الإسلام دار السلم

الإسلام دار السلم

التحرير

  • سيرة النبي بين الكُتّاب والفقهاء
  • مطاعن خصوم الإسلام
  • عدم الإنصاف لدى معظم المستشرقين
  • السيرة الحقيقية لخاتم النبيين
  • الإسلام دين السلام

__

كثيرة هي تلك الأقلام التي تناولت سيرة الرسول الأعظم محمد المصطفى في الشرق والغرب، وما زالت تلك الكتابات تتصدر بين الفينة والأخرى دُور النشر والصحف والمجلات، كما اهتمت مراكز الدراسات الدينية والتاريخية والكليات والمعاهد بجوانب السيرة النبوية العطرة وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ما تزخر به شخصية رسول الله من مقومات أخلاقية وإنسانية تركت أثرا لا يمحى حيث امتدت رسالته وانتشرت إلى أبعد حدود..، وأيا كان التقييم أو المنظار الذي ينظر البعض به إلى الرسالة المحمدية وكيفية انتشارها فإننا لا زلنا نسمع ونقرأ بين الفينة والأخرى من يضفي صبغة الإكراه الديني بحد السيف على السيرة ومن يستغل كتابات بعض من ظل به فكره من مفكري الأمة ليثبت نظرية السيف كشاهد عليها.. وهكذا شرعت الأقلام المعادية تخط بحبرها الزائف الملوث بالكراهية والبغضاء عملية تشويه الحقائق وتزييف التاريخ..

وأكد حقيقة أن الإسلام لم يكن يوما ما مدينا لسيوف أنصاره وأسنة رماحهم في نشر مبادئه وتعاليمه. وذهب عليه السلام في تنـزيه السيرة وتطهيرها من الشوائب المتراكمة عليها

ولعل النقاط التي يركز عليها خصوم الإسلام في السيرة هي مقولة أن المسلمين ما إن أصبحت لهم المدينة مثابة ومركزا حتى امتشقوا سيوفهم وامتطوا جيادهم ولبسوا دروعهم لإكراه المخالفين قهرا وجبرا على قبول الإسلام!، وللأسف الشديد فقد استند هؤلاء المغرضون على بعض المقولات الفاسدة من رجالات القرون الوسطى التي قسمت سيرة الرسول إلى دار السلم ودار الحرب! حيث أصبح هذا الاعتقاد عند من تبنوه محط فخر واعتزاز متناسين ما يحمله بين طياته من إساءة للرسول الأكرم محمد المصطفى وتعاليمه السمحاء، إذ أوعزوا إليه صفة الانتهازية والغدر وتصيد الفرص بشكل غير مباشر، وهي صفات تتنافى أشد المنافاة وخلق النبوة بكل ما تحمله من معاني الصدق والحق والفضيلة والقيم العليا..

وإذا ما تم قبول هذا التقسيم فإن له إسقاطات خطيرة على جوهر الإسلام وتعاليمه إذ سيتم وصمه بطابع القوة الجبرية كما يسمه به المستشرقون المتعصبون وبعض القساوسة الحاقدون في كتاباتهم والتي جزءوا فيها السيرة إلى فترتين، الفترة المكية حيث كان الاضطهاد، وثانيهما: الفترة المدنية حيث الغزو والإكراه.. وهو في الحقيقة تقسيم متعمد وضع بمكر ودهاء شديد…

لقد تناسى كل هؤلاء أن الحرب لم تكن أداة ومنهج المصطفى وصحبه ولم تستهويها نفوسهم يوما وقد أشار القرآن إلى هذا بجلاء في قوله تعالى:

  كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ (البقرة :217).

ولعل أول مشروعية للقتال الدفاعي لم تكن من بنات أفكار الرسول وأمره وإنما كانت بأمر الله – حيث قال تعالى:

  أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ الله عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (الحج: 40)

– وبينت الآية وقوع الظلم على جماعة المؤمنين وفعل المقاتلة الذي وقع عليهم من الأعداء، حيث لم يعد هناك من سبيل لوقف ظلم الظالمين تجاه جماعة المصطفى بعد هجرتهم وصبرهم وتحملهم الأذى غير حق الدفاع لرفع الظلم والطغيان..

وقد آلت مجلة التقوى على نفسها أن تجلِّي حقيقة السيرة العطرة  للقارئ عبر نشر سلسلة من حلقات فريدة ومتميزة من كتاب “حياة محمد “- لحضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد رضي الله عنه، الخليفة الثاني لسيدنا الإمام المهدي عليه السلام، – وهو سرد تفصيلي عميق لسيرة وسنة المصطفى ، حيث يجد القارئ بين طياته الجوانب الإنسانية والروحية العظيمة للرسول الأكرم وصحبه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين بحيث لا نجد نظير هذا السرد وجماليته ومواقف أحداثه إلا متوافقا مع تعليم القرآن مما يؤكد علاقة السنة بالكتاب حيث إنها بيانية وتفصيلية إذ يستحيل أن يتعارض قول الله الذي هو القرآن مع فعل الرسول الذي هو سنته وسيرته، لذلك لم يحزن سيدنا أحمد عليه السلام الذي بعثه الله لإحياء تعاليم الإسلام الأصيلة على أمر أكثر من حزنه على المطاعن التي قلبت الحقائق رأسا على عقب ودونت سيرة وسنة الرسول الأعظم على هذا النحو، ومن أجل ذلك وجه عليه السلام جل اهتمامه للدفاع عن السيرة المطهرة وتنـزيهها من تلك الفرية الظالمة وسطّر أدلة قاطعة في كتاباته وخطبه، وأكد حقيقة أن الإسلام لم يكن يوما ما مدينا لسيوف أنصاره وأسنة رماحهم في نشر مبادئه وتعاليمه. وذهب عليه السلام في تنـزيه السيرة وتطهيرها من الشوائب المتراكمة عليها حتى أبطل تلك الإسقاطات الباطلة التي بدت آثارها بادية على سلوك بعض دعاة المسلمين في تقسيمهم الجائر للدنيا إلى دار الحرب ودار السلم، وأكد مرارا وتكرارا أن الدنيا كلها في نظر المسلم هي “دار السلم” ما دام المسلمون ينعمون بحرية العقيدة والتعبد لله وأن دار الحرب تكون فحسب حين يحرم المسلمون في بلد ما من حريتهم الدينية أو تشن حرب عليهم مكرهين من أعدائهم بغية استئصالهم.. وينتهي هذا كله بزوال دواعيه.. وأكد عليه السلام حقيقة الجهاد المحمدي العظيم وسفره الخالد الذي أحدث ثورة في نجد والحجاز وكل الجزيرة العربية وهو جهاده بالقرآن الذي يتضاءل معه أي جهاد آخر باعتباره الجهاد العظيم الذي عمل به المصطفى طول حياته منذ أن اجتباه الله تعالى بالنبوة إلى يوم رحيله.. فأحدث به ثورة عظيمة طهرت القلوب والعقول من العقائد الباطلة ونفخت فيها روح الإيمان بالله الواحد الأحد..كما أرجع سيدنا أحمد عليه السلام التأثير الكبير الذي غير مجرى أحداث الجزيرة العربية من ظلمات الكفر والشرك والضلالة إلى نور الهدى والحياة إلى دعوات المصطفى في الليالي الحالكات والدموع الغوالي التي كانت تنهمر من عينيه الشريفتين شفقة على خلق الله تعالى. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وآله..بعدد همّه وغمّه وحزنه لهذه الأمة، وأنزل عليه أنوار رحمتك إلى الأبد.

Share via
تابعونا على الفايس بوك