الصيام، مسائله وبركاته

الصيام، مسائله وبركاته

عبد المجيد عامر

قال الله في كتابه الكريم:

يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى للنّاس وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّه بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ  إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة: 148-186)

إن شهر رمضان المبارك هو بمثابة فصل الربيع في عالم الروحانية كما أن هناك فصل الربيع في العالم المادي. وما أسعَدَهم أولئك الذين يشهدون فصل الربيع هذا مرة أخرى في حياتهم، لأن هناك الكثيرين الذين فارقوا الدنيا قبل أن يزورهم هذا الزائر الكريم هذه السنة.

لقد بشّرنا سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ببركات هذا الشهر الكريم قائلا:

أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ.  (النسائي، كتاب الصيام)

عبادة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان

لقد وصفت لنا السيدة عائشة رضي الله عنها كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم وعبادته في رمضان، فقالت: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا ، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ : إنَّ عَيْنِي تَنَامان وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي ) . (البخاري، كتاب الجمعة)

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العَشْر شدَّ مئزره وأحيا ليْلَهُ وأيْقَظَ أهْله. (البخاري، كتاب التراويح)

وهناك رواية أخرى:

عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره. (سنن ابن ماجة، كتاب الصيام) لقد سمّي رمضان في الحديث الشريف بسيد الشهور أيضا لكونه يضم بركات لا حصر لها. ولقد ظل الصلحاء والأبرار في الأمة يتمتعون بها منذ فجر الإسلام. يُرزق الصائمون المخلصون أثناء هذا الشهر الكريم بحلل عجيبة من الروحانية، إذ تُستجاب دعواتهم، وتُفتح عليهم أبواب الأنوار والمعارف، ويتمتعون بنعمة الإلهام والكشوف والرؤى، وفوق كل ذلك فإنهم ينالون لقاء الله سبحانه وتعالى. يقول سيدنا المصلح الموعود، الخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام، في هذا الصدد:

“فرمضان شهر له أهمية خاصة كبيرة. والذي في قلبه حب صادق للإسلام واهتمام بالإيمان لا بد وأن يشعر بهيجان خاص في قلبه، ورعدة سارية في جسمه.. كلما حلَّ شهر رمضان. مهما طالت القرون بيننا وبين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. ومهما باعدت السنون والأيام بيننا وبين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. إلا أنه كلما حلَّ علينا رمضان شعرنا أن هذا الشهر طوى كل هذه الشُقَّة من الشهور والسنين والقرون، وقرَبنا من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. لم يقرّبنا إليه فحسب، بل بما أن القرآن نزل من الله فيخيّل إلينا أن رمضان قد طوى هذه المسافة وأوصلنا إلى الله. هذه المسافة التي تكون بين الإنسان وبين الله، والبُعد الذي يكون بين المخلوق والخالق، والشُقة التي بين عبد ضعيف حقير وبين خالق السماوات والأرض.. قد انكمشت وانمحت وزالت زوال ظلمة الليل بأشعة الشمس. وإلى هذه الحالة يشير الله تعالى في قوله: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب . عند حلول رمضان يسألك عبادي: كيف يمكن لنا الوصول إلى الله؟ فقل لهم: إن مجيء رمضان هو بمثابة مجيء الله تعالى. إن هذا هو الشهر الذي تجلّى الله فيه لعباده، وأراد فيه أن يجتذبهم إليه بكلامه الذي هو بمثابة حبل الله.. الذي أحد طرفيه عند الله وطرفه الآخر في يد العباد، ومن واجبهم أن يتسلقوا بهذا الحبل ليصلوا به إلى الله”. (التفسير الكبير الترجمة العربية ج2 ص 390 – 391)

 يقول سيدنا أحمد عليه السلام:

” إن من عادتي أنني لا أترك الصوم إلا إذا كانت حالتي الصحية سيئة لدرجة لا تطاق، وإن طبعي لا يقبل ترك الصوم إطلاقا. إنها لأيام مباركة، وهي أيام نزول أفضال الله ورحمته”. (جريدة “الحَكَم” 24 يناير 1901م ص 5)

بركات الصيام ومنافعه

لقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يروي عن ربّه:

كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعمِئَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فيه (أي رائحة فمه) أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ.. (مسلم، كتاب الصيام)

وورد أيضا:

عن أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُعْطِيَتْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ فِي رَمَضَانَ لَمْ تُعْطَهَا أُمَّةٌ قَبْلَهُمْ : خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُفْطِرُوا ، وَيُزَيِّنُ اللَّهُ كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ ثُمَّ يَقُولُ : يُوشِكُ عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمُ الْمَئُونَةَ وَالْأَذَى ، وَيَصِيرُوا إِلَيْكِ ، وَيُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينُ ، فَلَا يَخْلُصُونَ إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهُ فِي غَيْرِهِ ، وَيُغْفَرُ لَهُمْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إِذَا قَضَى عَمَلَهُ .   (مسند أحمد بن حنبل، باقي مسند المكثرين)

وفي رواية أخرى: لَقِيَ النَّضْرُ بْنُ شَيْبَانَ أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فَقَالَ لَهُ : حَدِّثْنِي بِأَفْضَلِ شَيْءٍ سَمِعْتَهُ يُذْكَرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ .فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ  عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَفَضَّلَهُ عَلَى الشُّهُورِ وَقَالَ : مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.  (سنن النسائي، كتاب الصيام)

ومن بركات رمضان أيضا أنه يعتق القائم به من النار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا . (مسلم، كتاب الصيام)

وليس المراد من الصوم أن يبقى الإنسان جائعاً أو عطشان فقط بل إنما المراد أن يقوم به مراعياُ كل مقتضياته التي، منها “إيماناً واحتساباً” كما ورد في الحديث الشريف.

لذا فيجب على الصائم أن يتقي المعاصي والذنوب بإمساك لسانه وحفظ نفسه عما نهى الله عنه حتى ينال حظّاً وافراً من بركات الصوم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ . (البخاري ، كتاب الصوم)

وإلا فلن يجني من الصوم إلا العطش والجوع فقط لقوله صلى الله عليه وسلم:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال، قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ربَّ صائمٍ ليسَ لَه من صيامِه إلَّا الجوعُ وربَّ قائمٍ ليسَ لَه من قيامِه إلَّا السَّهرُ.(سنن ابن ماجه، متاب الصيام)

وورد في حديث آخر:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. (البخاري، كتاب الصوم)

 يقول سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام:

” ليس الصوم أن يبقى الإنسان جائعاً وعطشان فقط، بل له حقيقته وتأثيره اللذان يطّلع عليهما الإنسانُ من خلال التجربة. ومن طبيعة الإنسان أنه كلّما أكل قليلا كلّما حصلت له تزكية النفس، وازدادت قواه الكشفية”. (الملفوظات ج9 ص 123)  يقول سيدنا المصلح الموعود رضي الله عنه، الخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام، في هذا الصدد: ” من أكبر منافع الصوم أنه يدرب الإنسان على تحمل المشقة والشدة في سبيل الخير…. إن جسم الإنسان وعقله لا يبقيان فارغين بدون عمل، بل إن الإنسان يعمل عملا ما في كل حين. ولكن بعض أعماله لغو وضار، وبعضها مفيد وخير. ولكن رمضان يدربه على ما يعوّده على تحمل المشاق والشدائد في أعمال الخير…. وكذلك يتقي الصائم من الذنوب بإمساك لسانه كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ” من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يَدَعَ طعامه وشرابه.” (البخاري، كتاب الصوم).. أي لا يعني الصوم أن يمتنع الإنسان عن الطعام والشراب طول نهاره، بل عليه أن يحمي فمه من كل ما يضر روحانيته، فلا يكذب ولا يسب ولا يغتاب ولا يختصم. الأمر بحفظ اللسان عام، ويجب العمل به دوما، ولكن الصائم يحفظ لسانه بصفة خاصة، وإلا فسد صومه. وإذا تعوّد الإنسان على حفظ اللسان لشهر كامل تمكّن من حفظ نفسه سائر الشهور أيضا. وقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  يذكر منفعةً أخرى للصيام.. وهي أنه يثبت قدم الإنسان على التقوى، ويتيح له نوال المدارج الروحانية العليا حتى ورد في الحديث أن الله تعالى يقول: “الصوم لي وأنا أُجزَى به” أي أن لكل حسنة أجرا خاصاً، أما الصوم فأنا الجزاء للصائم. وإذا فاز الإنسان بالله فماذا يريد بعد ذلك”. (التفسير الكبير الترجمة العربية ج2 ص 372 – 373)

وقال في موضع آخر:

” زمن منافع الصيام أيضا أن المؤمن يتدرب في هذا الشهر على التخلي عن حقوقه المشروعة. إنه يتدرب أحد عشر شهرا على ترك الحرام فقط، وإنما يتدرب على ترك الحلال أيضاً. وكأننا في غير أيام الصيام نقدم نموذجا لترك الحرام لوجه الله، ولكن في الصيام نقدم نموذجا لترك الحلال لوجه الله”. (التفسير الكبير، الترجمة العربية ج 2 ص 376)

يقول سيدنا الخليفة الرابع – نصره الله – للإمام المهدي عليه السلام:

“الذين لا يصومون هذا الشهر لا يدرون كم من حسنات يُحرمون منها. إنهم لم يتجشّموا الجوع لبضعة أيام، ولم يتحملوا القيود لبضعة أيام فقط ولكنهم حُرموا من نِعَمٍ كبيرة وكثيرة، وقٌيِّدوا في سلاسل الدنيا أكثر من ذي قبل، لأن الذي لا يتحمل قيودا يفرضها رمضان فتتغلب الدنيا على أمره. والحق أنه يتسبب في قيد نفسه بنفسه في حبال المادية، ويصير هؤلاء الناس عبيدا للحياة الدنيا يوما فيوما، ثم لا يقدرون على فكّ هذه السلاسل ولو أرادوا ذلك. لذا من الضرورة بمكان أن يستعدّ الإنسان لتحمل قيود رمضان لبضعة أيام بكل بشاشة وسرور… وسوف تشاهدون بعد تحمل هذه القيود أن لها فوائد لا تنتهي. المشاق التي تتحمّلونها لبضعة أيام سوف تخلف فوائد جمة فتأكلون ثمار هذه الأيام القلائل طوال السنة”. (خطبة الجمعة بتاريخ 15 أبريل عام 1988م)

هذا، ولهذا الشهر الكريم علاقة خاصة مع تلاوة القرآن الكريم والإنفاق في سبيل الله تعالى بالجود والسخاء، الأمر الذي يتجلى من الحديث الشريف التالي:

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ .(البخاري، كتاب بدء الوحي)

فشهر رمضان يذكّر المسلمين بكلام الله تعالى ومن أجل ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من تلاوة القرآن الكريم في رمضان، ولذلك نهتم – نحن الجماعة الإسلامية الأحمدية – بإلقاء دروس القرآن الكريم فيه. فعلى الأخوة أن يكثروا في هذا الشهر الكريم من تلاوة القرآن الكريم والتدبر في معانيه وتطبيق أوامره ونواهيه في حياتهم اليومية.

لا صوم على المريض والمسافر

يقول الله تعالى في كلامه المجيد:

فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ..   (البقرة:185)

وهناك حديث نبوي شريف:

عَن جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَدِمِتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا تَنْتَظِرُ الْغَدَاءَ يَا أَبَا أُمَيَّةَ ؟ قُلْتُ : إِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ : تَعَالَ أُخْبِرْكَ عَنِ الْمُسَافِرِ ، إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْهُ الصِّيَامَ وَنِصْفَ الصَّلَاةِ.   (سنن النسائي، كتاب الصيام)

وورد في حديث آخر:

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ ، فَقَالُوا : صَائِمٌ ، فَقَالَ : لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ (البخاري، كتاب الصوم)

ويقول حديث آخر: عبد الرحمن بنِ عوفٍ  قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ : الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالمُفْطِرِ فِي الحَضَرِ.(سنن ابن ماجه، كتاب الصيام)

عن جَابر بن عبد الله أَنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرَّ بِرَجُل في ظلِّ شَجَرَة يُرَشٌّ عَلَيْهِ المَاء، قَالَ: مَا بَالُ صَاحبكُم هَذَا؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله صَائِمٌ. قَالَ: إنَّه لَيْسَ من الْبر أَن تَصُومُوا فِي السَّفَر، وَعَلَيْكُم بِرُخْصَة الله الَّتِي رخص لكم فاقْبلوهَا. (سنن النسائي، كتاب الصيام)

يروي مرزا بشير أحمد رضي الله عنه، نجل سيدنا الإمام المهدي عليه السلام رواية تبين لنا موقفه من الصوم في السفر فيقول: ” لقد أخبرني الأخ عبد الله السنوري رضي الله عنه أنْ جاء إلى سيدنا المسيح الموعود عليه السلام في شهر رمضان ضيفٌ وكان صائما، وكان الجزء الأكبر من النهار قد مضى، ربما كان الوقت بعد صلاة العصر، فقال عليه السلام له: “يجب أن تُفطر”. قال الضيف: لم يبق من النهار إلا قدر يسير، فما الفائدة من الإفطار الآن؟ ” فقال عليه السلام: ” إنك تريد أن ترضي الله بالقوة، والله تعالى لا يرضى بالقوة بل يرضى بالامتثال لأمره. فما دام الله تعالى قد أمر المسافر بعدم الصوم فينبغي ألا يصوم. فأفطَرَ الضيف صومه”. (سيرة المهدي، ج1 رواية رقم 177)

وفي موضع آخر يقول عليه السلام: ” والذي يصوم رمضان في حالة السفر والمرض إنه يعصي صريحَ أمر الله. لقد قال الله تعالى صراحة بأن لا يصوم المسافر والمريض، بل يصومان بعد الصحة ونهاية السفر. فيجب العمل بحسب أمر الله، لأن النجاة تتوقف على فضل الله تعالى، ولا يمكن لأحد أن ينال النجاة بفضل أعماله. ولم يحدد اللهُ السفر قصيراً كان أم طويلا، ولم يحدد المرض أيضا قليلا كان أم كثيرا، بل الأمر عام ويجب العمل به. فلو صام المسافرون والمرضى لأُطلقت عليهم فتوى ارتكاب العصيان”. (جريدة “البدر” 17 أكتوبر عام 1907م)

يقول سيدنا المصلح الموعود ، الخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام، في هذا الصدد: ” لقد لاحظت بالتجربة أن هناك إفراطا وتفريطا عند المسلمين بصدد الصيام. فهناك بعض المثقفين الذين لا يؤمنون ببركات رمضان، ويتركون الصوم بدون مرض أو عذر شرعي. وعلى النقيض هناك من المسلمين من يحصرون الإسلام في الصيام، ويتوقعون من كل شخص، وإن كان مريضاً أو ضعيفاً أو شيخاً هرما فانيا أو طفلاً صغيراً أو سيدة حاملا أو مرضعا، أن يصوم في كل حال، وإن زاده الصوم مرضا أضر بصحته.

…. كذلك اشترط الإسلام لصيام رمضان ألا يكون الإنسان مريضا.. سواء كان مريضا بالفعل أو يهدده المرض إذا صام، كما في حالة الحامل أو المرضع، أو الشيخ الفاني الذي تدهورت قواه، أو الطفل الصغير الذي هو في طور النمو. فعلى كل هؤلاء ألا يصوموا. إن صوم المسافر أو المريض لغوٌ كصوم الحائض. من ذا الذي لا يعرف أن الحائض إذا صامت فليس له فيه أية حسنة، بل هو جهل وغباء”. (التفسير الكبير، الترجمة العربية ج2 ص 280)

فدية الصوم

إن الذين يقدرون على الصيام عموماً ولكنهم لا يستطيعون أن يصوموا في أيام رمضان بسبب مرض أو سفر، عليهم أن يؤدوا الفدية ويصوموا فيما بعد بدل الأيام الفائتة من رمضان. أما الذين لا يقدرون على الصوم إطلاقا فيكفيهم أداء الفدية دون أن يصوموا ما فاتهم.

يقول سيدنا أحمد عليه السلام: “في إحدى المرات خطر ببالي سؤال عن حكمة الأمر الإلهي بأداء الفدية، فعلمتُ أن سبب هذه الفدية هو أن يوفّق صاحبها للقيام بالصيام، لأن الله تعالى هو الموفّق لكل شيء، فلنطلب منه وحده كل شيء. إنه القادر تمام القدرة على أن يوفّق المسلول أيضا للصيام إذا أراد ذلك. لذا فالأنسب للذي هو محروم من الصيام أن يدعو الله تعالى قائلا: إلهي، إن شهرك هذا شهرٌ مباركٌ، وأنا لا أزال محروماً من بركاته، ولا أدري هل سأكون حيّاً في العام القادم أم لا، أو هل سأقدر على أن أصوم الأيام الفائتة أم  لا، وهكذا يسأل الله عزوجل التوفيقَ. وإنني على يقين أن الله تعالى سوف يوفّقُ شخصاً كهذا”. (الفتاوى الأحمدية ص 175)

ندعو الله تعالى أن يوفقنا جميعاً للقيام برمضان إيمانا واحتسابا، ويمتّعنا ببركاته، ويديمها فينا وفي أجيالنا، ويعيننا على ذكره عز وجل وشكره وحسن عبادته، ويتقبلها قبولا حسناً، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك