- اجتمعت في زمان المسيح الموعود الفتنتين
- لا تكونوا كاليهود الذين لم يأمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم
- سلمان منا أهل البيت
- حقيقة الآخرين كما بينها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
__
وجمع الله في وجودي الاسمَين كما اجتمعت في زماني نار الفتنتَين، وهذا هو الحق وبالذي خلَق الكونَين. فجئتُ لأشيع أنوار بركاته، واختارني ربي لميقاته. وما كنتُ أن أردّ فضل الله الكريم، وما كان لي أن أخالف مرضاة الرب الرحيم. وما أنا إلا كالميت في يدَي الغسّال، وأُقلَّبُ كلَّ طرفة بتقليب الفعّال، وجئتُ عند كثرة بدعات المسلمين ومفاسد المسيحيين. وإن كنتَ في شك فانظر بإمعان النظر كالمحقق الأريب، في فتنِ بدعاتِ قومنا وجهلاتِ عبَدة الصليب. أما ترى فتنًا متوالية؟ أسمعتَ نظيرها في قرون خالية؟ فما لك لا تفكّر كالعاقلين، ولا تنظر كالمنصفين؟ وإن الله يبعث على كل رأس مائة مجدّدَ الدّين، وكذلك جرت سُنة الله المعين. أتظن أنه ما أرسل عند هذا الطوفان رجلا من ذوي العرفان، ولا تخاف الله آخِذَ المجرمين؟
قد انقضت على رأس المائة إحدى عشر سنة فما نظرتَ، وانكسفت الشمس والقمر فما فكرتَ، وظهرت الآيات فما تذكّرت، وتبينت الأمارات فما وقّرت، أأنت تنام أو كنتَ من المعرضين؟ أتقول لِمَ ما فعل الفعّال كما كنتُ أخال؟ وكذلك زعم الذين خلوا من قبلك من اليهود، وما آمنوا بخير الرسل وحبيب رب(1) المعبود، وقالوا: يخرج منا خاتم الأنبياء الموعود، وكذلك كان وعد ربنا بداود، وقالوا: إن عيسى لا يأتي إلا بعد نزول إيليا من السماء. فكفروا بمحمد خير الرسل وعيسى الذي كان من الأنبياء، وختم الله على قلوبهم فما فهموا الحقيقة، وما كانوا متدبّرين. وقست قلوبهم ونحتوا الدقارير، حتى صاروا قردة وخنازير، وكذلك يكون مآل تكذيب الصادقين. وإنهم كانوا علماء أحزابهم وأئمة كلابهم، وكانوا فقهاء ومحدثين وفضلاء ومفسّرين، وكان أكثرهم من الراهبين. فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم، وما نفعهم علمُهم ولا نُخْرُوبُهم، وكانوا قوما فاسقين.
فلا تُفرِطوا بجنب الله وليكن فيكم رفق وحلم، ولا تقْفُوا ما ليس لكم به علم، ولا تغلُوا ولا تعتدوا، ولا تعثوا في الأرض ولا تفسدوا، واخشوا الله إن كنتم متقين. قد سمعتم سُنّة تسمية البعض بأسماء البعض، فلا تتركوا السُنن الثابتة من الله القدير، لأوهام ليس لها عندكم من برهان ونظير، وإن كنتم تُصرّون عليها ولا تُعرضون عنها فأنبئونا بنظائر على تلك السُنة إن كنتم صادقين. ولن تقدروا أن تأتوا بنظير، فلا تبرزوا لحرب الرب القدير، ولا تردّوا النعمة بعد نزولها، ولا تدُعّوا الفضل بعد حلولها، ولا تكونوا أوّل المعرضين.
وإن كنتم في شك من أمري، ولا تنظرون نور قمري، وتزعمون أن المهدي الموعود والإمام المسعود يخرج من بني فاطمة لإطفاء فتن حاطمة، ولا يكون من قوم آخرين، فاعلموا أن هذا وهم لا أصل له، وسهم لا نصل له، وقد اختلف القوم فيه، كما لا يخفى على عارفيه، وعلى كمل المحدثين. وجاء في بعض الروايات أن المهدي صاحب الآيات مِن “وُلْدِ العبّاس”، وجاء في البعض “أنّه منّا” أي مِن خير الناس، وفي البعض أنه من “وُلْد الحسن أو الحسين”، فالاختلاف لا يخفى على ذوي العينين. وقد قال رسول الله إن سلمان منا أهل البيت، مع أنه ما كان من أهل البيت، بل كان من الفارسيّين.
ثم اعلم أن أمر النسب والأقوام أمر لا يعلم حقيقته إلا علمُ العلام، والرؤيا التي كتبتُها في ذكر الزهراء تدل على كمال تعلُّقي، واللهُ أعلم بحقيقة الأشياء. وفي كتاب “التيسير” عن أبي هريرة: مَن أسلم من أهل فارس فهو قرشي. وأنا من الفارس كما أنبأني ربي، فتفكر في هذا ولا تعجل كالمتعصبين.
ثم الأصول المحكم والأصل الأعظم أن يُنظَر إلى العلامات ويُقدَّمَ البينات على الظنيات، فإن كنت ترجع إلى هذه الأصول فعليك أن تتدبّر بالنهج المعقول ليهديك الله إلى حق مبين، وهو أن النصوص القرآنية والحديثية قد اتفقت على أن الله ذا القدرة قسّم زمان هذه الأمة بحكمة منه ورحمة على ثلاثة أزمنة، وسلّمه العلماء كلهم من غير مِرْية. فالزمان الأوّل هو زمانٌ أوّلُ من القرون الثلاثة مِن بُدُوِّ زمان خير البرية، والزمان الثاني زمانُ حدوث البدعات إلى وقت كثرة شيوع المحدثات، والزمان الثالث هو الذي شابهَ زمانَ خير البرية، ورجَع إلى منهاج النبوة، وتطهَّرَ مِن بدعات رديّة وروايات فاسدة، وضاهَى زمانَ خاتم النبيين، وسماه “آخرَ الزمان” نبيُّ الثقلين، لأنه آخِر من الزمانَين. وحمِد الله تعالى العباد “الآخِرين” كما حمِد “الأوّلين”، وقال: ثُلَّةٌ مِنَ الأَوّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ (2)، ولكلّ ثلّةٍ إمام، وليس فيه كلام. فهذه إشارة إلى خاتم الأئمة، وهو المهدي الموعود اللاحق بالصحابة، كما قال : وَءَاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ (3)، وسئل رسول الله عن حقيقة “الآخرين” فوضع يده على كتف سلمان كالموالين المحبين، وقال: “لو كان الإيمان مُعلَّقًا بالثريّا” (أي ذاهبًا من الدنيا) “لناله رجل من فارس”. وهذه إشارة لطيفة من خير البريّة إلى آخر الأئمّة، وإشارة إلى أن الإمام الذي يخرج في آخر الزمان ويردّ إلى الأرض أنوار الإيمان يكون مِن أبناء فارس بحكم الله الرحمن. فتفكّر وتدبّر، وهذا حديث لا يبلغ مقامَه حديث آخر، وقد ذكره البخاري في الصحيح بكمال التصريح. وإذا ثبت أن الإمام الآتي في آخر الزمان هو الفارسي لا غيره من نوع الإنسان، فما بقى لرجل آخر موضع قدم، وهذا من الله مليكِ وجودٍ وعدم، فلا تحاربوا الله ولا تجادلوا كالمعتدين، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.
(2) الواقعة:40-41
(3) الجمعة:4