حبذا لو صار كل فرد من أفراد الأمة مثل نورِ الدين

حبذا لو صار كل فرد من أفراد الأمة مثل نورِ الدين

عبد المجيد عامر

  • الأسرة المسلمة في غياب التقوى بمهب الريح
  • قصة الشاب التقي وحضرة نور الدين

__

ولا يُنال هذا المقام إلا إذا فاض قلب كل واحدٍ باليقين.

لا شك أن التـفـكـك الأسري الذي يشهده العالم الإسلامي من الخليج إلى المحيط أمر شديد الخطورة دقت من جراء صداه الفتاك نواقيس الخطر خصوصا بعدما ارتفعت نسبة الطلاق واكتظت المحاكم بالمرافعات والاستئـنافـات. وللأسف الشديد فإن مؤسسة الزواج المقدسة أصبحت موضع سخرية العام والخاص.

ولطالما تسمع في هذه الندوة وتلك ترديد الحديث النبوي الشريف: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي..” ولكن أين هذا الخير؟ وأين ذلك الأهل؟ ولا يحتاج الأمر إلى إجابة مفصلة أو تحليل مضن. فالابتعاد عن سنة النبي واللامبالاة بأسسها ألقى بالأمة إلى هاوية الضياع. فالعنصر الأساسي لتمتين الروابط الأسرية -كما لا يخفى على أحد- هو تقوى الله. وما أعظم ذلك الموقف العظيم الذى اتخذه خير خلق الله سيدنا محمد المصطفى حين أشار إلى صدره قائلا: “التقوى ههنا” ليثبت للإنسانية قاطبة أن كل صغيرة وكبيرة تصدر منه هي نتاج تقوى الله عز وجل. ولا شك أن زواجه من إحدى عشرة امرأة ومعاشرتهن معاشرة حسنة ومراعات حقوقهن والسهر على راحتهن لأكبر دليل على هذا الإعلان المنقطع النظير.

ومما لا شك فيه أن التفكك الأسري والمشاكل العائلية سببها الرئيس غياب التقوى في معاملة الأسرة وتسرب نيات فاسدة طابعها الأنانية والكسب المادي. ففي كثير من الحالات لا يُختار رفيق الحياة بناء على ما يتمتع به من تقوى بل بناء على ما يتمتع به من مكاسب مادية. فعلى سبيل المثال لا الحصر يتزوج كثير من الشبان الفتيات لأن لديهن جنسية دولة غربية تخول له العيش في بلد أحلامه. ويضربون بالتقوى عرض الحائط وبعد أن يحصلوا على مأربهم يسرحونهن سراحا قبيحا. فيتبادلون التهم الشنيعة ويتنابزون بالألقاب. وفي واقع الأمر الحقيقة التي أصَّروا على أن يتناسوها هي مدونة في حديث المصطفى : “تنكح المرأة لأربع لحسبها ولمالها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك”

وأتطرق الآن عزيزي القارئ إلى سرد أحداث واقعة دُوِّنت تفاصيلها في كتاب “حياة نور” عن سيرة الخليفة الأول لحضرة الإمام المهدي ، حضرة الحكيم المولوى  نور الدين البهيروى  .

ذكر الراوي السيد عبد العزيز مغل أن سيدنا نور الدين – قبل انضمامه إلى الأحمدية – نزل ضيفا على شخص غني  في لاهور. وفي ذلك الزمن كانت فتيات العائلات المحترمة يذهبن للتنـزه على شاطئ البحر قبيل غروب الشمس – كما يحدث الآن – وحدث أن ذهبن مرة للتنـزه مساء كالعادة فإذا العاصفة الشديدة تهب، والمطر الغزير يهطل، ففرّق كل ذلك بينهن. كانت بنت الغني الذي كان سيدنا نور الدين نازلا عنده واحدة منهن. ظلت هذه الفتاة، بنت الغني، شاردة في ذلك الجو الماطر العاصف، حتى وصلت بعد فوات أوان صلاة العشاء ومغادرة المصلين «شاهي مسجد» الذى كان في تلك الأيام مكانا للصلاة ودراسة العلم، وبه ملحق غرف سكنية للطلاب. وكان عامة الطلاب قد سافروا إلى أهلهم لقضاء العطلة الصيفية معهم، عدا طالب يتيم فقير اضطر للإقامة في حجرته حيث لم يكن لديه مكان آخر للسكن. وحين جاءت هذه الفتاة للمكان كان هذا الطالب جالسا على بساط منهمكا في القراءة على ضوء مصباح زيتي، فقالت له: إنني بنت شخص ثري…، وقد ضللت طريقي إلى البيت بسبب العاصفة، فلو أوصلتني إلى بيتي لأكونن لك من الشاكرين. قال الطالب: إني يا سيدتي طالب غريب في هذه المدينة، ولا وقت عندي للتجول فيها لانهماكي في الدراسة، وأنا لا أعرف والدك ولا بيتك، لذا – مع الأسف الشديد – لا أستطيع أن أساعدك بشيء في هذا الصدد. فاستولت على الفتاة حالة من الخوف والقلق الشديدين، وجعلت تفكر أن الليلة حالكة الظلام، والمطر لا يكاد يتوقف، فماذا تفعل وأين تذهب؟ وعندما شاهد الطالب الفتاة مذعورة هكذا قال لها: لا تخافي يا سيدتي، فلم يبق من الليل إلا بضع ساعات، وبإمكانك أن تنامي على سريري بهدوء، وعندما يأتي الناس لصلاة الفجر يمكنك أن تذهبي  إلى بيتك مع شخص يعرف والدك. فاضطرت الفتاة للانصياع إذ لم تعلم ماذا تفعل وكيف تتصرف، ووجدت نفسها أمام الأمر الواقع ولم يكن لها حل بديل فاستلقت على سرير الطالب الفقير.

الفـراش كان وسخا، ووجودها في عزلة مع شاب غريب، وغيابها من البيت للمرة الأولى في حياتها، وتصورها عن قلق والديها عليها!! كل هذه الأمور كانت كافية للأرق والحيرة، فظلت ساهرة تتقلب على  أحر من الجمر تعد الدقائق بل الثواني واللحظات.

وماذا فعل الطالب؟ حالما وقعت نظرته على تلك الفتاة الجميلة حدثت زوبعة في قواه الشهوانية، ولكنه كان إنسانا تقيا، فتساءل في نفسه: ماذا عسى أن يكون جوابي عند الله لو اخترتُ طريق السيئة؟ وكيف أصبر على نار جهنم؟ هل أجد في نفسي قوة على تحملها؟ كان الطالب غارقا في مثل هذه الأفكار، يقلب الأمر على جوانبه، حين خطرت بباله فكرة أن يضع إصبعه على شعلة المصباح لحظة واحدة،  ويرى هل يستطيع أن يتحملها؟! فوضع إصبعه على الشعلة. ولكن أنّى له أن يتحمل حرارتها! فلم تمض إلا ثانية واحدة حتى سحب الإصبع، وقال في نفسه: إذا كان تحمل هذه الشعلة للحظة واحدة مستحيلا عليَّ، فكيف أصبر على نار جهنم التي هي أشد منها حرارة بسبعين مرة أو أكثر؟ فكر في هذا ثم عاد إلى القراءة. ولم تمض إلا بضع ثوان حتى وسوس له الشيطان مرة أخرى باقتراف الذنب..

ملائكة الله أيضا كانوا يعرفون خلوص فطرته الطيبة فحالوا دون ارتكابه الذنب، وأوحوا إليه بأنك إن لم تتعظ بالتجربة الأولى فضع إصبعك على اللظى مرة ثانية، فلو تحملتها يمكنك إذن أن تسمح لهذه الفكرة أن تساورك، وإلا فاتق الله!! فوضع المسكين إصبعه على اللظى ثانيةً، ولكن لم يصبر على حرها بل سحب الإصبع على الفور، وعاد إلى القراءة من جديد.

باختصار، ظلت المعركة بين الحسنة والسيئة أو بالأحرى بين قوات الخير والشر حامية الوطيس طوال الليل، حتى أحرق الشاب المسكين أصابعه العشرة محاولا منع نفسه من ارتكاب المعصية، وحين أذن المؤذن لصلاة الفجر جاء المصلون، وصحب أحدهم الفتاة لبيتها، وقصت القصة بنصها وفصها لوالديها.

علم والد الفتاة بما قام به الطالب ليلا وذكره لضيفه الجليل، حضرة نور الدين ، فقال حضرته: يجب أن يُدعى الفتى ويُستفسر منه لماذا أحرق أصابعه العشرة هكذا؟ وعندما سئل الفتى قص القصة بعجرها وبجرها، فقال حضرته لوالد الفتاة: هذا الشاب يستحق أن تزوجه ابنتك. قال الشخص الغني، والد الفتاة: إنك تعرف يا سيدي أن ابنتي قد نشأت في عزٍّ ورفاهية، والشاب فقير وينحدر من عائلة فقيرة جدا، فأنّى لهما أن يتذوقا طعم العيش الهنيء الهادئ في هذه الحالة؟ ثم ماذا سيقول لي أقاربي؟ وماذا عسى أن تشعر به ابنتي حين تزفّ إلى بيت هذا الشاب الفقير؟ فهل أدعها عرضة للفقر المدقع طوال حياتها؟ قال حضرته : يا صديقي العزيز! إن حل هذه المشكلة في غاية السهولة، فالله تعالى قد جعلك ثريا، صاحب عقارات وأملاك، وأعطاك من الثروة حظا وفيرا، فيمكنك أن تعطيه عشرة آلاف روبية كمساعدة فيكون هو أيضا غنيا، ولكنك لن تجد شابًا غنيًا يكون صالحا أيضا مثله. وكان هذا الغني أيضا رجلا متدينا وصالحا، فبحسب اقتراح سيدنا نور الدين زوّج ابنته من هذا الشاب وأقامه أيضا عنده. وهكذا عاش الزوجان عيش الهناء والسرور.

لا شك أن الله تعالى سوف يجازي هذا الشاب في الآخرة، هذا ما نؤمن به طبعا، غير أنه سبحانه وتعالى لم يتركه بدون الأجر في هذه الدنيا أيضا.

إن الغرض من ذكر أحداث هذه الواقعة الفريدة من نوعها كما لا يخفى على أحد كي يتعظ بها أولئك الذين يتطلعون إلى الثروة والمال عند تزويج أولادهم، ولا يهتمون ولا يبالون بالدين. ويقولون بأفواههم بأننا نبحث عن شباب صالح ومتدين لبناتنا.. ولكن ينأون بجانبهم معتذرين بحيلة أو بأخرى لو وجدوا شابا فقيرا وإن كان صالحا. ولكن سيدنا نور الدين طبق نص حديث رسول الله «تزوجوا الفقراء يغنيكم الله. وإن دل هذا الأمر على شيء فإنما يدل على الفراسة الإيمانية رفيعة الشأن التي تمتع بها حضرتـه  حيث إنه لم يبالِ بالفروق المادية والاجتماعية المختلفة بين الطرفين ولكنه راع أهم أساس في عش الزوجية ألا وهو تقوى الله. ولقد حاز حضرته بجدارة ثناء ليس مثله ثناء حيث قال في حقه حضرة الإمام المهدي بالفارسية ما تعريبه:

حبذا لو صـار كل فرد من أفراد الأمة مـثل نورِ الدين ولا يُنال هذا المقـام إلا إذا فـاض قلب كل واحـدٍ باليقـين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك