لا يمسه إلا المطهرون

لا يمسه إلا المطهرون

مصطفى ثابت

تُثار في الغرب مزاعم كثيرة ضد التحدي القرآني القائل بأنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله. ويُقال أيضا بأنه ليس بالضرورة من وحي الله تعالى، بل إن محمدًا كان طفرة من بين البشر. إذ يقولون إنه حسب قانون الطفرة يُمكن أن يُؤتى فرد من الأفراد موهبة فائقة أو قدرة خارقة، لا يماثله فيها أحد من البشر.

وعلى هذا.. فإن كان القرآن كتابا فريدا لم يستطع أحد أن يأتي بمثله، فلا يدل هذا بالضرورة على أن ذلك الكتاب من وحي الله تعالى، بل يمكن القول بأن محمدا كان رجلا عبقريا.. وإنه كان طفرة من بين البشر.

اقرأ الرد على هذا البهتان وافحص الدلائل على أن القرآن نزل من عند الله، من خلال كتاب: «القرآن معجزة الإسلام» الذي سننشره عبر حلقات في هذه الزاوية.   «التقوى»

الدليل الثالث

على قدسية القرآن

إنه كتاب لا يمسه إلا المطهرون

إن القرآن الكريم كتاب جاء من عند الله تعالى، ولذلك فهو مقدس.. مُطَهَّر وَمُطَهِّر. إنه كتاب جاء به روح القدس. يقول تعالى:

قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ (النحل:103) وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِين * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِين عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (الشعراء:193-195) قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بإِذْنِ اللهِ (البقرة:98)

ولا شك أن الكتاب الذي ينـزل به الروح القدس، من عند الله القدوس، لا بد أن يكون مقدسا ومطهرا. ولذلك يصف الله تعالى الكتاب الذي أنزله على رسوله فيقول:

رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً (البينة: 3) في صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ (عبس: 14-15)

إن القرآن الكريم كتاب فريد.. ولا بد أن يكون فريدا لأنه كتاب من عند الله تعالى.. إنه كتاب تختلف قدرة الناس على فهمه، ليس حسب ما يحملون من درجات علمية أو لغوية أو أدبية، بل حسب درجات إخلاصهم وإيمانهم وتقواهم. ولأنه كتاب مقدس.. مطهَّر ومطهِّر.. لذلك لا يمسه إلا المطهرون. يقول تعالى:

فَلآ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ * في كِتَابٍ مَّكْنُونٍ* لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ* تَنْزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِين (الواقعة:76-81)

وقد اختلف المفسرون في معنى هذه الآية، وزعم البعض أنه لا يجوز للإنسان أن يمس المصحف إلا إذا كان طاهرا أو على وضوء. ولكن الله تعالى لا يقول: لا يمسه إلا المتوضئون أو لا يمسه إلا المتطهرون، وإنما يقول: لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ . والمصحف يمسه العشرات والمئات من الناس الذين يتداولونه، بدءا من العمال الذين يتولون طباعته، ثم العمال الذين يتولون تغليفه، ثم الموزعون والباعة والعاملون في المكتبات وغيرهم. ويوجد المصحف مع بعض الترجمات إلى اللغات الأجنبية في الكثير من المكتبات في العديد من البلاد الغربية، وبطبيعة الحال فإن الكثير من غير المسلمين يمسونه ويتداولونه. فما هو المقصود إذًا بقوله تعالى لاَ يَمَسَّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ؟

إن علماء بني إسرائيل كانوا أكثر الناس علما بشئون التوراة، ولكنهم لم يقبلوا المسيح حينما جاءهم يدعوهم إلى كتاب الله، ولذلك يقول عنهم الله تعالى إنهم مثل الحمار الذي يحمل الكتب والأسفار على ظهره، ولكنه لا يستفيد شيئا من العلوم التي يحملها.

إن المطهَّرين ليسوا هم الذين يتوضأون أو الذين يتطهرون، فإن الذي يُطهر نفسه يكون متطهرا. نعم.. إن طهارة الجسد أمر هام وضروري، وصحيح إن الله يقول إنه يحب التوابين ويحب المتطهرين، ولكن هذا لا يعني أن جميع المتطهرين هم حتما من المطَهَّرين.

إن المتطهرين هم الذين يطهرون أجسادهم، ولكن المطَهَّرين هم الذين يطهر الله قلوبهم.. والله لا يطهر إلا قلوب أولئك الذين بلغوا الدرجات العلا من التقوى والصلاح والإخلاص. يقول تعالى عن السيدة مريم عليها السلام:

وَإِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ الله اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَآءِ الْعَالَمِينَ (آل عمران:43)

ويقول عن أهل البيت:

إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (الأحزاب:34)

ويقول عن الذين آمنوا:

أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ الله قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (الحجرات:4)

ويقول عن المنافقين والذين يسارعون في الكفر:

أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ في الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ في الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة:42)

إن المُطَهَّرين.. هم أولئك الذين يطهرهم الله تعالى، وأولئك هم الذين يستطيعون أن يمسوا حقائق هذا الكتاب المقدس ويفهموا معانيه ويصلوا إلى أعماقه ويسبروا أغواره. يقول تعالى:

وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلآ أُولُوا الأَلْبَابِ (آل عمران:8)

هؤلاء الراسخون في العلم ليسوا بالضرورة هم حملة الدرجات العلمية أو الأدبية أو حتى الدرجات الدينية، وإنما هم المطهرون.. هم المتقون، وهم المخلصون. إن علماء بني إسرائيل كانوا أكثر الناس علما بشئون التوراة، ولكنهم لم يقبلوا المسيح عليه السلام حينما جاءهم يدعوهم إلى كتاب الله، ولذلك يقول عنهم الله تعالى إنهم مثل الحمار الذي يحمل الكتب والأسفار على ظهره، ولكنه لا يستفيد شيئا من العلوم التي يحملها. يقول تعالى:

مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَالله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (الجمعة:6)

وفي المقابل من هذا نجد أن عالما مخلصا صادقا من علماء بني إسرائيل استطاع أن يميز بين الحق والباطل، فآمن بالقرآن واتبع رسول الله ودخل الإسلام، وهو عبد الله بن سلام،  يقول الله تعالى:

قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَني إِسْرَآئِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (الأحقاف:11)

إن كل مهنة لها علماؤها وخبراؤها، وعلماء الكتاب الذي نزل من عند الله ليسوا هم بالضرورة العلماء الذين درسوا الكتب الضخمة وتلقوا العلوم في المدارس والجامعات، وحصلوا على أعلى الإجازات من أكبر المؤسسات الدينية، وإنما هم الصالحون الذين يكرمهم الله بالتقوى، هم الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، فأولئك هم الذين تتنـزل عليهم الملائكة في هذه الدنيا لتقول لهم نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة. يقول تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتـَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحـْزَنُوا وَأَبْشِـرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتي كُنـتُمْ تُوعَـدُونَ  نَحْنُ أَوْلِيَـآؤُكُمْ في الْحَـيَاةِ الدُّنْيـَا وَفي الآخِـرَةِ (فصّلت:31-32)

إن العلم الرباني هو العلم الحقيقي، وهو العلم الذي يؤتيه الله عباده المتقين. يقول سبحانه:

وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ الله وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (البقرة:283)

ولذلك فإن الناس يختلفون في تأثرهم بكتاب الله. يقول تعالى عن المستكبرين:

وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (النحل:26)

أما عن المتقين فيقول عز وجل:

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا (النحل:31)

ولما كان الناس يتفاوتون في تقوى الله، فهم بالتالي يتفاوتون في قدرتهم على فهم كتاب الله. الأنبياء هم سنام المطهرين.. الذين اختارهم الله وجعلهم من المطهَّرين والمطهِّرين، ثم بعد ذلك أتباع الأنبياء.. كلٌّ حسب إخلاصه وتقواه. لهذا كان القرآن كتابا واضحا كل الوضوح لأولياء الله المطهرين الذين هم على قمة التقوى، وهو كتاب مبهم كل الإبهام لأولياء الشيطان الذين في قلوبهم مرض ورجس، وبين هؤلاء وهؤلاء يتفاوت الناس.. فيكون بعض الكتاب واضحا بالنسبة لهم وبعضه مبهما، وذلك بحسب مستوى تقواهم وطهارة قلوبهم. لذلك فقد وصف الله تعالى كتابه العزيز بأنه كتاب محكم.. كل الكتاب محكم.. أي واضح تمام الوضوح. ووصفه أيضا بأنه متشابه.. أي أن معانيه مبهمة تشتبه على القارئ. ثم وصفه بأن فيه آيات محكمات وفيه آيات متشابهات.

إن الكتاب الذي هو من تأليف البشر لا يقول أبدا إنه كتاب مبهم، إلا إذا كان شديد التخصص في علم من العلوم، فهو بطبعه مبهم لغير المتخصصين. أما الكتاب الذي يأتي من عند الله فهو يكون محكما حينا، ويكون متشابها حينا آخر، وفي بعض الأحيان.. يكون بعضه محكما وبعضه متشابها. يقول تعالى عن القرآن المجيد:

كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءَايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (هود:2)

ثم يقول تعالى:

الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا (الزمر:24)

ثم يقول عز وجل:

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله (آل عمران:8)

وهنا أيضا راح بعض المفسرين يحاولون أن يضعوا تعريفا للآيات المحكمة والآيات المتشابهة. ولو كان الأمر كما يظنون.. لوكان هناك بالفعل آيات معينة محكمة وآيات أخرى متشابهة، لكان الأولى والأجدر أن يُعيّنها ويُعرّفها رسول الله ، وهو أعلم خلق الله بهذا الكتاب الجليل. ولكنه لم يفعل.. لأن الإحكام والتشابه أمر يختلف حسب درجة تقوى كل إنسان وبقدر طهارة قلبه. فما يكون محكما بالنسبة للبعض قد يكون متشابها بالنسبة للبعض الآخر.

إن بعض الناس أعماهم الكبر والغرور والصلافة.. حتى إنهم لا يرون الهدى ولا يهتدون أبدا مهما قُدِّم لهم من أدلة وبراهين وآيات. كما يقول سبحانه:

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفي ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (الكهف: 58)

ثم يقول تعالى عن المتقين:

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا (النحل:31)

أما الكافرون فلا يستطيعون أن يروا ذلك الخير الذي يراه المتقون، لأنه يكبر عليهم أن يسبقهم المؤمنون في الإيمان بهذا الخير، فتكون نتيجة ذلك الكبر هي العمَى عن رؤية الخير وعدم الاهتداء به. يقول تعالى:

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ، وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ (الأحقاف: 12)

إن المؤمنين والكافرين على طرفي نقيض فيما يختص بفهم كتاب الله، وبينهما تتفاوت درجات الناس. وكثيرا ما تتفاوت نظرة الناس لأمر من الأمور.. فما يراه البعض حقا قد يراه البعض الآخر باطلا.. وما يراه البعض نافعا قد يراه البعض الآخر ضارا. إن صوت نفير سيارة الشرطة  يثير الذعر في نفوس اللصوص الذين يقومون بمهاجمة وسرقة بنك من البنوك، لأنه يعني الهلاك أو السجن بالنسبة لهم، بينما نفس الصوت يجلب الاطمئنان إلى نفس العاملين في البنك، لأنه يعني النجاة والخلاص بالنسبة لهم.

وهكذا الأمر بالنسبة للكتاب الذي هو من عند الله.. البعض يرى فيه تناقضا واختلافا، والبعض يرى فيه توافقا واتفاقا. مرة سألني واحد من هؤلاء البعض الذين يرون في كتاب الله تناقضا واختلافا.. فقال: إن القرآن يقول:

وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (النساء:83)

فهل هذا يعني أنه لو أن فيه اختلافا قليلا لكان رغم ذلك من عند الله؟ وهل يمكن أن يكون الكتاب الذي فيه اختلاف قليل كتابا نزل من عند الله؟ وإن لم يكن في القرآن اختلاف بالمرة، فلماذا لم ينْفِ الله عنه وجود الاختلاف بتاتا واكتفى بنفي وجود الكثير من الاختلاف؟

والسؤال لا شك له وجاهته ومعقوليته، خاصة عندما يصدر عن أولئك الذين لا يعرفون خصائص القرآن الكريم، وكيف أنه يختلف عن الكتب الأخرى.. تلك التي كتبتها أيدي الإنسان، أو تلك التي لم تنج من عبث أيدي الإنسان، خلال المراحل التاريخية الطويلة التي مرت بها وفقدت فيها أصولها، وتغيرت وتشوهت خلال الترجمات الكثيرة التي تعرضت لها.

إن صوت نفير سيارة الشرطة  يثير الذعر في نفوس اللصوص الذين يقومون بمهاجمة وسرقة بنك من البنوك، لأنه يعني الهلاك أو السجن بالنسبة لهم، بينما نفس الصوت يجلب الاطمئنان إلى نفس العاملين في البنك، لأنه يعني النجاة والخلاص بالنسبة لهم.

إن القرآن المجيد قد أكد على أنه لا ريب فيه، وأنه تنـزيل من الله العزيز الحميد، وأنه محفوظ في كتاب مكنون، وأن الباطل لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه.. أي لا يأتيه من أمامه ولا من ورائه، لا في مقدماته ولا في نهاياته. الراسخون في العلم يقولون آمنا به.. كلٌّ من عند ربنا، ولكن ليس جميع الناس من الراسخين في العلم. ولذلك.. فإن بعض الناس لا بد وأن يروا فيه اختلافا وتناقضا، ليس لأن فيه أي اختلاف أو أي تناقض، وإنما لأنهم هم الذين يريدون أن يروا فيه تناقضا واختلافا، ولكن.. مهما بلغت درجة العناد والكبر عند بعض الناس، فإنهم لن يروا في القرآن الكثير من الاختلاف. وهذا هو ما يؤكده القرآن.

إن بعض الناس قد يرون تناقضا واختلافا في الآيات الثلاث التي تصف القرآن كله بأنه محكم، وتصفه كله بأنه متشابه، وتصف  بعض آياته بأنها محكمة وبعضها بأنها متشابهة. ولذلك يقول تعالى:

فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِم زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلَه وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلِهِ إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الأَلْبَابِ (آل عمران:8)

أي إن الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه عليهم.. ما عجزت عقولهم عن فهمه.. أو ما يريدون أن يلووا معانيه ويؤولوه حسب ما في قلوبهم من زيغ.. ولذلك فهم يرون فيه التناقض والاختلاف. ولكن إذا سألتهم أن يعددوا هذه الاختلافات والتناقضات التي يزعمونها، فلن تجد  الأمر كما يزعمون، وهذا هو ما يؤكد عليه القرآن. نعم.. إن بعض الناس الذين يبتغون الفتنة قد يرون في القرآن بعض الاختلاف، ولكن.. لو كان هذا الكتاب الجليل من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. أما وجود بعض الاختلاف فيه.. فهذا يرجع إلى زيغ القلوب ومرض النفوس، لا إلى وجود أي اختلاف.. قليلا كان أو كثيرا.. في الكتاب العزيز.

هناك مثل معروف في الغرب يقول ما ترجمته: “الجمال موجود في عين الرائي”:

“Beauty is in the eyesof the beholder”

أي إن بعض الناس يرون شيئا جميلا بينما يراه غيرهم قبيحا، ولذلك فإن الجمال حقيقة هو في عين الرائي.. إذا أراد المرء أن يرى شيئا بعين الجمال فإنه يراه جميلا، وإذا أراد أن يرى شيئا بعين القبح فإنه يراه قبيحا. وبنفس هذا الأسلوب.. من ينظر إلى القرآن بعين الزيـغ فإنه يرى فيه اختـلافا، ومن ينظر إليه بعين الراسخـين في العـلم فـإنه يـراه محكما.

Share via
تابعونا على الفايس بوك