الساعة و علامتها

الساعة و علامتها

هاني طاهر

  • الأدلة في القرآن الكريم والأحاديث لا تعني القيامة
  • معنى الساعة كما بينها حضرة الخليفة الرابع ميرزا طاهر أحمد رحمه الله

__

يكثر الناس في قريتي من عبارة: “جاءته ساعتُه”. ويقصدون بذلك ساعةَ جنونه، أو ساعة غضبه، أو ساعةً خاصة مقصودة يعرفها السامع.

فالساعة تعني الوقت  مطلقًا وصار الناس يطلقونها على ما يساوي جزءا من أربعة وعشرين جزءا من اليوم، لكنها في أصلها تعني الوقت، وتطلق على وقت معروف لدى السامع، مثل القيامة الكبرى، أو أي أمر متـفق علـيه اصطلاحا أو سياقا.

فإذا قلنا لعدوّ مهدِّدين: قربت ساعـتكم، أو قربت السـاعة، فهذا يعني أن ساعة هزيمتهم التي نتوعدهم بها قد أوشكـت. ولا يمكن أن يكون المقصود أن القيامة الكبرى قربت، أو أن ساعة نـزهتهم قد أزفت.

وإذا كنا نتحدث عن مرحلة يمر فيها الإسلام بصعوبات كبيرة، ثم تحدثنا بعدها عن الساعة، فإننا نقصد ساعة نهوضه بعد هذا الهوان؛ لأن السياق يحتّم ذلك.

وإذا كنا نتحدث عن أركان الإيمان، وأهمية العمل الصالح وكنا نحثّ الناس على الإيمان، ثم تحدثنا عن الساعة، فإننا نقصد بها ساعة قيامتهم الكبرى التي فيها يحاسبون أمام الله تعالى.

كلمة الساعة في القرآن الكريم والحديث

يظن البعض أن كلمة الساعة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة لا تعني سوى يوم القيامة الكبرى، وهذا خطأ كبير قد شاع بين المسلمين، ولا دليل عليه قط، بل هناك أدلة عديدة تنقضه؛ فقد ذُكرت الساعة مرات عديدة في القرآن الكريم والحديث النبوي بغير معنى القيامـة، وهذه بعض الأمثلة:

1: المثال الأول هو قوله تعالى إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى . أتعرفون لمن قال الله ذلك؟ لقد قاله لموسى . ما معنى: أكاد أخفيها؟ واضح أن الحديث عن حدث قريب جدا موشك على الوقوع، وهو هلاك فرعون وانتصار موسى.

2: المثال الثاني هو قول الرسول : بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وقرَنَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. (البخاري ومسلم)..

لقد مرّ على وفاة الرسول 1420 سنة، ومع ذلك لم تقم القيامة، بينما يقول إن بعثته ملتصقة بالساعة، كما تلتصق السبابة بالوسطى، وهما إصبعان متجاورتان. فما معنى أن يقرن الرسول بين هذين الأصبعين؟ معناه أنه ليس هناك أي فاصل زمني بين حياة الرسول وبين الساعة، أي أن الساعة ستتحقق خلال حياته . إذن، الساعة هنا هي ساعة انتصار المسلمين وهزيمة الكفار، هي ساعة اندحار الوثنية وانتصار التوحيد. أي أن النصر على وثنيي مكة سيحصل في حياة النبي وليس بعده، كما حصل مع بعض الأنبياء السابقين، فموسى لم يدخل الأرض المقدسة، بل دخلها أتباعه من بعده.

تخيلوا أن الساعة تعني القيامة الكبرى هنا، فما قيمة هذا الحديث؟

3: المثال الثالث قوله تعالى

وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ .

الكفار سيظلون في شك حتى تقع الساعة. أي أن شكهم مستمر حتى وقوعها، أو وقوع عذاب عقيم. فلو ماتوا قبل ذلك لانتهى شكُّهم، لذا لا بد أن يعيشوا حتى تأتيهم الساعة أو يأتي هذا العذاب. فما هي الساعة هنا؟ إنها ساعة هزيمة الكفار وانتصار المسلمين. أي أنه سيظل الكفار في شك من صدق الإسلام حتى تأتيهم الهزيمة على يد المسلمين فجأة أو يقع عليهم عذاب الله.

ولا يمكن أن يكون المقـصود بالسـاعة القيامة الكبرى، لأنه لا يصح القول أن الكفار سيظلون في شك حتى تأتي القيامة. ثم كيف يتم التخيير بين القيامة الكبرى وبين العذاب العقيم؟ فالقيامة تتضمن هذا العذاب، ولا يخيَّر بينها وبينه.

4: المثال الرابع: قوله تعالى فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا . أشراطها علاماتها، فيتّضح من الآية أن علامات الساعة قد جاءت، وأنها ستأتيهم بغتة، أي ستأتي كفارَ مكة فجأة. أما إن كان يُقصد بها القيامة الكبرى، فهذا يُضعف الآية جدًّا، فما هي علامات القيامة الكبرى التي تحققت زمن الرسول ؟ إنه لا شيء، اللهم إلا اعتبروا بعثته هي العلامة التي ظهرت! وهذا نقضناه آنفًا.

5: المثال الخامس: قوله تعالى سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ، فالآية تهدد كفار مكة أنهم سيهزمون شرّ هزيمة ويولون الدبر، فيا أهل مكة، إن ساعة الدمار التي ستأتي عليكم هي أشد دمارًا من ساعة قوم فرعون، فإذا كان فرعون قد غرق لكن ملكه ظلّ من بعده، أما أنتم فستفقدون كل شيء، وسيفتح الرسول مكة وينتهي حكم الوثنية إلى الأبد. علما أن هذه الآية وردت في هذا السياق: وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ* أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ

أكتفي بهذه الأمثلة، وإلا فهي أكثر من ذلك.

ماذا نستفيد من هذا التأصيل؟

أهو الترف الفكري؟ كلا، بل هذا يعني أن نبوءات الرسول المتعقلة بالساعة، والتي سماها العلماء علامات الساعة لا تختصّ بيوم القيامة الكبرى، بل هي نبوءات عن مراحل مختلفة، وأهمها مرحلة ظهور المسيح الموعود .

لذلك عندما تحدث العلماء عن علامات صغرى وعلامات كبرى، فيمكن أن يُحمل كلامهم على أنها علامات متعلقة بمراحل صغرى في تاريخ الإسلام، وعلامات متعلقة بمرحلة عظيمة وهامة هي بعثة الإمام المهدي. أما أن يكون ذلك كله متعلقا بالقيـامة الكبرى فخـطأ محض، لأن القيامـة الكبرى لا تـأتي إلا بغتة، ولأن الآيات السـابقة وغيـرها والأحـاديث النبوية تصبـح أيضـا بلا معنى.

يقول البعض أن جزء عمّ يتحدث كثيرا عن القيامة الكبرى، وقد أخطأوا في ذلك، بل هو يتحدث عن نبوءات مستقبلية، بعضها متعلق بزمن الرسول وانتصاره، علما أنها نزلت في بداية البعثة النبوية تتنبأ عن انتصاره ، وبعضها متعلق ببعثة المسيح الموعود وانتصاره.

وقد أشار الخليفة الرابع حضرة مرزا طاهر أحمد – رحمه الله – في برنامجه العظيم “لقاء مع العرب” إلى أن من أهم معاني الساعة.. ساعة سيدنا محمد المصطفى أي ساعة انتصاره الساحق  ليُظهِرهُ علَى الدِيـنِ كُلِّهِ ، فتشهد الدنيا قاطبة على صدقه بالحجة والبرهان ويظهر دينه على كل الأديان. وكيف يتصور أي مسلم أن تقوم القيـامة وتفنى الدنيا قبل أن يتحقق هذا الوعد!!

وسيتم هذا النصر على يد خادمه ومحبه الصادق حضرة ميرزا غلام أحمد المسيح الموعود والإمام المهدي ، ومن بعده جماعته التي على رأسها خلفاؤه الكرام.

وهذا ما تقوم به الجماعة منذ فجر تأسيسـها؛ إذ ليس لها غرض سوى إزالة ركـام الشبـهات التي عصـفت بالإسلام بأيدي بعـض أبنـائه، والتي اســتغـلـها وزاد عـليها خصـومه الحاقدون.

Share via
تابعونا على الفايس بوك