خدمات الأحمدية لمسلمي شبه القارة الهندية (القسط الثاني والأخير)
التاريخ: 1985-03-01

خدمات الأحمدية لمسلمي شبه القارة الهندية (القسط الثاني والأخير)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة جمعة ألقاها حضرة أمير المؤمنين مرزا طاهر أحمد نصره الله

الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود

في 1 آذار / مارس 1985م في مسجد “الفضل” بلندن

(القسط الثاني والأخير)

أصدر الدكتاتور الباكستاني الراحل الجنرال ضیاء الحق في 26/04/1984م حكماً عسكرياً غاشماً يحرم المسلمين الأحمديين في باكستان من حقهم في إعلان دينهم الإسلام الذي يدينون به من الأعماق، أو النطق بالشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، أو إلقاء تحية الإسلام، أو الصلاة على النبي ، أو رفع الأذان للصلاة، أو قراءة القرآن الكريم، أو كتابة آياته أو حيازتها، أو تسمية أنفسهم بأسماء المسلمين، أو تسمية مساجدهم مساجد إشارةً أو صراحة، شفوياً أو كتابة!! الأمر الذي كان ولا يزال يحرض المشائخ المتعصبين وأتباعهم الجهلة على قتل المسلمين الأحمديين المسالمين، وعلى تدمير بيوتهم وهدم مساجدهم، كما يبشرهم هذا القرار بتغاضي الحكومة عن جرائمهم.

وبعدها نشرت حكومته كتیباً باسم “القاديانية، خطر رهيب على الإسلام” لتبرير ما قام به هذا الدكتاتور ضد الأحمديين من إجراءات جائرة منافية لتعاليم الإسلام السمحاء وسنة نبي الرحمة ، وسمّت الحكومة هذا الكتيب “البيان الأبيض”، وكان الأجدر أن يطلق عليه ” البيان الأسود” لما فيه من أعذار سخيفة لتبرير هذا القرار الفرعوني الغاشم، تسوّد و تشوه وجه الإسلام الأغرّ. ولقد قام إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدنا میرزا طاهر أحمد – نصره الله – بالرد على هذا “البيان الأسود” محللاً و مفنّداً بعون الله كل أعذارهم السخيفة عذراً عذراً، في سلسلة طويلة من خطب الجمعة (ثماني عشرة خطبة)، في أوائل سنة 1985م.. ننشرها مترجمة من اللغة الأردية لفائدة القراء المنصفين. وننشر في هذا العدد الخطبة السادسة منها. لقد تشرّف بترجمتهما الأستاذ عبد المجيد عامر وراجعهما الأستاذ عبد الله أسعد عودة.

دور الأحمدية في تأسيس باكستان

إنّ أهم فترة في تاريخ القارة الهندية والتي يمكن أن تسمّی بفترة تقرير مصير المسلمين هي فترة قبيل تأسیس باكستان، حين كانت معركة بقائهم أو عدمه حامية الوطيس، وحين كان المسلمون يُواجهون قضية الموت والحياة و كانوا بحاجة إلى ملاذ يحتمون به من استبداد القوى المعارضة حيث لا يكون أي خطر على دينهم و سیاستهم ومعيشتهم. فرَسَمَ مختلفُ المفكرين المسلمين، في مختلف الأحيان والمناسبات، في أذهانهم صوراً خيالية متفرقة بحثاً عن هذا الملاذ، وحلموا أحلاماً متنوعة، ورسموا خرائط خيالية في أذهانهم. فبدأت خريطة باكستان تبرز شيئاً فشيئاً في الأذهان و كأنها صوت الملة الإسلامية بأسرها.

ففي هذه الفترة الحاسمة ماذا كان دور الأحمدية التي يقال عنها اليوم: بما أنّ البلاد الإسلامية لا تسمح لها بالوجود والازدهار فيها فلا يريد أفرادها بقاء البلاد الإسلامية فضلاً عن أن يساهموا في بنائها !! والسؤال المطروح الآن هو: ما هو الدور الذي لعبته الأحمدية في هذه الفترة الحاسمة؟ وماذا كان دور أحزاب تُسّلَط على باكستان اليوم؟ سأقرأ على مسامعكم بعض المقتبسات من جرائد غير الأحمديين ليتبين للناس كيف أن صورة التاريخ تُشوّه اليوم، وليتمكن المسلمون في باكستان والعالم بأسره من التمييز بين الخبيث والطيب، وليعرفوا جيداً من هو الظالم الغاشم في الحقيقة ومن هو المتعاطف الحقيقي معهم والمحب المخلص لهم الذي ضحّى بنفسه و نفیسه لخدمتهم. يقول السيد رئيس أحمد الجعفري في كتابه “حياة محمد علي جناح” تحت عنوان: “أصحاب قادیان وباكستان” المطبوع في عام 1947:

“الآن نقدم مسلك فرقة كبيرة أخرى، أصحاب قادیان، وموقفهم من باكستان. فكلتا الجماعتين من أصحاب قادیان تشيد مركزية الرابطة الإسلامية (الرابطة الإسلامية أو “مسلم ليغ”، الحزب السياسي الوحيد الذي اجتمع المسلمون تحت لوائه لتأسيس باكستان) وتعترف بضرورة باكستان كما تعترف بقيادة السيد جناح السياسية وتمدحها.” (المرجع المذكور ص 451)

إنّ حكاية المصائب الشديدة التي واجهها المسلمون أثناء كفاحهم السياسي في غضون هذه الفترة العصيبة لهي مؤلمة جداً. إذ هُدرتْ دماء المسلمين في منطقة البنجاب الشرقي على نطاق واسع لدرجة لا يسعني الإحاطة بذلك التاريخ الطويل، كما لا يُطيق أي قلب ترديد تلك القصص المؤلمة للغاية. ولكن يجب أن نستعرض دور الجماعة الإسلامية (جماعة المودودي) وفئة الأحراريين، ودور الجماعة الإسلامية الأحمدية حين اقتضى الموقفُ للجهاد العملي. الظروف السائدة آنذاك ما كانت تقتضي الجهاد التبشيري فقط بل كانت تستدعي الجهاد العملي، وآن الأوان للجهاد بالسيف أيضاً، إذ كانت أعراض السيدات المسلمات تُنتهك ظلماً وقهراً، وكان الأطفال يُخرَطون في أسنَّة الرماح. فخلاصة الكلام أن قوافل المسلمين المنهوبة والمنكوبة تعرضت للمظالم التي يعجز اللسان عن ذكر تفاصيلها، والمسلمون كلهم يعرفون هذا التاريخ بشكل عام. أما الذي أنوي بيانه فهو أنّه من كان في طليعة هذا الجهاد للدفاع عن المسلمين عندما اقتضت الحاجة للجهاد العملي؟! تقول الجريدة “إحسان” (المتوقفة عن الصدور الآن) الناطقة باسم الأحراريين في عددها 25 سبتمبر/ أيلول 1947م:

“إن شبان قاديان غيرُ هيابين رغم اضطهاد الجيش (الهندي) لهم. همهم الوحيد هو إنقاذ النساء والصغار والمسنين من الظلم وإخراجهم من هذه المنطقة. إنهم يعرفون جيداً أن الموت يحاصرهم رويداً رويداً. وحكومة “نهرو” (الزعيم الهندوسي) – التي كانت تقول إنه لن يُجبر أحدٌ من المسلمين على الخروج من البنجاب الشرقي – قد عقدت الآن العزم على طرد أهل قادیان من هناك قهراً وجعْلِهم عرضة للاضطهاد والظلم. (أقول: اليوم يقال إنّ الأحمديين عملاء الهند، یا للعجب!!) الشبان العاملون بإشراف “قسم الحراسة” بقاديان يقومون بأداء واجبهم على مدار الساعة في بعض الأحيان ويقومون بالحراسة ليل نهار”.

أقول: أنا شخصياً كنت بفضل الله تعالى مع هؤلاء الشبان في الوظيفة المذكورة، وأتذكر جيداً أن النوم ما كان يكحل عيوننا إلى 48 ساعة في بعض الأحيان، لأن الظروف كانت صعبة جداً. وعلاوة على ذلك فإن عدد الشبان المتطوعين كان قليلاً بالمقارنة مع عبء العمل. ولو أتيحت لنا

الفرصة للنوم لبضع لحظات لراوَدَنا شعورٌ كأننا ارتكبنا جريمة نكراء، وكنا نخجل من غفوتنا الوجيزة. هكذا كان حماس الشبان الأحمديين آنذاك تجاه واجبهم. ولم تكن خدماتهم مقصورة على قادیان فحسب بل المجاهدون من قادیان کانوا يذهبون للدفاع عن القرى المسلمة المجاورة لقاديان أيضاً. هذا ما شهد به المعاندون أيضاً عندئذ.

وتمضي الجريدة وتقول:

“إن هؤلاء الشبان في بعض الأحيان يقومون بواجب الحراسة على مدار الساعة. رغم أن صحتهم قد تدهورت بسبب السهرات الطويلة وعدم الاستراحة، ولكنهم جاهزون لمواجهة الموت بدلاً من الفرار خوفاً منه. لا يُوجد هناك جيش للمسلمين لذا فإن جیش الهندوس وشرطة السيخ تُخوّفهم وتهددهم بشتّى الطرق. يتجول الضابط العسكري الهندوسي هنا وهناك مشهراً مسدّسه لنشر الخوف والذعر.”

ثم تقول الجريدة نفسها وهي تقتبس من رسالة شخص غير أحمدي لاجئ في قادیان:

“لا يتسع الوقت للكلام المطول … نحن الآن حوالي 50 ألف لاجئ في قادیان ونحصل على الطعام من قبل الأحمديين للبقاء على قيد الحياة. كما أنّ بعضنا قد حصل على مكان للمبيت أيضاً. لكن هذه القرية الصغيرة لا تَسَعُ لهذا العدد الهائل لذا فإن ألوفاً من اللاجئين موجودون تحت سقف السماء وعلى فرش الأرض فيتعرضون للشمس أحياناً وللمطر أحياناً أخرى”.(جريدة “إحسان”، عدد ۲ أكتوبر/تشرين الأول 1947م)

وعلاوة على ذلك نشرت حكومة باكستان کتاباً بعنوان: “القافلة القوية” يحتوي على أحداث انقسام الهند. يتناول هذا الكتاب الصادر من قبل قسم الدفاع الحكومة باکستان ذکْرَ قادیان و يقول: “لقد اشتهر هذا المكان بكونه مركزاً للجماعة الأحمدية علاوة على سُمعته الصناعية والتجارية، وتحيطه منطقة سكانية كثيفة للسيخ. ففي أيام المفسدة جاء إلى قادیان المشرَّفة المسلمون من مسافة حوالي عشرين ميلاً من حولها للّجوء فيها”.

وأقول: لقد كانت القاديان إلى الأمس القريب، “قاديان المشرفة” ولكنكم اليوم تزعمون أن ربوة، مركز الجماعة الحالي هي أكثر المدن نجاسة في العالم كلّه – والعياذ بالله – وتقولون إن “ربوة” مركز للأحمديين كما أن إسرائيل مركز لليهودية. لقد جرى الحق عندئذ على ألسنتكم فقلتم: لا تقولوا قادیان فقط بل قولوا قادیان المشرَّفة، لأنه يُقيم بها أحباء الله، وهذه قرية عمَّرها أولياء الله، ويقطنها الفدائيون بالإسلام. فما دامت هذه الذكريات منوطة بهذه القرية فسوف يذكرها الأشراف باسم “قاديان المشرفة”. ولا يسعنا إلا أن نشيد بنباهة حكومة باکستان آنذاك التي لم تحفل بالمشائخ الأحراريين وقالت الحق.

ثم يقول الكتاب: “تصاعد هذا العدد (عدد اللاجئين) إلى 75 ألف نسمة تدريجياً. وأقول: كان اللاجئون يُطعَمون بشكل نظامي. وبما أنّ الأوضاع المستقبلية كانت تبدو خطيرة لذا كان الخليفة الثاني أَمَرَ سلفاً بتخزين القمح لتدارك الوضع بكمية أكبر بكثير من حاجة الجماعة الأحمدية عادة. فلم يكن هناك واحد من اللاجئين المسلمين الذي تعرض للمجاعة في قادیان وحولها. ووُزعت على المحتاجين الملابسُ الثمينة أيضاً حسب مقتضى الموقف وكان بعضها من أجهزة العرائس. إن سیدنا الخليفة الثالث رحمه الله – وقتها لم يكن خليفة – بدأ مشروع توزيع الملابس هذا بتوزيع ثياب ثمينة لزوجته. وبما أنّ زوجته كانت من أسرة غنيّة من حُکام “مالیر کوتله” لذا كانت بعض ملابسها غالية جداً و بعضها كانت ملابس تقليدية محفوظة منذ مدة طويلة و كانت نادرة لدرجة ما كانت هي أيضاً تلبسها إلا فيما شذ وندر خشية منها ألا تبلى وتفنى. ولكن الخليفة الثالث رحمه الله فتح صناديق الملابس من بیته هو قبل غيره، ووزّع كلها على الفقراء على الفور، تلك الملابس الغالية التي لم يكن هؤلاء ليحلموا بها أبداً. علماً أن الذين وُزّعت عليهم الملابس كلهم كانوا من غير الأحمديين. فمن ثمّ فتح الأحمديون كلهم صناديقهم ووزعوا كل ما كانوا يملكونه على إخوانهم المسلمين المنكوبين. وأخيراً عندما هاجرتُ أنا من قادیان، لم تكن في يدي إلا حقيبة واحدة تحتوي على لباسٍ يتيمٍ، ليس لأنني ما كنت أستطيع أن آخذ معي شيئاً بل لأن كل شيء في بيوتنا كان قد وزع على اللاجئين وأصبحت بيوتنا خالية من كل متاع وأثاث.

ويضيف الكتاب: “بما أنّ السيخ الظالمين الغاشمين المستبدّين كانوا قد تركوا هؤلاء اللاجئين في غاية الفقر والإفلاس، لذا حمل سكان قاديان على عاتقهم مسؤولية كفالة هؤلاء المنكوبين. ومن الظاهر أنّ حمل عبء الطعام والسكن لهذا العدد الكبير ليس بالأمر اليسير، ولا سيما إذا كانت مصاريف الحياة غالية لهذه الدرجة. فاستضافت قادیان هؤلاء الضيوف غير المثقفين إلى أن منعتها الحكومة الهندوسية من ذلك قهراً. (القافلة القوية، الناشر: مؤسسة رابطة القرآن، مكتب المحاسبات قسم الدفاع باكستان آذار / مارس 1951م ص143-144) وقالت جريدة “زمیندار” في عددها 3 تشرين الأول 1947م:

” المسلمون محصورون في عدة أماكن في إقليم غوردار سبور. ولكن هناك ثلاثة مخيمات كبيرة. المخيم الأول هو مخيم “بطاله”، وحالة لاجئيها سيئة جداً.

أقول: كانوا إلى الأمس القريب يسمونها “بطاله المشرفة” ولكن عندما اقتضت الظروف تقديم التضحيات العملية لم تخرج كلمة “المشرفة” من أفواههم لأنه لم يكن بها أحد يبالي بالمسلمين أو يهتم بهم. وتستمر الجريدة وتقول:

“حالة اللاجئين في مخيم “بطاله” سيئة جداً إذ لا يجدون ملجأ ولا مأوى، ولا يجدون شيئاً للأكل، والجنود الهندوس قد أقاموا هناك قيامة. إنهم ينهبون المجوهرات والأمتعة الأخرى، حتى تعرضت الآن أعراض السيدات للانتهاك.

والمخيم الثاني يقع في سري غوبندبوره. وحالة اللاجئين هناك أيضاً ليست أقل سوءاً من اللاجئين في “بطاله”.

والمخيم الثالث يقع في قادیان. ولا شك في أن القاديانيين قاموا بخدمة المسلمين بأسلوب جدير بالتقدير والإشادة. هناك ألوف من اللاجئين يُطعَمون في بيوت الأحمديين. ولم يقدم المسلمون من قادیان طلباً إلى الحكومة للحصول على المؤونة. والحكومة (المتكونة من ضابط وبضع رجال الشرطة من السيخ) بدورها تنوي أن تُهلك السكان واللاجئين هناك جوعاً بالاستيلاء على الغلال المتواجدة في يد أهل قادیان. فهل يتصور الظلم والاضطهاد أكثر من هذا ضد أي قوم في العالم”. (جريدة زمیندار 16 أكتوبر/تشرين الأول 1947م)

دور مؤسف

أقول لصاحب المقال: نعم! يمكن أن يكون هناك ظلم أكبر من هذا أيضاً. الحقيقة أنه إذا تعرض الإنسان للاضطهاد من الأغيار – مهما كان قاسياً – لاستهانه، ولما تألّم به مثلما يتألم من اضطهاد يُصيبه من قبل الأقارب. والأيدي التي تُرجى منها المساعدة لو ارتفعت على عكس المرجوّ، والألسن التي يتوقع منها أن تنطلق مؤيدة لو بدأت هي بالتجريح والمعارضة، فإن الألم يتضاعف في هذه الحالة أضعافاً كثيرة. وهذا أَلَمٌ مُني به المسلمون من قبلكم، ومن قبل مجلس الأحرار ومن قبل الجماعة الإسلامية (جماعة المودودي).

إن كل ما أصيب به المسلمون على أيدي الهندوس أو السيخ هو أقلُّ وطأةً وقسوةً مما أصيبوا به من جانبكم أنتم. إذا كنتم قد نسيتم هذه الأمور الموجعة فها أنا أقدم إليكم بعض البيانات التي أدلى بها المسلمون غير الأحمديين عن الجماعة الإسلامية (جماعة المودودي). ولكن أريد أن أقرأ على مسامعكم قبل ذلك مقتبساً مما كتبه السيد المودودي نفسه ثم سأعود إلى أقوال الآخرين عنهم. تلك الفترة التي كانت فترة حاسمة لحركة تأسیس باكستان، حين كان المسلمون يكافحون في معركة الموت والحياة، كانت الأحمدية تقدم تضحيات عديمة النظير، ولكن ما هي تلك الأفكار التي كان السيد المودودي يكنُّها عن باكستان التي كانت تتشكل رويداً رويداً نتيجة لهذه الحركة؟ وماذا كانت فتاواه عن باکستان؟ يقول السيد المودودي:

“إذا فرحتُ على أنّ عبد الله (المسلم) قد احتّل منصب الألوهية بدلاً من رام داس (الهندوسي) فهذا ليس من الإسلام في شيء أبداً، وإنما هو وطنيّة بحتة. والوطنية الإسلامية هي الأخرى ملعونة حسب شريعة الله بقدر ما هي الوطنيّة الهندوسية ملعونة”. (المسلمون والعراك السياسي الحالي، الجزء الثالث ص۸۱)

لاحظوا كيف يبحث عن أعذار واهية لجعل المسلمين عبيداً للكونغرس الهندوسي من ناحية، ومن ناحية ثانية يطلب من جميع المسلمين أن يستنفدوا جهدهم في تأیید الوطنيّة الكونغرسية. ولكنّ الوطنيّة الإسلامية تبدو له ملعونة، فيحذر المسلمين ألا يقتربوا منها. ثم يقول:

“لسنا في خصام قومي مع الهندوس، كما أننا لسنا في شجار مع الإنجليز على أساس الوطنية”.

هذه فتوى الذين يفتون بشنّ القتال ضد الأحمديين. ثم يقول:

“كذلك لا علاقة لنا مع تلك الدول (الإسلامية) حيث قد تألَّةَ المسلمون”.

لم تكن للمودودي علاقة مع تلك الدول ما لم يُوجد فيها النفط، أما الآن وقد تدفق النفط فيها فلم يبق في يد هذا الشيخ المسكين حيلة حيال بريق الدراهم. فحالة هذا الشيخ تشبه حالة شيخ آخر كان سيدنا الخليفة الأول للإمام المهدي التي يروي عنه قصة طريفة جاء فيها:

عَقَدَ شیخٌ قِراناً ثانياً لسيدة على قرانها الأول. وكان الخليفة الأول يحترم هذا الشيخ كثيراً إذ كان معروفاً بتقواه، لذلك قال حضرته لمتهمي هذا الشيخ: إنني لا أستطيع أن أقبل أن يكون هذا قد حدث. فقال له الناس: بإمكانك أن تسأل الشيخَ بنفسك. فدعا بالشيخ وقال له: إنني أستحيي من أن أصدّق أنك عقدت قراناً ثانياً لسيدة على قرانها الأول، هذا مستحيل، ولكن الناس يقولون هكذا. فأجابه الشيخ قائلاً: أنت تتّهمني من فراغ، يجب أن تسمع مني أو لا. فقال : قل لي من فضلك. قال الشيخ: إنني أيضاً أقول بأن القِران على القران لا يجوز، ولكن عندما وضعوا على يدي قطعة نقدية كبيرة لم أتمالك نفسي أمامها، فلا حول لي ولا قوة مقابل تلك الثروة الهائلة.

فهذا المثل ينطبق تماماً على جماعة المودودي أيضاً التي لم تكن لها علاقة بتلك الدول الإسلامية إلى الأمس القريب حيث كان هؤلاء المسلمون – على حد قول المودودي – قد ألَّهوا أنفسّهم، أما الآن وقد تدفَّق فيا النفط فأصبح هذا الشيخ عديم الحيلة أمام بريق الدراهم، ولا حول له ولا قوة إزاءه. ممّا يعني أنّ الدين بالنسبة له شيء والثروة شيء آخر. إذا مثلت الثروة أمامه فماذا عسى أن يفعله الشيخ المسكين؟ ويضيف السيد المودودي قائلا: “لسنا بحاجة إلى حماية الأقلية. (كم هي غريبة أفكار أبطال الإسلام هؤلاء!!) ولا نريد الحكومة القومية على أساس الأغلبيّة.. وَلْنخْسَرْ ما نخسر. وإذا طُلب منكم المعطفُ فاستعِدّوا للتخلي عن القميص أيضا حسب قول السيد المسيح”. (المسلمون والعراك السياسي الحالي الجزء الثالث ص 97 – 99)

ويحك! لِمَ لَمْ تتذكر تعليم سيدنا ومولانا محمد رسول الله بأنه مّن قُتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد؟ لِمَ لَمْ يخطر ببالك أنّ أعراض المسلمات وعصمتهن في ذلك الوقت كان في الخطر، وحرمة اسم النبي الأكرم أيضا كانت مهددة بالخطر. القضية عندئذ كانت قضيّة حياة الأمة المسلمة وبقائها. عندها لم تتذكر قولا من أقوال سيدنا وإمامنا ، وإنّما تذكرت قول سيدنا المسيح الناصري فحسب أنّه إذا طُلب منكم المعطفُ فاستعِدّوا للتخلي عن القميص أيضا. ورغم ذلك تقوم اليوم بدعاية كاذبة ضدنا أننا نعارض فكرة الجهاد! ويقول المودودي: “والذين يظنون أنّه لو تحررتْ المناطقُ ذات الأغلبية المسلمة من سيطرة الأغلبية الهندوسية وسادها النظامُ الديمقراطي، لقامت فيها الحكومة الإلهيّة، فظنّهُم هذا باطل. وكل ما سيحصل نتيجة لذلك هو أنّها ستكون هناك حكومة كافرة للمسلمين. وتسميُتها بالحكومة الإلهية إنّما هي إهانة لهذا الاسم الطاهر”. (المسلمون والعراك السياسي الحالي الجزء الثالث ص 117)

الحكومة التي يقولون في تأييدها اليوم إنّ أوامرها إنما هي بمثابة أوامر الله تعالى، كانوا يقولون عنها إلى الأمس إنّ كل ما سيحصل نتيجة لذلك هو: إنها ستكون هناك حكومة كافرة للمسلمين. لقد صدق السيد حميد نظامي حين قال بكل شدة وقوة مُبديًا رأيه عن جماعة المودودي:

“نحن نرى أنّ بُغْضَ السيد المودودي لحركة تأسيس باكستان والقائد الأعظم (محمد علي جناح، مؤسس باكستان) ما زال على حاله. كما نرى أن حركة المودودي ليست حركة دينية أبدًا، بل إنّه قد تقمَّص السياسيةّ مثل الحسن بن الصبَّاح*، وهدفُه الوحيد هو الحصول على السلطة السياسية بدلا من إعلاء كلمة الدين”. (جريدة “نوائي وقت” 15 يوليو/تموز 1955م ص3)

ولم يقتصر الأمر على هذا بل شكلت حكومة باكستان محكمة التحقيق عام 1953م للبحث في الفقن الطائفية ضد الأحمدية للتمييز بين أصدقاء باكستان وأعدائها، وتكونت المحكمة من قاضيين بارعَيِن هما: القاضي “منير” الذي اشتهر في العالم كلّه بذكائه وبراعته ومهارته في الأمور القانونية، والقاضي “كياني”. فأعدّ القاضيان تقريرهما عن الجماعة الإسلامية الأحمدية (جماعة المودودي) فجاء في ص221 من تقريرهما: “كانت الجماعة الإسلامية الأحمدية تعارض علنًا أفكار “مسلم ليغ) (Muslim League) (الحزب السياسي الإسلامي الوحيد الذي كانت يتزعَّمه مؤسس باكستان، محمد علي جناح) باكستان، (التي تعني: بلد الأطهار) والتي   تُسميتها هذه الجماعة المودودية بـــ ناباكستان (أي بلد النجساء) لا زالت هذه الجماعة تعارض نظام الحكومة الحالي ومدراءها. وليس بين كتابات هذه الجماعة ال قُدمت إليْنا ولا عبارة واحدة تؤيد – ولو بإشارة خفيفة – فكرةَ تأسيس باكستان”. يُشاع في هذه الأيام في الجرائد الباكستانية، كما كانت الجماعة الإسلامية من قبل أيضا تقدم بعض كتابتها للمسؤولين الحكوميين قائلة بأن جماعة المودودي لم تكن ضد تأسيس باكستان. فلما قُدِّمت هذه المقتبسات كلها إلى محكمة التحقيق استنبطت المحكمة منها: “وليس بين الكتابات هذه الجماعة التي قُدمت إليْنا ولا عبارة واحدة تؤيد – ولو بإشارة خفيفة – فكرةَ تأسيس باكستان، بل على عكس ذلك فإنَ هذه المقتبسات التي تحتوي على كثير من الافتراضات أيضاً، كلُّها مخالفةً صريحة النمطَ الذي تأسست عليه باكستان والذي ما زالت قائمة عليه”. هذه سيرة الجماعة المودودية التي هي العدوة الأولى للجماعة الإسلامية الأحمدية. أّما “مجلس الأحرار” فيحتّل المرتبة الثانية في قائمة أعداء الأحمدية، وهم الذين قد سُلِّطوا في هذه الأيام على زمام الحكومة في بلدنا تعيس الحظ. تعالوا ننظر كيف ظهرت سيرة طائفة الأحراريين للعيان أثناء فترة تأسيس بلد مسلم – باكستان – حين كان المسلمون في عراك شديد مع الهندوس على المستوى القومي، وكانوا في حالة حرب طاحنة من أجل بقائهم. سأقرأ على مسامعكم بعضا من الدروس التي كان المشائخ الأحراريون يلقِّنونها المسلمين عند ذاك. يقول المولوي حبيب الرحمن، رئيس طائفة الأحراريين:

“أنتم تخافون الهندوسَ أنهم سوف يلتهمونكم. (أي: لا حاجة للخوف منهم ولا حاجة لبلد مستقل)! هل سيلتهمكم مَن لا يستطيع أن يأكل ساقا واحدة للديك؟ بل يجب أن يخافكم الهندوسُ لكونهم أضعفَ منكم. إنّهم متوزعون على ستة أقاليم في حين أنكم منتشرون إلى أقصى حدود البلاد.. لذلك لو أظهر أخونا الهندوسي الجبنَ لكن على الحق”. (رئيس الأحرار ص 205)

ثم يقول أمير الشريعة (على حد قولهم):

“سبحان الله! يقولو إنّ الهندوس سوف يلتهموننا. المسلمون يأكلون الجَملَ كلَّه، ويأكلون الجاموسَ بكامله، فكيف يلتهمهم الهندوس الذين لا يقدرون على أن يأكلوا حتى عصفورًا. (مقتبس من كلمة ألقاها السيد عطاء الله شاه البخاري بمدينة أبيت آباد، باكستان. نقلا عن مجلة “ترجمان الإسلام” لاهور، 22 أيلول 1961 ص12)

هذا هو جهادكم! إنهم يأكلون الجمال والجواميس ولكن عندما تتألّب عليهم أَقوام أخرى وتتكالب عليهم لتلتهمهم، تتلاشى فكرة الجهاد من عندهم نهائيًا. أمّا الذين يبرزون في مثل هذه المواقف الحرجة للدفاع عنهم ولتقدير التضحيات الجسدية والمالية فهم أبناء الأحمدية دون غيرهم. هذا ما حدث في كل زمان، وأُعيدَ الأمرُ نفسه مرارا وتكرارا. لن تروا في ميدان الجهاد شخصًا واحدًا من الجماعة الإسلامية (جماعة المودودي) أو من الأحراريين مهما حاولتم العثور عليه. كم منهم يخدمون في حركة فلسطين؟ وكم منهم اشتركوا في حركة تحرير كشمير؟ وكم منهم اشتركوا في حرب كشمير فيما بعد؟ أَرُوني موطنًا واحدًا حيث تعرض المسلمون لخطر ثم حارب هؤلاء الناس ولو في الصفوف الأخيرة، ناهيك عن الصف الأول!! يرددون اليوم اسمَ دكتور إقبال كثيرًا ويقولون إنّه هو المؤسس الحقيقي لباكستان، وأفكاره تحتل منزلة الإلهام والوحي، ولكن ماذا قالوا عنه بالأمس؟ يقول الأحراريون أنفسهم:

“لا شك أنّ فكرة باكستان هي “إلهام سياسي” وليس بإلهام إلهي. إنه لإلهامٌ من قبل “قصر بكنغهام” قد نزل على د. إقبال إثر رُجوعه من لندن”. (نظرة على حركة باكستان ص 18 – 19 للعلامة الحاج السيد محمد حفظ الرحمن السيوهاروي، الناظم الأعلى لجمعية علماء الهند المركزية)

فالأحراريون على معرفة تامة بجهة يأتي منها الوحي، ويعرفون مُنزَّلَ الوحي لَتوِّهم. إذن فالوحي عن باكستان الذي قلب العلامة د. إقبال من الله تعالى، قالوا بالأمس عن الوحي نفسه إنّه نازل من “قصر بكنغهام”. ثم يتناول المولوي ظفر علي خان في كتابه “جمنستان” ذكرَ المولوي حبيب الرحمن، أحد قادة الأحراريين المعروفين والذي كان حينها رئيسًا لمجلس الأحرار، ويشف اللثام عما قام به هذا الشيخ من خدمات للهندوس ضد المسلمين وما قام به من أعمال بارزة ومحيرة لتحبيب القادة الهندوس إلى المسلمين من جديد. فيذكر أحد إنجازاته ويقول: “فثارت ثائرة المولوي حبيب الرحمن اللدهيانوي رئيس مجلس الأحرار بمدينة “ميرث” لدرجة كان يعضُّ على الأنامل من الغيظ. وكان يقول: يمكن أن يُفدَى عشرة آلاف من أمثال جناح وشوكت وظفر (أبرز زعماء الرابطة الإسلامية) على مقدمة حذاء السيد جواهر لال نهرو (زعيم هندوسي)”. (جمنستان ص 165)

هذا هو حماسهم للجهاد وهذه حميتّهم. ثم عندما قفز السيد حبيب الرحمن في الميدان، شهدت السماء والأرض مشاهد أليمة جديرة بالانتباه. لقد اقتبست العبارةَ التالية في هذا الصدد من كتاب “رئيس الأحرار” ص 74 – 75 جاء فيه: “في عام 1928م انعقد بمدينة “لدهيانه” مؤتمر كشمير لمسلمي الهند كلها وجَعل السيدُ حبيبُ الرحمن اللدهيانوي، بندت موتي لال نهرو رئيسًا للمؤتمر عن طريق الخواجه محمد يوسف”. هذا الأمر حريّ بالانتباه إذ إنّ بندت موتي لال نهرو، الذي كان أباً لبندت جواهر لال نهرو، جُعل رئيساً لمؤتمر كشمير. ثم يقول الكتاب: “فجَرَّ” كبار التجار المسلمين من كشمير بأيديهم عربة بندت موتى لال نهرو. واشترك في المؤتمر مائة ألف مسلم وهندوسي. في هذه الفترة من الزمن كان بندت موتي لال يواجهه معارضة شديدة في بنجاب من قبل الهندوس والسيخ والمسلمين. إلاّ أن الخطة السياسية للسيد حبيب الرحمن غيَّرت مجرى الرياح”. لاحظوا    ما أعظَمَهم من مجاهدي الإسلام أولَئك الذين أنتجهم الأحراريون. ولا يقتصر الأمر على هذا بل لو طالعتم أحداثاً كانت تحدث في البنغال الشرقي في تلك الأيام لاندهشتم بمطالعة ما كان ما كان يقوم به هؤلاء الناس. تقول المجلة “طلوع الإسلام” الصادرة في كراتشي في عددها 26 مارس 1955. “تمّ إعلان برنامج انتخابات عام 1946م التي كانت مزمعة الانعقاد باسم باكستان. وقام كثير من قادة الرابطة الإسلامية (الحزب السياسي الوحيد للمسلمين بالهند) بحملة انتخابية في “كالكوتا” وغيرها من مناطق الهند، وبدؤوا يبِّنون للناس أهمية باكستان. أرسل إليهم الهندوسُ المشائخَ المرتزقة لديهم لكبت جماح قادة الرابطة الإسلامية.. فقام هؤلاء المتجسدون الجدد في روح “جعفر” (تعبير عن الخيانة القومية البغيضة، يستعمل في القارة الهندية) بإصدار الفتاوى في خطباتهم ضد قادة الرابطة الإسلامية وقالوا: إنّ حركة تأسيس باكستان غرسة غرسها الإنجليز. وبذلوا قصارى جهدهم لكي لا تنال الحركة القبول لدى الناس”. والآن أقرا عليكم مقتبسًا من تقرير المحكمة المتكونة من القاضي منير والقاضي كياني عن الأحراريين، وستبيّن لكم من خلاله لباكستان مثل جماعة المودودي ولم يقبلوا فكرة باكستان، لا قبل تأسيسها ولا بعده، بل ظلوا يخدعون الناس بالاستمرار ويغشونهم. واستخدموا اسم الإسلام الطاهر لتحقيق أهدافهم البغيضة. فيقول التقرير المذكور: “يتبيّن من ماضيهم (الأحراريين) أنهم عملوا قبل انقسام الهند بتعاون متبادل مع الكونغرس الهندوسي والأحزاب المتحالفة معه التي كانت متكاتفة ضد جهود القائد الأعظم، محمد علي جناح… وهذه الجماعة لم تقبل إلى الآن وجود باكستان قلبيًا”. ثم يوضح التقرير المذكور أهداف الأحراريين ويقول: إنّ هدفهم هو زرع الخلافات بين المسلمين وزعزعة ثقة الناس عن استقرار باكستان. وغايتهم الوحيدة من هذه المفسدة (مفسدة عام 1953م ضد الأحمدية) هي إشعال نار الخلافات الطائفيّة وتشيتُ وحدة المسلمين متنكِّرين بعباءة الدين ومستغلين اسمَه”. (تقرير محكمة التحقيق، ص150)

ثم يذكر التقريرُ الأحراريين في ص278 بالكلمات التالية: “نحن عاجزون عن استخدام كلمات ليّنة بالنسبة إلى تصرفات الأحراريين. إذ إن موقفهم كان جديرًا بالاستنكار والشجب على وجه الخصوص، لأنهم أهانوا قضية دينيّة باستغلالهم إياها لتحقيق أهدافهم الدنيوية”. ثم يذكر التقرير زعيماً أحرارياً آخر، السيد محمد علي الجالندهري في ص275: “اعترفَ المولوي محمد علي الجالندهري في خطابه يوم 15 شباط 1935م بلاهور أن الأحراريين كانوا معارضين لتأسيس باكستان… واستعمل الخطيب كلمة “بلد نجس” عن باكستان عند ذكره الأحداث الواقعة قبل تقسيم الهند وبعده.. وقال السيد عطاء الله البخاري في خطابه: إن باكستان امرأة سوقية قَبِلها الأحراريون مضطرين”.

حركة نجسة لتدمير باكستان

هذه هي إنجازات مجاهدي الإسلام المزعومين. ولكن حكاية أعمالهم لم تنته بعد، بل دخل الآن جهادهم مرحلة حاسمة. لقد استخدم الأحراريون استراتيجيات مختلفة ضد باكستان في مختلف الأوقات، فتارة اتخذوا الجماعة الإسلامية الأحمدية عذرًا لهم، وتارة أخرى نحتوا أعذارًا واهية أخرى لمحو باكستان على وجه البسيطة، واستنفدوا جهودهم في هذا السبيل. إلاّ أن رحمة الله سبحانه وتعالى أنقذت باكستان كل مرة وباءت جهودهم بالفشل الذريع، وخابت آمالهم دائمًا، وانهزموا هزيمة نكراء كل مرة. أمّا الآن فقد دخلت هذه الحركة مرحلة خطيرة للغاية لأنّ هؤلاء الأشقياء قد عقدوا العزم على تدمير باكستان عن طريق محو كلمة الشهادة. إنهم يعرفون أن روح باكستان هي كلمة الشهادة، وبفضل كلمة الشهادة وباسمها تأسست باكستان، وبمحو كلمة الشهادة سوف تنمحي. إن خطتهم هذه سوف تسفر عن النتيجة نفسها حتمًا، ولكن مكائدهم هذه لتدمير باكستان نجسة وبذيئة ومشينة للغاية. يبدو إنهم قد قرَّروا بحسب خطة مدروسة أنهم لو اضطروا لمحو كلمة مدرسة الشهادة أيضا من أجل تدمير باكستان لقاموا بذلك أيضًا. فقد قاموا بحركة عامة في باكستان لهذا الغرض. ومن سوء حظ باكستان أنّ حاميها صار حراميها. أي الذين كان المرجو منهم أن يدافعوا عن البلد من كل خطر قد يداهمه ويضحوا للدفاع عنه بكل غال ورخيص، قد جُعلوا أداة للهجوم على كلمة الشهادة التي هي روح البلد ونفسُه. يبدو جليًا من الأحداث المائلة للعيان أن ّالوقت قد حان لتحقيق إلهام سيدنا الإمام المهدي ، وبدأت أراء سكان الأرض وأفكارهم تتغيّر. تصلني كثير من الرسائل والمعلومات الأخرى المتعلقة بحركة هادفة إلى محو كلمة الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وتقول هذه الرسائل بأنّ المسؤولين عندما أمروا الشرطةَ لمحو كلمة الشهادة من المساجد وصلت الشرطة إليها ولكن اقشعرت قلوبهم نتيجة ابتهال الأحمديين وتضرعاتهم في حضرة الله سبحانه وتعالى، وبالتالي رفض بعض رجال الشرطة محو كلمة الشهادة رفضًا باتا. ففي إحدى المرات التفت الحاكم المسؤول إلى رجال الشرطة وقال: إنّ الأحمديين لن يسمحوا أحدا بمحو كلمة الشهادة إلا إذا قامت الشرطة بهذه المهمة لابسةً زيِـّها الرسمي، لأنهم عاقدون العزم على تقديم تضحيات أرواحهم في هذا السبيل. أما إذا أخذت الحكومة هذه المهمة على عاتقها عندها لا يتدخل الأحمديون في ذلك لأن الأمر في هذه الحالة يصبح بين الله والحكومة. فقاطع كلامَه ضابطُ الشرطة وقال: هذه أمور سوف تُحسم فيما بعد ولكن أَخبْرْنا أوّلاً: من يقوم بمحو الكلمة؟ فقام الحاكم: أنت طبعا ستقوم بإنجاز هذه المهمة ولذلك أحضرتُك معي. فقال ضابط الشرطة: ها إليك زيّي الرسمي، وها إليك النجم الرسمي، افعَلْ بهما ما شئتَ. أمّا أنا فوالله لن أمحو كلمة الشهادة كما لن يمحوا أحدٌ من رجال الشرطة الذين يرافقونني. وهذا الحادث ليس وحيدًا من نوعه بل حدثت الأحداث المماثلة لها في باكستان من أقصاها إلى أقصاها. وإنّ رجال الشرطة التي تُعتبر أسوأ قوة إدارية في باكستان وتعتبر غاشمة ومستبدة وعديمة الحياة وتُذكر بألقاب سيئة جدا، تتصف بحب عظيم لكلمة الشهادة، وقوة الكلمة العظيمة وحبها قد أحدثت تغييراً طيباً في قلوب رجالها. تصلنا معلومات ليس من موضع واحد أو موضعين فقط بل من أماكن عدة أنّ الشرطة رفضت محو كلمة الشهادة وقالت للسلطات التنفيذية: استأجِروا من شئتم دوننا لمحو الكلمة فإننا لن نفعل ذلك. كذلك تصلنا معلومات عن بعض موظفي السلطات التنفيذية أيضا أنهم يأتون ناكسي رؤوسِهم ويقولون للأحمديين معتذرين: إننا مكرَهون ومقهورون لكوننا موظفين في الدوائر الحكومية، فامحوا الكلمة من أجلنا. فقال الأحمديون: إننا لن نفعل ذلك من أجل أيّة قوة أو حكومة، ولكنكم إذا تريدون فعل ذلك ظلماً وقهرًا فافعلوا. فقال لهم أحد الموظفين إذاً فاحضروا السلّم. فقيل له: لن نُحضر السلّم أيضاً لهذا الغرض. حتى أحضرَه لهم شخصٌ من غير الأحمديين، فارتقاه رجلٌ لمحو الكلمة من على جبين المسجد. فارتفعت أصوات ابتهال الأحمديين وتضرعاتهم من داخل المسجد، وكأنهم جُرَّدوا من كلِّ ما يملكونه، وكأنّما نُفِّذت مجزرة كبيرة; فإذا بالموظف الحكومي يبكي حتى أجهش بالبكاء. وام إن وقعت المطرقة على كلمة الشهادة المكتوبة على جبين المسجد طلب الموظف منه التوقف فوراً وصرخ بأعلى صوته: لن نمحو كلمة الشهادة، فَلْتُعاملنا الحكومةُ كيفما شاءت ولكننا لن نفعل ذلك. مثل هذه الأحداث بصورة مُحيرّة للعقول، وفي كل مرة تذكِّرني بما أوحى الله تعالى إلى سيدنا الإمام المهدي : “يوم تُبدَّل الأرض غير الأرض”. أي سوف يُحدث الله التغيير والانقلاب في آراء أهالي الأرض وأفكارهم. رغم أنّ الناس في معظم الحالات يَكنّون احترامًا كبيرًا لكلمة الشهادة ويعظمونها أيّما تعظيم، وهم ليسوا جاهزين للتعاون مع الحكومة على هذا الصعيد، ولكن مما لا شك فيه أنّ هناك أحداثا شنيعة جدا أيضا تحدث أحيانا وتبعث على الخوف والقلق بألا يُعذِّب الله سبحانه وتعالى أهلَ البلد كلهم نتيجة للتصرفات المشينة لهؤلاء الظالمين. ففي إحدى المرات جَرّ شرطيّ طالبا أحمديا من داخل الحافلة لجريمة تعليق شارة تحتوي على كلمة الشهادة على صدره. ثم أحيل الطالب إلى المخفر وحُكم عليه بالغرامة قدرها 500 روبية باكستانية إلى جانب تعرُّضه للضربات قاسية والشتائم البذيئة. فقال الطالب: أنا لا أملك 500 روبية، وإنّما عندي 300 روبية فحسب فخذوها، أمّا فيما يتعلق بكلمة الشهادة فلن أفصلها عن صدري؛ وإن كنتم تريدون انتزاعها من فوق صدري فافعلوا إن شئتم واستطعتم، ولكن لن تنتزعوها من قلبي؟ فإنها ستبقى هناك على أيّة حال. فقال رجال اشرطة: نعم! سوف نلقّنك درسًا ونريك كيف ننتزعها. فذهبوا به إلى خارج المخفر وانهالوا عليه ضربًا وشتمًا تحت أحد الجسور حتى لم يبق من جسده قيد شعرة لم يتعرض للضربات المبرحة. كما تلقّفوا 300 روبية منه وقالوا: لقد حصلنا على 300 روبية منه وقالوا: لقد حصلنا عليها عن طريق الضرب والشتم. فمثل هؤلاء الأشقياء المستبدين أيضا موجودون هناك. ولكن لا خطر على الأحمدية من هذه الناحية لأنها جماعة تفدي باكستان بنفسها ونفيسها، وأبناء الأحمدية أوفياء لبلادهم حيثما كانوا. إنّما الخطر على هؤلاء الأشقياء الذين يرتكبون الإهانة في حق كلمة الشهادة ويبيعونها بثمن بخسٍ.

حادث مؤلم

هناك حادث آخر مؤسف ومؤلم للغاية أُخبرتُ به، وهو أبغض وأسوأ من سابقه. ذات مرة حين رفضت وأهل القرية أيضا محوَ كلمة الشهادة رفضا باتا أراد الضباط الأشقياء أن يستخدموا شخصًا مسيحيًا لهذا الغرض. فطلبوا منه أن يمحو الكلمة من وجه المسجد فأجابهم المسيحي قائلا: إنني لا أستطيع فعل ذلك إلا أن أستأذن القسيس. فلما سأل القسيسَ أفتى القسيس قائلاً: إننا لا نختلف مع المسلمين في ذات الله إذ نحن أيضا نؤمن بوحدانيته مثلهم، لذا لن تمحو يَدٌ مسيحية جملة “لا إله إلا ّالله”، واذهَبْ وامْحُ اسمَ محمد – والعياذ بالله – فإنّنا لا نؤمن به. ففعل المسيحي حسبما أشار عليه القسيس. فرضيَ هذا الشقي اللعين (الضابط المسلم) أن تمحو يدٌ مسيحية اسم سيدنا ومولانا محمد . ولكنني أنبهّهم أنّ الله تعالى كما يغار لاسمه كذلك يغار لاسم محمد ، لأن سيدنا ومولانا محمدًا كان دائم الاستعداد للتضحية بنفسه، ولكن لم يرض أبدا أن يفنى اسم الله سبحانه وتعالى. أمّا إلهـنا العلي القدير فلا يمكن أن يفنى هو كما لا يرضى أن يفنى اسم محمد . لذا إنني أنبهكم يا أهل باكستان! أنكم إذا كنتم تمتلكون شيئاً من الغيرة والحميّة، أو إذا كان فيكم شيء من الحياة فتعالوا واشتركوا معنا في هذه الحملة المقدسة، وأّقيموا حرمةَ كلمة الشهادة وشرفها، ولا تخافوا دكتاتورًا دنيويا وشرطَته وعساكره. لقد حان الأوان لتفدية النفوس في سبيل الله وتضحيتها. وآنّ الأوان لُنثبت أنّنا سوف نقاتل أمام محمد المصطفى وخلفه، وعن يمينه وعن يساره، ولن نسمح لأحد أن يهاجم حرمة حبيبنا وشرفه. فيا أهل باكستان! إذا كنتم تريدون بقاءكم فاحموا أنفسَكم وروحَكم، أعني كلمةَ الشهادة. وها إني أنبّهكم أنّ هذه الكلمة كما تقدر على البناء والتأسيس كذلك تقدر على المحو والتدمير أيضًا. هذه الكلمة تستطيع أن تبني. إنها تحطّم وتكسّر الأيادي التي ترتفع لمحوها. وهبكم الله فراسة وحكمة وهداكم.

*هو الداعي القاطمي كان من أنصار نزار بن مَعَدّ في خلافة مع أخيه الأكبر المستعلي بالله تاسع الخلفاء الفاطميين. تآمر مع نزار ضد المستعلي وقاد الثورة حتى قُتل المستعلي. ثم فر إلى قلعة ألَموت بعد مقتل نزار وأسس حكم الإسماعيليين النزاريين أو الصبَّاحيين الذين قضى عليهم هولاكو 1256م. توفي في 1124م.

Share via
تابعونا على الفايس بوك