من أجل أن نتعلم التسامح..

من أجل أن نتعلم التسامح..

عيسى الحاج رحمون

تعالوا نتعلم من سكان القبور

لقد فتشت عن عنوان لما أود أن أكتبه فلم أجد أفضل من -من أجل أن نتعلم التسامح تعالوا نتعلم من سكان القبور- أثناء زيارتي لإحدى الجزر المنسية في المحيط الهادي لفت نظري تعايش الأديان والمذاهب والثقافات والأعراق مع بعضها البعض دون أية حساسيات، على الأقل هذا ما يتراءى للزائر للوهلة الأولى بحيث أنك تجد المسجد بجانب الكنيسة والمعبد الهندوسي، لا تناحر ولا تنافر ولا قتل ولا فتاوي تكفير.

ولكن عجبي زاد أكثر حينما ذهبت لأداء صلاة الجنازة في إحدى القرى، فقد شاهدت هناك قبر المسلم بجانب قبر المسيحي بجانب قبر الهندوسي، فكما اتسعت لهم جزيرتهم للعيش معًا بمحبة وإخاء، كذلك جمعتهم مقبرة واحدة بعد وفاتهم في ظل السكينة والهدوء وبعض الأزهار المتناثرة على هذا القبر أو ذاك. لقد سعدت جدًا بما رأيت، وعادةً الإنسان لا يكون سعيدًا في مثل هذه المناسبات والأوقات.

الدنيا لا زالت بخير ولو كان هذا الخير في أطراف العالم.

وعُدتُ بذاكرتي إلى أزمنة بعيدة، بعد أن تبادر لذهني سؤال: لماذا تُراق الدماء في بلادٍ كثيرة لمحاولة دفن إنسان في مقبرة أناسٍ من مذهب آخر؟ … أو من ملة أخرى؟

لقد وَأَدَ العرب بناتهم في الجاهلية الأولى خوفًا من الفضيحة أو محافظةً على الشرف والكرامة، وجاء الإسلام بسماحته ورحابته فهذَّب أخلاقًا شرسة وزرع المحبة والحنان في قلوبٍ لم تعرف الرحمة إليها سبيلاً من قبل. وكان رسول الإسلام محمد هو المثال والقدوة بمحبته لأهل بيته وخاصة لفاطمة الزهراء رضوان الله عليها.

وكان للإسلام عزة وغلبة ولكلمة التوحيد لا إله إلا الله مكان الصدارة في العالم المعروف آنذاك. ومشى الخلفاء الراشدون -رضوان الله عليهم- على منهاج النبوة عقيدةً وأسلوب حياة، وركدت معالم الروم والفرس واندثرت إمبراطوريتهما، واتسعت رقعة الدولة الإسلامية الفتية، وفُتحت الجزائر البعيدة، ولكن هذه المرة بأخلاق ومعاملة التاجر المسلم وليس بسيف الفاتحين بحيث أُذِّنَ «حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح» في أطراف الصين والهند وإندونيسيا والفيليبين وأدغال القارة السمراء.

ودار الزمن دورته.. وتسلّط على الدين من نصَّب نفسه وصيًّا على شريعة ربّ العالمين.

وتم وَأدُ الكثير من القيم والمبادئ الإسلامية النبيلة في ظل المغالاة والتعصُّب والتشبُّث بالرأي حتى لو كان خاطئًا. وصدرت فتاوى الرِدَّة والزندقة على الغير وأُريقت دماءٌ إسلامية كثيرة لمجرد المخالفة في الرأي حتى لو كان هذا الخلاف على أمورٍ معرفتُها لا تقدّم للإسلام الكثير وجهلها لا يغيّر بالإسلام الكثير.

وقُتل عمار بن ياسر الصحابي الجليل بسيف من يدّعون الغيرة على الإسلام وهو من المبشَّرين بالجنة. حتى عبدُ الرحمن بن ملجم حينما قتل الإمام عليًّا بن أبي طالب كرَّم الله وجهه قال: إنه يتقرّب إلى الله تعالى بقتله للخليفة الرابع، وحتى مَن قتل الحسين بن علي رضوان الله عليه كان يدَّعي الغيرة على الإسلام.

لقد انهارت الخلافة الراشدة ومن بعدها انهارت دولة الإسلام بتعصّب واجتهاد ومغالاة هؤلاء المتأسلمون حتى وصلنا إلى زمنٍ تحققت فيه نبوءة رسول الإسلام العظيم محمد بن عبد الله عليه وعلى آل بيته الصلاة والسلام حين قال في الحديث: «يأتي على الناس زمانٌ لا يبقى فيه من الإسلام إلا اسمه ولا يبقى من القرآن إلا رسمه، مساجدهم عامرة وهي خرابٌ من الهدى، علماؤهم شرُّ من تحتَ أديم السماء….»

صدقتَ يا حبيبي يا رسول الله، وها هي الفتن في كل مكان، لقد وُئِدَ الإسلام هذه المرة بأيدي من يدّعون الغيرة عليه بحيث قام هؤلاء بما عَجِزَ عنه أبو جهل وأبو لهب.

والآن في زمننا الحديث بدأ هؤلاء المتأسلمون بإصدار صكوك قبول الإسلام وصكوك الغفران وصكوك الرِدَّة والزندقة حسب أهوائهم بعيدين كل البعد عن كتاب الله وسنّة نبيّه الكريم عليه الصلاة وأتمُّ التسليم. لقد عُميَ على قلوب هؤلاء القوم قبل أبصارهم أن يتدبروا ما هو واردٌ في القرآن الكريم من أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى النحل وأوحى إلى النمل وأوحى إلى أُمِّ موسى وأوحى إلى مريم بنت عمران عليها السلام. وفي هذه النصوص القرآنية عبرٌ ودروس لنا.

أقول إنه حينما انهارت دولة الإسلام وعمَّ الفساد في البرِّ والبحر أرسل الله سبحانه تعالى طبقًا لوعده مسيحه الموعود حضرة مرزا غلام أحمد القادياني عليه الصلاة والسلام مجدِّدًا وخادمًا لشريعة وسنّة نبيّه وسيده محمد المصطفى عليه الصلاة وأتمُّ التسليم لينتشل القوم من ضياعهم وليعيد للإسلام عزّته، حينذاك ثارت ثائرة القوم واتّهموه بالرِدَّة والزندقة والكفر وسبّبوا له الكثير من الإيذاء.

إنه لم يَدْعُهم إلى باطل. لم يكن كتابه إلا كتاب الله قرآنًا عربيًا غير ذي عوج وسنته سنة سيده المصطفى . لقد دعاهم إلى إسلامٍ خالٍ من الأدران التي علِقت به نتيجة عصور الجهل والانحطاط، ودعاهم إلى فهمٍ موضوعي للنصوص القرآنية والسنة النبويّة الشريفة. دعاهم إلى إسلام محمد وصحبه الأخيار الأطهار. فما زادهم إلا خبالاً ونفورًا.

إنه دعاهم إلى رفع راية الإسلام عاليًا وإشاعة كلمة التوحيد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله في جميع أرجاء المعمورة، وكذلك دأبُ جماعته التي أسسها بناء على أمر ووعد من الله سبحانه وتعالى، فكانت كلمة التوحيد هذه سببا كافيًا من وجهة نظر أعداء الدين لإراقة دماء الكثير من المسلمين الأحمديين واغتصاب ممتلكاتهم وتشريدهم من ديارهم وهدم مساجدهم.. ترى هل إعلاء كلمة التوحيد ورفعة وعزة الإسلام تسبب الكثير من الانزعاج لصابئة قريش العهد الحديث؟

ترى هل استطاعت فتاوى المأجورين من وَأْدِ الجماعة الإسلامية الأحمدية المباركة؟.. كلا ثم كلا.

إن الجماعة الإسلامية الأحمدية تنتشر في جميع أرجاء المعمورة داعية إلى الله. سلاحها الصبر والدعاء والتفاني في خدمة الشرع القويم، وهي الجماعة الإسلامية الوحيدة في هذا العالم التي تدير قناة تلفزيونية فضائية تبث برامج دينية فقط إلى جميع أرجاء هذا الكون الذي نعيش عليه.

إن هذه الجماعة الإسلامية الأحمدية بفضل من الله وعونه أعادت إلى الأمة الإسلامية نظام الخلافة الراشدة من جديد وها نحن نعيش الآن في عهد حضرة الخليفة الرابع حضرة مرزا طاهر أحمد مدَّ الله في عمره وأيده بنصره إنه على كل شيء قدير.

إن الجماعة الإسلامية الأحمدية تنبذ الحقد والحسد والعنف منهاجًا للحياة والدعوة في سبيل الله، نافضة عن الإسلام ما لحق أو علق به من شوائب، ناظرة إلى أفق بعيد تتسامى فيه المثل الراقية والمبادئ الإسلامية الخالدة، بقلب مفتوح متنور وذهنٍ وقّاد وعزيمة نفاذة بإذن الله، لتقول للجميع وعلى اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم وأعراقهم وأجناسهم: تعالوا معنا لنشيد صرح الإسلام العظيم. نشيده بالحب والألفة والإيثار والإخلاص والتسامح والقدوة الحسنة الكلمة الطيبة، في ظلال دين سمح قويم ورب عليم كريم وفهم صحيح لكتاب الله ولسنة نبيه المجتبى محمد .

يا أخوتي في كل مكان:

إن الجماعة الإسلامية الأحمدية لم تأتِ بشيء جديد. كتابها كتاب الله وسنتها سنة نبيه. تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة وتصوم رمضان وتحج إلى بيت الله ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

نهارها جد وعمل في سبيل الله، وليلها قيام وخشية وتفكر في ملكوت الله.

ولنا في رسول الله أسوة حسنة حيث خاطبه الله عز وعلا قائلاً:

ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ .

يا أخوتي أتراه لو نطق مسيحي أو هندوسي بكلمة الشهادة أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله. أفلا تفرحون؟ إنها شعارنا ولو نطقناها لكانت جريمة لنا من وجهة نظركم. ولسوف تلهج بها ألسنتنا ما دام فينا عرق ينبض. إذا لم يرضيكم أن يوحدنا كتاب الله وسنة نبيه فلنتعلم التعايش السلمي من سكان المقابر، بل يمكننا أن نتعايش بمحبة أيضًا بالرغم من اختلاف وجهات نظرنا.

إخوتي في الإنسانية يمكننا التعايش بمحبة وألفة في ظل قوة القانون وليس قانون القوة. فالدين لله والأرض للجميع.

إنها دعوة للإخاء والمحبة. إنها دعوة للإنسانية، أو على الأقل دعوة للتعايش السلمي. فهل من مجيب؟!

Share via
تابعونا على الفايس بوك