عاقبة المكذبين والمفترين

عاقبة المكذبين والمفترين

عبد المجيد عامر

أولا، وقبل كل شيء نقول: لعنة الله على الكاذبين المفترين الذين تخلوا عن الصدق والحياء وتجردوا من خشية الله.

ثانيًا: على المرء اللبيب أن يسأل هؤلاء المفترين: كيف علمتم ذلك؟ هل شهدتم وفاته ؟ كيف تمكنتم من معرفة ذلك؟ هل حضرتم وفاته أو رآه آباؤكم وهو يموت في المرحاض؟ إذا كان الأمر هكذا فما أقبح سيرتكم وما أشنع أعمالكم وما أسوأ تصرفاتكم حيث كنتم تطلون على مراحيض الناس في بيوتهم!! يا للحياء ويا للسخرية!!!

ثالثًا: مما لا شك فيه أن الأمراض التي يصاب بها الناس تترك تأثيرها على كل واحد من عباد الله المقربين والأطهار أو غيرهم على حد سواء، ولا تفرِّق بين تقي وشرير. غير أن الفرق الوحيد الملحوظ بين كيفية وفاة المتقي وغيره هو أن المتقي في لحظاته الأخيرة يوفَّق للتوجه إلى الله تعالى بحيث يلفظ أنفاسه وهو مشغول في ذكر الله تعالى، وحالته في تلك اللحظات توحي بأن حب الله قد استولى عليه وأخذ منه كل مأخذ، بينما يُحرم الشرير الخبيث من هذه النعمة.

وفيما يتعلق بوفاة سيدنا أحمد فمعلوم أنه توفي جراء الضعف الشديد الناتج عن الإسهال. ولكن فيما يتعلق بكيفية وفاته فقد ذكرها ابنه البار مرزا بشير أحمد وحموه السيد مير ناصر نواب وغيرهما من أقاربه . إن بيانهم لكيفية وفاته لدليل كافٍ على صدق طويتهم وطهارة سريرتهم إذ بينوا كل ما شاهدوه بكل صدق وإخلاص في حين كانوا يعرفون أن بيانهم هذا قد يؤدي إلى شماتة الأعداء ويتيح لهم الفرصة للسخرية والاستهزاء. وهذا في حد ذاته يمثِّل دليلا قاطعا على صدقه وصدق هؤلاء الذين أدلوا بشهادتهم.

ونقول لهؤلاء المعارضين: لماذا لا تقرؤون شهادات هؤلاء الأبرار بصورة كاملة في بيان كيفية وفاته ؟ لماذا لا تذكرون للناس أنه كان يعاني من الإسهال، وكان الوقت صباحا حين كان يغشى عليه بين حين وآخر بسبب نوبات الضعف الناتج عن المرض، ولكنه كلما كان يستفيق من نوبة الغشي كان يسأل: هل حانت الصلاة؟ هل بقي الوقت للصلاة حتى أصلي؟ لم يكن حضرته قادرا على الوضوء لشدة الضعف فكان يقوم بالتيمم للصلاة ويبدأ بالصلاة حتى كان يُغشى عليه مرة ثانية، فيستفيق بعد قليل ويعيد السؤال نفسه، فينهمك في ذكر الله تعالى والصلاةِ وهكذا دواليك.

ألا يتذكر هؤلاء المعارضون اللحظات الأخيرة في حياة سيدنا محمد رسول الله حين كان يُغشى عليه بسبب الضعف الناتج عن المرض، حتى قال في إحدى المرات: “صُبُّوا علي مِن سبعِ قِربٍ لم تُحْلَلْ أَوكِيَتُهنّ، لعلِّي أستريح.” (مسند أحمد، باقي مسند الأنصار، رقم الحديث: 24024). وكلما كان يستفيق من الغشي كان يسأل عن وقت الصلاة، ثم يغمى عليه، ثم يستفيق ويسأل عن وقت الصلاة وهلم جرا، حتى أسلم روحه الطاهرة لرفيقه الأعلى وهو في ذكر الله تعالى، هذه هي عاقبة الأطهار الأبرار.

لماذا لا يذكرون مثل هذه الشهادات؟ هل يخفونها عن الناس قصدا؟ هل هكذا تكون عاقبة المفترين والكاذبين؟

رابعًا: أما فيما يتعلق بأمراض البطن (مثل الإسهال) فكيف يتناسى هؤلاء المعترضون حديث المصطفى : المبطون شهيد.

أما فيما يتعلق بوفاة سيدنا أحمد فقد توفي حضرته وفاة طبيعيا وكان مصابا بالإسهال وليس بالكوليرا كما يزعم البعض. والدليل على ذلك أن حضرته توفِّي في شهر آذار/مايو، والكل يعرف أنه لا يصاب أحد بالكوليرا في منطقة البنجاب بالهند في هذا الموسم الجاف، بل يتفشى الكوليرا في شهر يوليو وأغسطس بعد أن تنـزل الأمطار بغزارة في تلك البلاد.

ومن المعلوم أيضا أن حادث وفاته كان قد وقع في مدينة “لاهور”، ونُقل جثمانه الطاهر من هناك إلى قاديان بالقطار. والمعلوم أيضا أنه كانت هناك قوانين صارمة سائدة في الهند آنئذ تمنع نقل جثمان شخص يلقى مصرعه بالمرض الوبائي المعدي كالكوليرا من مكان إلى آخر وخاصة بوسائل النقل العامة حتى لا ينتقل الوباء من منطقة إلى أخرى ومن شخص إلى آخرين.

ومن الثابت تاريخيا أنه عندما توفي حضرته فحصه طبيب حكومي متخصص في هذا المجال وأصدر شهادته الموثقة بأنه لم يكن مصابا بالكوليرا – كما أشاع المشايخ عندها – ولا حرج في نقل جثمانه إلى أي مكان. وبعد هذه الشهادة سمح المسؤولون المشرفون على مؤسسة السكك الحديدية الحكومية بنقل جثمانه الطاهر من لاهور إلى قاديان بالقطار.

هذه هي شهادة الحق التي نخبر بها الجميع متمسكين بأهداب الصدق والتقوى بكل دقة وقوة. ونعود فنقول: لعنة الله على الكاذبين.

خامسًا: على الرغم من أن سيدنا الإمام المهدي لم يُصب بأي مرض وبائي مع ذلك نتطرق  إلى قول بعض المعارضين بأن الأنبياء لا يصابون بأمراض وبائية. إن قولهم هذا باطل. فقد وردت في كتبهم وتفاسيرهم قصص وأساطير غريبة عن مرض سيدنا أيوب جاء فيها:

“فنفخ (إبليس) في منخريه فاشتعل منها جسده، فخرج منها ثآليل مثل أليات الغنم، ووقعت فيه حكّة، فحكَّ بأظفاره حتى سقطت كلها. ثم حكها بالمسوح الخشنة حتى قطعها. ثم حكها بالفخار والحجارة الخشنة فلم يزل كذلك حتى تقطَّعَ جسده وانثنى. فأخرجه أهل القرية، وجعلوه على كناسة، وجعلوا لـه عريشا، وهجره الناس كلهم إلا زوجته، رحمة بنت إفرائيم.” (حاشية الصاوي على الجلالين للعلامة أحمد الصاوي ج3 ص72)

ومن المعلوم أنه كان نبيا صادقا من الله تعالى حيث قال الله تعالى عنه: واذكُرْ عبدنا أيوب إذ نادى ربه…. (ص: 42)

فيتضح من قول الله تعالى أنه ليس من المستحيل أن يصاب نبي من أنبياء الله بمرض وبائي وأن إصابته بمرض كهذا لا يحط من علو مكانة نبوته شيئا.

ومن المعارضين من يقول أن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية مات بمرض الكوليرا، نتيجة المباهلة التي دخلها مع أحد أعدائه المولوي ثناء الله الأمرتساري، وكان من شروط المباهلة أن الكاذب منهما سيموت بمرض وبائي في حياة الصادق، فمات سيدنا أحمد – حسب زعمهم – بمرض الكوليرا في حياة الأمرتساري.

نقول مرة ثانية على هذا الكذب والافتراء: لعنة الله على الكاذبين المفترين الذين يحاولون خداع الناس عمدًا.

الحقيقة أنه في عام 1897م كتب سيدنا أحمد كتابه “أنجام آتهم” توجّه فيه إلى بعض رجال الدين المتعصبين في الهند الذين سموه “المدعي الكـاذب”، وتحـداهم للدخـول في مباهـلة، وكان اسم المولوي “ثناء الله” ضمن القائمة التي ضمّت أسماء هؤلاء المشايخ المتعصبين. كان سيدنا أحمد عندئذ قد بلغ من العمر 62 عاما؛ في حين كان المولوي الأمرتساري شابًّا عمره 29 عامًا.

وتدل الشهادات المسجلة في السجلات التاريخية أن الأمرتساري تجاهَلَ هذا التحدي لمدة 5 سنوات، ولكنه في عام 1902م – ربما تحت ضغط من بعض زملائه – بادر وتحدى سيدَنا أحمد إلى المباهلة. وما أن تلقَّى حضرتُه إعلانَ المولوي الأمرتساري حتى نشره مشفوعًا بقبول ما عرضه المولوي وصرح فيه بقوله: “لقد اطلعت على إعلان المولوي “ثناء الله” الأمرتساري الذي يدعي فيه أن لديه رغبةً مخلصة في أن يدعو كلٌّ منا بأن يموت الكاذبُ منا في حياة الآخر” (إعجاز أحمدي ص 14، الخزائن الروحانية ج19 ص121).

وكان سيدنا أحمد يعرف طبيعـةَ المولوي الأمرتساري الرِعْديدة، فصرح حضرته بأن الأمرتساري قد قدَّم اقتراحًا جيدًا، ونأمل أن يظل متمسكا به (المرجع السابق).

ثم أضاف: “إذا كان المولوي “ثناء الله” مخلصا في تحديه بأن يهلَك الكاذبُ قبل الصادق.. فلسوف يموت “ثناء الله” أولاً” (مجموعة الإعلانات ج3 ص 578 ).

وعندئذ بادر المولوي الأمرتساري إلى التراجع السريع متعللا بقوله:

“أنا لست نبيًّا ولا أدّعي مثلَك النبوة أو الرسالة أو البُنُوّة لله أو تلقِّي الوحي، ومن ثم لا أجرؤ على الدخول في مثل هذه المعركة. إن مؤدَّى اقتراحك هو أني لو مُتُّ قبلك فستعلنه كدليل على صدقك، وإذا مُتَّ أنت قبلي – وهو تخلص جيد – فمن ذا الذي سيذهب إلى قبرك ويحاسبك؟ هذا هو السبب في عرضك هذا الاقتراح السخيف. ومع ذلك فإني أعتذر بأني لا أجرؤ على الدخول في هذه الخصومة، ونقصُ شجاعتي هذا مصدرُ شرف وليس تحقيرًا لي” (إلهامات الميرزا، للمولوي “ثناء الله” الأمرتساري ص 112)

وهكذا تراجَعَ الأمرتساري عن المضي في المباهلة التي أثارها بنفسه؛ ومن ثم فإن المباهلة التي قبِل بها سيدنا أحمد في كتابه “إعجاز أحمدي”.. أصبحت غيرَ ذات موضوع.

وبالرغم من هذا فإن تراجُع الأمرتساري عن تحديه أصبح مصدرَ إحراج لزملائه، وتعرَّضَ لنقدٍ قاسٍ منهم، مما دفعه – بعد خمس سنوات أخرى – ليصدر تحديًا جديدًا يدعو فيه أعضاءَ الجماعة الإسلامية الأحمدية ليتقدموا ومعهم سيدنا أحمد، فقال:

“الذي تحدانا إلى المباهلة في كتابه “أنجام آثم” أَرْغِموه الآن على مواجهتي، لأنه ما لم يصدر حكمٌ فاصل في أمر نبي فإن أتباعه لا يجدون شيئًا يربطهم به.” (جريدة “أهل الحديث” 29/3/1907م، ص10)

وعندما قرأ سيدنا أحمد تحديه الأخير كتب محرِّرُ جريدة الجماعة الإسلامية الأحمدية “بدر” ليعلن:

“ليفرح المولوي “ثناء الله” بأن سيدنا الميرزا صاحب قد قَبِلَ تحديه. فعليه أن يعلن إعلانًا جادًّا بأن حضرة أحمد مزوِّرٌ في ادعائه. ثم يدعو “ثناء الله” أنه إذا كان هو كاذبًا في قوله فلتنـزل لعنة الله على الكاذب” (جريدة “بدر”، يوم 4/4/1907م).

ولكن الأمرتساري – كما بدا منه آنفًا – اعترف بأنه لا يجرؤ على الدخول في مثل هذا الخصام. ومن ثم تحوَّلَ عن موقفه مرة أخرى وأعلن على الملأ:

“إني لم أتَحدَّك للمباهلة بل أعلنت استعدادي للحلف، ولكنك تسميه مباهلة، في حين أن المباهلة تتضمن أن يحلف الفريقان ضد بعضهما. لقد أعلنت استعدادي للحلف ولم أشرع في مباهلة. إن القسم من جانب واحد شيء، والمباهلة شيء آخر.” (جريدة “أهل الحديث” ليوم 19/4/1907م).

إن اقتراح المولوي الأمرتساري يعني أنه لم يُرد من سيدنا أحمد أن يدعو ليستنـزل اللعنة على المولوي الأمرتساري، في حين أنه نفسه مستعد لاستنـزال اللعنة من جانبه وحده على سيدنا أحمد! ومع ذلك فإن الأمرتساري بتراجعه هذا قدّم الدليلَ مرة أخرى أنه يروغ من موقفه الأصلي.. مع أنه طلب من سيدنا أحمد طلبًا صريحًا واضحًا كي تتم المواجهة بينهما.

وعندما لاحظ سيدُنا أحمد أن المولوي الأمرتساري لم يكن مستعدًّا للوقف موقفًا محددًا في الخلاف.. صرّح حضرته يوم 15/4/1907 م بهذا الدعاء: “أرجوك يا ربي متمسكا بأهداب رحمتك أنِ الفصلْ بيني وبين ثناء الله، وأهلكْ في حياة الصادق من كان في نظرك مفسدا وكذابا في الحقيقة.” (الفصل النهائي في الخلاف مع المولوي ثناء الله الأمرتساري، مجموعة الإعلانات ج3 ص579).

أُرسل هذا الإعلان إلى المولوي الأمرتساري مع طلبٍ لنشره في جريدته “أهل الحديث”، واختتم الإعلان بتصريح من سيدنا أحمد يقول فيه:

“وأخيرا أرجو من المولوي “ثناء الله” أن ينشر تصريحي هذا في صحيفته “أهل الحديث”، ويعلق في نهايته بما يشاء، ويترك الحكم لله تعالى.” (المرجع السابق)

فأوضح الأمرتساري موقفه بقوله:

“هذه الوثيقة غير مقبولة لدي، ولا يقبل أي إنسان عاقل الموافقة على مثل هذا التحدي. وإني أرفض هذا العرض الذي نشرتَه.” (جريدة “أهل الحديث” ليوم 26/4/1907م)

ولم يقتصر المولوي الأمرتساري على رفض تحدي سيدنا أحمد له، بل بلغ به خوفه من عواقب دعاء سيدنا أحمد أن اشتكى قائلا:

“لا يمكن أن أدخل طرفًا في هذا التحدي، لأنه لم تؤخذ مني موافقةٌ على هذا الدعاء، ونُشر فحواه دون علمي.” (المرجع السابق)

كان الأمرتساري ولا ريب خائفًا أنه لا بد ميت ميتة لعينة لو تجاسر على دخول المباراة مع سيدنا أحمد.. ومن ثَمَّ سأل:

“كيف يمكن أن يكون موتي آيةً للآخرين في حين أنك تقول بأن المولوي دستغير القصوري والمولوي إسماعيل العليكرهي والدكتور دوئي الأمريكي وغيرهم قد ماتوا بنفس الطريقة؛ فهل آمَنَ بك الآخرون؟ وهكذا لو حدث الموت فما النفع في ذلك؟ (المرجع السابق)

مما لا شك فيه أن الأمراض التي يصاب بها الناس تترك تأثيرها على كل واحد من عباد الله المقربين والأطهار أو غيرهم على حد سواء، ولا تفرِّق بين تقي وشرير. غير أن الفرق الوحيد الملحوظ بين كيفية وفاة المتقي وغيره هو أن المتقي في لحظاته الأخيرة يوفَّق للتوجه إلى الله تعالى بحيث يلفظ أنفاسه وهو مشغول في ذكر الله تعالى….

ثم طلب المولوي الأمرتساريُّ من سيدنا أحمد:

“أَرِني آيةً أشهدها بنفسي. لو أني مُتُّ فماذا أستطيع رؤيتَه”؟ (المرجع السابق)

وبحسب نص هذا الجواب لتحدِّي سيدنا أحمد اقترح المولوي الأمرتساري معيارًا جديدًا تمامًا لتسوية هذا الموضوع فيما بينه وبين سيدنا أحمد حيث قال لمؤسس الأحمدية:

“يقول القرآن الكريم إن الله يمهل المجرمين. فمثلا يقول تعالى: من كان في الضلالة فَلْيَمْدُدْ له الرحمن مَدًّا (مريم: 76)، ويقول: إنما نُملي لهم ليزدادوا إثمًا (آل عمران: 179)، ويقول: ويمدّهم في طغيانهم يعمهون (البقرة: 16)، ويقول: بل متّعنا هؤلاء وآباءَهم حتى طال عليهم العمر (الأنبياء: 45). كل هذه الآيات تعني بوضوح أن الله يمهل ويمنح حياة طويلة للكذابين والخادعـين ومعكِّـري السلام والعصاة الفاسقين، كي تزداد آثامهم في فترة المهلة. فكيف إذن تقترح قاعدة بأن مثل هؤلاء الناس لا ينالون فسحة طويلة من العمر؟” (جريدة “أهل الحديث” ليوم 26/4/1907م)

وحاوَلَ الأمرتساري بعد ذلك أن يؤسس صحة اعتقاده هذا بأن الكاذبين – وليس الصادقين – هم الذين يمنحهم الله تعالى عمرًا أطول، مستشهِدًا بالتاريخ الإسلامي، فاحتج قائلا:

“على الرغم من حقيقة أن النبي كان نبيًّا صادقًا من الله تعالى، وأن مسيلمة كان مدعيًا كاذبًا.. فإن هذا بَقِيَ حيًّا بعد وفاة النبي ، أو بعبارة أخرى: إن مسيلمة الكذاب مات بعد موت الصادق.” (كتاب “مرقّع قادياني”، طبعة أغسطس 1907م)

من هذه المحاورة بين سيدنا أحمد والمولوي الأمرتساري وما ساقه هذا من أعذار للرد على إعلان سيدنا أحمد.. يتبين أن المسألة قد تحولت تمامًا إلى وجهة جديدة. في بادئ الأمر كان المعيار لتحديد الصادق من الطرفين هو موت الكاذب في حياة الصادق. ولكن اعتراضات المولوي الأمرتساري قامت على مبدئه الراسخ في ذهنه بإصرار وعناد بأن الله يمهل الكاذبين ويمنحهم حياة طويلة كي يزدادوا إثمًا. وبذلك أرسى هو من عند نفسه معيارًا جديدًا للفصل في النـزاع وحسم الخلاف، ذلك أن الأشرار يُمهَلون وينالون عمرًا أطول كي يُمعِنوا في عدوانهم وتتضاعف سيئاتهم.

ومن دواعي الندم للمولوي الأمرتساري أن سيدنا أحمد قَبِلَ توضيحه هذا، وصرّح:

“قد اقتَرَحَ معيارًا مختلفًا تمامًا بأن الكاذب يعيش أطولَ من الصادق.. كما حدث في حالة مسيلمة الكذاب والنبي الأكرم .” (إعلان أكتوبر 1907م)

وكما قدّر الله تعالى، سَقَطَ المولوي الأمرتساري في فخٍّ من اختياره. فبحسب شرطه ومعياره: مَنَحَ اللهُ عز وجل المولوي الأمرتساريَّ فسحةً طويلة من العمر.. فعاش أربعين عامًا بعد وفاة سيدنا أحمد؛ ليشهد بعينه آياتِ صدقِ سيدنا أحمد تتواتر، وليشهد أيضا خيبةَ آماله عن إحباط دعوة سيدنا أحمد .

لقد عاش الأمرتساري ليرى قومَه يهجرونه وينبذونه عندما حصل مسلمو الهند من علماء مكة على فتوى بكفره وارتداده جاء فيها:

“المولوي الأمرتساري رجل ضال ابتدع عقائد جديدة.” (فيصلة مكة ص17)

وتصرح هذه الفتوى التي أصدرها علماء مكة ضد المولوي الأمرتساري:

“لا يجوز أن يُسأل عن علم ولا يُتَّبَع. ودليله لا يُقبَل، ولا يجوز أن يؤم الصلاة. لا شك في كفرِه وارتداده.” (المرجع السابق)

لقد عاش الأمرتساري أيضا ليرى نفسه يتردى من الأرستقراطية إلى الفقر والعوز. رجل كان يظن بأنه يملك الملايين فإذا بيته يتعرض للنهب والحرق في المذابح الطائفية عند انقسام الهند وباكستان عام 1947م. (سيرت ثنائي) وفَقَدَ ابنَه الوحيد “عطاء الله” الذي ذُبح بلا رحمة أمام عيني أبيه. ولم تفارقه آثارُ هذه المأساة بقية حياته. (مجلة “الاحتشام” بتاريخ 15/7/1962م).

والواقع أن هذه الوقائع كان لها وقع شديد على عقله حتى إن الشخص الوحيد الذي سجل تاريخ حياته قال عن هذه الأحداث إنها: “تسببت في موته موتًا سريعًا بائسًا.” (سيرت ثنائي)

وفي ذلك عبرة لأولي الأبصار.

Share via
تابعونا على الفايس بوك