكن كبار الدولة الذين لا يفهمون اللغة الأردية من استيعاب موقف المسلمين تجاه الخلافة ، ثم سأخطب باللغة الأردية . وكانت خطبة المولوي عديمة النظير ليس من ناحية اللغة وأسلوب ال خطابة فقط ، بل من جميع نواحي القضية ومن حيث المعنى أيضا . ويتبين جانبها العاطفي من قوله : ” لا نملك حيلة دينية إلا أن نهجر البلاد ” . ( سرغزشت الطبعة الثانية ص 111)

وهذه هي الفتوى الدينية التي حصل عليها المهاتما غاندي لصالح المسلمين !! يمضي السيد عبد المجيد سالك ويقول : ” قال المولوي محمد علي أثناء خطبته : ليس في يدنا حيلة دينية إلا أن نغادر البلاد ونترك بيوتنا ومساجدنا ، ( أقول : كلمة المساجد هنا جديرة بالانتباه بوجه خاص ) وقبور آبائنا أمانة في رعاية إخواننا بعد طردنا الانجليز عقب عودتنا إلى البلاد منتصرين . إنني على يقين بأن إخواننا الهندوس الذين عشنا معهم منذ ألف سنة لن يقصروا في تقديم هذه الخدمة لنا ” ( المرجع السابق )

أمور غير معقولة

إن التعبير ” الإخوة الهندوس ” تعبير ممتع جدا ، كان ولا يزال يستعمل في باكستان . الأحمديون ليسوا إخوتهم . أما الهندوس والمسيحيون فهم اخوتهم ! ولم لا ، فقد عاشوا معا منذ ألف سنة !!.

يضيف السيد عبد المجيد سالك ويقول : ثم نهض بعده شخص من مدينة ” بريلي ” يدعى ” بنسي دهرباتك ” ، كانت خطبته متحمسة وممتعة للغاية . فقد ضرب على وتر أكثر حساسية مما ضرب عليه المولوي محمد علي ، بقوله: إذا كان إخواننا المسلمون مضطرين لمغادرة هذا البلد حسب مقتضى دينهم فماذا سيعمل الهندوس ببقائهم هنا ؟ ( لاحظوا كم هي أليمة هذه الجملة ) لو غادر المسلمون البلاد لفعل ذلك الهندوس أيضا تضامنا مع المسلمين ، ولسوف يتركون هذا البلد خرابا يبابا ، فارغا من السكان ، حتى يغادره الانجليز بأنفسهم مذعورين ” ( المرجع السابق ص 111-112 )

ثم يقول السيد سالك :

” كم هي بعيدة هذه الأمور من العقل ! ولكن عالم العواطف غريب حقا !! إذ كان بعض الناس يبكون بأعلى صوتهم أثناء الاجتماع ، حتى تحول ” مؤتمر الخلافة ” إلى حفلة مأتم بسبب العويل والصراخ ” .( المرجع السابق ص 108 )

تكريم السيد غاندي

يم يكن السيد غاندي في تلك الأيام مرشدا للهندوس فحسب وإنما صار مرشدا للمسلمين أيضا حتى إن قضايا الشهداء المسلمين كانت تقدم إليه للتفكير و الإمعان فيها . فيقول السيد سالك في تأليفه الآنف الذكر : ” لقد شرف السيد غاندي مكتب الجريدة ” زميندار ” بزيارته له قبل بدء الاجتماع ، فظل منشغلا في النقاش مع بعض زعماء ” حركة الخلافة ” . وبقيت أنا واقفا بجانبه حاملا أوراقا تتعلق بقضية ” جل كوت غورمي ” وقضية الشهيد ” السيد حبيب الله خان مهاجر”. وعندما تفرغ السيد غاندي بعد فترة من الزمن شرحتُ له القضية كلها”. (المرجع السابق ص 128) مما يعني أنّ قضايا الشهداء المسلمين كانت في تلك الأيام تقدِّم إلى السيد غاندي. يمضي السيد سالك ويقول: ” في غضون ذلك اجتمع في الشارع العام أمام مكتب * الجريدة “زميندار” آلاف من المشاركين في الاجتماع بعد أن قلقوا من تعب الانتظار الطويل. يقول السيّد سالك:

“… اجتمع آلافٌ من المشاركين في الاجتماع في الشارع العام أمام مكتب جريدة “زميندار” بعد أن قلقوا من تعب الانتظار الطويل ورفعوا هتافات اهتزّ لها عنان السماء، وكانوا يهتفون ” لينتصر الهندوس والسيخ”. (المرجع السابق ص 124)

أقول: هذا هو دأبهم منذ القديم إنهم يستاءون ويصرخون اليومَ ويكادون يتميزون من الغيظ حين يرون كلمة الشهادة مكتوبة على مساجد الأحمديين أنواعاً من التهم والطعن حتى لو هتفنا بانتصار إمامنا، الإمام المهدي عليه السلام ، ويستاءون من وجود كلمة الشهادة على مساجدنا وبيوتنا، ومن وجود شاراتها على صدورنا. فهل يستاءون لأنّ كلمة الشهادة تُعلن بوحدانية الله تعالى وصدق سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم؟

يورد السيد سالك ذكرَ حفاوة وتكريم تلقّاهما السيد غاندي لدى قدومه إلى اجتماع المسلمين فيقول: “وأخيراً قام السيد غاندي ومشى للاشتراك في الاجتماع حيث شق له المتطوعون الطريق من بين الحشد الكبير. وعندما وصل السيد غاندي مقام الاجتماع بلغ الحماسُ قمّته. ألقى الزعماء الآخرون كلمتهم أوّلاً ثم خاطب السيد غاندي الحضور فاحتجّ على اعتقال “المولوي ظفر علي خان” وقال قولته الشهيرة التي كانت مدعاة للضحك والتهكم في مجالس الأصدقاء إلى مدة طويلة.” ولكنني أغض الطرف عن ذلك القول ولن أذكره هنا.

“ثم عاد السيد غاندي مرة أخرى بعد بضعة أسابيع وكان هذه المرة مصحوبأً بلفيف من العلماء… كان السيخ يُقبّلون يدي السيد “أبي الكلام آزاد”، وكان الهندوس يكتحلون بغبار قدميَ “المولوي محمد علي”، في حين كان المسلمون يكرّمون السيد غاندي لدرجة وكأنّ وليّاً من أولياء الله شرّف مدينة لاهور بقدومه”. (المرجع السابق ص 129)

عواطف المسلمين

العواطف التي خلقتها الأسبابُ المذكورة آنفاً في قلوب المسلمين كانت قوية جداً. لذا فكان الأحمديون عرضة لأسوأ أنواع التعذيب في كافة أرجاء الهند لاحتجاجهم على هذه الحركة المبنيّة على الجهل. لقد صوّر السيد سالك كيفية مشاعر المسلمين وعواطفهم في كلمات تالية: “كان في صفوف عامة المسلمين اتجاه متزايد لأن يغادروا إلى أفغانستان والمناطق الحُرّة المجاورة لها، ومن هنا يستعدّوا للقتال الذي من شأنه أن يجعلهم منتصرين على الإنجليز ويسفر عن تحرير الهند. وكان الأمير أمان الله خان (حاكم أفغانستان آنذاك) أيضا يقول في خطبه: “تعالوا إنني سوف أهيىء لكم ملاذاً. (المرجع السابق ص 1115)

                 

(* علماً أن مكتب الجريدة “زميندار” في تلك الأيام كان مركزاً للأحراريين – الأعداء الألداء للأحمدية – وبالتالي كان مركزاً لمعارضة الأحمدية.)

 احتجاج إمام الجماعة

فما هو ذلك الصوت الذي ارتفع ضد هذه الحركة والذي حاول فتحَ عيون المسلمين وحلَّلَ لهم الوضع بكل وضوح وصراحة وبصورة متكررة، وأخبرهم أنّ حركة عدم التعاون (مع الحكومة) وترك الموالاة (نبذ طاعة الحكومة في الأمور القانونية) لا تستند إلى الصواب والسداد في حال من الأحوال. ثم حذّر المسلمين قائلا: لا تستخدموا اسم الشريعة الإسلامية لهذا الغرض لأنّ في ذلك إساءة بغيضة للإسلام ورسوله، ولو لم يكن ذلك الموقف خطأ سياسياً منكم مع ذلك   لا بدّ أن يصيبكم العقاب من عند الله تعالى نتيجة لهذه الإهانة. لذا مهما استخدمتم من أساليب العداوة ضدنا لن أتوقف في حال من الأحوال عن إخباركم بخطورة الموقف وقول الحق لأنني أكنُّ تعاطفا صادقاً مع المسلمين.

وبما أن كلمة “الشريعة الإسلامية” كان تستعمل في حركة ترك الموالاة مراراً وكان يُقال للمسلمين بصورة متكررة: إنّ هذه فتوى دينية، لذلك فقد خاطب الخليفةُ الثاني رضي الله عنه (للإمام المهدي عليه السلام) المسلمين بهذه المناسبة قائلا:

” لماذا يُعتبر قول السيد غاندي مثل القرآن؟ ولماذا يُسمّى قوله شريعة إسلامية؟ يمكنكم أن تقولوا للناس: بما أن السيد غاندي يقول كذا وكذا لذلك ينبغي أن تعملوا بحسبه. ولكن لماذا تقولون إنّها فتوى الشريعة الإسلامية؟”

ثم قال: إذا كان مناصرة “حركة ترك الموالاة” يعتبرونها فريضة شرعية فعليهم أن يعملوا بما تأمر الشريعة الإسلامية. أمّا إذا كانوا يعدّونها أمراً من السيد غاندي فيجب ألّا يخدعوا وألا يسخروا من الإسلام”. (ترك الموالاة وأحكام الإسلام ص 58-59)

ثم قال حضرته:

“ألا ترون أين تتيهون بترككم صراطا مستقيما؟ أوّلاً اتخذتم شخصاً غير مسلم زعيماً لكم نابذين العلماءَ والأفاضل جميعهم وراء ظهوركم. هل انحطّ الإسلام إلى حدِّ أنه لم يبق بين متبعيه شخصٌ واحد يجد في نفسه قدرة على إنقاذ هذه السفينة من دُوّامة البحر وإيصالها إلى برّ الأمان والنجاح؟ ألا يغار الله سبحانه وتعالى على دينه لدرجة أن يبعث في مثل هذا الوقت العصيب رجلا من تلاميذ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وخُدامه فيهدي المسلمين إلى طريق يؤدي بهم إلى النجاح والفلاح؟ ويلكم، ما هذا الذي أسفرت عنه إهاناتٌ ارتكبتموها. كنتم من قبل تجعلون سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مديناً للمسيح الناصري عليه السلام، أما الآن فتجعلونه صلى الله عليه وسلم مديناً لغاندي. وفيما يتعلق بالمسيح الناصري عليه السلام فكان نبياً، أمّا الرجل الذي اتخذتموه الآن زعيماً دينياً لكم فليس مؤمناً أصلاً. إذن فلا بدّ أن تروا مغبّة إهانتكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بشكل أفضع من ذي قبل. وإن لم تنتهوا فستضطرون لعبودية أمة غاندي أكثر مما اضطررتم لعبودية أمة المسيح الناصري عليه السلام حسب قولكم” . (المرجع السابق، ص86-87)

الطعن في الهداة إلى الصراط المستقيم

هذه سيرةُ زعيم جماعة تزعمونها خائنة للإسلام والوطن (والعياذ بالله). هذه أسوة إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية. أما كيف كانت أسوة هؤلاء الذين يُظهرون تعاطفهم مع الإسلام والوطن، فقد سبق ذكرها أيضاً.

والجدير بالذكر أن حلم المسلمين هذا لم يستمر طويلاً بل سرعان ما تحطَّم. نعم! وقعت الهجرة فعلا وهاجر آلاف من المسلمين السذّج من الهند مضحّين بكل ما ادخروه طيلة حياتهم. وسلّموا بأيديهم عقاراتهم إلى إخوانهم الهندوس، وتركوا المساجد خراباً، وتَخلّوا عن التجارات، واستقال الموظفون في مختلف الدوائر الحكوميّة. وكان المشهد مؤلماً للغاية فعلا. أما الذين كانوا يقولون إلى الأمس القريب: ” ما الذي سنفعله ببقائنا هنا دونكم!” فكان ردّ فعلهم العفوي على الوضع المذكور آنفاً أنه إذا استقال مسلم واحد من وظيفته تقدم عشرة من الهندوس. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فذلك الشخص الذي كان يدلهم على الصراط المستقيم حقّاً، وكان يتعاطف مع المسلمين بإخلاص ومحبة، أصبح هو وأتباعُه عرضة للإيذاء والتعذيب الشديد مِن قِبل إخوانهم المسلمين.

التحسر على خيبة الأمل

هذه كانت نتيجة حركة قادها هؤلاء العلماء الذين مازالوا إلى اليوم متربعين على زمام أمور باكستان بالنوايا السّيئة نفسها. غير أنهم أفاقوا من سباتهم العميق بعد فوات الأوان. إن السيّد أبو الكلام آزاد – الذي كان في مقدمة المناصرين لحركة ” ترك الموالاة” ويحتلّ مكانة مرموقة ضمن علماء الكونغرس الهندي، وله صلة قوية وعميقة الجذور مع مشائخ حركة ” الأحرار” – يقول:

“لا تُبتلى الأذهان المبدعة كل يوم بساعات حاسمة. وعندما تأتي عليهم هذه الساعات الحاسمة تكون اختباراً حقيقيّاً لقدراتهم ومؤهلاتهم. وكانت ساعةً حاسمة حين طرقتْ أخبارُ ثورة الخلافة أذهانَنا لأول مرة، وكانت ساعةَ اختبار لمدى فعالية قوانا الدماغية، ولمدى تعلُّمنا إدراك حساسية المواقف الحرجة وحسمها، وكذلك لمدى قدرتنا على ألا نضلَ طريق العمل بتورطنا في أخطاء الأصدقاء وشماتة الأعداء. كان من الواجب على أصحاب الفكر والعمل منا حسمُ الموقف بكامل الحذر والحيطة وبضبط النفس واللسان معاً” . (تبركات آزاد، تأليف غلام رسول مهر ص 238)

ثم يقول الكاتب بحسرة شديدة:

” لكن التسرع والتهور، من شأنهما أن يعرّضا صاحبهما لضربات خطيرة ومستعصية العلاج. يقول المثل الفرنسي:

” الرصاص الذي ينطلق مرة لا يعود من منتصف الطريق مهما دعوتموه للعودة.”

ولا يسعني إلا أن أقول بالأسف الشديد بأن الرصاص قد انطلق، ولا تهنئة لنا على عاقبة الاختبار”. (المرجع السابق)

العاقبة المشينة للحركة العاطفية

يقول محمد ميرزا الدهلوي مُبدياً تأسفه وتحسره على خيبة أمل هذه الحركة في كتابه (الحياة السياسية لمسلمي الهند): “إن ذلك كان مشروع الهندوس”.

أقول: عندما كانت الأحمدية تقول لكم إن هذا المشروع من صنع الهندوس، كنتم عندها تسمُّون إمام الجماعة بالخائن الأعظم –والعياذ بالله- وما كنتم لتسمعوا مثل هذا الكلام، بل كان المسلمون الأحمديون يُعذِّبون تعذيباَ مُرَّاً لقولهم الحق فقط. ولكن عندما هدأ هذا الطوفان قليلا، أصبحتم تكتبون بأنفسكم أنّ ذلك المشروع كان من صنع الهندوس. ويمضي الكاتب في سرد الأحداث ويقول: “الهندوس كانوا زعماءه، ولم يكن المسلمون في هذه البلبلة “.

كذلك يذكر السيد عبد المجيد سالك عاقبةَ هذه الحركة بكلمات تالية:

” إنّ كيفية العواطف الإنسانية لغريبة حقّاً. هؤلاء المسلمون المخلصون المتحمسون كانوا يهاجرون أوطانهم بحماس مفرط تنفيذاً لأمر ديني. ثم بعد مرور بضعة شهور عندما استنكر الأمير أمان الله خانْ قدومَهم إلى أفغانستان لعجزه من استيطان تدفق الناس إلى بلاده، رجعت أغلبيتُهم الساحقة بقلوب مكسورة وعيون دامعة. ومُنيت الحركة التي كانت مبنّية على العواطف الوقتيّة، بعاقبة مشينة للغاية”. (سرغرشت ص 113)

فقدوا التمييز بين الصديق والعدو

إنّ حالة المسلمين لغريبة وتدعو للرثاء. إنهم يتأذَّون على يد مشائخ مرتزقين لدى الكونغرس الهندي مرارا وتكرارا ورغم ذلك لا يجدون في أنفسهم قدرة للتمييز بين الصديق والعدو. إن هؤلاء المشائخ هم الذين يفترون ويكذبون على الأحمدية بصورة متكررة ويحاولون دائماً أن يحرموا المسلمين بكل مناسبة حاسمة من خدمة الأحمدية لهم، كما يحرمونهم من الانتفاع بصداقة الجماعة لهم وبإرشادها الحكيم في وقت مناسب. فقد نالت حركة الخلافة أيضا نفس المصير الذي كان إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية قد حذر المسلمين منه. فلقد انطلقت من الهند مَواكبُ المسلمين المنخدعين بوعود معسولة للمشائخ، في حالة يُرثى لها، بحيث ضحُّوا بكل ما ادخروه طولَ حياتهم، وباعوا عقاراتهم بأثمان بخسة أو وضعوها تحت تصرف الهندوس كأمانة ما رُدَّتْ إلى أهلها أبداً. والزاد الذي حملوه معهم عند الرحيل لسدّ رمقهم، يقول عنه المؤرخون: إن المسلمين الراجعين إلى بلادهم تعرضوا لهجمات الأفغان هنا وهناك، فَنَهَبوا أموالهم المتبقيَة أيضاً، وتفشّت فيهم الأوبئةُ المتنوعة. ومات بعضُهم جوعاً، والآخرون ماتوا مدافعين عن أمتعتهم. فخلاصة الكلام أن مَواكب المسلمين عادت إلى بلادهم في حالة مؤلمة للغاية. منهم من كانوا يرفلون من قبل في أنواع النعم والرفاهية، ولكنهم عادوا إلى بلادهم لابسين أثواباً رثة بالية ولم تبق لديهم وسيلة لكسب المعاش.

هؤلاء هم العلماءُ المتعاطفون مع المسلمين الذين قدموا لهم المشورة المذكورة، وهكذا كانت نتيجتها. ومن ناحية أخرى قدّم أبناء الأحمدية –التي يزعمونها خائنة للإسلام والوطن، والعياذ بالله- مشورَتهم المخلصة التي بسبب إهمالها تعرض المسلمون لعاقبة مشينة. لم ينته الأمر إلى هنا فقط بل يتصاعد من باكستان اليوم أيضاً نفسُ الصوت الكاذب والمخادع الذي كان قد تصاعد من هناك في الماضي بصورة حركة “ترك الموالاة” التي مُنيت بالفشل الذريع.

حركة شُدْهِيْ

والآن أذكر لكم حركة شدهي (حركة جعْلِ المسلمين هندوساً) وأخبركم ماذا كانت سيرة الجماعة الإسلامية الأحمدية حين تعرض الإسلام لخطر شديد في الهند بسبب حركة هندوسية لإدخال المسلمين في الهندوسية؟ كما سأبيّن سيرة المشائخ الأحراريين الذين تمَّ تسليطهم اليوم على باكستان لسوء الحظ. لقد تبيّن من خلال هذه الحركة مَن هو محبَ صادق ومخلص حقيقي للإسلام ومَن هو كاذب متَنكّر؟

“شدهي” حركة قادها الهندوس قبل عام 1923 م وبعده في منطقة تسمى “ملكانه” وتقع حول مدينة “أغره”. وأرادوا من خلالها إدخال جميع المسلمين القاطنين هناك في الهندوسية، متذرعين بأن هؤلاء المسلمين كانوا هندوساً سابقاً لذا لا بد من إعادتهم إلى دينهم مرة أخرى. هذه الحركة ظلت تعمل في الخفاء إلى مدة لا بأس بها ولم يطلع عليها المسلمون لفترة طويلة.

وعندما نُشرت الأنباء عنها في الجرائد لأول مرة، ووُجَّهت دعوة الاستغاثة من قِبل المسلمين الفقراء المساكين إلى مؤسسة “ديوبند” و “دار الندوة ” بمدينة لكنهئو، حدثت ثورة كبيرة وتصاعدت الأصوات من كل حدب وصوب لإفشال مساعي الهندوس ولِشَنِّ الجهاد لتثبيت المسلمين على الإسلام. وردُّ الفعل الذي صدر من “قاديان” في هذا الصدد كان عظيماً جداً. فقد قامت من قاديان حركة قوية جداً لمقاومة حركة “شدهي”، وقلَّبتها رأسا على عقب وأجبرت الهندوس على الانهزام.

أمّا الحركات الأخرى التي جرت من كل جانب –ولا سيما حركة الأحرار- فماذا كانت عاقبتها؟ وما هي تلك الأعمال البارزة التي قام بها الأحراريون حيال حركة شدهي؟ أود بيانها على ضوء ما ورد في جرائد المسلمين و الهندوس.

نوايا الهندوس على ضوء أقوالهم أنفسهم. فقد أعلنت الجريدة “تيج” (لسان حال الهندوس) بكل عزم: “لا يمكن تحقيق الوحدة بين المسلمين والهندوس دون نجاح شدهي”.

مما يعني بأنهم يعلنون أنّ السبيل الوحيد لتحقيق الوحدة بين الهندوس والمسلمين هو أن يعتنق المسلمون كلهم الهندوسية، وإلا فلا يمكن تحقيق الوحدة بشكل آخر. وتمضي الجريدة وتقول: ” عندما يصبح المسلمون كلهم هندوساً، سوف يتراءى الهندوس فقط في كل حدب وصوب، وعندها لن تستطيع قوة في الدنيا الحيلولة دون استقلالها (الهند)، ويجب أن نمضي قدماُ في مشروع “شدهي” مهما اضطررنا لتحمل المشاكل في هذا السبيل”. (الجريدة اليومية “تيج” الصادرة في دلهي 20 مارس 1926م)

كذلك تقول الجريدة “برتاب”: يتم إدخال “راجبوت” (فئة عرقية من المسلمين) القاطنين حول مدينة “آغرا” في الهندوسية بسرعة متناهية. وقد اعتنق الهندوسية إلى الآن 40300 من راجبوت، وملكان، وغوجر، وجات (فئات عرقية من المسلمين). ويوجد هؤلاء الناس في جميع مناطق الهند. ولا يقلّ عددهم عن خمسة أو ستة ملايين نسمة. ولو استمر المجتمع الهندوسي في ضمهم إليه، فلن أتعجب من أن يصل اعددهم (المعتنقين بالهندوسية) إلى عشرة ملايين”.

 إعلان إمام الجماعة

هذه كانت الهجمة المُخيفة التي شُنّت على الإسلام. ولكن من الذي قام في وجهها غيرةً على الإسلام؟ ومن قفز في ميدان الجهاد مضحيّاً بكل ما لديه في سبيل سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم؟ هل الأحراريون وأشياعهم أم الأحمدية؟ تعالَوا معنا نلاحظ في مرآة التاريخ: من ادَّى حق التمثيل عن الإسلام في مرحلة حاسمة من تاريخ مسلمي القارة، حين كان الهندوس في قمة نشاطهم لإدخال المسلمين في الهندوسية في تلك المنطقة؟

لقد ارتفع الصوت ضد هذه الحركة من “قاديان”، فأعلن سيدنا الخليفة الثاني رضي الله عنه:

”الأسلوب الذي لبت به الجماعة الإسلامية الأحمدية دعوة إمامها كان مذهلاً تماماً، وسيبقى تذكاراً خالداً في تاريخ تضحيات الأقوام والجماعات الدينية. كما هو فصل من فصول تاريخ الأحمدية سوف يكتب بالكلمات الذهبية.“

في 9 مارس ۱۹۲۳م قائلاً:

“نحن الآن بحاجة ملحة إلى 150 شخصاً على الفور للعمل في هذه المناطق، وعلى كل واحد منهم أن يكرس حياته لثلاثة أشهر في الوقت الحالي. لا نستطيع أن نُعطيهم ولا مليماً واحداً لنفقاتهم. لذا يجب عليهم أن يتحملوا بأنفسهم نفقاتهم ونفقات أهلهم. وعلى الموظفين أن يؤمّنوا الإجازة. أمّا الذين ليسوا بموظفين بل هم تجار، فيجب أن يتفرغوا من تجارتهم فيخبرونا بالمراسلة، في أيّ رُبع من أرباع العام يكونون جاهزين للعمل هناك”.

هذا يعني أنه تم بدء المشروع فوراً للعام الجاري، وطُلب 150 شخصاً للرُبع الأول من العام وهكذا دواليك. فقال الخليفة الثاني :

“على كل عامل في هذا المشروع أن  يتحمّل عبء عمله بنفسه. إذا احتاج إلى الطبخ فليطبخ بنفسه، وإذا اضطر إلى النوم في الصحراء والفلاة فليفعل. والذين يجدون في أنفسهم استعداداً لتحمل هذه المشاق فليتقدموا وليكونوا جاهزين لتضحية أعراضهم وأفكارهم في هذا السبيل”. (جريدة “الفضل” اليومية 15 آذار/مارس ۱۹۲۳م)

تلبية مذهلة

الأسلوب الذي لبَّتْ به الجماعة الإسلامية الأحمدية دعوة إمامها كان مذهلاً تماماً، وسيبقى تذكاراً خالداً في تاريخ تضحيات الأقوام والجماعات الدينية. كما هو فصل من فصول تاريخ الأحمدية سوف يُكتب بالكلمات الذهبيّة. فقد قام الشباب والشيوخ، والرجال والنساء، والصغار والكبار، والأغنياء والفقراء على حد سواء بتقديم تضحية عظيمة ورائعة في هذا السبيل يحتاج ذكر أحداثها إلى كتاب ضخم يقع في مئات الصفحات. ولكنني سوف أكتفي بمثال واحد خوف الإطالة. كتبتْ سيدة أحمدية إلى إمامها : “سيّدي، إنني أستطيع قراءة القرآن وأعرف من اللغة الأردية قدراً قليلاً. سمعتُ من ابني أن المسلمين يرتدُّون عن دينهم وأن حضرتكم أمرتم للذهاب إلى هناك لاحتواء الموقف. ولو أمرتَني أنا أيضاً لاستعددتُ على الفور ولما تأخرتُ أبداً. أقسم بالله أنّني جاهزة لتحمُّل كل مشقة في هذا السبيل”.

والفتيات الصغيرات قدّمن أقنعتهن، إن لم يجدن شيئاً غيرها. والسيدات الفقيرات اللواتي كن يعشن على حليب شاة قدَّمْنَ تلك الشاة. كذلك العجائز اللواتي كنّ يعشنَ على رواتب من الجماعة، وكُنّ قد وَفَّرْنَ روبية (عملة هندية) أو روبيتين للمستقبل، جئن بهما وقدَّمْنَهما إلى حضرته (علماً أن الروبيتين في تلك الأيام كانتا تُعتبران مبلغاً كبيراً) وقُلنَ عند التقديم: انظروا إلى هذا القناع الذي أغطي به رأسي فهو مِلكٌ للجماعة، وهذه الملابس التي ألبسها قد اشتريتها من منحة تقدمها لي الجماعة، وهذا الحذاء الذي ألبسه هو أيضاً للجماعة. ليس هناك شيء لي، فلا أستطيع أن أقدم أي شيء. فهاتان الروبيتان كنتُ قد وفّرتُهما لوقت عصيب في المستقبل، فها أنا أقدّمُهما إلى حضرتك راجيةً أن يتغير مجرى هذه الحركة الغاشمة بشكل من الأشكال”. (“کار زار شدهي” أي معركة شدهي ص 46)

تضحيات عديمة النظير

هذا كان الحماس للتضحيات الذي كانت الجماعة قد أظهرتْه آنذاك. وكانت الجماعة جاهزة تماماً لبذل كل غال ورخيص وطارف وتليد، تلبيّة لدعوة إمامها ضد حركة شدهي. فقد أرسل أحد الإخوة من بنغال – اسمه السيد قاري محمد نعیم الدين – خطاباً إلى سيدنا الخليفة الثاني وقال بصفة كونه أباً شیخاً للأولاد: “رغم أن ابنَّي، ظل الرحمن و مطیع الرحمن، الدارسين في بكالوريوس لم يذكرا لي هذا الأمر إلاّ إنني أرى أنّهما يظُنان أنني بسبب كوني أباهما العجوز سوف أقلق لو أنّهما نذرا حياتهما لمشروع التبليغ في منطقة “راجبوتانه” – في الظروف القاسية وتحت الشروط الصعبة – ذلك المشروع الذي عرضتَه على الجماعة البارحة. ولكني أشهد الله على ما أقول بأنني لن أحزن أبداً لذهابهما هناك وتحملهما المشاق. وأقول صدقاً إنني لن أهدر دمعة واحدة لو أنّهما قُتلا أثناء العمل في سبيل الله، بل سوف أشكر الله تعالى. ثم إن الي ابنها ثالثاً سواهما اسمه محبوب الرحمان،  لو قُتل هو الآخر أيضاً في سبيل خدمة الإسلام، بل لو كان لي عشرة أبناء وقتلوا جميعاً لما حزنْتُ أبداً. قد يظنّ أحدٌ أنّ الفرح على مصائب الأبناء أمر هيّنٌ، لأن بعض الناس يصابون فعلاً بمرض يُضحكهم ويُفرحهم على موت أقاربهم أيضاً، ولكني أقول: لو قُتلتُ أنا أيضاً في سبيل خدمة الإسلام لكان ذلك سعادة عظيمة لي”. (جريدة “الفضل” 15 مارس ۱۹۲۳م)

الفطرة لا تتغيّر

أقول: هذه سجيّة أولئك الذين تصمونهم بخيانة الإسلام والوطن !! كانوا يتصفون بهذا النوع من “الخيانة” بالأمس ولا يزالون متصفين بها اليوم أيضاً، لم تتغيّر فطرتهم ولن تتغيّر بسيوفكم ولا بسهامكم ولا بتلك الألسنة الحادة اللاذعة التي تجرح قلب الأحمدية ليلَ نهارَ. “الخيانة” التي ارتكبناها بالأمس لا نزال نرتكبها اليوم أيضاً. و”خدمة الإسلام” التي قُمتم بها أنتم بالأمس لا زلتم تقومون بها اليوم أيضاً. لم تتغير تصرفاتنا ولا تصرفاتكم.

خيبة حركة شدهي

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف دارت هذه المعركة الدينية؟ وممن أحسّ الهندوس بالخطر في هذه المعركة؟ ومنْ قلَّب رأساً على عقب حركة “شدهي” الهندوسية؟ اسمعوا هذه القصة من لسان أولئك الذين وقعت عليهم الضرباتُ.

جريدة “تيج”، لسان حال الهندوس التي كانت إلى الأمس القريب تُعلن بكل قوة وشدة أنّ عشرة ملايين من المسلمين – فضلاً عن خمسة أو ستة ملايين منهم – سوف ينضمون إلى الهندوسية بفضل حركة “شدهي”، اضطرت فيما بعد لتكتب: “إن الفيدا سِفْرٌ موحىً به، بل هو أوّل سِفر أوحي به، وهو يهب معرفة تامة، بينما كان القاديانيون يقولون: إنّ القرآن کلام الله، وإن محمداً هو خاتم النبيين. وكانت نتيجة هذه المعركة أن لا أحد من المسيحيين أو المسلمين يعتنق اليوم الديانة الهندوسية”. (جريدة “تيج” الصادرة في دلهي 25 يوليو ۱۹۲۷م)

لم يبرز إلا الأحمديون

لاحِظوا أنّ الجريدة لا ترى أحداً في الميدان يجاهد من قبل الإسلام إلا الأحمديين. أين كان هؤلاء المشائخ الأحراريون عندما حمي وطيس معركة شدهي بين الهندوس والمسلمين؟ لم يكن عندها في الميدان إلا الأحمديون الذين قلبوا هذه الحركة رأساً على عقب. ثم قالت الجريدة نفسها: “إنني أرى أنّ الجماعة الوحيدة التي تقوم بعمل رصين و مؤثر ودؤوب بين المسلمين في العالم كله هي الجماعة الإسلامية الأحمدية . أقول، والحقَ أقول: إننا أغفلناها أكثر من غيرها. ولم نحاول إلى الآن فهمَ هذه الجماعة الخطيرة”. (الجريدة المذكورة 25 يوليو ۱۹۲۷م)

الوقاحة في ذروتها

لاحظوا أن الهندوس كانوا يرتعدون مذعورين، حتى في ذلك الزمن الذي كانوا يشكلون فيه أغلبيّة ساحقة تعد بالملايين، في حين أن الجماعة الإسلامية الأحمدية كانت آنذاك قليلة العدد بالمقارنة مع عددها اليوم. ولكن رغم كل ذلك فإن المشائخ الأحراريين والحكومة الباكستانية الحالية يسمونها بكل وقاحة عميلةً للهندوس مرة، وعميلة للمسيحيين واليهود مرة أخرى. اتقوا الله أيها الناس واحذروه. ولتكن هناك حدود أيضاً للكذب والوقاحة. هناك كتابٌ باسم “الدين الهندوسي والحركات الإصلاحية” جاء فيه:

“قاد مجتمع الآرية (الهندوسي) حركة شدهي، أي مشروع تطهير النجس، ونتيجة لذلك حدث الاصطدام بين الأريا وجماعة تبشيرية إسلامية، أي الفرقة القاديانية”.

أتساءل أين كان هؤلاء الذين يزعمون أنهم حاملو راية الإسلام وحماته الأوفياء المضحُّون بأنفسهم في سبيله، والذين يتهمون الأحمدية ليل نهار بأنّها خانت الإسلام بفتواها لوقف الجهاد، والعياذ بالله؟ السؤال الذي يفرض نفسه هو إذا كانت ميادين الجهاد العملي في سبيل الدين مفتوحة أمام الجميع فمن كان يجول فيها ويصول؟ هل الأُسُود الأحمديون أم أنتم يا من تتهمون الأحمدية؟ الحقيقة أنّ العدو لم يعثر لكم على أثر في ميدان القتال حين حمى الوطيس، ولم يتواجد في ميدان المعركة إلا الأحمديون. يقول الكاتب:

“حدث الاصطدام بين الآریا وجماعة تبشيرية من المسلمين، أي الفرقة القاديانية. كان الآريون يقولون إنّ الفيدا موحىً به وهو أول سِفر سماوي، ويقدم معرفة تامة، في حين قال الأحمديون إنّ القرآن كلام الله وأن محمداً خاتم النبيين”. ( الكتاب المذكور ص43 – 44)

اعترفوا بالحقيقة بعد ثبوتها

لقد قرأت سابقاً على مسامعكم الجزء الأخير من هذا المقتبس، ولقد قرأته مرة ثانية لأبين لكم كم هي واضحة هذه الحقيقة التي تحاصر بالناس وتُنبّههُم وتصرخ في وجههم أن قولوا ما شئتم ولكن كلّما يتعرض الإسلام لموقف عصيب، وكلّما تحلك سماؤه بغيوم الأخطار، فالجماعة الإسلامية الأحمدية هي الوحيدة التي قدمت في الماضي وسوف تقدم في المستقبل أيضاً تضحيات أكبر من ذي قبل للذود عن حياض الإسلام.

ثم تقول جريدة “آرية بتريكا” الصادرة في بريلي في عددها 1 أبريل/نيسان ۱۹۲۳م: “إنّ مساعي الجماعة الأحمدية ونشاطاتهافي هذه الأيام لمنع “راجبوت ملكانه” من العودة إلى طوائفهم القديمة، لجديرة بالإشادة والتقدير على وجه خاص من بين جميع الفرق والمؤسسات المسلمة النشيطة في هذا المجال”. كذلك قالت جريدة “المشرق” الناطقة باسم المسلمين والصادرة في “غور خبور” في عددها 15 مارس ۱۹۲۳م:

” لقد أوقعت الجماعة الأحمدية ضربة قاسية على أفكار الآريا على وجه الخصوص. وروح التفدية والحماس الشديدان اللذان تتحلى بهما الجماعة الأحمدية في سبيل التبشير والنشر لا يُلاحَظان في فِرق أخرى في الزمن الحالي”.

خدمات أحمدية عظيمة

فقد قادت الجماعةُ الإسلامية الأحمدية حركةً قوية جداً ضد مشروع “شدهي”، وغطّتْها وسائل الإعلام القومي على نطاق واسع. لا أقول إنّ الفرق الأخرى لم تخرج إلى ساحة المعركة. لاشك في أنّ إرساليات بعض الفِرق و العلماء قد قفزت في الميدان، ولكن الخصمَ لم يشعر بضربتهم. إذ كانوا يحملون معهم الخلافات الداخلية، فهدروا معظم أوقاتِهم في تصفيتها حتى في ساحة

المعركة. تورد جريدة “زمیندار” ذكر هذه الأحداث وتقول:

“الأحداث التي اطّلعنا عليها عبر الجرائد عن فتنة الارتداد، تُبين بصراحة أنّ مسلمي الجماعة الأحمدية يقومون بخدمات عظيمة للإسلام”. (“زمیندار” 24/06/1923م)

أقول: حين احتدمت المعركة ضد حركة شدهي اعتُبر الأحمديون مسلمين بسبب جهادهم في سبيل الإسلام، إذ رآهم الجميع في الميدان، فلم يجد المعاندون فرصة لخداع الآخرين. هذه الجريدة كانت لا تتوقف قبل ذلك من طرد الأحمديين عن حظيرة المسلمين، ولكنها اضطرت الآن لقبول الأحمديين كالمسلمين، ولو لم تفعل للعنتْها الدنيا كلّها.

تقول الجريدة المذكورة آنفاً:

“يقوم المسلمون الأحمديون بخدمات عظيمة للإسلام. وما ظهر منهم من روح التضحية والعزم القوي والنوايا الحسنة والثقة بالله هو جدير بالإشادة والتقدير الكبيرين، إن لم يكن عديم النظير في الهند في الزمن الراهن”.

الحقائق التاريخية لا تُمحى

لاحِظُوا صفات “غير المسلمين” وأخلاقَهم، كم هي جميلة أخلاقهم بما فيها روح التضحية والعزم القوي والنوايا الحسنة والثقة بالله. إذا كانت هذه هي أخلاقهم والتي تعترفون بها أنتم أيضاً فلِمَ

لا تتخلَّقون بها أنتم أيضاً لأنها كفيلة لحياة الأقوام، وبدونها لا ضمان لحياة الأمم. لماذا لا تعقلون، ولماذا لا تنزلون إلى عالم الحقائق !! ما هي مبادئ الحياة وآدابها؟ يجب أن تتعلموها منا. هذه هي الأخلاق التي تخلّق بها هؤلاء الذين يراهم العدو أيضاً عاكفين على الجهاد. أمّا أصحابكم الذين نذروا حياتهم لعداوة الأحمدية، هل رآهم العدو في ميدان الجهاد؟ کلا! والله لا!!

تضيف الجريدة “زمیندار ” فتقول: “إنّ مرشدينا و مشائخنا المعروفين رقودٌ بلا حراك، في حين أن هذه الجماعة ذات العزم القوى قامت بخدمة عظيمة”. أقول لهم: غيّروا الآن هذا التاريخ إن استطعتم. هذا تاريخ قد كُتب وسبق أن رسمه قلم الأحداث، ولقد أثبتت مصداقية هذه الحقائق كلمات كتبتموها بأیدیکم أنتم ورسمتها أقلامكم. فاصرخوا الآن ما استطعتم، ولكنكم لن تستطيعوا محوها من صفحة العالم.

اعتراف واضح بخدمات الأحمدية

كان السيد غلام حسين من غير الأحمديين من مدينة “جهلم” (بباكستان الآن)، وكان يعمل مع ممثلي مختلف الجماعات في تلك المنطقة. فأرسل من هناك رسالة إلى جريدة “زمیندار” المذكورة آنفاً، فنشرتها الجريدة في عددها ۲۹ حزيران ۱۹۲۳م. حيث كتب السيد غلام حسين مخاطباً محرر الجريدة:

“الأحمديون القاديانيون يُبدون روح التضحية السامية. إذ إن حوالي ۱۰۰ شخص من دُعاتهم متحصّنون في مختلف القرى بإشراف رئيسهم. لقد قاموا  بأعمال بارزة. إن جميع هؤلاء الدعاة يعملون دون أن يدفع لهم راتب ونفقات السفر. وبالرغم من أننا لسنا من الأحمديين ولكن لا نستطيع الامتناع عن الإشادة بعمل الأحمديين العظيم. وروح التضحية التي أظهرها الأحمديون من المستحيل أن نلاحظها إلا في المتقدمين”.

عندما يقول سیدنا الإمام المهدي : “من وجدني فقد تلقى بركات كانت تلاحظ في زمن أصحاب رسول الله “، يتوغّر مشائخكم غضباً ويحتدمون ويستنكرون قوله. ولكن حينما تُواجهون، يا إخوانَنا المسلمين، مرحلة صعبة للدفاع العملي عن الإسلام تضطرون لقول الكلمات نفسها التي قالها الإمام المهدي من قبل. هذا يعني أنّ ملائكة الله يُرغمون أقلامكم لكتابة الكلمات نفسها التي مفادها أن الأحمديين يُذكّروننا بالمتقدمين من أسلافنا الكرام الذين وجدوا زمن سيدنا رسول الله .

يقول السيد غلام حسين:

“…فكل من دُعاتهم، غنيّاً كان أو فقيراً، ماضٍ في مضمار العمل دون أن تُدفع له نفقات السفر أو الطعام. كلهم منشغلون بإشراف أميرهم في الحرّ الشديد والرياح اللاهبة”. (بيان أدلى به السيد غلام حسين مدير المدرسة الثانوية بمدينة جهلم)

هناك مقتبسات كثيرة بهذا الخصوص تحتوي على بيانات اعترف من خلالها الجرائد و مشاهير المسلمين بأنّ الأحمدية قد أدت حق خدمة الإسلام في زمن حركة شدهي، ولكنني أتركها الآن جانباً لضيق الوقت.

فشل مؤتمر الصلح

لم يفكر الآريا الهندوس المتغطرسون قط في محادثة المسلمين حول هذا الموضوع، بل كانوا يشنون الهجمات من جانب واحد، ولكنهم عندما اضطروا للإذعان أمام ضغط شديد من قبل المسلمين الأحمديين، علموا ألا سبيل لهم إلا الصلح. فعقدوا مؤتمراً للصلح اجتمع فيها الزعماء والكبار من الجانبين، الهندوسي والمسلم. وهنا حدث حادث طريف للغاية، إذ لم تُرسَل الدعوةُ إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية للاشتراك فيه، ودُعيتْ الفرق الإسلامية الأخرى كلها. وعندما اجتمع الزعماء الهندوس و المسلمون لوضع شروط الصلح ولم يجد الهندوسُ ممثلاً عن المسلمين الأحمديين في الاجتماع قالوا للزعماء المسلمين: ما هذا العبث الذي تعبثونه بنا؟

فإن معارضينا الحقيقيين غير موجودين هنا، فما الذي نستفيد من الصلح معكم. إننا لم نشاهد كم في منطقة “ملكانة” حيث دارت هذه المعارك الدينية، أما الذين نخافهم ونرتعب من ضرباتهم القاسية فيظلون أحراراً في تصرفاتهم ونخشى أنهم بسبب عدم حضورهم في المؤتمر سوف يتابعون شن هجماتهم علينا. فأَلْغَوا المؤتمر على الفور وأرسلوا برقية إلى سيدنا الخليفة الثاني إلى قاديان يعتذرون إليه لتقصيرهم هذا، وطلبوا من حضرته إرسال ممثله، وقالوا: إنّ المؤتمر لن يُكتب له النجاح دونكم.

هذا هو تاريخ الإسلام الذي كتب إلى الأبد، لا ينمحي ولن يُمحى. لن يقدر دكتاتور أن يُغّير هذه الكتابات أو يبدّل قدرَ الله. هذا قدرُ الله قد ظهر، ولا تستطيع قوة من قوى العالم محوها لأنها قد رُسمت على صفحة العالم إلى الأبد.

أسوة الجماعة

هذه هي أسوة الجماعة الإسلامية الأحمدية. هكذا كانت بالأمس وستظل هكذا في المستقبل أيضاً. أكثروا ما شئتم من العداوة ضدنا أيها المخاصمون، وأنكِروا جميلنا كما تريدون، ولكنني أحلف بالله الذي نفسي بيده أنّه لو حلَّتْ بكم البلية غداً، فستكون الأحمدية في المقدمة للدفاع عنكم، وستستقبل على صدرها كل سهم موجَّه إليكم. ليس هناك أحدٌ أكثر إخلاصاً ووفاء منا للإسلام. ولا أحد أكثر تعاطفاً منا على الأمة الإسلامية، ولا أحد أكثر عشقاً وفداء منا لدين محمد . هذا ما أثبتتْ لكم الأيام الغابرة، ولكنكم تنسون هذا الدرس كل مرة، وهذا ما سيُبيّن لكم المستقبلُ أيضاً. ليتكم تفتحوا عيونكم فتمیزوا صديقَكم من عدوكم.

هذه الحكايات طويلة جداً. كنت أظنّ أنّني سوف أتمكن اليوم من إنهاء ذكر موجز الأحداث جرت قبل تأسیس باكستان، ولكن الحكاية لم تبلغ منتصفها بعد. ولسوف أحاول إنهاء هذا الموضوع في الخطبة القادمة بإذن الله، ثم أتناول أحداثاً جرت بعد تأسیس باكستان، وسأبيّن سيرة الأحمدية في خدمة الإسلام والوطن، كلّما أتيحت لها الفرصة للخدمة داخل باكستان أو خارجها. وسأبين أيضاً كيف كانت سيرة معارضي الأحمدية.

وسوف أقدّم هذه المقارنة الممتعة على ضوء الأحداث الواقعية في الخطبة القادمة بإذن الله. والله وليُّ التوفيق.

Share via
تابعونا على الفايس بوك